مجموعة «علي بابا» تسعى لتحسين صورة الصين بعد شراء صحيفة «هونغ كونغ»

«ساوث تشاينا مورنينغ بوست» ستعيد تشكيل التغطية الصحافية للبلاد

مجموعة «علي بابا» تسعى لتحسين صورة الصين بعد شراء صحيفة «هونغ كونغ»
TT

مجموعة «علي بابا» تسعى لتحسين صورة الصين بعد شراء صحيفة «هونغ كونغ»

مجموعة «علي بابا» تسعى لتحسين صورة الصين بعد شراء صحيفة «هونغ كونغ»

يقول السيد تشيباو في مؤتمر عقد في يناير (كانون الثاني): لدينا كثير من العلامات التجارية البارزة، والأفراد الموالين لنا، ومعهم كثير من قصص النجاح التي يحب الناس الاستماع إليها. وعلي بابا وغيرها من قصص النجاح الكبيرة، ينبغي النظر إليها بوصفها: بطاقات الدعاية الناصعة التي تصور الصين المعاصرة».
تتجه مجموعة علي بابا، وحفنة من رقباء الدعاية بالحزب الحاكم، إلى الانتقال بتلك الخطوة لمسافة أبعد، إلى ما بعد استخدام قصة إحدى أكثر الشركات الصينية تحقيقا للأرباح من أجل تحسين السمعة الصينية في الخارج، وبدلا من ذلك عن طريق استخدام الأموال والمهارات الرقمية في الدعاية. أعلنت الشركة يوم الجمعة الماضي أنها سوف تحاول إعادة تشكيل التغطية الإخبارية العالمية بشكل مباشر حول الصين، وهي الصورة السلبية للغاية كما تقول الشركة، وذلك عن طريق شراء الأصول الإعلامية لدى مجموعة (إس سي إم بي)، بما في ذلك صحيفة «ساوث تشاينا مورنينغ بوست»، ذات القطع الكبير والناطقة باللغة الإنجليزية في هونغ كونغ.
وفي بكين، اغتبط أولئك القلقون على سمعة الصين بتولي مجموعة علي بابا السيطرة على الصحيفة البارزة التي تواجه أياما عصيبة، والتعهد باستخدامها في تعزيز صورة الصين في الخارج.
يقول وانغ وين، وهو باحث لدى جامعة رينمين في بكين والمحرر السابق لدى صحيفة «غلوبال تايمز»، وهي من الصحف الشعبية الصينية التي غالبا ما تنتقد وسائل الإعلام الغربية: «هذا أمر جيد. إنها محاولة من قبل القوة الاجتماعية للدولة لتغيير صورة البلاد خارجيا»، مشيرا إلى المؤسسات الخاصة وغيرها التي تقع خارج السيطرة المباشرة للحكومة.
ووافقت مجموعة علي بابا على دفع مبلغ 266 مليون دولار لإتمام الصفقة، وهو مبلغ ضئيل بالنسبة للمجموعة العملاقة التي تبلغ عائداتها السنوية 12 مليار دولار. ولكن ردود الفعل السياسية قد تتجاوز ما هو أبعد من مجرد مقدار سعر البيع. والسؤال يدور حول مقدار الضغوط التي سوف تمارسها الحكومة الصينية على مجموعة علي بابا لمواصلة مساعي الحزب الحاكم طويلة الأجل وراء التغطيات الأكثر تعاطفا مع الصين في الخارج، وكيف ستواجه مجموعة علي بابا تلك الضغوط، وما الذي ستحصل عليه المجموعة في المقابل.
إن تأمين عدد كبير للغاية من القراء على الإنترنت بالنسبة لصحيفة «ساوث تشاينا مورنينغ بوست» سوف يستلزم جذب مزيد من القراء من خلال كثير من التغطيات الصحافية، وحماية مصداقية الصحيفة بأن تكون أكثر من مجرد وسيلة لتعزيز العلاقات العامة المباركة من قبل الحكومة، كما يقول كثير من المطلعين على صناعة الأخبار في الصين. ولكن رقباء الحزب الحاكم تحت قيادة الرئيس شي جين بينغ لم يكونوا على ذلك القدر من التسامح حيال التقارير التي توجه الانتقادات بشكل متزايد إلى الحكومة في وسائل الإعلام المحلية.
يقول مارك سايمون، المدير التنفيذي لدى مجموعة نيكست ميديا في هونغ كونغ، التي تصدر صحيفة «آبل ديلي» الصينية واسعة الانتشار، والتي تلقى ازدراء متزايدا من قبل مسؤولي الحزب الحاكم: «إذا كانوا ينظرون إليها من مواقع أنها لسان حالهم، فلن تصبح الصحيفة التي سوف يرغب الناس في قراءتها مجددا». تقول مجموعة علي بابا إنها ترغب من خلال الاستحواذ الأخير لديها في تقديم تقارير صحافية منصفة ودقيقة تعمل على تحسين التفهم العالمي للصين. وإن ذلك، كما تقول المجموعة، من شأنه أن يجلب قيمة وزخما للمستثمرين في المجموعة، بسبب أن التقارير السلبية حول الصين في وسائل الإعلام الغربية تضر بأسهم المجموعة كثيرا، والمدرجة على بورصة نيويورك الأميركية.
ولكن الأعمال العملاقة مثل مجموعة علي بابا التي تلقي بقوتها المالية لدعم الرسالة الحكومية يمكنها كذلك اكتساب بعض النقاط مع صناع السياسة، كما يقول تشين بينغ، وهو مستثمر إعلامي من مواليد البر الصيني الرئيسي وأحد رجال الأعمال في هونغ كونغ، الذي أضاف «تلك الطريقة تؤدي إلى تحسين موقفه في عيون الحزب الشيوعي الحاكم» مشيرا إلى جاك ما، الرجل الداهية الذي أسس مجموعة علي بابا ورئيس مجلس إدارتها الحالي.
كانت الحكومة الصينية قلقة ولفترة طويلة من صورتها في الغرب. وفي الأعوام الأخيرة، حاولت الحكومة الصينية التأثير على التغطيات الصحافية من خلال منع المواقع الإلكترونية وتقييد إصدار التأشيرات للصحافيين من وكالات الأنباء التي تعتبرها ذات رؤية سلبية للصين، وكذلك عن طريق الإنفاق الكبير على التوسع الدولي للمؤسسات الصحافية المملوكة للدولة مثل تلفزيون الصين المركزي وصحيفة «تشاينا ديلي».
تقول ماريكي أولبرغ، وهي باحثة حول السياسات الدعائية الصينية في هايدلبرغ بألمانيا إن آخر التكتيكات المستخدمة من جانب الحكومة الصينية كانت حشد دعم ومساندة المؤسسات الصينية. وبالمثل، فإن الشركات الصينية التي تستثمر بقوة في الخارج تسعى لتوفير تغطية صحافية جيدة للصين في الوقت الذي تعمل فيه على التغلب على العقبات التنظيمية التي يعتبرونها متأصلة في التحيز في التقارير الصحافية حول الصين والشكوك حول صعود نفوذها الاقتصادي عالميا. يأتي استحواذ مجموعة علي بابا في الوقت الذي راهنت الحكومة الصينية على مواقف أكثر طموحا لها في الخارج، من استضافة اجتماع قمة العشرين لأكبر اقتصادات العالم في العام المقبل، إلى تأسيس بنك دولي جديد للتنمية، إلى توسيع قوتها العسكرية، وكل الموضوعات والمجالات التي تتوق الحكومة الصينية لإثبات توجهاتها الإيجابية عالميا.
وقال مؤيدو الحكومة الصينية إن السيد جاك ما يمكنه جذب القراء الأجانب عن طريق تقديم خدمات موازنة لوسائل الإعلام الأجنبية. وتخطط مجموعة علي بابا إلى إيقاف خدمة الإنترنت المدفوعة مقدما مما يسمح للقراء بمتابعة التقارير الصحافية مجانا.
وعلى خلاف كثير من وسائل الإعلام الغربية، سوف تقدم الصحيفة الأخبار من داخل الصين تلك التي لم تكتب من وجهة النظر الآيديولوجية لما ينبغي أن تكون عليه الصين، كما يقول جورج يو، المدير التنفيذي لدى روبرت كووك الملياردير الماليزي الذي باع الصحيفة المذكورة إلى مجموعة علي بابا.
لا تزال صحيفة «ساوث تشاينا مورنينغ بوست» تحمل طابع هونغ كونغ، حيث ظلت ولفترة طويلة الصحيفة الأولى المحلية الصادرة باللغة الإنجليزية. وهي الصحيفة المفضلة لدى المستثمرين بالمدينة من ذوي الاهتمامات بالصين، ولقد خرجت بتغطيات صحافية تعالج الفساد والتحولات السياسية في البلاد.
ولكن الصحيفة تعتبر مؤسسة صحافية متوترة مع غرفة فقيرة للأخبار وميل نحو فقر الدم الإعلامي، وبعض المواد غير المثيرة للجدل حول الصين. خلال النصف الأول من عام 2015، كان متوسط المبيعات يبلغ 102 ألف عدد مع النسخ الرقمية، وفقا لمكتب مراجعة التوزيع الصحافي في هونغ كونغ، كما انخفض عدد الزيارات للموقع الإلكتروني، مما يبتعد بالصحيفة بعيدا عن هدف الوصول إلى 30 مليون زيارة لصفحاتها في الشهر، كما يقول المحرر السابق في الجريدة مفضلا عدم ذكر اسمه لحماية علاقاته في مجال صناعة الإعلام.
شبه بعض المعلقين الصينيين السيد جاك ما بالمدير التنفيذي لشركة أمازون جيف بيزوس، الذي اشترى صحيفة «واشنطن بوست» في عام 2013، ويرجع إليه الفضل بشكل كبير في تنشيط الصحيفة من خلال منح الصحافيين مزيدا من الموارد والحرية الصحافية الكبيرة.
*«نيويورك تايمز»
قد يكون السيد جاك ما قادرا على منح صحيفة «ساوث تشاينا مورنينغ بوست» مزيدا من الموارد، ولكن المشككين يقولون إنه من المرجح أن يمنحهم حرية صحافية واسعة.
يقول كين دكتور، وهو أحد المحللين الأميركيين في صناعة الأخبار: «يقول جاك ما: إننا بصدد تلاوة القصة الصينية بطريقة إيجابية، والأخبار التي لا نراها هي الجديرة بالأهمية، أي الأخبار التي تعالج سياسات الحكومة، وتبحث في النخبة الحاكمة، وتبحث كذلك في الأعمال والشركات في هونغ كونغ»، مضيفا أنه من غير الواضح ما إذا كان جاك ما يتفهم أن قوة الوسائل الإعلامية تتمركز في غرفة الأخبار.
قالت مجموعة علي بابا إنها سوف تضمن السلامة الصحافية للجريدة وتنأى بنفسها عن التدخل في عمليات الجريدة اليومية. وحتى من دون التدخل في دقائق الأمور الإدارية، يمكن للسيد جاك ما وزملائه ممارسة النفوذ الكبير على توجهات صحيفة «ساوث تشاينا مورنينغ بوست»، كما يقول ديفيد شليزنجر، وهو كبير المحررين السابق في وكالة «رويترز» الإخبارية، ويدير حاليا شركة ترايبود الاستشارية، مقرها في هونغ كونغ وتوفر المشورة بشأن القضايا الخاصة بوسائل الإعلام، ويضيف قائلا: «يعتمد ذلك على نوعية الموظفين، ونوعية التعليمات الموجهة، وكيفية وطريقة التمويل، وما سوف يحدث للصحافيين الذين يريدون كتابة قصة إخبارية مما تعتبر غير مريحة شخصيا أو سياسيا للسيد جاك ما».
منذ عودة هونغ كونغ للسيادة الصينية في عام 1997، احتفظت بنظامها القانوني الخاص وحرية التعبير التي تعتبر غير واردة تماما في البر الصيني الرئيسي. ولكن كثيرا من الصحافيين يقولون إن ممارسة تلك الحريات يتعرض للخطر على نحو متزايد، من جانب الرقابة الذاتية في كثير من الأحيان.
يقول أحد الصحافيين لدى صحيفة «ساوث تشاينا مورنينغ بوست»، والذي فضل عدم ذكر اسمه خشية تعرضه للعقاب للحديث إلى وسائل الإعلام، إنه حتى قبل بيع الصحيفة إلى مجموعة علي بابا كان هناك نمط من المحررين في الصحيفة يعمدون إلى رفض، أو اجتزاء، أو التهوين من شأن القصص الصحافية التي قد تثير غضب بكين. وأضاف: «أعتقد أن تلك هي القشة الأخيرة على ظهر البعير»، مشيرا إلى بيع الصحيفة إلى مجموعة علي بابا، واستطرد قائلا: «من ناحية، يريدون الحصول على تلك الواجهة العملاقة ذات المصداقية للصحيفة المستقلة، ولكن من ناحية أخرى، لديهم تلك الأجندة من استرضاء الحزب الشيوعي الحاكم. والمساران جدا مختلفان ولا يمكن الجمع بينهما بحال».



كاتدرائية «نوتردام» في باريس تعود إلى العالم في احتفالية استثنائية

صورة داخل كاتدرائية «نوتردام دو باري» بعد إنجاز ترميمها (إ.ب.أ)
صورة داخل كاتدرائية «نوتردام دو باري» بعد إنجاز ترميمها (إ.ب.أ)
TT

كاتدرائية «نوتردام» في باريس تعود إلى العالم في احتفالية استثنائية

صورة داخل كاتدرائية «نوتردام دو باري» بعد إنجاز ترميمها (إ.ب.أ)
صورة داخل كاتدرائية «نوتردام دو باري» بعد إنجاز ترميمها (إ.ب.أ)

قبل 861 عاماً، نهضت كاتدرائية «نوتردام دو باريس» في قلب العاصمة الفرنسية. ومع مرور العقود والعصور تحوّلت إلى رمز لباريس، لا بل لفرنسا. ورغم الثورات والحروب بقيت «نوتردام» صامدة حيث هي، في قلب باريس وحارسة نهر السين الذي يغسل قدميها. إلا أن المأساة حلّت في شهر أبريل (نيسان) من عام 2019، عندما اندلع حريق هائل، التهمت نيرانه أقساماً رئيسة من الكاتدرائية التي انهار سقفها وتهاوى «سهمها»، وكان سقوطه مدوياً.

منظر للنافذة الوردية الجنوبية لكاتدرائية نوتردام دو باريس(رويترز)

حريق «نوتردام» كارثة وطنية

وكارثة «نوتردام» تحوّلت إلى مأساة وطنية، إذ كان يكفي النظر إلى آلاف الباريسيين والفرنسيين والسياح الذين تسمّروا على ضفتي نهر السين ليشهدوا المأساة الجارية أمام عيونهم. لكن اللافت كانت السرعة التي قررت فيها السلطات المدنية والكنسية مباشرة عملية الترميم، وسريعاً جدّاً، أطلقت حملة تبرعات.

وفي كلمة متلفزة له، سعى الرئيس إيمانويل ماكرون إلى شد أزر مواطنيه، مؤكداً أن إعادة بناء الكاتدرائية و«إرجاعها أجمل مما كانت» ستبدأ من غير تأخير. وأعلن تأسيس هيئة تشرف عليها، وأوكل المهمة إلى الجنرال جان لويس جورجولين، رئيس أركان القوات المسلحة السابق. وبدأت التبرعات بالوصول.

وإذا احتاجت الكاتدرائية لقرنين لاكتمال بنائها، فإن ترميمها جرى خلال 5 سنوات، الأمر الذي يعد إنجازاً استثنائياً لأنه تحول إلى قضية وطنية، لا بل عالمية بالنظر للتعبئة الشعبية الفرنسية والتعاطف الدولي، بحيث تحوّلت الكاتدرائية إلى رابطة تجمع الشعوب.

وتبين الأرقام التي نشرت حديثاً أن التبرعات تدفقت من 340 ألف شخص، من 150 دولة، قدّموا 846 مليون يورو، إلا أن القسم الأكبر منها جاء من كبار الممولين والشركات الفرنسية، ومن بينهم من أسهم بـ200 مليون يورو. ومن بين الأجانب المتبرعين، هناك 50 ألف أميركي، وهو الأمر الذي أشار إليه الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، وكان أحد الأسباب التي دفعته للمجيء إلى فرنسا؛ البلد الأول الذي يزوره بعد إعادة انتخابه في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

متطوعون يضعون برنامج الحفل على المقاعد قبل الحفل (أ.ف.ب)

منذ ما يزيد على الشهر، تحوّلت الكاتدرائية إلى موضوع إلزامي في كل الوسائل الإعلامية. وخلال الأسبوع الحالي، حفلت الصحف والمجلات وقنوات التلفزة والإذاعات ببرامج خاصة تروي تاريخ الكاتدرائية والأحداث الرئيسة التي عاشتها في تاريخها الطويل.

وللدلالة على الأهمية التي احتلتها في الوعي الفرنسي، فإن رئيس الجمهورية زارها 7 مرات للاطلاع على التقدم الذي حققه المهنيون والحرفيون في إعادة البناء والترميم. وإذا كانت الكاتدرائية تجتذب قبل 2012 ما لا يقل عن 12 مليون زائر كل عام، فإن توقعات المشرفين عليها تشير إلى أن العدد سيصل العام المقبل إلى 15 مليوناً من كل أنحاء العالم.

المواطنون والسياح ينتظرون إفساح المجال للوصول الى ساحة الكاتدرائية (أ.ف.ب)

باريس «عاصمة العالم»

خلال هذين اليومين، تحوّلت باريس إلى «عاصمة العالم»، ليس فقط لأن قصر الإليزيه وجّه دعوات لعشرات من الملوك ورؤساء الدول والحكومات الذين حضر منهم نحو الخمسين، ولكن أيضاً لأن الاحتفالية حظيت بنقل مباشر إلى مئات الملايين عبر العالم.

وقادة الدول الذين قدّموا إلى «عاصمة النور» جاءوا إليها من القارات الخمس. وبسبب هذا الجمع الدولي، فإن شرطة العاصمة ووزارة الداخلية عمدتا إلى تشكيل طوق أمني محكم لتجنب أي إخلال بالأمن، خصوصاً أن سلطاتها دأبت على التحذير من أعمال قد تكون ذات طابع إرهابي. وإذا كان الرئيس الأميركي المنتخب قد حظي بالاهتمام الأكبر، ليس لأنه من المؤمنين المواظبين، بل لأنه يُمثل بلداً له تأثيره على مجريات العالم.

لكن في المقابل، تأسف الفرنسيون لأن البابا فرنسيس اعتذر عن تلبية الدعوة. والمثير للدهشة أنه سيقوم بزيارة جزيرة كورسيكا المتوسطية الواقعة على بُعد رمية حجر من شاطئ مدينة نيس اللازوردية، في 15 الشهر الحالي. والمدهش أيضاً أنه منذ أن أصبح خليفة القديس بطرس في روما، «المدينة الخالدة»، فإنه زار فرنسا مرتين، ثانيها كانت لمدينة مرسيليا الساحلية. بيد أنه لم يأتِ إلى باريس إطلاقاً. ووفق مصادر واسعة الاطلاع، فإن قرار البابا أحدث خيبة على المستويين الديني والرسمي. ومن الأهمية بمكان الإشارة إلى حدث تاريخي رئيس، وهو أن بابا روما بيوس السابع، قدم إلى باريس يوم 2 ديسمبر (كانون الأول) من عام 1804، لتتويج نابليون الأول إمبراطوراً.

وتمثل لوحة الرسام الفرنسي الشهير لوي دافيد، التي خلد فيها تتويج بونابرت، ما قام به الأخير الذي لم ينتظر أن يضع البابا التاج على رأسه، بل أخذه بيديه ووضعه بنفسه على رأسه، وكذلك فعل مع الإمبراطورة جوزفين.

احتفالية استثنائية

لم يساعد الطقس مساعدي الاحتفالية الذين خططوا لأن تكون من جزأين: الأول رسمي، ويجري في ساحة الكاتدرائية الأمامية؛ حيث يلقي الرئيس ماكرون خطابه المقدر من 15 دقيقة، وبعدها الانتقال إلى الداخل للجزء الديني. وكان مقدراً للمواطنين الـ40 ألفاً، إضافة إلى 1500 مدعو حظوا بالوجود داخل الكاتدرائية، أن يتابعوا الحدث من المنصات التي نصبت على ضفتي نهر السين، إلا أن الأمطار والعواصف التي ضربت باريس ومنطقتها أطاحت بالبرنامج الرئيس، إذ حصلت كل الاحتفالية بالداخل. بيد أن الأمطار لم تقض على شعور استثنائي بالوحدة والسلام غلب على الحاضرين، وسط عالم ينزف جراء تواصل الحروب، سواء أكان في الشرق الأوسط أم في أوكرانيا أم في مطارح أخرى من العالم المعذب. وجاءت لحظة الولوج إلى الكاتدرائية، بوصفها إحدى المحطات الفارقة، إذ تمت وفق بروتوكول يعود إلى مئات السنين. بدءاً من إعادة فتح أولريش لأبواب «نوتردام» الخشبية الكبيرة بشكل رمزي.

كاتدرائية «نوتردام» السبت وسط حراسة أمنية استعداداً لإعادة افتتاحها (إ.ب.ى)

وسيقوم بالنقر عليها 3 مرات بعصا مصنوعة من الخشب المتفحم الذي جرى إنقاذه من سقف الكاتدرائية الذي دمرته النيران، وسيعلن فتح الكاتدرائية للعبادة مرة أخرى. ونقل عن المسؤول عن الكاتدرائية القس أوليفييه ريبادو دوما أن «نوتردام»، التي هي ملك الدولة الفرنسية، ولكن تديرها الكنيسة الكاثوليكية «أكثر من مجرد نصب تذكاري فرنسي وكنز محبوب من التراث الثقافي العالم، لا بل هي أيضاً علامة على الأمل، لأن ما كان يبدو مستحيلاً أصبح ممكناً»، مضيفاً أنها أيضاً «رمز رائع».

الأرغن الضخم يحتوي على 8 آلاف مزمار تم ترميمها وتنظيفها من غبار الرصاص السام (أ.ف.ب)

كذلك، فإن تشغيل الأرغن الضخم الذي تم تنظيفه وتحضيره للمناسبة الاستثنائية، تم كذلك وفق آلية دقيقة. ففي حين ترتفع المزامير والصلوات والترانيم، فإنه جرى إحياء الأرغن المدوي، الذي صمت وتدهورت أوضاعه بسبب الحريق. ويحتوي الأرغن على 8 آلاف مزمار، تم ترميمها وتنظيفها من غبار الرصاص السام. وقام 4 من العازفين بتقديم مجموعة من الألحان بعضها جاء مرتجلاً.

إلى جانب الشقين الرسمي والديني، حرص المنظمون على وجود شق يعكس الفرح؛ إذ أدت مجموعة من الفنانين الفرنسيين والأجانب لوحات جميلة جديرة بالمكان الذي برز بحلة جديدة بأحجاره المتأرجحة بين الأبيض والأشقر وزجاجه الملون، وإرثه الذي تم إنقاذه من النيران وأعيد إحياؤه.

وبعد عدة أيام، سيُعاد فتح الكاتدرائية أمام الزوار الذي سيتدفقوة بالآلاف على هذا المعلم الاستثنائي.

حقائق

846 مليون يورو

تدفقت التبرعات من 340 ألف شخص من 150 دولة قدموا 846 مليون يورو لإعادة ترميم نوتردام