باريس ترى في القرار الدولي «بارقة أمل» لكنها ما زالت حذرة بشأن موسكو

الوزير لوران فابيوس يطالب بضمانات لرحيل الأسد

عناصر من أنصار الإسلام يحملون قائدهم العسكري الذي قتل في غارة جوية روسية على معرة النعمان أمس (رويترز)
عناصر من أنصار الإسلام يحملون قائدهم العسكري الذي قتل في غارة جوية روسية على معرة النعمان أمس (رويترز)
TT

باريس ترى في القرار الدولي «بارقة أمل» لكنها ما زالت حذرة بشأن موسكو

عناصر من أنصار الإسلام يحملون قائدهم العسكري الذي قتل في غارة جوية روسية على معرة النعمان أمس (رويترز)
عناصر من أنصار الإسلام يحملون قائدهم العسكري الذي قتل في غارة جوية روسية على معرة النعمان أمس (رويترز)

في الكلمة التي ألقاها وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس أمام مجلس الأمن، عقب التصويت على مشروع القرار حول سوريا الذي حاز على إجماع الدول الأعضاء، رأى فابيوس أنه يمثل «بارقة أمل» و«خريطة طريق» لوضع حد للحرب التي تهدد «الأمن والسلم العالميين». وإذا كان الوزير الفرنسي قد وصف القرار الدولي بأنه يوفر إطارا دوليا وشرعيا «ذا مصداقية» للخروج من الأزمة السورية ووقف تداعياته، إلا أن اللافت في كلمته أنه عاد أكثر من مرة إلى «بيان جنيف» الصادر صيف عام 2012 لأنه ينص خصوصًا على ضرورة قيام «سلطة انتقالية ذات صلاحيات تنفيذية كاملة».
لقد فصل فابيوس ما تتوقعه بلاده من عملية الانتقال السياسي التي تفترض أن تتمكن من ممارسة سلطتها على الأجهزة العسكرية والأمنية، أي المخابرات وإصلاح المؤسسات وضمان تمثيل كل السوريين فيها وأن يكون وقف إطلاق النار الذي ينص عليه القرار الدولي «شاملا وقادرا على الصمود ويمكن التحقق منه». وترى باريس خصوصًا أن وقف النار «يجب أن يترافق مع عملية الانتقال السياسي لا أن يسبقها» لأن عملية الانتقال وحدها هي التي يمكن أن تقر الضمانات للمعارضة المسلحة. بيد أن النقطة الأساسية في الموقف الفرنسي تكمن في التركيز على توفير الضمانات لرحيل الأسد عن السلطة، وهو ما غاب عن القرار المذكور. وبرأي باريس، فإن رحيله ليس فقط مطلوبا «لأسباب أخلاقية بل أيضًا من أجل توفير فعالية» العملية السياسية برمتها. وتساءل الوزير الفرنسي: «كيف يستطيع رجل أن ينجح في إعادة لم شمل شعبه بينما هو ساهم في ذبحه»، مضيفًا أنه «طالما بقي نظام بشار الأسد الحالي، فإنه من الصعب التوصل إلى مصالحة دائمة وحقيقية بين الشعب والدولة السورية». ويضيف المقربون من الوزير فابيوس أن بقاء الأسد «سيدفع بالسنة إلى الالتحاق بـ(داعش)».
فضلاً عن ذلك، تطالب باريس بأن يسبق وقف النار «تدابير إنسانية فورية» لإراحة السكان وتوفير الصدقية للمسار السياسي، مما يعني إطلاق سراح الموقوفين ووقف القصف بالبراميل المتفجرة واستهداف المدنيين وتوفير المساعدات الإنسانية للمدن والقرى المنكوبة وفك الحصار. وبأي حال، فإن وقف النار يحتاج لآلية رقابة دولية. وفي أي حال، يختصر فابيوس مهمة المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا بأمرين: الأول، إقامة السلطة الانتقالية والثاني توفير التوصل لوقف إطلاق النار.
على ضوء ما تقدم، يبدو الدعم الفرنسي للقرار الدولي «مشروطا». والسؤال المركزي يتناول الجهة التي يمكن أن توفر «الضمانات» التي تطلبها باريس ومعها المعارضة السورية وكثير من الدول الداعمة لها خليجيا وعربيا ودوليا، علمًا أن «وثيقة الرياض» التي أفرزتها اجتماعات المعارضة منتصف الأسبوع الماضي تدعو إلى رحيل الأسد عن السلطة مع بدء المرحلة الانتقالية؟
تقول مصادر فرنسية رسمية تحدثت إليها «الشرق الأوسط» إن الجهة الوحيدة القادرة على ذلك هي روسيا. وتنقل هذه المصادر عن وزير الخارجية الأميركي جون كيري تأكيده أن الروس «سيتخلون عن الأسد في نهاية المرحلة الانتقالية وليس قبلها» وأنهم «لا يستطيعون لأسباب سياسية واضحة» أن يعلنوا اليوم علنًا أنه يتعين على الأسد أن يرحل. لكنهم سبق أن لمحوا لذلك أكثر من مرة، ومنها على لسان رئيس الحكومة ميدفيديف عندما أعلن أن بلاده «تدافع عن مصالحها ولا تدافع عن الأسد». وتتوقف هذه المصادر عند ما قاله الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في المؤتمر الصحافي السنوي الأخير الأسبوع الماضي من أن بعض ما تتضمنه الخطة الروسية الأميركية للحل «لن يعجب الأسد»، وهو ما ترى فيه «تلميحات» ترسلها موسكو للشريك الأميركي بالدرجة الأولى وللنظام السوري في الدرجة الثانية.
وترى مصادر أخرى أنه «من المبكر اليوم، وفق النظرة الروسية، أن تكشف موسكو عن كل أوراقها» بل ستعمد لذلك «عندما يحين الظرف وتحقق المفاوضات تقدما وتحصل موسكو على ضمانات بالنسبة لمصالحها الخاصة في سوريا ومنطقة الشرق الأوسط والبحر الأبيض المتوسط».
بيد أن باريس لا تبدو مقتنعة بما ينقله الطرف الأميركي. لكن مشكلة فرنسا أنها ليست قادرة على الوقوف بوجه تفاهم أميركي روسي، لأن قدرتها على التأثير على مسار الأحداث لا يمكن مقارنتها بقدرة التأثير الأميركية والروسية رغم انخراطها الميداني في عمليات قصف مركزة ضد مواقع «داعش» في سوريا، منذ أن تعرضت العاصمة باريس، في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، لعمليات إرهابية لا سابق لها. وفي هذا السياق، تعتبر المصادر الفرنسية أن ما سيحدد الموقف الروسي ليس فقط القرار الدولي الذي صوتت عليه موسكو بعد لجوئها إلى استخدام حق النقض «الفيتو» أربع مرات في السنوات الأربع الماضية، هو التطورات الميدانية وما إذا كانت موسكو ستصل إلى قناعة أن إحداث تغيير جذري ميداني عبر العمليات الجوية لن يحصل، وأن إرسال قوات أرضية سيجرها للغرق في مستنقع لا تريد الانجرار إليه.
بانتظار ذلك، تقول المصادر الفرنسية إن موسكو فوجئت بما تحقق في الرياض وإن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف اتصل بأحد المسؤولين الخليجيين وطلب منه مباشرة بضم أربعة أسماء إلى لائحة التفاوض هي: هيثم منّاع وصالح مسلم وقدري جميل ورندة القسيس. وجاء الرد على لافروف أن منّاع دُعي إلى الرياض لكنه اعتذر وأن الثلاثة الباقين يمكن أن يجلسوا إلى طاولة الحوار ولكن مع وفد النظام وليس المعارضة.
يبقى أن لباريس مجموعة من التساؤلات. وإذا كانت تخلت عن المطالبة برحيل الأسد في بداية المرحلة الانتقالية، فإنها تريد أن تتعرف إلى الصلاحيات التي ستبقى له عندما تقوم الحكومة الجديدة المفترض أن تشكل خلال ستة أشهر من بدء الحوار السياسي بين النظام والمعارضة. كذلك تريد باريس أن تعرف ما إذا كان الأسد سيتقدم مجددا للانتخابات بعد انتهاء المرحلة الانتقالية.
تقول المصادر الفرنسية إن الغموض في الدبلوماسية والسياسة يمكن أن يكون بناءً أحيانًا ولكنه أحيانًا أخرى هو مصدر للمشكلات. وتضيف هذه المصادر أن التساهل الأميركي والصياغة العمومية لبنود القرار الدولي الأخير يندرج في رغبة واشنطن لـ«جر موسكو» إلى الحل السياسي والضغط على الأسد لجلبه إلى طاولة المفاوضات وإيجاد تمايزات بين موسكو وطهران، وهي الطرف الدولي الثاني الداعم للأسد ونظامه. لكن كل هذه الاعتبارات لن تكون ذات معنى إذا بقيت موسكو على موقفها وإذا كانت ترى أن رحيل الأسد سيعطل عليها عودتها الجديدة إلى الساحة الشرق أوسطية وبالتالي ستبقى على تصلبها بشأنه.



الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)

أطلقت الجماعة الحوثية سراح خمسة من قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في مناطق سيطرتها، بضمانة عدم المشاركة في أي نشاط احتجاجي أو الاحتفال بالمناسبات الوطنية، وفي المقابل كثّفت في معقلها الرئيسي، حيث محافظة صعدة، حملة الاعتقالات التي تنفّذها منذ انهيار النظام السوري؛ إذ تخشى تكرار هذه التجربة في مناطق سيطرتها.

وذكرت مصادر في جناح حزب «المؤتمر الشعبي» لـ«الشرق الأوسط»، أن الوساطة التي قادها عضو مجلس حكم الانقلاب الحوثي سلطان السامعي، ومحافظ محافظة إب عبد الواحد صلاح، أفضت، وبعد أربعة أشهر من الاعتقال، إلى إطلاق سراح خمسة من أعضاء اللجنة المركزية للحزب، بضمانة من الرجلين بعدم ممارستهم أي نشاط معارض لحكم الجماعة.

وعلى الرغم من الشراكة الصورية بين جناح حزب «المؤتمر» والجماعة الحوثية، أكدت المصادر أن كل المساعي التي بذلها زعيم الجناح صادق أبو راس، وهو عضو أيضاً في مجلس حكم الجماعة، فشلت في تأمين إطلاق سراح القادة الخمسة وغيرهم من الأعضاء؛ لأن قرار الاعتقال والإفراج مرتبط بمكتب عبد الملك الحوثي الذي يشرف بشكل مباشر على تلك الحملة التي طالت المئات من قيادات الحزب وكوادره بتهمة الدعوة إلى الاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بأسلاف الحوثيين في شمال اليمن عام 1962.

قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في صنعاء يتعرّضون لقمع حوثي رغم شراكتهم الصورية مع الجماعة (إكس)

في غضون ذلك، ذكرت وسائل إعلام محلية أن الجماعة الحوثية واصلت حملة الاعتقالات الواسعة التي تنفّذها منذ أسبوعين في محافظة صعدة، المعقل الرئيسي لها (شمال)، وأكدت أنها طالت المئات من المدنيين؛ حيث داهمت عناصر ما يُسمّى «جهاز الأمن والمخابرات»، الذين يقودهم عبد الرب جرفان منازلهم وأماكن عملهم، واقتادتهم إلى معتقلات سرية ومنعتهم من التواصل مع أسرهم أو محامين.

300 معتقل

مع حالة الاستنفار التي أعلنها الحوثيون وسط مخاوف من استهداف قادتهم من قبل إسرائيل، قدّرت المصادر عدد المعتقلين في الحملة الأخيرة بمحافظة صعدة بنحو 300 شخص، من بينهم 50 امرأة.

وذكرت المصادر أن المعتقلين يواجهون تهمة التجسس لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل ودول أخرى؛ حيث تخشى الجماعة من تحديد مواقع زعيمها وقادة الجناح العسكري، على غرار ما حصل مع «حزب الله» اللبناني، الذي أشرف على تشكيل جماعة الحوثي وقاد جناحيها العسكري والمخابراتي.

عناصر من الحوثيين خلال حشد للجماعة في صنعاء (إ.ب.أ)

ونفت المصادر صحة التهم الموجهة إلى المعتقلين المدنيين، وقالت إن الجماعة تسعى لبث حالة من الرعب وسط السكان، خصوصاً في محافظة صعدة، التي تستخدم بصفتها مقراً أساسياً لاختباء زعيم الجماعة وقادة الجناح العسكري والأمني.

وحسب المصادر، تتزايد مخاوف قادة الجماعة من قيام تل أبيب بجمع معلومات عن أماكن اختبائهم في المرتفعات الجبلية بالمحافظة التي شهدت ولادة هذه الجماعة وانطلاق حركة التمرد ضد السلطة المركزية منذ منتصف عام 2004، والتي تحولت إلى مركز لتخزين الصواريخ والطائرات المسيّرة ومقر لقيادة العمليات والتدريب وتخزين الأموال.

ومنذ سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد وانهيار المحور الإيراني، استنفرت الجماعة الحوثية أمنياً وعسكرياً بشكل غير مسبوق، خشية تكرار التجربة السورية في المناطق التي تسيطر عليها؛ حيث نفّذت حملة تجنيد شاملة وألزمت الموظفين العموميين بحمل السلاح، ودفعت بتعزيزات كبيرة إلى مناطق التماس مع القوات الحكومية خشية هجوم مباغت.

خلق حالة رعب

بالتزامن مع ذلك، شنّ الحوثيون حملة اعتقالات شملت كل من يُشتبه بمعارضته لسلطتهم، وبررت منذ أيام تلك الحملة بالقبض على ثلاثة أفراد قالت إنهم كانوا يعملون لصالح المخابرات البريطانية، وإن مهمتهم كانت مراقبة أماكن وجود قادتها ومواقع تخزين الأسلحة في صنعاء.

وشككت مصادر سياسية وحقوقية في صحة الرواية الحوثية، وقالت إنه ومن خلال تجربة عشرة أعوام تبيّن أن الحوثيين يعلنون مثل هذه العمليات فقط لخلق حالة من الرعب بين السكان، ومنع أي محاولة لرصد تحركات قادتهم أو مواقع تخزين الصواريخ والمسيرات.

انقلاب الحوثيين وحربهم على اليمنيين تسببا في معاناة ملايين السكان (أ.ف.ب)

ووفق هذه المصادر، فإن قادة الحوثيين اعتادوا توجيه مثل هذه التهم إلى أشخاص يعارضون سلطتهم وممارساتهم، أو أشخاص لديهم ممتلكات يسعى قادة الجماعة للاستيلاء عليها، ولهذا يعمدون إلى ترويج مثل هذه التهم التي تصل عقوبتها إلى الإعدام لمساومة هؤلاء على السكوت والتنازل عن ممتلكاتهم مقابل إسقاط تلك التهم.

وبيّنت المصادر أن المئات من المعارضين أو الناشطين قد وُجهت إليهم مثل هذه التهم منذ بداية الحرب التي أشعلتها الجماعة الحوثية بانقلابها على السلطة الشرعية في 21 سبتمبر (أيلول) عام 2014، وهي تهم ثبت زيفها، ولم تتمكن مخابرات الجماعة من تقديم أدلة تؤيد تلك الاتهامات.

وكان آخرهم المعتقلون على ذمة الاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم أسلافهم في شمال اليمن، وكذلك مالك شركة «برودجي» التي كانت تعمل لصالح الأمم المتحدة، للتأكد من هوية المستفيدين من المساعدات الإغاثية ومتابعة تسلمهم تلك المساعدات؛ حيث حُكم على مدير الشركة بالإعدام بتهمة التخابر؛ لأنه استخدم نظام تحديد المواقع في عملية المسح، التي تمت بموافقة سلطة الحوثيين أنفسهم