إردوغان مخاطبًا المتمردين: ستبادون في الخنادق التي حفرتموها

مواجهات بين مسلحين من حزب العمال الكردستاني وقوات الأمن في الجزيرة وسيلوبي قتل فيها 25 من الأكراد

الرئيس التركي رجب طيب إردوغان يحيي الجماهير المؤيدة له في محافظة قونيا أمس (أ. ب)
الرئيس التركي رجب طيب إردوغان يحيي الجماهير المؤيدة له في محافظة قونيا أمس (أ. ب)
TT

إردوغان مخاطبًا المتمردين: ستبادون في الخنادق التي حفرتموها

الرئيس التركي رجب طيب إردوغان يحيي الجماهير المؤيدة له في محافظة قونيا أمس (أ. ب)
الرئيس التركي رجب طيب إردوغان يحيي الجماهير المؤيدة له في محافظة قونيا أمس (أ. ب)

هدد الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، أمس، بتدمير متاريس مسلحي حزب العمال الكردستاني وخنادقهم، على حد تعبيره، حين خاطب حشودا من الأتراك في مدينة قونية، مؤكدا أن العمليات الأمنية ستتواصل إلى أن يتم تطهير المنطقة التي يتحصن بها المسلحون. وقال في تصريحات نقلتها وكالة «رويترز»: «ستبادون في تلك المنازل وتلك المباني وتلك الخنادق التي حفرتموها، ستواصل قوات الأمن هذه المعرة إلى أن يتم تطهير المنطقة بالكامل وإيجاد مناخ آمن».
تصريحات إردوغان جاءت بعد ساعات من استمرار دوي إطلاق النار وتصاعد السحب الدخانية في بلدتين جنوب شرقي تركيا، في وقت حصدت فيه المواجهات بين القوات التركية ومتشددين أكثر من 25 متطرفًا.
وصعد حزب العمال الكردستاني حملة مسلحة بدأها منذ ثلاثة عقود، وأوقفها قبل عامين، قبل أن يعود في يوليو (تموز) الماضي لإطلاقها.
ورغم وجود الحزب المكثف وتمركزه في المناطق الريفية فإنه نقل نشاطه خلال السنوات الماضية إلى بلدات ومدن في الجنوب الشرقي، ما دفع حكومة إردوغان للقيام بحملة قمع من خلال عدة عمليات في مدن حدودية مثل الجزيرة وسيلوبي وفرضت فيهما حظر تجول منذ يوم الاثنين الماضي.
تصريحات إردوغان قوبلت بالرفض، إذ قال النائب عن حزب الشعوب الديمقراطي فرحات إنجو، وهو حزب مؤيد للأكراد، إن حظر التجول تحول لعمليات تدمير للمدن، وإن ذلك أجبر الناس على الفرار. إنجو قال في أسئلة وجهها لوزير الداخلية التركي أن ما تقوم به قوات الأمن من هجمات وقصف عشوائي يعتبر بمثابة هجوم شامل على الشعب الكردي.
من جهته، قال الجيش التركي في بيان له، إن 24 من مسلحي حزب العمال الكردستاني قتلوا بالإضافة لقتيل واحد في سيلوبي، وأصيب ثمانية من أفراد قوات الأمن بإصابات طفيفة.
وسمع دوي إطلاق الرصاص من أسلحة آلية في الجزيرة أمس (الخميس) وتصاعدت سحب الدخان في سماء المدينة التي تطوقها العربات المدرعة المتمركزة فوق التلال بعد سلسلة من التفجيرات وإطلاق النار خلال الليل مع إلقاء قنابل ضوئية لكشف المواقع على الأرض.
ورغم المواجهة العسكرية، فإن الأكراد رددوا هتافات قالوا فيها: «بالمقاومة سننتصر»، في وقت قرعت فيه مجموعات أخرى الطبول وقام الشبان بركل أبواب المحال التجارية المغلقة، احتجاجا منهم على الحصار الأمني والهجوم المسلح للحكومة التركية. وأشارت مصادر طبية إلى امرأة مدنية عمرها 45 عاما قتلت في المواجهات، وتوفي رجل مسن تجاوز السبعين من العمر بأزمة قلبية أثناء القتال في سيلوبي.
شهود عيان قالوا لوكالات الأنباء إن شوارع البلدتين محل القتال خالية، والمتاجر مغلقة، إذ ذكر إلى جانب ذلك مكتب حاكم شرناق التركية، أن قوات الأمن تواصل عمليات تفكيك الحواجز وردم الخنادق وإزالة المتفجرات التي زرعها المقاتلون الأكراد.
وفي سياق متصل، بالعمليات الأمنية، قال رئيس الوزراء التركي في تصريحات مرتبطة هذا الأسبوع، إن بلاده تهدف لمنع حزب العمال الكردستاني من توسيع نطاق عملياته القتالية في سوريا والعراق وتركيا من خلال بسط السيطرة على المدن مثلما فعل الجيش في المناطق الجبلية التي كان الأكراد ينشطون فيها سابقًا.
وكان فيجن يوكسيكداج الرئيس المشارك لحزب الشعوب الديمقراطي قال إن مائتي ألف شخص شردوا خلال الشهور الماضية نتيجة للصراع في جنوب شرقي تركيا واتهمت الدولة بشن حرب ضد الأكراد.
من جهته، تطرق وزير الداخلية التركي أفكان إلى استخدام منظمة «بي كا كا» جرافات تعود لبعض البلديات الحكومية من أجل حفر الخنادق، مؤكدا أن الحكومة ستتخذ إجراءات قانونية بحق رؤساء 18 بلدية تواطأت مع عناصر المنظمة، حسبما نقلته وكالة أنباء الأناضول، أمس.



أعمال العنف بين السنة والشيعة في باكستان عابرة للحدود والعقود

مسؤولون أمنيون يتفقدون موقع انفجار خارج مطار جناح الدولي في كراتشي بباكستان 7 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)
مسؤولون أمنيون يتفقدون موقع انفجار خارج مطار جناح الدولي في كراتشي بباكستان 7 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)
TT

أعمال العنف بين السنة والشيعة في باكستان عابرة للحدود والعقود

مسؤولون أمنيون يتفقدون موقع انفجار خارج مطار جناح الدولي في كراتشي بباكستان 7 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)
مسؤولون أمنيون يتفقدون موقع انفجار خارج مطار جناح الدولي في كراتشي بباكستان 7 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)

مرة أخرى، وقف علي غلام يتلقى التعازي، فبعد مقتل شقيقه عام 1987 في أعمال عنف بين السنة والشيعة، سقط ابن شقيقه بدوره في شمال غرب باكستان الذي «لم يعرف يوماً السلام»، على حد قوله.

متظاهرون يتجمعون بالقرب من أشياء أضرمت فيها النيران في أحد الشوارع في جارانوالا بباكستان 16 أغسطس 2023 (رويترز)

منذ يوليو (تموز)، تفيد مصادر عدة بأن 212 شخصاً قُتلوا في إقليم كورام بسبب نزاعات قديمة على الأراضي كان يفترض بسلسلة من الاتفاقات برعاية وجهاء قبليين وسياسيين وعسكريين، أن تبت بها.

إلا أنه تم انتهاك هذه الاتفاقات على مر العقود مع عجز السلطات الفيدرالية وفي مقاطعة خيبر بختونخوا عن القضاء على العنف.

فقدت القوات الأمنية الباكستانية مئات من أفرادها خلال الأشهر الماضية في الموجة الإرهابية الجديدة (أ.ف.ب)

والأسوأ من ذلك أن الهجوم الذي أجج أعمال العنف في 21 نوفمبر (تشرين الثاني) استهدف السلطات أيضاً، إذ إن نحو 10 مهاجمين أمطروا موكبي سيارات تنقل عائلات شيعية كانت بحماية الشرطة.

وكان ابن شقيق علي غلام في هذا الموكب. وكان هذا الرجل البالغ 42 عاماً ينتظر منذ أيام فتح الطرق في كورام عند الحدود مع أفغانستان.

أطلقت الشرطة قنابل الغاز المسيل للدموع لتفريق الطلاب أثناء مسيراتهم خلال مظاهرة للتنديد باغتصاب طالبة مزعوم في لاهور بباكستان 17 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)

«لا ثقة مطلقاً بالدولة»

وكانت الطرق الرئيسية قد قُطعت بسبب تجدد القتال بالأسلحة الثقيلة والقذائف بين السنة والشيعة.

وفي غضون أربعين عاماً، خسر علي غلام شقيقه وابن شقيقه فيما جُرح ثلاثة من أشقائه أيضاً.

ويؤكد الرجل الشيعي البالغ 72 عاماً: «لم أعرف السلام يوماً وليس لدي أمل كبير لأولادي وأحفادي لأن لا ثقة لي مطلقاً بالدولة».

ويقول أكبر خان من لجنة حقوق الإنسان في باكستان إنه في السابق «كانت الدولة تساند مجالس الجيرغا وكانت هذه المجالس القبلية تنجح في تحقيق نتائج».

ويضيف: «لكن اليوم لم تعد الدولة تغطي تكلفة استدعائهم»، لأن المسؤولين السياسيين في إسلام آباد منغمسون في الاضطرابات السياسية «ولا يتعاملون بجدية مع أعمال العنف هذه».

قتل 8 أشخاص بينهم 5 عناصر أمن جراء اشتباكات مسلحة مع «إرهابيين» في 3 مناطق بإقليم خيبر بختونخوا شمال غربي باكستان الأسبوع الماضي (متداولة)

لكن في إقليم كورما الشاسع اعتمدت السلطات والقوى الأمنية موقفاً متأنياً. فالإقليم على غرار 6 أقاليم أخرى مجاورة، لم يُضم رسمياً إلى مقاطعة باكستانية إلا في عام 2018.

وكان قبل ذلك ضمن ما يسمى «مناطق قبلية تحت الإدارة الفيدرالية» وكان يحظى تالياً بوضع خاص وكانت المؤسسات الرسمية تترك مجالس الجيرغا تتصرف.

وفي حين كانت حركة «طالبان» الأفغانية تقوم بدور الوسيط في خضم العنف الطائفي في نهاية العقد الأول من الألفية، يؤكد سكان راهناً أن بعض القضاة يفضلون أن توافق مجالس جيرغا على أحكامهم لكي تحترم.

بن لادن - «طالبان»

يقول مالك عطاء الله خان، وهو من الوجهاء القبليين الذين وقعوا اتفاقاً في 2007 كان من شأنه إحلال السلام في كورام، إن «السلطات لا تتولى مسؤولياتها».

ويشير خصوصاً إلى مفارقة بأن كورام هو الإقليم الوحيد بين الأقاليم التي ضمت حديثاً، حيث «السجل العقاري مكتمل». لكنه يضيف: «رغم ذلك تستمر النزاعات على أراضٍ وغابات في 7 أو 8 مناطق».

ويرى أن في بلد يشكل السنة غالبية سكانه في حين يشكل الشيعة من 10 إلى 15 في المائة، «تحول جماعات دينية هذه الخلافات المحلية إلى نزاعات دينية».

فلا يكفي أن كورام تقع في منطقة نائية عند حدود باكستان وأفغانستان. فيجد هذا الإقليم نفسه أيضاً في قلب تشرذمات العالم الإسلامي بين ميليشيات شيعية مدعومة من طهران وجماعات سنية تلقى دعماً مالياً.

في عام 1979، أحدث الشيعة ثورتهم في إيران فيما دخل المجاهدون السنة في كابل في حرب مع الجيش السوفياتي الذي غزا البلاد، في حين اختار الديكتاتور الباكستاني ضياء الحق معسكر المتشددين السنة.

وقد تحول الكثير من هؤلاء إلى حركة «طالبان» في وقت لاحق لمواجهة إيران وإقامة «دولة إسلامية» وتوفير عناصر للتمرد المناهض للهند في كشمير.

«سننتقم له»

تقع كورام بمحاذاة كهوف أفغانية كان يختبئ فيها زعيم تنظيم القاعدة السابق أسامة بن لادن، وكانت حتى الآن معروفة، خصوصاً بأزهارها التي تتغنى بها قصائد الباشتون. ويقول خان: «إلا أنها استحالت الآن منصة لإرسال أسلحة إلى أفغانستان. كل عائلة كانت تملك ترسانة في منزلها».

لم يسلم أحد هذه الأسلحة إلى السلطات. في 23 نوفمبر (تشرين الثاني) عندما أضرم شيعة النار في منازل ومتاجر في سوق سنية في باغان رداً على الهجوم على الموكب قبل يومين، سمع إطلاق النار من الطرفين.

وقد حاصرت النيران ابن عم سيد غني شاه في متجره.

ويروي شاه لوكالة الصحافة الفرنسية: «منعنا والديه من رؤية جثته لأنه كان يستحيل التعرف عليها. كيف عسانا نقيم السلام بعد ذلك؟ ما إن تسنح الفرصة سننتقم له».

أما فاطمة أحمد فقد فقدت كل أمل في 21 نوفمبر. فقد كان زوجها في طريقه لتسجيلها في كلية الطب في إسلام آباد بعدما ناضلت من أجل إقناع عائلتها بالسماح لها بمتابعة دروسها.

إلا أنه لم يعد. وتقول أرملته البالغة 21 عاماً إنها لا تريد «العيش بعد الآن من دونه». وتؤكد: «لم يقتلوا زوجي فحسب بل قتلوا كل أحلامي معه».