مشاورات جنيف تراوح عند «بناء الثقة».. واتفاق مبدئي على رفع الحصار عن تعز

تغيب عضو وفد الحوثي عن الجلسات.. وآخر يرفع صوته: لست حوثيًا

المبعوث الأممي اسماعيل ولد الشيخ خلال اجتماعات جنيف أمس (إ.ب.أ)
المبعوث الأممي اسماعيل ولد الشيخ خلال اجتماعات جنيف أمس (إ.ب.أ)
TT

مشاورات جنيف تراوح عند «بناء الثقة».. واتفاق مبدئي على رفع الحصار عن تعز

المبعوث الأممي اسماعيل ولد الشيخ خلال اجتماعات جنيف أمس (إ.ب.أ)
المبعوث الأممي اسماعيل ولد الشيخ خلال اجتماعات جنيف أمس (إ.ب.أ)

أنهت مشاورات «جنيف 2» بين الأطراف اليمنية، الحكومة الشرعية والمتمردين، أمس، يومها الثالث، ودخلت اليوم (الجمعة) يومها الرابع، دون أن تحقق أي تقدم يذكر على صعيد الملفات المطروحة للنقاش من قبل المبعوث الأممي إلى اليمن، إسماعيل ولد الشيخ أحمد، وذلك بسبب تعنت وفد المتمردين وعدم إبدائهم لأي مرونة تجاه تلك القضايا.
وقالت لـ«الشرق الأوسط» مصادر مقربة من المشاورات، التي تجري بعيدا عن وسائل الإعلام في منتجع بإحدى ضواحي مدينة جنيف السويسرية، إن اليوم الثالث من المشاورات شهد ضغطا كبيرا على وفد المتمردين المكون من الحوثيين وأنصار الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح، من قبل الوسيط الدولي والفريق العامل معه، إضافة إلى دبلوماسيين غربيين يتابعون المشاورات عن كثب، بهدف تقديم مواقف نهائية بشأن القضايا التي جرت مناقشتها، خلال اليومين الماضيين.
وكشفت المصادر لـ«الشرق الأوسط» أن المشاورات «ما زالت متوقفة عند إجراءات بناء الثقة» بين الطرفين، وأن «هناك تعنتا في وفد المتمردين في الإفراج عن المعتقلين وفك الحصار عن محافظة تعز». وأضافت المصادر أن التقدم الوحيد، الذي تحقق، هو وعد المتمردين بـ«انفراج» الحصار، في إشارة إلى عدم رفع الحصار بشكل كامل. وقالت المصادر إنهم (المتمردين) تعهدوا، نسبيا، بالسماح بإدخال المساعدات الإنسانية إلى محافظة تعز، لكنهم، في الوقت ذاته، وضعوا سلسلة من «المطبات» أمام دخول هذه المساعدات، منها إشرافهم على تلك المساعدات، وهو الأمر الذي لم يلق قبولا لدى كل الأطراف، خاصة أن هذه المساعدات تقوم بتقديمها منظمات إنسانية دولية، تتبع الأمم المتحدة ومنظماتها الفرعية المتخصصة.
ونفت المصادر المقربة من مشاورات «جنيف 2» لـ«الشرق الأوسط»، وبشكل قاطع، الأنباء التي تحدثت عن اشتباكات بالأيدي بين بعض أعضاء وفد الشرعية وأعضاء في وفد المتمردين الحوثيين، ووصفتها بأنها «دعاية».
وأشارت مصادر «الشرق الأوسط» إلى أن وفد الحكومة الشرعية: «كان مرنا في المشاورات، وظل وما زال يضغط باتجاه بدء المتمردين في التنفيذ الفوري للقرار الأممي 2216، في ضوء التزامهم بذلك»، وهو الالتزام الذي قالت الأمم المتحدة إنها تلقته منهم. وبحسب المصادر العليمة، فقد ظل وفد المتمردين الحوثيين يطرح، عند مناقشة أي من القضايا الرئيسية، موضوع ما كان يسمى «اتفاق السلم والشراكة»، الذي وقع في 21 سبتمبر (أيلول) 2014، وفي اليوم نفسه احتلت الميليشيات الحوثية العاصمة صنعاء، وهو الاتفاق الذي تنظر إليه الحكومة الشرعية بأنه بات ملغى ومنتهيا بانقلاب تحالف الحوثيين – صالح على الشرعية الدستورية في البلاد.
وفي السياق ذاته، شهدت مشاورات «جنيف 2»، أمس، غيابا وخلافات وتذمر شخصيات مشاركة في المباحثات. وسجلت المشاورات التي تجرى منذ يومين حالات من الانقسام في الوفد الممثل للانقلاب الحوثي والرئيس اليمني المخلوع علي عبد الله صالح، الأمر الذي اعتبره البعض مؤشرا على احتمالية فشل هذه الجولة من المشاورات.
وكشفت مصادر دبلوماسية متطابقة، لـ«الشرق الأوسط»، أنه «طوال أمس، غاب حميد عاصم، عضو الوفد الممثل للحوثيين، وعلي عبد الله صالح، وفضّل البقاء في غرفته وإغلاق بابها عليه وعدم الخروج للمشاركة في الجلسات». ويعد غياب حميد عاصم في هذه اللحظات المهمة مؤشر خلافات داخلية داخل الصف الحوثي. والمعروف أن عاصم كان عضوا سابق في الحزب الناصري، قبل أن ينشق لأسباب غير واضحة، ومبررات غير معروفة.
وأعلن عضو في الوفد الحوثي أمام الملأ أمس أنه جاء مع الوفد الحوثي لكنه لم يكن حوثيا في يوم من الأيام، منتقدا تصرّف رئيس الوفد بعدم إعطائه فرصة للحديث، عندما عبّر عن غضبه قائلا: «لقد جئت مع وفد الحوثيين لكني لست حوثيا»، مشيرا بهذا إلى أنه جرى تهميشه لأنه ليس أحد الحوثيين.
وتصاعدت حدة الخلافات بين ممثلي صالح والحوثي على رئاسة الوفد، والتي تكررت طوال اليومين الماضيين، لدرجة أن الأمم المتحدة طلبت من الحكومة تحمل الأمر وأن يحضر العضو عارف الزوكا، أبرز ممثلي المخلوع صالح في الوفد، إلى جانب محمد عبد السلام رئيس وفد الحوثي والناطق الرسمي باسمه، حتى لا تتأخر المحادثات.
وأثناء المحادثات أصر ممثلو صالح على أنهم لا علاقة لهم بضرب السكان ونهب سلاح الدولة، متهمين الميليشيات التابعة للحوثي وحده، مشددين على أن هذا الاتهام لا يتحمله سوى الحوثي وأعوانه من الميليشيات التابعة له.
وقالت المصادر الدبلوماسية: «إن الخلافات موجودة بشكل كبير ليس بين الوفد الحوثي وصالح، بل بين أسرة الحوثي ومن حولهم، فهم يحاولون تصدر كل شيء ويتجاهلون الآخرين دون إعطائهم أي دور يذكر». وزادت المصادر: «الحوثيون يريدون أن يستفيدوا من وجود الناس معهم من أطراف أخرى كفريق، لكن حقيقة الأمر أن الأشخاص الموجودين معهم ليست لهم أي قيمة في اتخاذ القرار أو التصدي لأي رأي».
في هذه الأثناء، كشف مصدر، فضّل عدم الكشف عن اسمه، أن وجود بعض أفراد الوفد لا يعدو كونه إلا صورة أمام الإعلام والأمم المتحدة والآخرين، لكن حقيقة الأمر أن «الحوثيين يفرضون قناعاتهم وقراراتهم ضد الآخرين ويقصونهم من الإدلاء بأي رأي أو اتخاذ للقرار». وقال أيضا: «هناك انشقاقات واضحة بين الحوثيين وحزب صالح، وتأتي هذه الخلافات نتيجة عدم توافقهم في الرأي ومعاملتهم كموظفين لديهم، ليسوا بإمكانهم الانشقاق عنهم كي لا يتم التخلص منه بطريقتهم الخاصة».
وذهب المصدر إلى القول إن مجيء وفد الحوثي وصالح لمشاورات «جنيف 2» جاء بعد ضغط دولي والنقاش حول تنفيذ القرار 2216، واصفا إياهم بالمراوغين، مدللا على مراوغتهم بما حدث في الافتتاح بعدما تقدم كل وفد منهم بخطابات مكتوبة تحمل قوة وهجوما وحديثا بنفس العقلية السابقة، إلا أنهم عندما وجدوا طرف الحكومة الشرعية متفهما ويتحدث بعقلانية، واستشعروا رغبة ممثلي الحكومة الحقيقية للسلام ومجيئهم لتنفيذ الأجندة المتفق عليها مع الأمم المتحدة التي تم العمل عليها من قبل شهرين، قاموا بتغيير خطاباتهم المكتوبة وحاولوا أن يرتجلوا حديثهم الذي كشف ارتباكهم وعدم وجود استراتيجية لتنفيذ قرار مجلس الأمن.
ورأى المصدر أن هذه المشاهدات التي رصدت في الجلسات تؤكد وجود تباينات وتقهقر وضعف كبير في جبهة الحوثي وصالح، نتيجة عدم رضا بعض الأطراف، وتأكيد على عبثهم، لافتا إلى أنه يجب على الحكومة الشرعية أن تستثمر هذه الانقسامات والانشقاقات والسير باتجاه تطبيق القرار الدولي وعدم اللجوء إلى بدائل أخرى.



15 ألف طالب يمني في تعز تسربوا خلال فصل دراسي واحد

المعلمون في تعز يواصلون احتجاجاتهم المطالبة بزيادة الأجور (إعلام محلي)
المعلمون في تعز يواصلون احتجاجاتهم المطالبة بزيادة الأجور (إعلام محلي)
TT

15 ألف طالب يمني في تعز تسربوا خلال فصل دراسي واحد

المعلمون في تعز يواصلون احتجاجاتهم المطالبة بزيادة الأجور (إعلام محلي)
المعلمون في تعز يواصلون احتجاجاتهم المطالبة بزيادة الأجور (إعلام محلي)

في حين يواصل المعلمون في محافظة تعز اليمنية (جنوب غرب) الإضراب الشامل للمطالبة بزيادة رواتبهم، كشفت إحصائية حديثة أن أكثر من 15 ألف طالب تسربوا من مراحل التعليم المختلفة في هذه المحافظة خلال النصف الأول من العام الدراسي الحالي.

وعلى الرغم من قيام الحكومة بصرف الرواتب المتأخرة للمعلمين عن شهري نوفمبر (تشرين الثاني) وديسمبر (كانون الأول)، فإن العملية التعليمية لا تزال متوقفة في عاصمة المحافظة والمناطق الريفية الخاضعة لسيطرة الحكومة الشرعية بسبب الإضراب.

ويطالب المعلمون بإعادة النظر في رواتبهم، التي تساوي حالياً أقل من 50 دولاراً، حيث يُراعى في ذلك الزيادة الكبيرة في أسعار السلع، وتراجع قيمة العملة المحلية أمام الدولار. كما يطالبون بصرف بدل الغلاء الذي صُرف في بعض المحافظات.

الأحزاب السياسية في تعز أعلنت دعمها لمطالب المعلمين (إعلام محلي)

ووفق ما ذكرته مصادر عاملة في قطاع التعليم لـ«الشرق الأوسط»، فإن محافظتي عدن ومأرب أقرتا صرف حافز شهري لجميع المعلمين يقارب الراتب الشهري الذي يُصرف لهم، إلا أن هذه المبادرة لم تُعمم على محافظة تعز ولا بقية المحافظات التي لا تمتلك موارد محلية كافية، وهو أمر من شأنه - وفق مصادر نقابية - أن يعمق الأزمة بين الحكومة ونقابة التعليم في تلك المحافظات، وفي طليعتها محافظة تعز.

ظروف صعبة

وفق بيانات وزعتها مؤسسة «ألف» لدعم وحماية التعليم، فإنه وفي ظل الظروف الصعبة التي يمر بها قطاع التعليم في مدينة تعز وعموم مناطق سيطرة الحكومة الشرعية المعترف بها دولياً، ازدادت تداعيات انقطاع الرواتب والإضراب المفتوح الذي دعت إليه نقابة المعلمين، مع إحصاء تسرب أكثر من 15 ألفاً و300 حالة من المدارس خلال النصف الأول من العام الدراسي الحالي.

وقال نجيب الكمالي، رئيس المؤسسة، إن هذا الرقم سُجل قبل بدء الإضراب المفتوح في جميع المدارس، وتعذر استئناف الفصل الدراسي الثاني حتى اليوم، معلناً عن تنظيم فعالية خاصة لمناقشة هذه الأزمة بهدف إيجاد حلول عملية تسهم في استمرار العملية التعليمية، ودعم الكادر التربوي، حيث ستركز النقاشات في الفعالية على الأسباب الجذرية لانقطاع الرواتب، وتأثيرها على المعلمين والمؤسسات التعليمية، وتداعيات الإضراب على الطلاب، ومستقبل العملية التعليمية، ودور المجتمع المدني والمنظمات المحلية والدولية في دعم قطاع التعليم.

المعلمون في عدن يقودون وقفة احتجاجية للمطالبة بتحسين الأجور (إعلام محلي)

وإلى جانب ذلك، يتطلع القائمون على الفعالية إلى الخروج بحلول مستدامة لضمان استمرارية التعليم في ظل الأزمات، ومعالجة الأسباب التي تقف وراء تسرب الأطفال من المدارس.

ووجهت الدعوة إلى الأطراف المعنية كافة للمشاركة في هذه الفعالية، بما في ذلك نقابة المعلمين اليمنيين، والجهات الحكومية المعنية بقطاع التعليم، ومنظمات المجتمع المدني المحلية والدولية.

آثار مدمرة

كانت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف) قد ذكرت منتصف عام 2024، أن أكثر من 4.5 مليون طفل في اليمن خارج المدرسة بسبب تداعيات سنوات من الصراع المسلح. وأفادت بأن شركاء التعليم يعيدون تأهيل وبناء الفصول الدراسية، ويقدمون المساعدة التعليمية للملايين، ويعملون على إعادة الآخرين إلى المدارس، وعدّت أن الاستثمار في التعليم هو استثمار في مستقبل الأجيال.

وتقول المنظمة إنه منذ بداية الحرب عقب انقلاب الحوثيين على السلطة الشرعية، خلفت الهجمات التي تعرض لها أطفال المدارس والمعلمون والبنية التحتية التعليمية آثاراً مدمرة على النظام التعليمي في البلاد، وعلى فرص الملايين من الأطفال في الحصول على التعليم.

1.3 مليون طفل يمني يتلقون تعليمهم في فصول دراسية مكتظة (الأمم المتحدة)

وأكدت المنظمة الأممية أن للنزاع والتعطيل المستمر للعملية التعليمية في جميع أنحاء البلاد، وتجزئة نظام التعليم شبه المنهار أصلاً، تأثيراً بالغاً على التعلم والنمو الإدراكي والعاطفي العام والصحة العقلية للأطفال كافة في سن الدراسة البالغ عددهم 10.6 مليون طالب وطالبة في اليمن.

ووفق إحصاءات «اليونيسيف»، فإن 2,916 مدرسة (واحدة على الأقل من بين كل أربع مدارس) قد دمرت أو تضررت جزئياً أو تم استخدامها لأغراض غير تعليمية نتيجة سنوات من النزاع الذي شهده اليمن.

كما يواجه الهيكل التعليمي مزيداً من العوائق، تتمثل في عدم حصول أكثر من ثلثي المعلمين (ما يقرب من 172 ألف معلم ومعلمة) على رواتبهم بشكل غير منتظم منذ عام 2016، أو انقطاعهم عن التدريس بحثاً عن أنشطة أخرى مدرة للدخل.