المحافظون الأميركيون يبحثون عن دم جديد للوصول إلى البيت الأبيض

المحافظون الأميركيون يبحثون عن دم جديد للوصول إلى البيت الأبيض
TT

المحافظون الأميركيون يبحثون عن دم جديد للوصول إلى البيت الأبيض

المحافظون الأميركيون يبحثون عن دم جديد للوصول إلى البيت الأبيض

أطلق المحافظون الأميركيون وخصوصا تيارهم الأقوى المعروف بحزب الشاي الخميس، مؤتمرهم السنوي الكبير الذي يسعون خلاله إلى رسم خارطة طريق للوصول إلى البيت الأبيض بعد أشهر من النكسات التي واجهوها في واشنطن.
فالحل يمر بنظر خطباء عدة مجتمعين قرب واشنطن عبر مبدأ أساسي جديد يقضي بأن يصبح الجمهوريون مجددا قوة بناءة ولا يكتفوا فقط بأن يكونوا قوة معطلة.
وقال حاكم ولاية نيوجرسي كريس كريستي وسط تصفيق حاد «يجب أن نبدأ بالتحدث عما نريد، بدلا من الحديث عما نختلف بشأنه (...) لسبب وجيه وبسيط وهو أن أفكارنا أفضل من أفكار الآخرين».
لكن الجمهوري البالغ من العمر 51 سنة بعيد عن أن يكون من أبطال حزب الشاي (تي بارتي). فقد ظهر مع باراك أوباما بعد الإعصار ساندي الذي اجتاح ساحل نيوجرسي. وعرف بأنه معتدل في هذه الولاية التي اعتادت على انتخاب ديمقراطيين.
إلا أنه قلّص عدد الموظفين ستة آلاف وأنهى الوظائف لمدى الحياة بالنسبة للمدرسين، وقال في هذا الخصوص «إن المعلمين الذين يدرسون يمكنهم البقاء أما الآخرون فيرحلون».
وتابع «لا يمكن أن نحكم إلا إذا فزنا». ودعا إلى التركيز في الحملة الانتخابية على أمثلة تحرير الاقتصاد ومكافحة النقابات التي بدأها عدة حكام جمهوريين في البلاد مثل ويسكونسن وميتشيغن.
كذلك سعى أحد منافسيه المحتملين في الانتخابات التمهيدية الجمهورية، لاختيار مرشح الحزب إلى الانتخابات الرئاسية المرتقبة في 2016، السيناتور تيد كروز (43 سنة) الذي يحظى بتأييد كبير في حزب الشاي لموقفه المتشدد في معارضة خطة أوباما لإصلاح النظام الصحي، إلى رسم أطر برنامج خاصة في مجال الطاقة والتعليم.
وقال متوجها إلى الناشطين «إن أردتم خسارة الانتخابات لا تدافعوا عن شيء»، مضيفا «إنكم ستفوزون في الانتخابات أن بقيتم على موقفكم الحازم بشأن المبادئ وإن كنتم مصدر إلهام للناس، وبقولكم لهم إن توفير مستقبل أفضل أمر ممكن».
واعتبر مايك لي وهو سيناتور آخر يحظى بشعبية كبيرة في صفوف حزب الشاي إنه يتوجب لوقف الخسارة في الانتخابات الرئاسية إنهاء مطاردة «المخالفين» وتوحيد الحزب حول برنامج سياسي محافظ.
وأضاف «حان الوقت كي يتوقف الحزب الجمهوري عن التحدث مثل رونالد ريغان وأن يبدأ العمل مثله».
لكن الوحدة داخل اليمين الأميركي لا تخرج عن كونها أمنية و«مؤتمر العمل السياسي المحافظ» (سي بي إيه سي) يستضيف بريبة البرلمانيين الجمهوريين الذين يصفهم البعض برجالات النظام مثل ميتش ماكونيل أحد السياسيين الأكثر نفوذا في البلاد بصفته رئيس كتلة الجمهوريين في مجلس الشيوخ.
وإن كان السيناتور استقبل بالتصفيق لدى وصوله إلى المنصة وهو يرفع بندقية، فإن بقية خطابه السريع لم يتخلله سوى تصفيق خجول لأن ماكونيل يجسد بالنسبة لحزب الشاي «النظام القائم» في واشنطن الذي تفسده جماعات الضغط والشبكات، وهو بعيد عن الشعب.
ويواجه ماكونيل مرشحا لحزب الشاي يتميز بخطاب هجومي في الانتخابات التمهيدية بولايته كنتاكي.
وقال هال دويرون (72 سنة) الذي جاء من ضاحية هيوستن بولاية تكساس «إننا بحاجة لدم جديد». وتابع «لتحقيق الفوز يحتاج الحزب الجمهوري لاختيار مرشحين يحظون بالقبول داخل حزب الشاي. لكن تي بارتي ينظم حملة نشطة ضد بعض الجمهوريين في النظام وهذا يجعلهم شديدي التوتر».
ومنذ الخريف الماضي واجه تيار حزب الشاي المناهض للدولة والرافض للضريبة نكسات عدة في مواجهة الجمهوريين «المعتدلين»، المتخوفين من موقف زملائهم المتشدد الذي يعتبرونه انتحاريا - بشأن الميزانية والديون والإعانات الزراعية.
وأنصار التيار يعتبرون أن هزيمتهم ليست سوى آنية ويواصلون نشاطهم. ولخص مايك لي الأربعيني، الشعور العام بتوجيه تحذير لا لبس فيه بالمؤتمر «إن (أهل النظام) في الحزب الجمهوري يمكنهم اللحاق بنا والانضمام إلينا، أو عدم الوقوف في طريقنا».



رياح اليسار تهب مجدداً على أميركا اللاتينية

رياح اليسار تهب مجدداً على أميركا اللاتينية
TT

رياح اليسار تهب مجدداً على أميركا اللاتينية

رياح اليسار تهب مجدداً على أميركا اللاتينية

هل عادت رياح اليسار تهب من جديد على أميركا اللاتينية بعد موجة الانتصارات الأخيرة التي حصدتها القوى والأحزاب التقدمية في الانتخابات العامة والرئاسية؟
من المكسيك إلى الأرجنتين، ومن تشيلي إلى هندوراس والبيرو، ومؤخراً كولومبيا، خمسة من أقوى الاقتصادات في أميركا اللاتينية أصبحت بيد هذه الأحزاب، فيما تتجه كل الأنظار إلى البرازيل حيث ترجح الاستطلاعات الأولى فوز الرئيس الأسبق لولا دي سيلفا في انتخابات الرئاسة المقبلة، وإقفال الدائرة اليسارية في هذه المنطقة التي تتعاقب عليها منذ عقود شتى أنظمة الاستبداد العسكري والمدني، التي شهدت أبشع الديكتاتوريات اليسارية واليمينية.
بعض هذه الدول عاد إلى حكم اليسار، مثل الأرجنتين وهندوراس وبوليفيا، بعد أن جنح إلى الاعتدال، ودول أخرى لم تكن تتصور أنها ستقع يوماً في قبضة القوى التقدمية، مثل تشيلي وكولومبيا، فيما دول مثل المكسيك وبيرو ترفع لواء اليسار لكن اقتصادها يحتكم إلى أرسخ القواعد الليبرالية.
هذه الموجة تعيد إلى الأذهان تلك التي شهدتها المنطقة مطلع هذا القرن مع صعود هوغو تشافيز في فنزويلا، وتحت الظل الأبدي الوارف لفيديل كاسترو، فيما أطلق عليه يومها «اشتراكية القرن الحادي والعشرين». ومن المفارقة أن الدوافع التي كانت وراء ظهور هذه الموجة، نجدها غالباً في تمايزها عن تلك الموجة السابقة التي كان لارتفاع أسعار المواد الأولية والصادرات النفطية الدور الأساسي في صمودها. فيما محرك التغيير اليوم يتغذى من تدهور الوضع الاجتماعي الذي فجر احتجاجات عام 2019 وتفاقم مع ظهور جائحة «كوفيد». يضاف إلى ذلك أن تطرف القوى اليمينية، كما حصل في الأرجنتين وكولومبيا وتشيلي وبيرو، أضفى على الأحزاب اليسارية هالة من الاعتدال ساعدت على استقطاب قوى الوسط وتطمين المراكز الاقتصادية.
ومن أوجه التباين الأخرى بين الموجتين، أنه لم يعد أي من زعماء الموجة الأولى تقريباً على قيد الحياة، وأن القيادات الجديدة تتميز ببراغماتية ساعدت على توسيع دائرة التحالفات الانتخابية نحو قوى الوسط والاعتدال كما حصل مؤخراً في تشيلي وكولومبيا.
حتى لولا في البرازيل بحث عن حليفه الانتخابي في وسط المشهد السياسي واختار كمرشح لمنصب نائب الرئيس جيرالدو آلكمين، أحد زعماء اليمين المعتدل، الذي سبق أن هزمه في انتخابات عام 2006.
ولى زمن زعماء اليسار التاريخيين مثل الأخوين كاسترو في كوبا، وتشافيز في فنزويلا، وإيفو موراليس في بوليفيا، الذين اعتنقوا أصفى المبادئ الاشتراكية وحاولوا تطويعها مع مقتضيات الظروف المحلية، وجاء عهد قيادات جديدة تحرص على احترام الإطار الدستوري للأنظمة الديمقراطية، وتمتنع عن تجديد الولاية، وتلتزم الدفاع عن حقوق الإنسان والحفاظ على البيئة.
لكن مع ذلك لا يستقيم الحديث عن كيان واحد مشترك تنضوي تحته كل القوى التقدمية الحاكمة حالياً في أميركا اللاتينية، إذ إن أوجه التباين بين طروحاتها الاقتصادية والاجتماعية تزيد عن القواسم المشتركة بينها، الأمر الذي يدفع إلى التساؤل حول طبيعة العلاقات التي ستقيمها هذه القوى التقدمية مع محيطها، وأيضاً مع بقية دول العالم.
وتشير الدلائل الأولى إلى ظهور توتر يتنامى بين رؤية القوى التقدمية الواقعية والمتعددة الأطراف للعلاقات الدولية، والمنظور الجيوستراتيجي للمحور البوليفاري. ومن المرجح أن يشتد في حال فوز لولا في البرازيل، نظراً لتمايز نهجه الدبلوماسي عن خط كوبا وفنزويلا، في الحكم كما في المعارضة.
ويلاحظ أن جميع القوى اليسارية الحاكمة اليوم في أميركا اللاتينية، وخلافاً لتلك التي حكمت خلال الموجة السابقة، تعتمد أسلوباً دفاعياً يهدف إلى صون، أو إحداث، تغييرات معتدلة من موقع السلطة وليس من خلال التعبئة الاجتماعية التي كانت أسلوب الأنظمة اليسارية السابقة، أو البوليفارية التي ما زالت إلى اليوم في الحكم. ولا شك في أن من الأسباب الرئيسية التي تدفع إلى اعتماد هذا الأسلوب الدفاعي، أن القوى اليسارية والتقدمية الحاكمة غير قادرة على ممارسة الهيمنة السياسية والآيديولوجية في بلدانها، وهي تواجه صعوبات كبيرة في تنفيذ برامج تغييرية، أو حتى في الحفاظ على تماسكها الداخلي.
ويتبدى من التحركات والمواقف الأولى التي اتخذتها هذه الحكومات من بعض الأزمات والملفات الإقليمية الشائكة، أن العلاقات مع كوبا ونيكاراغوا وفنزويلا ستكون مصدراً دائماً للتوتر. ومن الأمثلة على ذلك أن الرئيس الكولومبي الجديد غوستافو بيترو، ونظيره التشيلي، اللذين كانا لأشهر قليلة خلت يؤيدان النظام الفنزويلي، اضطرا مؤخراً لإدانة انتهاكات حقوق الإنسان التي يمارسها نظام نيكولاس مادورو، علماً بأن ملايين الفنزويليين لجأوا في السنوات الأخيرة إلى كولومبيا وتشيلي.
وفي انتظار نتائج الانتخابات البرازيلية المقبلة، وبعد تراجع أسهم المكسيكي مانويل لوبيز لوبرادور والتشيلي بوريتش لقيادة الجبهة التقدمية الجديدة في أميركا اللاتينية، برزت مؤخراً صورة الرئيس الكولومبي المنتخب الذي يتولى مهامه الأحد المقبل، والذي كان وضع برنامجه الانتخابي حول محاور رئيسية ثلاثة تمهد لهذا الدور، وهي: الحفاظ على البيئة والموارد الطبيعية وتغير المناخ، والدور المركزي لمنطقة الكاريبي والسكان المتحدرين من أصول أفريقية، والميثاق الإقليمي الجديد الذي لا يقوم على التسليم بريادة الولايات المتحدة في المنطقة لكن يعترف بدورها الأساسي فيها.