جمهورية «ماسبيرو» الإعلامية

تضم 40 ألف موظف.. وأرهقتها الديون

مبنى «ماسبيرو» على كورنيش القاهرة (صورة أرشيفية)
مبنى «ماسبيرو» على كورنيش القاهرة (صورة أرشيفية)
TT

جمهورية «ماسبيرو» الإعلامية

مبنى «ماسبيرو» على كورنيش القاهرة (صورة أرشيفية)
مبنى «ماسبيرو» على كورنيش القاهرة (صورة أرشيفية)

عشرات الممرات الدائرية تمشي فيها بلا دليل، تؤدي بك إلى ممرات دائرية جديدة، من طابق إلى طابق، حتى تشعر بالإرهاق وتبحث عن مرشد. أنت الآن في مبنى ماسبيرو. من الصعب على الموظف الجديد أو الضيف الوصول إلى نهاية في متاهة شبه معتمة دون مساعدة.
جرى تأسيس المبنى على هيئة أسطوانية من الخارج والداخل عام 1959. يشرف على كورنيش نيل القاهرة، وله أبواب ضخمة موزعة على الاتجاهات الأربعة، ومجموعة من المصاعد في كل جانب تقريبا. يقول المثل القديم إن من يتحكم في ماسبيرو يتولى السلطة في أكبر بلدان منطقة الشرق الأوسط سكانا. أحاطت به الدبابات والمدرعات في أيام الحروب وأيام الثورات وأيام الفوضى.
وبينما الزمن يجري ويتغير مثل جريان النهر، ظل ماسبيرو، بجيوش الموظفين فيه، واقفا في ثبات، حتى أدركه سيل إعلام القطاع الخاص والفضائيات التلفزيونية والمحطات الإذاعية العابرة للحدود، إضافة للإنترنت. واليوم، وبينما يستعد أول برلمان منتخب في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي، لتعديل القوانين المنظمة للعمل الإعلامي، بدأ المبنى ينفض غبار السنين عن نفسه ويبحث عن طريق مغاير في عالم مختلف.
يقدر عدد العاملين في ماسبيرو بنحو 40 ألفا. لهذا أغلب الموظفين في الداخل بلا مكاتب. يتبادلون الوقوف في الممرات لشرب الشاي والتدخين. أما في الشوارع المجاورة، وفي الجراجات الثلاثة القريبة، فإنك لا تجد مكانا لصف السيارة، لدرجة أن البعض يطلق على المبنى «جمهورية ماسبيرو الإعلامية». يبلغ عدد القنوات التلفزيونية التي يديرها ويبثها نحو عشرين قناة، والمحطات الإذاعية نحو عشرين محطة. ومع ذلك يعاني ضعف القدرة على المنافسة، ومن ديون بمئات الملايين من الدولارات.
«الزحام فيه أصبح يخنق الإبداع».. هكذا تقول سكينة فؤاد، وهي عضو في لجنة حاولت إصلاح أوضاع ماسبيرو في مرحلة ما بعد مبارك. كما أنها مستشارة سابقة للرئاسة المصرية. وتضيف: «يجب إعادة الهيكلة وتكوين المؤسسات المعنية بالإعلام التي نص عليها الدستور». وتحتفظ السيدة فؤاد بذكريات كثيرة عن المبنى الذي عملت فيه كإعلامية ورئيسة تحرير لعقود من الزمن: «آن الأوان لكي يشترك الجميع في رسم خريطة لمستقبل ماسبيرو».
الاسم الحقيقي والرسمي لهذا الصرح الذي يصل ارتفاعه اليوم لنحو ثلاثين طابقا، هو «اتحاد الإذاعة والتلفزيون». استمد شهرته من شارع يحمل اسم العالم الفرنسي، جاستون ماسبيرو، الذي كان يشغل قبل 130 سنة منصب مدير مصلحة الآثار المصرية. وبالقرب من منطقة بولاق أبو العلا الفقيرة، وقصور الباشاوات المهجورة، والمتحف المصري ذي اللون الأحمر، جرى وضع أولى لبنات المبنى ليكون، منذ بداية ستينات القرن الماضي، علامة على مرحلة جديدة في عمر المصريين، ولتخرج منه، وتنتقل عبر الأثير، خطب عبد الناصر والسادات ومبارك، وبيانات الثورة والتحرير والحرب والهزيمة والتنحي. واليوم تبدو الأضواء عبر الممرات خافتة وكابية.
وبعد ثورة 2011 جاء للحكم المجلس العسكري، ثم محمد مرسي، ومن بعده الرئيس المؤقت عدلي منصور، إلى أن تولى الرئيس عبد الفتاح السيسي السلطة منتصف العام الماضي. وخلال السنوات الأربع الأخيرة انخفض عدد العاملين في ماسبيرو بمقدار يتراوح بين خمسة آلاف وتسعة آلاف، لسببين؛ الأول تقليص تعيين موظفين جدد، والثاني خروج القدامى للتقاعد. ويقول مسؤول حكومي إنه إذا استمرت الخطة (أي وقف التعيينات) فقد ينخفض العدد ألوفا أخرى.
من ثنايا اللغط الدائر هذه الأيام حول ماسبيرو ومستقبله تستطيع أن تدرك أن قنواته ومحطاته، رغم الفقر، ما زالت المعبِّر الرسمي عن الدولة، لكن الدكتور أحمد كامل، مستشار الإعلام السياسي بالعاصمة المصرية، يقول إنه وعلى عكس الصحف والإذاعات الرسمية، فقد التلفزيون، وهو جزء من ماسبيرو، قدرته على أن يكون مؤثرا على الجمهور في الداخل والخارج.
«رغم كل شيء ما زال في ماسبيرو ما يرمز للسلطة.. إنه أحد مصادر القوة والبريق التي لم تخفت بعد»، يقول الدكتور ياسر عبد العزيز، الذي عمل في السابق مستشارا لدى هيئة الإذاعة البريطانية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. ويضيف موضحا أن مشكلة ماسبيرو اليوم هي «نتيجة لعقود من التوظيف الدعائي لأدوات الدولة الإعلامية وهيمنة السلطة التنفيذية على تلك الأدوات»، إلى جانب «التوظيف على أسس اجتماعية، أي بالواسطة والمحسوبية والولاء».
منذ غياب مبارك تغيرت أشياء كثيرة، من بينها انفتاح المجال على مصراعيه لقنوات التلفزيون الخاصة، ومنها، وهو الأهم، إلغاء وزارة الإعلام التي ظلت من الوزارات المهمة وذات الحساسية لأنها تشرف على لسان الدولة في الداخل والخارج. وبدلا من ذلك، نصت المادة 213 من الدستور الذي جرى إقراره العام الماضي، على تكوين «هيئة مستقلة تقوم على إدارة المؤسسات الإعلامية المرئية والإذاعية والرقمية المملوكة للدولة، وتطويرها، وتنمية أصولها، وضمان استقلالها وحيادها، والتزامها بأداء مهني، وإداري، واقتصادي رشيد».
وتحتاج المادة الدستورية إلى قانون يحولها إلى واقع. ومن المنتظر أن يقوم البرلمان بهذه المهمة. ومثل ألوف العاملين في اتحاد الإذاعة والتلفزيون، يخشى معد البرامج، محمود، البالغ من العمر 42 عاما، من الإحالة للتقاعد أو النقل إلى وظائف أخرى تابعة للدولة أيضا. وتتضمن تقارير جرى إعدادها من قبل لجان مكلفة من الحكومة ببحث مشكلة ماسبيرو اقتراحات عديدة من بينها المقترح الأصعب، وهو «تخفيض العمالة». لكن موظفين كبارا في المبنى لديهم حلول بسيطة ومعروفة؛ أي «العمل بنفس طريقة القنوات المنافسة».
كما أن التلفزيون والإذاعة كانا قبل 30 سنة يبتكران كل شيء.. المسلسلات، فوازير رمضان، حفلات أضواء المدينة، البرامج الثقافية والسياسية والدينية، فقرات الأطفال التي كان ينتظرها الصغار والكبار.. الخ. ويضيف محمود: «انظر كيف تغير الزمن، بينما أنت تعمل بنفس الآليات القديمة. مثلا حين تتحدث عن انخفاض مستوى ضيوف عدة قنوات تلفزيونية رسمية، يقال لك إن قنوات ماسبيرو لا تعطي مقابل استضافة متحدث سواء كان سياسيا أو معلقا على الأحداث أو خبيرا، بينما القنوات المنافسة، من القطاع الخاص المحلي أو القنوات العربية والأجنبية، تدفع للضيف».
رواتب الإعلاميين والفنيين الزهيدة تدفعهم للعمل مع قنوات أخرى منافسة. «راتبي لا يكفي نفقات المعيشة»، يقول محمود، الذي يعمل بعد دوامه الرسمي، مثل كثيرين من زملائه، لصالح قنوات خاصة تبث برامج دردشة مسائية. ولا يوجد في لوائح ماسبيرو ما يمنع ذلك.
ومن الاقتراحات الأخرى التي تجري دراستها منع موظفي ماسبيرو، من مصورين ومعدين ومخرجين، من التعاقد مع قنوات خاصة طالما هم متعاقدون مع اتحاد الإذاعة والتلفزيون. وتقول السيدة فؤاد إن إحدى مهام المجلس النيابي الجديد «تفعيل القوانين الخاصة بالإعلام.. أتصور أنه يجب النظر أولا في أحوال العاملين، بحيث لا يمكن أن يكون كل من دخل من باب المبنى قد تحول إلى مقدم برامج ومذيع. يجب النظر بحيادية ومهنية بما يحفظ حقوق العاملين والمشاهدين في إعلام حقيقي».
لا أحد ينكر أن ماسبيرو فيه كفاءات كثيرة. بكل بساطة يقال لك إن غالبية المذيعين والعاملين في عشرات القنوات المملوكة للقطاع الخاص هم أبناء ماسبيرو أساسا. وتعلق سكينة فؤاد قائلة: «أرى أن ماسبيرو يمتلئ بالكفاءات، والإعلام الخاص كله أخذ من ماسبيرو، لكن المشكلة تكمن في تنظيم العمل الداخلي.. لا بد من إعادة توزيع العمالة على أسس موضوعية». وتقول: «أثق في وجود القدرة على إعادة الهيكلة وترتيب الأوضاع داخل هذا البيت الضخم».
في الوقت الراهن توجد لجنة وطنية مشكلة من أساتذة وخبراء في الإعلام ومن أبناء المهنة، تقوم بوضع دراسات بشأن ماسبيرو.. «ويجب احترام رأيهم والأخذ به». ومثل كثيرين يرفضون العصف بحقوق العاملين فيه، تقول سكينة فؤاد إن المطلوب ليس المساس بهؤلاء، لكن المشكلة أن كل من يدخل من باب المبنى بصفة وظيفية يتركها ويحمل صفة أخرى.. «هذا أدى لاختلاط الأمور بشدة». وتضيف أن «ما نحتاجه هو أن تتاح فرصة لكل مذيع ولكل مقدم برامج. الزحام يخنق الجميع ويخنق الإبداع. هل هذا يعني العصف بحقوق العاملين؟ لا، لكنْ، مطلوب ترتيب البيت من الداخل بعدالة ومهنية دون واسطة، وألا يكون هناك تمييز إلا بالكفاءة».
من أعلى كوبري السادس من أكتوبر في وسط القاهرة، ومن الكورنيش القريب من مقر وزارة الخارجية المصرية، يمكن أن ترى الهوائي الضخم والأطباق اللاقطة لأجهزة إرسال اتحاد الإذاعة والتلفزيون. وتوجد في مصر ثلاثة أذرع إعلامية رئيسية تعد بمثابة صوت الدولة.. الذراع الأولى تتمثل في «ماسبيرو»، والثانية «وكالة أنباء الشرق الأوسط»، والثالثة «الهيئة العامة للاستعلامات».
وتقدر رواتب العاملين في ماسبيرو فقط بنحو ربع مليار جنيه (الدولار يساوي نحو 8 جنيهات). ويقول الدكتور عبد العزيز إن «ماسبيرو رغم ما فيه من إشكاليات كبيرة فإنه ما زال لديه عدد من مصادر البريق، مثل التعبير عن صوت الدولة وسياستها وقراراتها، لأن ما يقال عبر التلفزيون العام هو يمثل العموم ويخاطب العموم، وهذا الأمر موجود في كل الدول، سواء كانت دولا متقدمة أو غير متقدمة. والمصدر الآخر من مصادر البريق أن ماسبيرو يمتلك ثروة من المصنفات التي تعود لعقود سابقة، وتتميز بالكثير من الأهمية، ولها أبعاد وجدانية ووطنية».
إلا أن «هيكل الموارد البشرية في ماسبيرو لم يتم انتقاؤه وفق أسس أو معايير مهنية»، كما يوضح عبد العزيز، مشيرا إلى أن «آليات الترقي والصعود اعتمدت لسنوات على المحسوبية والولاء. الدولة غضت الطرف عن أساليب الإنفاق الخاطئة، فتراكمت الديون حتى تجاوزت 22 مليار جنيه». وهو يرى أن الدولة أيضا لم تضمن ترقية أدوات التلفزيون العام التنافسية «فبات عاجزا عن الوفاء بدوره الأساسي، وهو أن يكون مصدر الاعتماد الرئيسي للمواطنين في ما يخص الأخبار والمعلومات والتثقيف والترفيه عبر وسائل الإعلام».
رغم كل شيء فإن ماسبيرو ما زال يمتلك دائرة صناعة إعلامية متكاملة، من معدات واستوديوهات، وإشارات البث، وحصص في بعض المشاريع الإعلامية العملاقة مثل «نايل سات»، أو كما يؤكد عبد العزيز: «ما زالت تتوافر فيه بعض مصادر القوة والأهمية، ومنها أن به عددا كبيرا من الإعلاميين المميزين، وإن كانت آليات العمل فيه لا تسمح بإطلاق قدراتهم على النحو المأمول».
و«الحل بسيط»، وفقا للدكتور عبد العزيز، وهو تفعيل المادة 213 من الدستور، لكنه يقول إن تفعيلها «لا بد أن يكون متلائما مع روح الدستور واستحقاقاته في ما يتعلق بوسائل الإعلام العامة، خاصة ما ورد في المادة 72 والتي تنص على التزام الدولة بضمان استقلال وسائل الإعلام المملوكة لها، بما يكفل حيادها، وتعبيرها عن كل الآراء والاتجاهات السياسية والفكرية والمصالح الاجتماعية، ويضمن المساواة وتكافؤ الفرص في مخاطبة الرأي العام». ويضيف: «من الممكن أن تكون قريبة من تجربة (بي بي سي)».
المشكلة أن ماسبيرو ليس جسما عاديا. إنه يشبه الأخطبوط بأذرعه الكثيرة، بغض النظر عن قدرته على التأثير أو الربح.. يوجد ضمن شبكة «التلفزيون المصري» كل من «القناة الأولى» و«القناة الثانية» و«الفضائية المصرية» و«الفضائية الموجهة للولايات المتحدة الأميركية». ومن كثرة الأبواب المطلة على الممرات الدائرية من الصعب أن تعرف من أين دخلت وكيف تخرج. ويقول المعد محمود: «كثيرٌ من الضيوف يتوهون. المشي داخل المبنى يحتاج خبرة». وتبث قنوات هذه الشبكة نحو 34789 ساعة في السنة وفقا للجهاز المركزي للإحصاء. وتشمل شبكة «تلفزيون النيل» عدة قنوات متخصصة هي «النيل»، و«سينما» و«الثقافية» و«المنوعات» و«الأسرة والطفل» و«الرياضة» و«التعليمية» و«البحث العلمي» و«التعليم العالي» و«كوميدي». وتبث القنوات المتخصصة في السنة 76409 ساعات وفقا للمصدر نفسه. ومن قنوات شبكة «تلفزيون المحروسة» (خاصة بالأقاليم المصرية)، قناة «القاهرة» و«الدلتا» و«الإسكندرية» و«القنال» و«الصعيد» و«طيبة». وتبث 35856 ساعة في السنة.
أما المحطات الإذاعية فأهمها «الإذاعة العامة» التي تبث من خلالها إذاعات ذات تاريخ مثل «البرنامج العام» منذ سنة 1934، و«صوت العرب»، و«القرآن الكريم» و«الشرق الأوسط» و«الأغاني» و«راديو مصر» و«البرنامج الثقافي» و«الشباب والرياضة» و«البرنامج الموسيقى» و«البرنامج الأوروبي» و«الأخبار والموسيقى»، و«التعليمية»، بالإضافة إلى إذاعات أخرى إقليمية وموجهة.



«واشنطن بوست» لن تؤيد أي مرشح للرئاسة الأميركية

باتريك سون شيونغ (أ.ب)
باتريك سون شيونغ (أ.ب)
TT

«واشنطن بوست» لن تؤيد أي مرشح للرئاسة الأميركية

باتريك سون شيونغ (أ.ب)
باتريك سون شيونغ (أ.ب)

في كل انتخابات رئاسية وعامة تشهدها الولايات المتحدة، كان للمؤسسات الإعلامية الأميركية على الدوام نصيب من تداعياتها. وفي العادة أن جلّ المؤسسات الاعلامية كانت تنحاز لأحد طرفي السباق، حتى في بعض الانتخابات التي كانت توصف بأنها «مفصلية» أو «تاريخية»، كالجارية هذا العام. بل وكان الانحياز يضفي إثارة لافتة، لا سيما إذا «غيّرت» هذه المؤسسة أو تلك خطها التحريري المألوف، في محاولة للظهور بموقف «حيادي».

غير أن الواقع كان دائماً يشير إلى أن العوامل التي تقف وراء هذا «التغيير» تتجاوز مسألة الحفاظ على الحياد والربحية وتعزيز المردود المالي. إنها سياسية بامتياز، خصوصاً في لحظات «الغموض والالتباس» كالتي يمر بها السباق الرئاسي المحتدم هذا العام بين نائبة الرئيس كامالا هاريس مرشحة الحزب الديمقراطي والرئيس السابق دونالد ترمب مرشح الحزب الجمهوري.

مقر «اللوس أنجليس تايمز» (أ.ب)

«واشنطن بوست» لن تؤيد أي مرشح!

يوم الجمعة، أعلن ويليام لويس، الرئيس التنفيذي وناشر صحيفة «واشنطن بوست»، التي يملكها الملياردير جيف بيزوس، رئيس شركة «أمازون» العملاقة، أنها لن تؤيد أي مرشح رئاسي لا في هذه الانتخابات، ولا في أي انتخابات رئاسية مستقبلية. وأضاف لويس، في مقال: «نحن نعود إلى جذورنا بالإحجام عن تأييد المرشحين الرئاسيين... هذا من تقاليدنا ويتفق مع عملنا في 5 من الانتخابات الـ6 الأخيرة». وتابع لويس: «ندرك أن هذا سيُفسَّر بطرق مختلفة، بما في ذلك اعتباره تأييداً ضمنياً لمرشح واحد، أو إدانة لمرشح آخر، أو تنازلاً عن المسؤولية... هذا أمر لا مفر منه. لكننا لا نرى الأمر بهذه الطريقة. إننا نرى ذلك متوافقاً مع القِيَم التي طالما دافعت عنها صحيفة (واشنطن بوست)». واختتم: «إن وظيفتنا في الصحيفة هي أن نقدّم من خلال غرفة الأخبار، أخباراً غير حزبية لجميع الأميركيين، وآراءً محفزة على التفكير من فريق كتّاب الرأي لدينا لمساعدة قرائنا على تكوين آرائهم الخاصة». إلا أنه في بيان وقّعه عدد من كبار كتّاب الرأي في الصحيفة، بينهم ديفيد إغناتيوس ويوجين روبنسون ودانا ميلبنك وجينيفر روبن وروث ماركوس، وصف الموقّعون القرار بأنه «خطأ فادح». وتابع البيان أن القرار «يمثّل تخلّياً عن المُعتقدات التحريرية الأساسية للصحيفة... بل في هذه لحظة يتوجّب على المؤسسة أن توضح فيها التزامها بالقيَم الديمقراطية وسيادة القانون والتحالفات الدولية والتهديد الذي يشكله دونالد ترمب على هذه القيم...». ومضى البيان: «لا يوجد تناقض بين الدور المهم الذي تلعبه (واشنطن بوست) بوصفها صحيفة مستقلة وممارستها المتمثّلة في تقديم التأييد السياسي... وقد تختار الصحيفة ذات يوم الامتناع عن التأييد، لكن هذه ليست اللحظة المناسبة، عندما يدافع أحد المرشحين عن مواقف تهدّد بشكل مباشر حرية الصحافة وقِيَم الدستور».

مقر «الواشنطن بوست» (آ. ب.)

... وأيضاً «لوس أنجليس تايمز»

في الواقع خطوة «واشنطن بوست» سبقتها، يوم الأربعاء، استقالة مارييل غارزا، رئيسة تحرير صحيفة «لوس أنجليس تايمز»، كبرى صحف ولاية كاليفورنيا، احتجاجاً على منع مالك الصحيفة، الملياردير باتريك سون شيونغ، مجلس التحرير من إعلان تأييد هاريس. وهذه الخطوة أشاد بها ترمب، وعلّقت حملته، في بيان، بأن «زملاء هاريس في كاليفورنيا يعرفون أنها ليست مؤهلة للوظيفة». غارزا كتبت في رسالة استقالتها «أن الصمت ليس مجرد لامبالاة، بل هو تواطؤ»، معربة عن قلقها من أن هذه الخطوة «تجعلنا نبدو جبناء ومنافقين، وربما حتى متحيّزين جنسياً وعنصريين بعض الشيء». وأردفت: «كيف يمكننا أن نمضي 8 سنوات في مهاجمة ترمب والخطر الذي تشكّله قيادته على البلاد ثم نمتنع عن تأييد المنافس الديمقراطي اللائق تماماً الذي سبق لنا أن أيدناه لعضوية مجلس الشيوخ؟»، في إشارة إلى هاريس. من جانبه، كتب سون شيونغ، في منشور على وسائل التواصل الاجتماعي، أن هيئة التحرير «أتيحت لها الفرصة لصياغة تحليل واقعي» للسياسات التي يدعمها كل مرشح خلال فترة وجوده في البيت الأبيض، وعلى مسار الحملة الانتخابية، كي يتمكّن «القراء (أنفسهم) من تحديد مَن يستحق أن يكون رئيساً»، مضيفاً أن الهيئة «اختارت الصمت»!

هل الدافع تجاري؟

بالمناسبة، سون شيونغ يُعد من الداعمين للديمقراطيين عموماً، يرجح البعض أن يكون الدافع وراء موقفه الاعتبارات التجارية، ومنها جذب مزيد من القراء، بمَن فيهم الموالون للجمهوريين، لرفع نسبة الاشتراكات والدعايات والإعلانات، عبر محاولة تقديم الصحيفة بمظهر وسطي غير منحاز. كذلك، سون شيونغ، الطبيب والقطب في مجال التكنولوجيا الحيوية من منطقة لوس أنجليس، الذي ليست له أي خبرة إعلامية، كان قد اشترى الصحيفة التي يزيد عمرها على 140 سنة والشركات التابعة لها، مقابل 500 مليون دولار عام 2018. لكن خسائر الصحيفة استمرت، ما دفعه إلى تسريح نحو 20 في المائة من موظفيها هذا العام. وذكرت الصحيفة أن مالكها اتخذ هذه الخطوة بعد خسارة «عشرات الملايين من الدولارات» منذ شرائها.

ترمب يدعو لإلغاء تراخيص الأخبار

ما حصل في «واشنطن بوست» و«لوس أنجليس تايمز» سلّط حقاً الضوء على التحديات التي تواجهها المؤسسات الإعلامية الأميركية وسط الضغوط المتزايدة عليها، وتحويلها مادة للسجال السياسي.

وفي الواقع، تعرّضت وسائل الإعلام خلال العقد الأخير للتهديدات ولتشويه صورتها، وبالأخص من الرئيس السابق ترمب، الذي كرر اتهام منافذ إخبارية كبرى بالتشهير، ومنع الصحافيين من حضور التجمّعات والفعاليات التي تقام في البيت الأبيض، وروّج لمصطلح «الأخبار المزيفة»، الذي بات يتبناه الآن العديد من قادة اليمين المتطرف في جميع أنحاء العالم.

وفي حملات ترمب الجديدة على الإعلام، اقترح أخيراً تجريد شبكات التلفزيون من قدرتها على بث الأخبار، إذا كانت تغطيتها لا تناسبه. وكتب على منصته «تروث سوشال» في الأسبوع الماضي «يجب أن تخسر شبكة (السي بي إس) ترخيصها. ويجب وقف بث برنامج (60 دقيقة) على الفور». وكرّر مطالبه في الخطب والمقابلات، مردداً دعواته السابقة لإنهاء ترخيص شبكة «الإيه بي سي» بسبب استيائه من الطريقة التي تعاملت بها مع المناظرة الوحيدة التي أُجريت مع هاريس.

وقال في مقابلة مع قناة «فوكس نيوز» الداعمة له: «سنستدعي سجلاتهم»، مجدداً ادعاءه أن تحرير الشبكة لمقابلتها مع هاريس في برنامج «60 دقيقة»، كان «مضللاً» ورفض عرض الشبكة إجراء مقابلة معه. وأيضاً رفض الإجابة عما إذا كان إلغاء ترخيص البث «عقاباً صارماً»، ليشن سلسلة من الإهانات لهاريس، قائلاً إنها «غير كفؤة» و«ماركسية».