قبل أكثر من سنة تقريبا، انفجر كويكب صغير فوق مدينة تشيليابينسك في روسيا بقوة تفوق قوة قنبلة نووية، مما سلط الأضواء على المخاطر التي تشكلها الأجسام القريبة من الأرض.
ومنذ ذلك الحين، استمرت وكالة الطيران والفضاء الأميركية (ناسا) في البحث عن سبل للحماية من خطر الموت المقبل علينا من أعماق الفضاء.
* أسر الكويكبات
وقامت «ناسا» على الأثر بنشر تفاصيل عن مهمة «أسترويد ريدايركت ميشن» (إيه آر إم) للتعرف على مثل هذه الكويكبات الصغيرة، وإيقاعها «في الأسر»، وإعادة توجيهها إلى مدار آمن حول القمر. وحالما تصبح هناك، أو واحدة منها، يمكن للعلماء إجراء الأبحاث عليها في العشرينات من هذا القرن.
ولكن، كيف يمكن أسر كويكب مثل هذا؟ حسنا عن طريق كيس، أو حقيبة كبيرة جدا. وثمة فكرتان مقترحتان في هذا الصدد. الأولى: يمكن لـ«ناسا» إعادة توجيه المسار لكويكب صغير، أو بدلا من ذلك يمكن الإمساك بقطعة صغيرة من كويكب كبير.
لكن التعرف على واحد منها ليس سهلا. فغالبية الأجسام القريبة من الأرض كبيرة جدا، بينما البعيدة عنها لا يمكن تقرير حجمها. وفي هذا الصدد، يقول بول شوداس، كبير العلماء في مكتب برنامج الأجسام القريبة من الأرض، في مختبر الدفع النفاث التابع لـ«ناسا» في باسادينا، بلوس أنجليس: «ثمة عناصر أخرى لها علاقة، لكن إذا كان الحجم هو العامل الوحيد، فإننا سنبحث عن كويكب أصغر من 12 مترا في القطر، فهنالك مئات الملايين من هذه الأجسام بمثل هذا الحجم، لكنها صغيرة، ولا تعكس الكثير من الضوء، مما يصعب أمر الكشف عليها. وأفضل وقت لاكتشافها عندما تكون براقة وقريبة من الأرض».
وستقوم مهمة «إيه آر إم» باستخدام الإمكانات المتوافرة كافة في عمليات التطوير، بما في ذلك توظيف مركبة «أوريون» الفضائية الجديدة وإمكانات صاروخ نظام الإطلاق الفضائي (إس إل إس)، فضلا عن أسلوب الدفع الكهربائي الشمسي العالي القدرة. وهذه مكونات مهمة لاكتشاف الفضاء البعيد، وضرورية لتحقيق أهداف «ناسا» لإرسال بشر إلى المريخ في الثلاثينات من القرن الحالي.
* صدمة حرارية
على صعيد آخر، تكهن علماء روس بأن الرحلات الفضائية تنطوي على ظهور نوع من البروتينات الخاصة بـ«الصدمة الحرارية»، الأمر الذي يؤدي إلى التصاقها بمستقبلات «تول» (Toll path receptors)، وبهذا فإنها تخفض من قدرة الكاشفات العاملة للعثور على مسببات الأمراض في نظام المناعة. والنتيجة حدوث تفاعل صغير، وصولا إلى إمكانية حدوث خطر كبير للإصابة بالأمراض.
وباتت الأدلة واضحة اليوم على مدى ما تتركه الرحلة الفضائية من آثار على نظام المناعة. فقد أفيد بـ29 إصابة عدوى على الأقل حصلت على متن المركبات الفضائية خلال دراسة أجريت في عام 2012 التي نظرت في 106 رحلات شملت 742 من طواقم الملاحين، بينها نزلات الرشح ونزلات برد، وإصابات فطرية، والتهابات بالمعدة والأمعاء وغيرها. والأسوأ من ذلك هو وجود هؤلاء الملاحين على مسافة ملايين الأميال من منازلهم المريحة وأسرتهم وطعامهم المناسب.
ويضطرب نظام المناعة ويتشوش في الفضاء الخارجي، كما أن الجروح تندمل وتبرأ ببطء، وخلايا «تي» المقاومة للالتهابات تشرع في إرسال رسائل تعلن عن عدم كفاءتها، وفقا لموقع «سبايس دايلي» الإلكتروني. كذلك الحال بالنسبة إلى نخاع العظام الذي يتجدد بصورة أقل فعالية.
وهكذا، تنعم مسببات الأمراض ببيئة مريحة في الفضاء، حيث تتنامى قوتها وتتضاعف، مشيدة جدارا واقيا ضد مضادات الميكروبات. وقد أفيد بنوع خاص عن انتعاش مرض القوباء الجلدي، والمكورات العنقودية في بيئات انعدام الجاذبية في المركبات الفضائية التي تكون قد خضعت لتعقيم كلي وصارم.
وتناولت إحدى الدراسات الأخيرة في هذا الشأن ذباب الفاكهة الذي جرى استيلاده في الفضاء، لكون نظامها المناعي شبيها بالإنسان، فتبين أن انعدام الجاذبية قد قضى كليا على نظامها المناعي ضد الفطريات. كذلك درس الباحثون الجاذبية المولدة صناعيا بالقوة الطردية أو النابذة، فتبين أن استجابتها المناعية تزداد بازدياد شدة الجاذبية.
ولهذا، فإن الجاذبية المفتعلة، أو المصطنعة عن طريق القوة الطردية هي الحل الأفضل لتذليل مثل هذه المشكلات، والحفاظ على كثافة عظام رواد الفضاء، وكتلهم العضلية.
«نيويورك تايمز» تتحدث عن محنة العلماء الفلسطينيينhttps://aawsat.com/%D8%B9%D9%84%D9%88%D9%85/5090129-%D9%86%D9%8A%D9%88%D9%8A%D9%88%D8%B1%D9%83-%D8%AA%D8%A7%D9%8A%D9%85%D8%B2-%D8%AA%D8%AA%D8%AD%D8%AF%D8%AB-%D8%B9%D9%86-%D9%85%D8%AD%D9%86%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%84%D9%85%D8%A7%D8%A1-%D8%A7%D9%84%D9%81%D9%84%D8%B3%D8%B7%D9%8A%D9%86%D9%8A%D9%8A%D9%86
صورة من جامعة «بيرزيت» لطلاب دراسة الفيزياء الفلكية
نيويورك:«الشرق الأوسط»
TT
نيويورك:«الشرق الأوسط»
TT
«نيويورك تايمز» تتحدث عن محنة العلماء الفلسطينيين
صورة من جامعة «بيرزيت» لطلاب دراسة الفيزياء الفلكية
لعقود من الزمن كان السعي وراء مهنة علمية في الأراضي الفلسطينية محفوفاً بالمخاطر. ثم هاجمت «حماس» إسرائيل في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، مما أشعل حرباً في قطاع غزة مستمرة منذ أكثر من عام.
حوار مع علماء فلسطينيين
ومع قصف إسرائيل وغزو غزة في حملة للقضاء على «حماس»، تم تدمير المدارس واضطر الطلاب إلى مواصلة دراستهم عن بُعد أو وقفها تماماً. أما الأطباء فقد عملوا في ظروف متدهورة على نحو متزايد. وشعر الفلسطينيون خارج المنطقة أيضاً بآثار الحرب.
وقد تحدثت صحيفة «نيويورك تايمز» إلى أربعة فلسطينيين يعيشون في غزة والضفة الغربية والخارج، حول الصراع الذي يَلوح في الأفق بشأن أبحاثهم العلمية وعملهم الطبي: كما كتبت كاترينا ميلر(*).
من فلسطين الداخل... نحو هارفارد
* أسيد السر (32 عاماً): في عام 1948، انتقلت عائلة الدكتور أسيد السر إلى غزة من حمامة، وهي قرية على أرض أصبحت الآن جزءاً من إسرائيل. وقال السر، وهو طبيب مقيم في الجراحة العامة وباحث في تكساس، إنه أكمل دراسته في كلية الطب في غزة عام 2016، ودرس في جامعة أكسفورد لبعض الوقت، ثم انتقل إلى جامعة هارفارد عام 2019 لإجراء بحث حول جراحة الصدمات الطارئة.
وقال إن الدراسة في أوروبا والولايات المتحدة تختلف عن الدراسة في غزة. فالوصول غير المحدود إلى الكهرباء والمياه والإنترنت أمر مفروغ منه، والسفر، في الغالب، غير مقيد. وقال: «كان هذا صادماً بالنسبة لي».
في غزة، اختار والدا السر مكان العيش بناءً على المكان الذي سيكون لديهم فيه وصول ثابت إلى الإنترنت، حتى يتمكن هو وإخوته من متابعة دراستهم. بالنسبة إلى الكهرباء، كان لديهم مولد للطاقة. وإذا نفد غازه، كانوا يعتمدون على الألواح الشمسية والشموع والبطاريات.
وتوفر الدراسة في الخارج مزيداً من الفرص. لفعل ذلك، كان على السر التقدم بطلب للحصول على تصاريح من الحكومات في إسرائيل ومصر والأردن وغزة. وقال إن العملية قد تستغرق شهوراً. واستغرق الأمر منه ثلاث محاولات للحصول على القبول في أكسفورد. تقدم بطلب للحصول على ما يقرب من 20 منحة دراسية وفاز بواحدة. ومع هارفارد، استمر في التقديم. وقال السر إن هذه المثابرة شيء تعلمه من العيش في غزة.
كان السر في تكساس في 7 أكتوبر 2023. لكنَّ عائلته عادت إلى منزلها في غزة، وتعيش بالقرب من مستشفى الشفاء. في العام الماضي، داهمت إسرائيل مستشفى الشفاء. ثم انتقلت عائلة السر المباشرة منذ ذلك الحين إلى الجنوب، ودُمرت منازلهم في غزة، كما قال، فيما كان يواصل تدريبه الطبي في تكساس.
فيزيائية بجامعة بيرزيت
* وفاء خاطر (49 عاماً). نشأت وفاء خاطر في الضفة الغربية، وهي منطقة تقع غرب نهر الأردن تحتلها إسرائيل منذ عام 1967. ثم انتقلت إلى النرويج لمتابعة دراستها للدكتوراه في الفيزياء بجامعة بيرغن.
أتيحت لها الفرصة للبقاء في النرويج بشكل دائم، لكنها عادت إلى الضفة الغربية للتدريس في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، في أثناء الانتفاضة الفلسطينية الثانية ضد الاحتلال الإسرائيلي. تتذكر قائلةً: «قال لي جميع زملائي النرويجيين في ذلك الوقت: هل أنتِ مجنونة؟ لكنني قلت لهم: «هذا هو الوطن، وأنا في مهمة».
والآن، تعمل خاطر أستاذة في جامعة بيرزيت، وهي من أوائل الفلسطينيين الذين مارسوا مهنة دراسة طبيعة وسلوك الجسيمات دون الذرية. وقالت: «لم يتخيل كثير من الناس أبداً أن هناك علوماً توجد في فلسطين».
وأضافت أن غياب مجتمع بحثي صحي في الضفة الغربية المحتلة يحد من فرصها للتعاون العلمي، لذا فقد سعت إلى بناء شبكة. وقد دعت زملاء أوروبيين للتحدث في جامعات الضفة الغربية، ودفعت طلاب الفيزياء الفلسطينيين لحضور برامج بحثية صيفية في الخارج.
وقالت إن البحث النظري يمكن أن يزدهر في الضفة الغربية، لكنَّ «الفيزياء التجريبية ليست لها أي فرصة تقريباً». وأوضحت أن الجامعات تكافح لدفع ثمن المعدات والبنية الأساسية للمختبرات، وتعتمد على التبرعات.
مرصد جامعة بيرزيت
وقد افتُتح في عام 2015، وهو أحد المرافق الفلكية القليلة في الضفة الغربية. موَّله رامز حكيم، رجل أعمال فلسطيني - أمريكي. وقالت خاطر: «كانت هذه هي المرة الأولى التي يمكن فيها لطلابنا رؤية تلسكوب والنظر إلى السماء».
حتى عندما يتم تأمين التمويل، قد يكون من الصعب استيراد الأدوات التجريبية إلى الضفة الغربية وغزة، لأن بعض المعدات اللازمة للبحث يمكن استخدامها أيضاً لأغراض عسكرية. تصنف إسرائيل مثل هذه السلع على أنها «استخدام مزدوج» وتتطلب إذناً للمدنيين في الأراضي الفلسطينية لشرائها.
التدريس عن بُعد في الضفة الغربية
بعد هجوم 7 أكتوبر، بدأت خاطر وأعضاء هيئة التدريس الآخرون في جامعتها التدريس عن بُعد. وقالت إن زيادة نقاط التفتيش في الضفة الغربية، نتيجة للوجود العسكري الإسرائيلي المتزايد بعد هجوم «حماس»، جعلت من الصعب على الطلاب والأساتذة حضور الفصول الدراسية شخصياً. استؤنفت التدريس وجهاً لوجه بشكل محدود في الربيع الماضي. ولكن بعد ذلك في أكتوبر، بعد وقت قصير من شن إيران هجوماً صاروخياً على إسرائيل تسبب في سقوط الشظايا على الضفة الغربية، أعلنت بيرزيت أن واجبات التدريس والإدارة ستنتقل عبر الإنترنت من أجل السلامة.
أمضت خاطر الصيف في تدريس دورة فيزياء عبر الإنترنت للطلاب في قطاع غزة. وقالت إن تسعة عشر طالباً سجلوا، لكن أكثر من نصفهم تركوا الدراسة لأنهم يفتقرون إلى الكهرباء المستقرة أو الوصول إلى الإنترنت.
طبيبة وابنة عالم في الفيزياء الفلكية
ضحى البرغوثي (25 عاماً). درست الدكتورة ضحى البرغوثي، وهي طبيبة باطنية في الضفة الغربية، الطب لمدة ست سنوات في جامعة القدس. أنهت عامها التدريبي أو التدريب بعد التخرج في أكتوبر من العام الماضي، قبل أسبوع واحد من اندلاع الحرب.
كان مستشفى «المقاصد» في القدس، حيث تدربت البرغوثي، على بُعد بضع دقائق فقط سيراً على الأقدام من منزلها. ولكن حتى قبل الحرب، كان عليها أن تغادر مبكراً لساعات للتنقل عبر نقاط التفتيش المطلوبة للوصول إلى العمل في الوقت المحدد. بعد 7 أكتوبر 2023، داهم جنود إسرائيليون مستشفى «المقاصد»، واعتقلوا المرضى من غزة وأقاربهم.
في أكتوبر الماضي، اعتُقل والد ضحى، عماد البرغوثي، وهو عالم فيزياء فلكية في جامعة القدس، ووُضع قيد الاعتقال الإداري، وهي ممارسة تُستخدم لاحتجاز الفلسطينيين دون توجيه اتهامات رسمية، للمرة الرابعة.
بعد اعتقاله الأول في عام 2015، منعته السلطات الإسرائيلية من مغادرة الضفة الغربية، وهو ما قالت ضحى البرغوثي إنه قيَّد فرصه في التعاون العلمي.
في بيان لصحيفة «نيويورك تايمز»، قال الجيش الإسرائيلي إن عماد البرغوثي اعتُقل بسبب شكوك في «العضوية والنشاط في جمعية غير قانونية، والتحريض والمشاركة في أنشطة تُعرِّض الأمن الإقليمي للخطر». فيما صرّح عالم الفيزياء الفلكية بأنه ليس منتمياً أو مؤيداً لـ«حماس».
بعد ستة أشهر من الاعتقال، أُطلق سراح والدها فيما وصفته البرغوثي بـ«ظروف صحية مروعة»، بما في ذلك فقدان الوزن الشديد، والاشتباه في كسر الأضلاع وتلف الأعصاب في أصابعه.
مركّبات جديدة مضادة للسرطان
* رامي مرجان (50 عاماً). وصف رامي مرجان، الكيميائي العضوي في الجامعة الإسلامية في غزة، حياته المهنية بأنها طريق مليء بالعقبات، حيث قضى سنوات في محاولة إنشاء مجموعة بحثية وقليل من الأدوات العلمية أو المواد الكيميائية التي يمكن استخدامها لإجراء تجارب متطورة. وكتب في نص لصحيفة «التايمز»: «ليست لدينا بنية أساسية للبحث».
يركز مرجان على إنشاء مركَّبات جديدة ذات تطبيقات محتملة في الأدوية المضادة للبكتيريا والفطريات والسرطان. وهو يستخدم التخليق متعدد الخطوات، وهي تقنية تخضع فيها المركّبات المبدئية لسلسلة من التفاعلات الكيميائية لتحويلها إلى المنتج النهائي المطلوب. تتطلب هذه العملية استخدام المذيبات والأجهزة لتحديد التركيب الكيميائي للمركب في كل خطوة، ولكن لأن كثيراً من هذه الأدوات تعدها إسرائيل معدات ذات استخدام مزدوج، فإن مرجان وزملاءه غير قادرين على أداء ذلك بشكل صحيح.
«غزة أجمل مكان في وطني»
تمكن مرجان من نشر بعض أعماله في المجلات الأكاديمية. لكنه قال إن نقص الموارد في غزة حدَّ من إنتاجه البحثي مقارنةً بأبحاث زملائه في الخارج.
وقد حصل على الدكتوراه من جامعة مانشستر في عام 2004، ثم عاد إلى غزة. وقال: «أردت أن أنقل الخبرة والمعرفة إلى شعبي». أجبره العنف على إخلاء منزله في مدينة غزة والانتقال إلى دير البلح، وهي مدينة في الجزء الأوسط من غزة تعرضت لإطلاق النار حيث استهدف الجيش الإسرائيلي ما قال إنها «مراكز قيادة وسيطرة» لـ«حماس» هناك.
واعترف مرجان بأن قراره العودة إلى القطاع منعه من تحقيق أحلامه في مهنة علمية. لكنه لم يندم على ذلك، وقال: «غزة هي أجمل مكان، وهي جزء صغير من وطني».