تعثر اجتماع وزراء خارجية إثيوبيا ومصر والسودان بشأن سد النهضة

مصادر: الخرطوم تجري مشاورات جانبية لإنقاذه من الفشل

تعثر اجتماع وزراء خارجية إثيوبيا ومصر والسودان بشأن سد النهضة
TT

تعثر اجتماع وزراء خارجية إثيوبيا ومصر والسودان بشأن سد النهضة

تعثر اجتماع وزراء خارجية إثيوبيا ومصر والسودان بشأن سد النهضة

تعثر بدء الاجتماع السداسي، الخاص بمفاوضات سد النهضة، بين وزراء الخارجية والري في كل من السودان ومصر وإثيوبيا، ولم يعقد في الموعد المحدد له، وراجت معلومات عن اقتصاره على يوم واحد بعد أن كان معلنًا استمراره في الخرطوم لمدة يومين.
وفي الأثناء، يجري وزيرا الخارجية والموارد المائية السودانيان مشاورات جانبية مع نظرائهما الإثيوبيين والمصريين، لتقريب وجهات النظر، فيما ذكرت مصادر صحافية أن الوزير إبراهيم غندور، وزميله معتز موسى يجريان مشاورات منفصلة، بين كل من ممثلي إثيوبيا ومصر، لإزالة الخلاف بينهم، ما أدى إلى تأخير الموعد المقطوع لبدء الجلسة الافتتاحية للاجتماع، والمقررة في الساعة الثالثة والنصف بتوقيت السودان مساء الجمعة، علما بأن الاجتماع نفسه كان تأجل أكثر من مرة منذ آخر جولات التفاوض، التي عقدت في القاهرة نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.
ومن المقرر أن يبحث الاجتماع المتعثر، حال نجاح الدبلوماسية السودانية في تقريب وجهات النظر المصرية والإثيوبية، بشأن المكتبين الاستشاريين الدوليين، الشركة الفرنسية (بي آر إل)، والتي خصصت لها 70 في المائة من الدراسات، والهولندية (دلتاراس) التي تنفذ النسبة الباقية، وفقًا لما نص عليه إعلان المبادئ الذي وقعه رؤساء الدول الثلاث في الخرطوم مارس (آذار) الماضي، ونص على تكليف استشاريين دوليين لإجراء الدراسات الفنية الخاصة بالسد.
وفشل المكتبان الاستشاريان الهولندي والفرنسي في التوافق الفني بينهما، حيث اعتبر الأول أن شروط العمل المحددة له لا توفر الضمانات الكافية للوصول لنتائج محايدة ومستقلة للدراسات المطلوب منه إجراؤها.
وتعثرت الدراسات الفنية، التي كان مقررًا بدؤها قبل ثلاثة أشهر بسبب خلافات المكتبين الاستشاريين الفرنسي والهولندي، في وقت تسربت فيه معلومات مصرية أن الدراسات الأولية التي أجراها الاستشاري الهولندي توصلت إلى أن إنشاء السد ضار بمصالح مصر المائية، ويخدم مصالح السودان وإثيوبيا.
وقال معتز موسى، وزير الموارد المائية والري والكهرباء السوداني، في تصريحات سبقت عقد الاجتماع، إن مشاركة وزراء الخارجية سيعطي دفعًا سياسيا للمسار الفني باتجاه تنفيذ اتفاق المبادئ الذي وقعه رؤساء الدول الثلاث. فيما أوضح وزير الري المصري حسام مغازي أن الاجتماع مقرر له وضع خريطة طريق فنية تراعي مشاغل بلاده، في ظل تسارع عمليات بناء السد وبطء المسار الفني، وأبدى تمسكه بالإسراع في إكمال الدراسات الهيدروليكية والبيئية والاقتصادية، في وقت أعلنت فيه إثيوبيا قبل أشهر عن إكمال 47 في المائة من الأعمال الإنشائية للسد، ويتوقع تشغيله الجزئي العام المقبل.
ووصل الخرطوم وزيرا الخارجية المصري سامح شكري، وزميله وزير الري والموارد المائية حسام مغازي، ووزير الخارجية الإثيوبي تيدروس أدهانوم، وزميله وزير المياه والطاقة الإثيوبي موتوا باداسا، لينضم إليهما بالخرطوم كل من وزير الخارجية السوداني إبراهيم غندور، ووزير الري والموارد المائية والكهرباء معتز موسى.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.