ترامب.. مرشح الكراهية

تهرب من حرب فيتنام.. ورفض تأجير شقق عماراته السكنية للسود

ترامب.. مرشح الكراهية
TT

ترامب.. مرشح الكراهية

ترامب.. مرشح الكراهية

منذ أن أعلن ملياردير العقارات دونالد ترامب ترشيحه لرئاسة الجمهورية باسم الحزب الجمهوري في الصيف الماضي، أثار كثيرًا من التعليقات، والانتقادات، واتهامات بالعنصرية، والنازية، والشيفونية. قال إن المهاجرين غير القانونيين من المكسيك «يغتصبون النساء»، وإن السيناتور الجمهوري جون ماكين لم يكن بطلاً في حرب فيتنام، بل كان «هاربًا»، وإن «صحافيًا يعمل مع صحيفة (نيويورك تايمز) قصير ومختل العقل». لكن، كانت أكبر هجمات ترامب على المسلمين. في البداية، دعا إلى تسجيل المسلمين في أميركا. ثم دعا إلى منع دخولهم أميركا.
من هو دونالد ترامب؟ وما هو أصل اسم «ترامب»؟ وهل أسس إمبراطورية عقارات، أو ورثها من والده؟ ولماذا يستعمل كلمات وعبارات نابية؟ ولماذا يؤيده عدد كبير من الجمهوريين؟
دونالد ترامب: «رجل أعمال أميركي، ملياردير، مستثمر، مؤلف، مقدم برامج تلفزيونية، رئيس مجموعة شركات ترامب، مؤسس فنادق ومتنزهات ومصايف، وكازينوهات قمار، وشخصية غير عادية في نمط حياته، وصراحة كلامه.. وأفاده كل هذا في مسعاه ليترشح لرئاسة الولايات المتحدة».
ولد وتربى ولا يزال يعيش في نيويورك. وعمره سبعون عاما تقريبا.
تعود جذور والده إلى ألمانيا. وهو رابع خمسة إخوة وأخوات. الآن، واحدة من أخواته قاضية اتحادية في نيويورك، والثانية مسؤولة كبيرة في بنك «تشيز مانهاتن» في نيويورك. ويدير أخ شركة العقارات في مجموعة شركات ترامب. وتوفي الباقون.
حسب كتاب «آل ترامب: ثلاثة أجيال بنت إمبراطورية» (كتبته الصحافية غويندا بلير)، هاجر والد والده إلى أميركا من ألمانيا. ويعود اسم «ترامب» إلى «درامف»، عائلة ألمانية عريقة اشتهرت بزراعة العنب وصناعة النبيذ. في الوقت الحاضر، على صفحته في «تويتر»، يكتب اسمه «دونالد درمف» (وليس دونالد ترامب).
في عام 1885، هاجر الجد، فريدرتش درمف من ألمانيا إلى أميركا. ومثلما سيفعل ابنه، ثم حفيده، تخصص في الاستثمار في مجالات الفنادق والمطاعم. وذهب إلى الساحل الغربي ليلحق ببقايا «الغزو الذهبي». (في الصيف الماضي، عندما ترشح دونالد ترامب لرئاسة الجمهورية، قال تلفزيون «سي بي سي» في كندا، إن جده تنقل على طول الساحل الغربي لكندا، وللولايات المتحدة، وكان يملك «مطاعم، وفنادق، ومؤاخير، ومنازل دعارة).
في عام 1995، بعد عشر سنوات في الدنيا الجديدة، نال الجد الجنسية الأميركية، بعد أن غير اسمه من «فردرتش درمف» إلى «فريدريك ترامب».
لكن، مثل ابنه وحفيده، كان الجد مثار نقاش ومغالطات. ليس فقط بسبب استثماراته، ولكن، أيضا، بسبب سلوكه، خاصة مطاردة النساء. بالإضافة إلى سمعة إدارة منازل دعارة. في عام 1902، أفلس وعاد إلى ألمانيا. وتزوج ألمانية. لكن، اعتقلته حكومة ألمانيا بتهمة التهرب من الخدمة العسكرية (قبل ذلك بعشرين عاما تقريبا). وفي وقت لاحق، أطلقت سراحه، وطردته من ألمانيا.
عندما عاد إلى نيويورك مع زوجته، عاد مفلسا، وعمل حلاقا. لكنه، في آخر سنوات عمره، عاد إلى الفنادق والمطاعم. وعندما توفي عام 1918، ترك فندقا صغيرا، «فندق ترامب»، وتولى ابنه واسمه، أيضا، فريدريك ترامب (والد دونالد) إدارته.
وكانت تلك بداية إمبراطورية آل ترامب. نجح والد دونالد نجاحا كبيرا. وعندما توفي، ترك ثروة قيمتها 300 مليون دولار تقريبا. وهذا، عكس ما يفتخر دونالد ترامب، لم يبدأ من الصفر. وان نجح في توسيع الإمبراطورية التي بناها والده. وطبعا، تربى تربية شبه أرستقراطية. ودرس في مدارس خاصة. غير أنه، حسب زملائه في ذلك الوقت، كان مناكفا، وحتى والده قال ذلك (الآن، صار واضحا أنه استمر كذلك). في نهاية ستينات القرن الماضي، عندما جاء وقت التجنيد الإجباري لحرب فيتنام (كان عمره 22 عاما)، تهرب (لكنه، حتى اليوم، عندما تطارده أسئلة الصحافيين والمواطنين، يصر على أنه استثني استثناءً قانونيا).
في عام 1982، ظهر ترامب على غلاف مجلة «تايم»، بعد أن اشتهر بنجاحاته. كان اشترى فندق «كومودور» العريق في نيويورك، وحوله إلى فندق «غراند حياة»، واحد من أهم فنادق نيويورك. في ذلك الوقت، قالت مجلة «تايم» إن سجل ترامب في نيويورك ليس ناصعا. وذلك لأنه كان يرفض تأجير شقق عماراته السكنية للسود. وفعلا، رفعت وزارة العدل قضية ضده، واضطر لأن يدفع غرامة، ويتعهد باحترام قانون المساواة في السكن (كان أصدره الكونغرس قبل ذلك بعشر سنوات).
في عام 1988، اشترى ترامب كازينو تاج محل للقمار في اتلانتيك سيتي (ولاية نيوجيرسي). وفي عام 2001، بنى «مركز ترامب العالمي» (بالقرب من مركز التجارة العالمي الذي دمرته هجمات 11 سبتمبر (أيلول) في نفس العام. لكن، لم يصب مركز ترامب بأي أذى.
في بداية هذا العام، قدرت مجلة «فوربس» (لرجال الأعمال) ثروة ترامب بثمانية مليارات دولار (خلال حملته الانتخابية، ينتقد المجلة، ويقول إن ثروته أكثر من عشرة مليارات دولار).
حسب صحيفة «بوسطن غلوب»، توجد اليوم 515 شركة ومؤسسة ومكانا وإنتاجا يحمل اسم «ترامب»، ويملكها دونالد ترامب. منها: «ماء ترامب»، و«سيارات ترامب»، و«مقررات ترامب التعليمية»، و«أطعمة ترامب»، و«مراتب ومخدات وملاءات ترامب».
حتى الاستثمارات التي فشلت، تظل عالقة بأذهان بعض الناس: «خطوط طيران ترامب»، و«فودكا ترامب»، و«لحوم ستيك ترامب»، و«جامعة ترامب»، و«لعبة ترامب»، (يقلده اللاعبون في شركاته واستثماراته).
في ذكاء واضح، اتجه ترامب نحو «الاستثمارات الشعبية» (المجالات الرياضية والفنية). اشترى فريق «جنرالز» لكرة القدم في ولاية نيوجيرسي. ونادي «دونبيرغ» للغولف في آيرلندا. وفندق «تيرنبيري» في اسكوتلندا.
وفي مجال المهرجانات الفنية، اشترى شركات منافسات ملكة جمال الولايات المتحدة، وملكة جمال العالم، وملكة جمال مراهقات الولايات المتحدة. (في الصيف الماضي، بعد أن شن ترامب حملة عنصرية شعواء ضد المهاجرين من أميركا اللاتينية، ألغى تلفزيون «إن بي سي» عقده مع ترامب بنقل منافسات ملكة جمال العالم).
وفي مجال السينما والتلفزيون، ظهر ترامب في أفلام سينمائية مثل: «هوم الون» (وحيدا في المنزل). وقدم مسلسلات تلفزيونية، مثل: «ابرينتيس» (التلميذ) الذي كان يدرب فيه الشباب على فنون الاستثمار.
مثل والده، ومثل جده، تورط في علاقات غرامية ومطاردات النساء. في عام 1977، تزوج عارضة الأزياء إيفانا (مهاجرة من تشيكوسلوفاكيا)، ثم صادق الممثلة ماريا مابلز، ثم طلق إيفانا، ثم تزوج ماريا (بعد أن حملت منه، وولدت بنتا)، ثم صادق عارضة الأزياء كارا يونغ، ثم طلق ماريا، ثم صادق عارضة الأزياء ميلانا كناوس (مهاجرة من سلوفينيا)، ثم تزوجها (بعد أن حملت منه).
في الوقت الحاضر، وصل عدد المرات التي تزوج فيها ترامب إلى خمس مرات، ووصل عدد أولاده وبناته منهن إلى سبعة، ووصل عدد الأحفاد والحفيدات إلى عشرة (خمسة من أكبر أبنائه، دونالد ترامب الثاني، الذي يبلغ عمره خمسة وأربعين عاما، ويعتبر المدير الحقيقي لإمبراطورية والده).
في كتاب مذكراته الأول: «فن العودة (بعد أن كادت إمبراطوريته أن تنهار)»، قال إنه يحب النساء «مثلما لا أحب شيئا آخر»، وافتخر بكثرة زوجاته وعشيقاته. وكشف أنه حاول أن يصادق الأميرة البريطانية ديانا، بعد أن طلقها الأمير تشارلز. لكنها رفضته.
وفي كتاب مذكراته الثاني: «فن الصفقات»، قال إنه «مسيحي قوي، لكنى لست متدينا». ونفى وجود خلفية ألمانية يهودية عنده. لكنه قال إن بنته ايفانكا (من أمها إيفانا) تزوجت يهوديا. وقال: «ليس جدودي يهودا، لكن أحفادي يهود».
بالإضافة إلى كتابي «فن العودة» و«فن الصفقات»، ألف عشرة كتب أخرى. منها: «فن النجاح» و«كيف تصير غنيا» و«كيف تفكر مثل مليونير» و«لماذا نريد أن نكون أغنياء» و«لمسة ميداس: من يغنى ومن لا يغنى».
في الصيف، كعادة كل المرشحين لرئاسة الجمهورية، أصدر كتابا يساعده في حملته الانتخابية: «أميركا المقعدة، كيف نعالجها؟».
بالإضافة إلى أول مواجهة مع القانون في سبعينات القرن الماضي، عندما اتهم بأنه رفض إيجار شقق عماراته السكنية إلى السود، دخل ترامب في مواجهات قانونية أخرى كثيرة. خاصة بسبب استراتيجيته الاستثمارية التي صارت تسمى «الدونالد» (يغامر، ويشتري بقرض، ودون مقدم. في مرات كثيرة، كانت هذه الاستراتيجية سبب إعلانه الإفلاس (ثم الخروج من الإفلاس):
في عام 1991، أعلن إفلاس كازينو تاج محل في اتلانتيك سيتى (ولاية نيوجيرسي).
في عام 1992، أعلن إفلاس فندق ترامب بلازا في نيويورك.
في عام 1998، أعلن إفلاس شركة «طيران ترامب».
في عام 2004، أعلن إفلاس شركة «ترامب ريسورتز».
في عام 2009، أعلن إفلاس شركة «ترفيه ترامب».
في كل مرة من هذه المرات، كان ترامب يذهب إلى المحاكم للدفاع عن نفسه بسبب دعاوى بنوك أو مؤسسات استثمارية. وفي مرات كثيرة، اتهمه قضاة بأنه يغامر مغامرات متطرفة.
وذهب ترامب إلى المحاكم مرات كثيرة أخرى عندما رفع قضايا ضد صحافيين كتبوا تقارير، أو أصدروا كتبا، تتهمه بالفساد. منها قضية ضد الصحافي تيموثي أوبراين، مؤلف كتاب: «أمة ترامب: فن أن تكون مثل دونالد».
يوم الخميس الماضي، نشرت صحيفة «واشنطن بوست» تقريرا عن ترامب تحت عنوان: «وراء الفوضى.. استراتيجية». قالت فيه إنه، خيرا أو شرا، خطأ أو صوابا، نجاحا أو فشلا، زوجا أو عشيقا، يظل يسير على طريق «الانتظام والمنهجية». منذ البداية وحتى الوقت الحاضر. ويظهر ذلك في تصريحاته السياسية، التي «تبدو غوغائية، لكنها منتظمة». ويظهر، أكثر في تغريداته في صفحته في موقع «تويتر» (خمسة ملايين متابع). يكتب الرأي، وفي اليوم التالي يضمنه في خطبه السياسية وتصريحاته للصحافيين:
أولا: كتب أن المهاجرين المكسيكيين «يغتصبون النساء (البيضاوات)».
ثانيا: كتب عن بطولة السيناتور جون ماكين في حرب فيتنام بأنه «بطل لأنه هرب».
ثالثا: كتب أن «آلاف المسلمين» في ولاية نيو جيرسي هللوا عندما دمرت الهجمات الإرهابية مركز التجارة العالمي في نيويورك عام 2001. (رغم عدم وجود أي دليل على ذلك، رفض أن يصوب نفسه).
رابعا: كتب عن هيلاري كلينتون أنها «ليست قوية، وليست مصممة» لتكون رئيسة للولايات المتحدة. (اعتبر كثير من الناس أن هذه إساءة لأنها امرأة).
خامسا: كتب عن ريك باري، حاكم ولاية تكساس: «يحتاج إلى نظارات جديدة حتى يقدر على أن يرى الجرائم التي يرتكبها المهاجرون غير القانونيين».
وفي «منهجية وانتظام»، يكتب: «سأتكلم اليوم في تلفزيون (إيه بي سي) السادسة والنصف مساء»، و«الآن فزت في ولاية أيوا».
منذ أن أعلن ترشيح نفسه في يونيو (حزيران) الماضي، كتب أكثر من ستة آلاف تغريدة في «تويتر» (كل يوم، ثلاثين تقريبا).
حسب صحيفة «واشنطن بوست»، لا يوجد تصويب أو اعتذار في تغريداته. بما في ذلك منع المسلمين من دخول الولايات المتحدة. مؤخرا، غرد عن ردود الفعل: «شيء غريب، يوم مدهش. يرفض كثير من الأغبياء الاعتراف بخطر بعض الذين يأتون إلى وطننا».
يوم الخميس الماضي، في استطلاع مشترك لتلفزيون «سي بي إس» وصحيفة «نيويورك تايمز»، قالت نسبة ثمانين في المائة من الأميركيين إنهم يتوقعون مزيدا من الهجمات الإرهابية قريبا. هذه أعلى من نسبة الذين قالوا ذلك بعد هجمات 11 سبتمبر عام 2001.
لهذا، ربط الاستطلاع بين الخوف من الإرهاب وزيادة شعبية ترامب. وقالت نسبة 40 في المائة إنهم «متأكدون جدا» من أن ترامب سيكون أحسن رئيس يواجه الإرهاب. وهذه النسبة أعلى كثيرا من نسب منافسيه. وتظل نسبة التأييد وسط الجمهوريين أعلى أيضا: 35 في المائة (تيد كروس الثاني بنسبة 16 في المائة).
يوم الجمعة الماضي، في استطلاع وكالة «بلومبيرغ» الصحافية، قالت نسبة ثلثي الجمهوريين إنهم يؤيدون دعوة ترامب بمنع دخول المسلمين الولايات المتحدة. وقال الثلث الباقي إنهم ربما سيؤيدونه (يعنى هذا أن كل الجمهوريين تقريبا يؤيدون منع دخول المسلمين).
في الأسبوع الماضي، في استطلاع أجراه معهد «بروكنغز» في واشنطن، قالت نسبة 37 في المائة من الأميركيين إن نظرتهم إلى الإسلام «إيجابية» (61 في المائة قالوا «سلبية»). لكن، قبل خمس سنوات، كانت نسبة «إيجابية» أعلى بعشر نقاط (47 في المائة).
وقال شبلي تلحمي، أستاذ في المركز وأيضا في جامعة ماريلاند، والذي أشرف على الاستطلاع: «منذ هجمات 11 سبتمبر عام 2001، يظل الأميركيون يربطون بين الإرهاب والإسلام ربطا قويا».



يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
TT

يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط

تشهد كوريا الجنوبية، منذ نحو أسبوعين، تطورات متلاحقة لا تلوح لها نهاية حقيقية، شهدت اهتزاز موقع رئيس الجمهورية يون سوك - يول بعد إعلانه في بيان تلفزيوني فرض الأحكام العرفية، وتعليق الحكم المدني، وإرساله قوة عسكرية مدعومة بالهيلوكوبترات إلى البرلمان. ثم اضطراره للتراجع عن قراره في وجه معارضة عارمة. بيد أن تراجع الرئيس خلال ساعات قليلة من هذه المغامرة لم يزد المعارضة إلا إصراراً على إطاحته، في أزمة سياسية غير مسبوقة منذ التحوّل الديمقراطي في البلاد عام 1980 بعد فترة من الحكم التسلطي. ولقد تطوّرت الأوضاع خلال الأيام والساعات الأخيرة من الاحتجاجات في الشوارع إلى تصويت برلماني على عزل يون. وبعدما أقر البرلمان عزل الرئيس ردّ الأخير بتأكيد عزمه على المقاومة والبقاء... في أزمة مفتوحة لا تخلو من خطورة على تجربة البلاد الديمقراطية الطريّة العود.

دبلوماسي مخضرم خدم في كوريا الجنوبية قال، قبل بضعة أيام، معلقاً على الأزمة المتصاعدة: «إذا تم تمرير اقتراح العزل، يمكن وقف (الرئيس) يون (سوك - يول) عن مباشرة مهام منصبه لمدة تصل إلى 180 يوماً، بينما تنظر المحكمة الدستورية في القضية. وفي هذا (السيناريو)، يتولى رئيس الوزراء هان دوك سو منصب الرئيس المؤقت، وتُجرى انتخابات جديدة في غضون 60 يوماً».

وبالفعل، دعا هان دونغ - هون، زعيم حزب «قوة الشعب»، الحاكم، إلى تعليق سريع لسلطات الرئيس مستنداً - كما قال - إلى توافر «أدلة موثوقة» على أن يون سعى إلى اعتقال القادة السياسيين بعد إعلانه الأحكام العرفية الذي لم يدُم طويلاً. ومما أورده هان - الذي كان في وقت سابق معارضاً للمساعي الرامية إلى عزل يون - إن «الحقائق الناشئة حديثاً قلبت الموازين ضد يون، بالتالي، ومن أجل حماية كوريا الجنوبية وشعبنا، أعتقد أنه من الضروري منع الرئيس يون من ممارسة سلطاته رئيساً للجمهورية على الفور». وتابع زعيم الحزب الحاكم أن الرئيس لم يعترف بأن إعلانه فرض الأحكام العرفية إجراء غير قانوني وخاطئ، وكان ثمة «خطر كبير» من إمكانية اتخاذ قرار متطرف مماثل مرة أخرى إذا ظل في منصبه.

بالتوازي، ذكرت تقارير إعلامية كورية أن يون يخضع حالياً للتحقيق بتهمة الخيانة إلى جانب وزير الدفاع المستقيل كيم يونغ - هيون، (الذي ذُكر أنه حاول الانتحار)، ورئيس أركان الجيش الجنرال بارك آن - سو، ووزير الداخلية لي سانغ - مين. وحقاً، تمثل الدعوة التي وجهها هان، وهو وزير العدل وأحد أبرز منافسي يون في حزب «قوة الشعب»، تحولاً حاسماً في استجابة الحزب الحاكم للأزمة.

خلفية الأزمة

تولى يون سوك - يول منصبه كرجل دولة جديد على السلطة، واعداً بنهج عصري مختلف في حكم البلاد. إلا أنه في منتصف فترة ولايته الرئاسية الوحيدة التي تمتد لخمس سنوات، شهد حكمه احتكاكات شبه دائمة مع البرلمان الذي تسيطر عليه المعارضة، وتهديدات «بالإبادة» من كوريا الشمالية، ناهيك من سلسلة من الفضائح التي اتهم وعائلته بالتورّط فيها.

وعندما حاول يون في خطابه التلفزيوني تبرير فرض الأحكام العرفية، قال: «أنا أعلن حالة الطوارئ من أجل حماية النظام الدستوري القائم على الحرية، وللقضاء على الجماعات المشينة المناصرة لنظام كوريا الشمالية، التي تسرق الحرية والسعادة من شعبنا»، في إشارة واضحة إلى الحزب الديمقراطي المعارض، مع أنه لم يقدم أي دليل على ادعائه.

إلا أن محللين سياسيين رأوا في الأيام الأخيرة أن الرئيس خطّط على الأرجح لإصدار مرسوم «الأحكام العرفية الخرقاء» أملاً بحرف انتباه الرأي العام بعيداً عن الفضائح المختلفة والإخفاق في معالجة العديد من القضايا المحلية. ولذا اعتبروا أن عليه ألا يطيل أمد حكمه الفاقد الشعبية، بل يبادر من تلقاء نفسه إلى الاستقالة من دون انتظار إجراءات العزل، ومن ثم، السماح للبلاد بانتخاب رئيس جديد.

بطاقة هوية

ولد يون سوك - يول، البالغ من العمر 64 سنة، عام 1960 في العاصمة سيول لعائلة من الأكاديميين اللامعين. إذ كان أبوه يون كي - جونغ أستاذاً للاقتصاد في جامعة يونساي، وأمه تشوي سيونغ - جا محاضرة في جامعة إيوها للنساء قبل زواجها. وحصل يون على شهادته الثانوية عام 1979، وكان يريد في الأصل أن يدرس الاقتصاد ليغدو أستاذاً، كأبيه، ولكن بناءً على نصيحة الأخير درس الحقوق، وحصل على شهادتي الإجازة ثم الماجستير في الحقوق من جامعة سيول الوطنية - التي هي إحدى «جامعات النخبة الثلاث» في كوريا مع جامعتي يونساي وكوريا - وأصبح مدّعياً عاماً بارزاً قاد حملة ناجحة لمكافحة الفساد لمدة 27 سنة.

ووفق وسائل الإعلام الكورية، كانت إحدى محطات حياته عندما كان طالب حقوق عندما لعب دور القاضي في محاكمة صورية للديكتاتور (آنذاك) تشون دو - هوان، الذي نفذ انقلاباً عسكرياً وحُكم عليه بالسجن مدى الحياة. وفي أعقاب ذلك، اضطر يون إلى الفرار إلى الريف مع تمديد جيش تشون الأحكام العرفية ونشر القوات والمدرّعات في الجامعة.

بعدها، عاد يون إلى العاصمة، وصار في نهاية المطاف مدعياً عاماً، وواصل ترقيه الوظيفي ما يقرب من ثلاثة عقود، بانياً صورة له بأنه حازم وصارم لا يتسامح ولا يقدّم تنازلات.

مسيرته القانونية... ثم الرئاسة

قبل تولي يون سوك - يول رئاسة الجمهورية، كان رئيس مكتب الادعاء العام في المنطقة المركزية في سيول، وأتاح له ذلك محاكمة أسلافه من الرؤساء. إذ لعب دوراً فعالاً في إدانة الرئيسة السابقة بارك غيون - هاي التي أُدينت بسوء استخدام السلطة، وعُزلت وأودعت السجن عام 2016. كذلك، وجه الاتهام إلى مون جاي - إن، أحد كبار مساعدي خليفة الرئيسة بارك، في قضية احتيال ورشوة.

أما على الصعيد السياسي، فقد انخرط يون في السياسة الحزبية قبل سنة واحدة فقط من فوزه بالرئاسة، وذلك عندما كان حزب «قوة الشعب» المحافظ - وكان حزب المعارضة يومذاك - معجباً بما رأوه منه كمدّعٍ عام حاكم كبار الشخصيات، وأقنع يون، من ثم، ليصبح مرشح الحزب لمنصب رئاسة الجمهورية.

وفي الانتخابات الرئاسية عام 2022 تغلّب يون على منافسه الليبرالي لي جاي - ميونغ، مرشح الحزب الديمقراطي، بفارق ضئيل بلغ 0.76 في المائة... وهو أدنى فارق على الإطلاق في تاريخ الانتخابات في البلاد.

الواقع أن الحملة الانتخابية لعام 2022 كانت واحدةً من الحملات الانتخابية القاسية في تاريخ البلاد الحديث. إذ شبّه يون غريمه لي بـ«هتلر» و«موسوليني». ووصف حلفاء لي الديمقراطيون، يون، بأنه «وحش» و«ديكتاتور»، وسخروا من جراحة التجميل المزعومة لزوجته.

إضافة إلى ذلك، شنّ يون حملته الانتخابية بناء على إلغاء القيود المالية والموقف المناهض للمرأة. لكنه عندما وصل إلى السلطة، ألغى وزارة المساواة بين الجنسين والأسرة، قائلاً إنها «مجرد مقولة قديمة بأن النساء يُعاملن بشكل غير متساوٍ والرجال يُعاملون بشكل أفضل». وللعلم، تعد الفجوة في الأجور بين الجنسين في كوريا الجنوبية الأسوأ حالياً في أي بلد عضو في «منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية».

أيضاً، أدى استخدام يون «الفيتو» تكراراً إلى ركود في العمل الحكومي، بينما أدت تهم الفساد الموجهة إلى زوجته لتفاقم السخط العام ضد حكومته.

تراجع شعبيته

بالتالي، تحت ضغط الفضائح والخلافات، انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة «غالوب كوريا» أن شعبيته انخفضت إلى 19 في المائة فقط. وتعد «كارثة» الأحكام العرفية الحلقة الأخيرة في سلسلة من الممارسات التي حددت رئاسة يون وأخطائها.

إذ ألقي باللوم على إدارة يون في التضخم الغذائي، وتباطؤ الاقتصاد، والتضييق المتزايد على حرية التعبير. وفي أواخر 2022، بعدما أسفر تدافع حشود في احتفال «الهالوين» (البربارة) في سيول عن سقوط 159 قتيلاً، تعرضت طريقة تعامل الحكومة مع المأساة لانتقادات واسعة.

زوجته في قلب مشاكله!

من جهة ثانية، كانت كيم كيون - هي، زوجة الرئيس منذ عام 2012، سبباً آخر للسخط والانتقادات في وسائل الإعلام الكورية الجنوبية. فقد اتهمت «السيدة الأولى» بالتهرب الضريبي، والحصول على عمولات لاستضافة معارض فنية عن طريق عملها. كذلك واجهت اتهامات بالانتحال الأدبي في أطروحتها لنيل درجة الدكتوراه وغيرها من الأعمال الأكاديمية.

لكن أكبر فضيحة على الإطلاق تورّطت فيها كيم، كانت قبولها عام 2023 هدية هي حقيبة يد بقيمة 1800 جنيه إسترليني سراً من قسيس، الأمر الذي أدى إلى مزاعم بالتصرف غير اللائق وإثارة الغضب العام، لكون الثمن تجاوز الحد الأقصى لما يمكن أن يقبله الساسة في كوريا الجنوبية وشركاؤهم قانونياً لهدية. لكن الرئيس يون ومؤيديه رفضوا هذه المزاعم وعدوها جزءاً من حملة تشويه سياسية.

أيضاً أثيرت تساؤلات حول العديد من القطع الثمينة من المجوهرات التي تملكها «السيدة الأولى»، والتي لم يعلَن عنها كجزء من الأصول الرئاسية الخاصة. وبالمناسبة، عندما فُتح التحقيق في الأمر قبل ست سنوات، كان زوجها رئيس النيابة العامة. أما عن حماته، تشوي يون - سون، فإنها أمضت بالفعل حكماً بالسجن لمدة سنة إثر إدانتها بتزوير وثائق مالية في صفقة عقارية.

يُضاف إلى كل ما سبق، تعرّض الرئيس يون لانتقادات تتعلق باستخدام «الفيتو» الرئاسي في قضايا منها رفض مشروع قانون يمهد الطريق لتحقيق خاص في التلاعب المزعوم بالأسهم من قبل زوجته كيم كيون - هي لصالح شركة «دويتشه موتورز». وأيضاً استخدام «الفيتو» ضد مشروع قانون يفوّض مستشاراً خاصاً بالتحقيق في مزاعم بأن مسؤولين عسكريين ومكتب الرئاسة قد تدخلوا في تحقيق داخلي يتعلق بوفاة جندي بمشاة البحرية الكورية عام 2023.

وهكذا، بعد سنتين ونصف السنة من أداء يون اليمين الدستورية عام 2022، وعلى أثر انتخابات رئاسية مثيرة للانقسام الشديد، انقلبت الأمور ضد الرئيس. وفي خضم ارتباك الأحداث السياسية وتزايد المخاوف الدولية يرزح اقتصاد كوريا الجنوبية تحت ضغوط مقلقة.

أمام هذا المشهد الغامض، تعيش «الحالة الديمقراطية» في كوريا الجنوبية أحد أهم التحديات التي تهددها منذ ظهورها في أواخر القرن العشرين.