واشنطن تختبر ثقتها بالأكراد في استعادة الرقة

في سياق المعركة الموعودة ضد «داعش»

واشنطن تختبر ثقتها بالأكراد في استعادة الرقة
TT

واشنطن تختبر ثقتها بالأكراد في استعادة الرقة

واشنطن تختبر ثقتها بالأكراد في استعادة الرقة

لعبت الميليشيات الكردية بتوجيه من «وحدات حماية الشعب» (YPG) دورا كبيرا في المعارك ضد تنظيم داعش في سوريا. ومع نهاية برنامج التدريب والتجهيز - الذي كان يهدف إلى تدريب المقاتلين العرب السوريين المعتدلين - يبدو أن الولايات المتحدة باتت تعوِّل على الأكراد لدفع التنظيم المتطرف خارج المناطق السورية التي يسيطر عليها. أضف إلى أنه في الشهر الماضي، أعلنت «القوات الديمقراطية السورية»، وهي فصيل كردي - عربي شُكِّل حديثا لمقاتلة «داعش» حصرا، عن بداية هجوم ضد التنظيم في جنوب محافظة الحسكة. وفي الوقت الذي قد يُنتج فيه الرهان الأميركي ثماره في المناطق الحدودية الكردية، يبدو أن تكراره لن يكون سهلا في معظم المناطق العربية، وتحديدا في مدينة الرقة، عاصمة المنظمة الإرهابية المتطرفة داخل أراضي سوريا.
كانت الولايات المتحدة قد أعلنت في أوائل شهر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي عن نهاية برنامج التدريب والتجهيز البالغة قيمته 500 مليون دولار أميركي، والمخصّص لقوات «الجيش السوري الحر». وكان المفترض حسب البرنامج أن يتم تدريب نحو خمسة آلاف من المقاتلين، ولكن لم ينجح البرنامج إلا في تخريج حفنة صغيرة، كما أنه فقد مصداقيته بعدما سلم بعض عناصره أسلحتهم إلى «جبهة النصرة»، ذراع تنظيم «القاعدة» في سوريا.
بالتزامن مع ذلك، جرى الإعلان عن إنشاء الفصيل السوري الجديد المعروف بـ«القوات الديمقراطية السورية»، الأمر الذي قد يمهد الطريق لهجوم محتمل هذا الشتاء على مدينة الرقة، وفقا لمصادر عسكرية سورية. وزُعم أن الفصيل الجديد يهدف لإعادة تجميع صفوف المقاتلين الأكراد والعرب العاملين تحت تسمية «التحالف العربي السوري»، وأنه سوف يتلقى دعما عسكريا أميركيا وفق ما ورد على لسان بعض المسؤولين الأميركيين.
ووفقا لموقع «سوريا على طول» (Syria direct)، انضمت إلى «القوات الديمقراطية السورية» مجموعة تتكون من 15 فصيلا عسكريا في محافظتي إدلب وحلب بشمال سوريا في منتصف شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي. وكانت هذه الفصائل، التي ضمت مقاتلين من العرب وكتائب «الجيش السوري الحر» والميليشيا الكردية، قد أعلنت استعدادها الكامل للمحاربة في حلب وإدلب تحت لواء «القوات الديمقراطية السورية».
وتأتي هذه الخطوة في أعقاب إعلان وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) تسليم 50 طنا من الذخيرة لمسلحي المعارضة السورية من العرب الذين يشكلون الفصيل الجديد، والذين يتألفون وفقا لراشد صطوف - وهو عضو سابق في «بركان الفرات» وعضو في «التيار الوطني» (الذي تحدث مع «الشرق الأوسط» من تركيا) - من أعضاء في غرف عمليات «بركان الفرات» (الذي يضم أكرادا وعربا مثل لواء ثوار الرقة)، و«جيش الثوار» (الذي يضم قبائل منطقة تل الأبيض الحدودية بشمال محافظة الرقة)، وقوات «الصناديد» (التي تمثل قبائل شمّر)، وألوية الجزيرة في «الجيش السوري الحر»، فضلا عن عناصر من مختلف المناطق بما في ذلك محافظة دير الزور.

القيادة كردية.. مع مكوّن عربي

وفي هذا السياق، يقول فيصل عيتاني، الزميل المقيم في المجلس الأطلسي بالعاصمة الأميركية واشنطن، في مقابلة مع «الشرق الأوسط»، إن استراتيجية الولايات المتحدة تسير في اتجاه تأليف قوة مضادة لـ«داعش» بقيادة كردية مع إدخال مكوّن عربي عليها، والتي ستستهدف أساسا مدينة الرقة وضواحيها الموجودة تحت قبضة «داعش».
وللعلم، تقع المناطق الكردية بشمال سوريا راهنا تحت سلطة حزب الاتحاد الديمقراطي (PYD)، الذي تأسس في عام 2003، وفق ما ورد في مذكرة صادرة عن «معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى». وتعتبر هذه المجموعة الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني التركي (PKK). وفي يونيو (حزيران) 2012، بدأت ميليشيا «وحدات حماية الشعب» (YPG)، وهي مجموعة شبه عسكرية تابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي، بالسيطرة على أجزاء من شمال سوريا. وخلال الشهر التالي، سقطت أجزاء كبيرة من بلدات عين العرب (كوباني) وعفرين وعامودا والمالكية في شمال سوريا في تعاقب سريع بيد الأكراد خلال اشتباكات محدودة ضد قوات النظام، وفقا للتقرير نفسه.
ويعتبر فلاديمير فان ولغنبرغ، الخبير في مؤسسة «جيمس تاون»، في مقابلة مع «الشرق الأوسط»، أن الأكراد «ما زالوا يشكلون الغالبية العظمى من (القوات الديمقراطية السورية)»، معلنا بناء على مقابلة أجراها أخيرا مع إدريس نيسان، وهو مسؤول كردي في شمال سوريا، عن وجود نحو 20 ألفا من المقاتلين الأكراد في هذا الفصيل، في حين يتراوح عدد المقاتلين العرب بين 3 و5 آلاف مقاتل.
ويضيف فان ولغنبرغ أنه «لا بد من التفريق بين العرب الملتحقين بحزب الاتحاد الديمقراطي (PYD)، والفصائل العربية المتحالفة مع هذا الأخير داخل (القوات الديمقراطية السورية)، بما أن المجموعة الأولى تخضع لتدريب جيد ومنظم». ويؤيد صطوف هذا الرأي، موضحا أنه من أصل بضعة آلاف من العرب الذين يحاربون خارج حزب الاتحاد الديمقراطي (PYD) إلى جانب «القوى الديمقراطية السورية»، مئات منهم فقط حصلوا على تدريب وتم تجهيزهم بشكل مواتٍ. ثم إن معظم الأسلحة المتوافرة بين أيدي «القوات الديمقراطية السورية» أسلحة روسية خفيفة قديمة الصنع من نوع «كلاشنيكوف»، بينما تقتصر الأسلحة الأميركية المتطوّرة على مستوى القادة، وهذه الأسلحة الأميركية الصنع إما اشتريت من السوق السوداء العراقية أو جرى الاستيلاء عليها من «داعش»، وفقا لفان ولغنبرغ.
أما الباحث سنان حتاحت، من مركز عمران للدراسات، فاعتبر خلال حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن دور المجموعات الـ15 في محافظتي إدلب وحلب يبقى محدودا، وأعدادها ليست بكبيرة.
من ناحية ثانية، لا بد من الإشارة إلى المحاولات الكردية لتعزيز وجودها العسكري وأيضا إحكام سيطرتها على مناطقها. إذ أعلن الأكراد السوريون خلال أكتوبر الماضي «الحكم المستقل» في بلدة تل أبيض (العربية) الواقعة على الحدود مع تركيا. وأسهمت في تحقيق هذه المكاسب الميدانية الهجمات الكردية الناجحة ضد «داعش» التي أدت إلى دحر التنظيم المتطرف من أجزاء كبيرة من الأراضي.
من ناحية أخرى، وفقا لتقرير «معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى»، يقدِّر قادة حزب الاتحاد الديمقراطي (PYD) أنهم يسيطرون على نحو 30 ألف كيلومتر مربع من الأراضي، وذلك بعدما تمكن الأكراد من استعادة ما يزيد على 17 ألف ميل مربع من «داعش»، وغالبيتها في أعقاب الغارات الجوية التي قادتها واشنطن. وحقا، يشير كريم بيطار، وهو زميل مقيم في «المعهد الفرنسي للعلاقات الاستراتيجية والدولية» في مقابلة مع «الشرق الأوسط»، إلى أن «الشراكة الكردية الأميركية تعود إلى ما قبل غزو العراق في عام 2003، كما أن قاعدة وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه) الموجودة في أربيل (عاصمة كردستان العراق) تجعل التحالف الكردي الأميركي تحالفا صلبا».
لكن، وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة تعوِّل على تنسيق عربي - كردي وثيق للسيطرة على الرقة، يعتقد بيطار أن «الولايات المتحدة تميل إلى قراءة الوضع الإقليمي من خلال عدسة الدين والعرق التي قد لا تكون بالضرورة ناجحة في هذه القضية»، حتى في ظل التقدم الكردي الحالي في شمال سوريا.
وفي هذا السياق، يعتبر فان ولغنبرغ، الذي سافر أخيرا إلى المناطق الكردية في شمال سوريا، أن «القوات الديمقراطية السورية» شنت عملياتها الأولى في سوريا في مدينة الهول في 31 أكتوبر الماضي، وكان «الهدف منها استعادة هذه المدينة التي يستخدمها (داعش) كمركز عسكري لعملياته في محافظة الحسكة ضد الأكراد، والتي تعتبر منطقة شديدة الأهمية أيضا نظرا لمواردها النفطية».
بالإضافة إلى ذلك، ونقلا عن وكالة «آرا» للأنباء، استعادت «القوات الديمقراطية السورية» عدة قرى في محافظة الحسكة السورية الشمالية الشرقية بعد اشتباكات مع مقاتلين متشددين من «داعش» لا سيما في الريف الشرقي من المحافظة التي تتاخم العراق وتركيا. ونجحت قوات مشتركة عربية - كردية في استرداد قريتي سلالية ورجم الشرقي بجنوب الحسكة، بعد أن أرغمت عناصر «داعش» على الانسحاب تحت القصف الشديد، وفقا لوكالة «آرا». أما هدف الأكراد فهو «استعادة مدينة الهول وقطع الطريق الدولي بين الرقة والموصل»، كما يقول فان ولغنبرغ.
وفي شهر نوفمبر الماضي، شنت القوات الديمقراطية السورية عملية عسكرية واسعة النطاق في الريف الشرقي لمدينة الحسكة نفسها على مقربة من مدينة الهول الواقعة تحت قبضة «داعش» على الحدود العراقية. وتمكنت القوات من استعادة أكثر من 35 بلدة ومحطات الوقود خلال أسبوع من العمليات. كما صرح الكولونيل طلال علي سلو، الناطق الرسمي باسم «القوات الديمقراطية السورية» وقائد مجموعة «جيش الثوار» في الحسكة، بأن قواته تتعاون مع التحالف الدولي في عملياته العسكرية ضد المجموعة المتطرفة، وفق ما أوردت وكالة «آرا».
ويعتقد فان ولغنبرغ أنه في سوريا يمكن لوحدات حماية الشعب (YPG) تكرار المكاسب القديمة في مناطق تقع خارج حدودها الطبيعية «علما بأن وحدات حماية الشعب (YPG) كانت قد أثبتت فعاليتها خارج المناطق الكردية قبل إنشاء القوى الديمقراطية السورية، فتمكنت من السيطرة على عدة مناطق مثل تل براك وتل أبيض وغيرهما. ولذلك سوف تكون فعالة في العمليات المستقبلية أيضا، خصوصا إذا كانت مدعومة من الضربات الجوية للتحالف».
في المقابل، يبدي صطوف شكوكا في هذا الموضوع، مضيفا أن العديد من العقبات ستقف في وجه التعاون العسكري الكردي العربي، خاصة في المناطق ذات الأغلبية العربية، شارحا أن «الأكراد اتخذوا قرارات أحادية إزاء السيطرة والإمساك بالسلطة في مناطق مثل تل أبيض ذات الغالبية العربية»، ما يعزز انعدام الثقة بين المجموعتين.
وما يجدر ذكره أن «الخصومة» بين العرب والأكراد في هذه المنطقة تعود إلى بداية الثورة السورية. ففي أواخر عام 2012، اصطدمت ميليشيا «وحدات حماية الشعب» مع وحدات من التيار الرئيسي لـ«الجيش السوري الحر»، وكذلك مع جماعة «أحرار الشام» و«جبهة النصرة» التابعة لتنظيم القاعدة، التي رفضت قبول الطموحات الكردية في المنطقة، وفقا لتقرير معهد واشنطن.
وبالإضافة إلى ذلك، أظهر تقرير صدر أخيرا عن منظمة العفو الدولية بعنوان «نحن لم نجد مكانا آخر نذهب إليه»، أن ميليشيا «وحدات حماية الشعب» قد دمرت قرى بكاملها استولت عليها من «داعش» إما انتقاما من «التعاطف المفترض مع المجموعة المتطرفة أو كعقاب على الظلم السابق أو الخلافات (العرقية) القديمة».
غير أن الخلافات العرقية التي غذاها الرئيس السوري السابق حافظ الأسد، ليست سوى سبب واحد من أسباب العداء العربي الكردي. وبين الأسباب الأخرى ما يرتبط بالعداوة السياسية: فـ«الجيش السوري الحر» يطلب من «وحدات حماية الشعب» أن تتخذ موقفا واضحا تجاه النظام، وهي التي رفضت الانضمام إلى المعارضة السياسية السورية، وفق صطوف.
من ناحية أخرى، ينظر الأكراد إلى العرب بكثير من الريبة بسبب تغلغل «داعش» في مناطقهم داخل السكان المحليين. وقد أفاد ناشط محلي تحدث شرط التكتم على هويته بأن «داعش» استخدم النساء والأطفال في عمليات تفجير، أو لجمع المعلومات لصالح المنظمة الإرهابية المتطرفة. ولذا قد يكون غياب بل انعدام الثقة بين العرب والأكراد أحد العوامل التي تعوق أي هجوم عسكري مستقبلي في الرقة.
وهنا يقول فيصل عيتاني شارحا: «إن الأكراد ليسوا متحمسين للبدء في نشاط عسكري صعب ومكلف عليهم قد يطول ضد (داعش) في منطقة غير كردية (مثل الرقة). ولا بد من أن يتولى فريق ما الحكم بعد تحرير الأرض. لذلك يبدو أن الأكراد ليسوا متحمسين لتولي هذا الأمر، الذي قد يظهرهم كأنهم يقمعون السكان المحليين العرب»، وفق عيتاني. ويشاطر عيتاني في هذا الرأي بيطار الذي يرى أن تحرير المناطق التي يسيطر عليها تنظيم داعش غير ممكن إلا من خلال مساعدة المجموعة السنية العربية «الصحوات»، التي عرفت في ما مضى كحركة عراقية مناهضة لـ«القاعدة».
ملاحظة أخيرة لا بد منها هنا.. فحتى لو تحققت السيطرة على مدينة الرقة نتيجة تراجع قوة «داعش»، فهل سيتمكن الأكراد المسيطرون على الأرض من الصمود في وجه هجمات التنظيم المتطرف على المدى الطويل؟ وهل سيتمكنون من سد الثغرة مع السكان المحليين ويحصلون على ثقتهم وقبولهم كقوات أمنية؟
هذا الأمر يصعب جدا أن يتحقق من دون صلات عميقة ونقاط التقاء مصلحية قوية بين العرب والأكراد.



أمن الأردن يواجه خطر تصعيد المواجهة الإسرائيلية ــ الإيرانية

من لقاء الملك عبدالله الثاني والرئيس الإيراني بزشكيان (التلفزيون الأردني)
من لقاء الملك عبدالله الثاني والرئيس الإيراني بزشكيان (التلفزيون الأردني)
TT

أمن الأردن يواجه خطر تصعيد المواجهة الإسرائيلية ــ الإيرانية

من لقاء الملك عبدالله الثاني والرئيس الإيراني بزشكيان (التلفزيون الأردني)
من لقاء الملك عبدالله الثاني والرئيس الإيراني بزشكيان (التلفزيون الأردني)

يحاول الأردن تحييد أجوائه وأراضيه بعيداً عن التصعيد الإسرائيلي - الإيراني، الممتد عبر جبهتي جنوب لبنان وشمال غزة، ليضاعف مستويات القلق الأمني مراقبة خطر الضربات المتبادلة و«المُتفق على موعدها وأهدافها» بين طهران وتل أبيب، ولتعود مخاطر عمليات تهريب المخدرات والسلاح على الواجهتين الشمالية والشرقية، وتدخل الجبهة الغربية على الحدود مع دولة الاحتلال على خطوط التهريب، لتعويض الفاقد من المواد المخدّرة في أسواق المنطقة.

سارع الأردن لتأمين سلامة أرضه، ومنع اختراق أجوائه، وممارسته لسيادته بعد ليلتين متباعدتين سعت طهران من خلالها إلى «حفظ ماء الوجه بتوجيه صواريخ لم تنجح في الوصول إلى أهدافها داخل إسرائيل». وبالنتيجة، أسقطت الدفاعات الجوية الأردنية صواريخ إيرانية في الصحراء الشرقية وعلى الحدود الشمالية مع سوريا.

وفي حين اعتبرت بعض الجهات أن «الدفاعات الجوية الأردنية انطلقت حماية لإسرائيل»، أكدت عمّان على لسان مصادر مطلعة أن «الضرورة تتطلب اعتراض أي صواريخ عابرة لسماء المملكة، بعيداً عن المواقع الآهلة بالسكان، ومخاطر تسبّبها بخسائر بشرية، أو أضرار مادية». وبالتالي، جاء القرار العسكري محصّناً بأولوية حماية أرواح الأردنيين. وأردفت المصادر من ثم أن «مَن يريد ضرب إسرائيل فأمامه حدود لبنان الجنوبية أو الحدود السورية مع الجولان المحتل»؛ لأن من هناك تكون الصواريخ الإيرانية أقرب لتحقيق أهدافها، بدلاً من إطالة المسافة بمرورها عبر سماء المملكة، واحتمالات سقوطها في مواقع حيوية على الحدود الغربية مع دولة الاحتلال.

في الواقع، تابع المواطنون الأردنيون ليلة الثالث عشر من أبريل (نيسان) وأيضاً في أكتوبر (تشرين الأول)، عرضاً ليلياً بإضاءات الدفاعات الجوية وإسقاطها صواريخ إيرانية عبرت فضاءات الأردن على وقع الكلام عن دعم طهران لغزة ضد العدوان الإسرائيلي، والانتقام لاغتيال إسماعيل هنية، رئيس حركة المقاومة الإسلامية «حماس»، أثناء زيارته الرسمية للمباركة بفوز الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان في انتخابات الرئاسة، وكذلك الانتقام من تصفية قيادات الصفوف المتقدمة في «حزب الله» اللبناني، وعلى رأسهم السيد حسن نصر الله يوم 27 سبتمبر (أيلول) الماضي.

وفي المقابل، أمام التقدير العسكري الأردني في أولوية إسقاط الصواريخ الإيرانية أثناء عبورها سماء المملكة ومنع سقوطها بالقرب من مناطق سكنية، أكّدت عمّان، عبر قنوات اتصال أمنية مع إسرائيل، ورسائل أردنية إلى الإدارة الأميركية، تصدّيها لأي هجوم إسرائيلي على طهران قد يستخدم سماءها بذريعة الردّ على ضربات إيرانية محدودة في الداخل الإسرائيلي.

توضيح الموقف الأردني

هنا استعاد جنرالات أردنيون تحدثت إليهم «الشرق الأوسط» ذاكرة المفاوضات مع إسرائيل قبل صياغة «قانون معاهدة السلام» المتعارف على تسميته «اتفاق وادي عربة من عام 1994»، ومنها تمسّكهم - آنذاك - بتحديد تل أبيب مدىً جغرافياً للرد على أي هجوم مُحتمل «على أن يضمن ذلك عدم انتهاك الأجواء الأردنية وإسقاط أي أجسام متفجرة داخل حدود المملكة الغربية». ومما سمعناه أن «نبوءة» المفاوضين الأردنيين من قيادات القوات المسلحة، كانت تقرأ مستقبل التطورات في منطقة متخمة باحتمالات الحرب، وموقع الأردن بين «فكي كماشة» بضم «محور الممانعة» من جهة وإسرائيل من الجهة المقابلة. وبناءً عليه؛ اضطر الجيش إلى التعامل مع الصواريخ الإيرانية العابرة التي قد تُسقط داخل الأراضي الأردنية. ومن المعلوم بأن الحدود الغربية مأهولة بالسكان؛ وبذا تبادر دفاعات الجيش الأردني الجوية بالرد على تلك الصواريخ دفعاً لسقوطها في الصحراء الشرقية بعيداً عن السكان، غير أن بعض حطام تلك الصواريخ وقع حقاً في مناطق من العاصمة ومحافظات الوسط، ولقد وثقتها كاميرات الهواتف الذكية فيديوهات، وجرى نشرها على منصات التواصل الاجتماعي.

إيمن الصفدي (رويترز)

نشاط عمّان الدبلوماسي ترك انطباعاً بأن انفتاح الحراك

على «محور الممانعة» يأتي من زاوية السعي

لحماية المصالح الأردنية

عبر الأجواء السورية

من ناحية ثانية، وجّهت إسرائيل قبل أسبوع ضربة صاروخية على مواقع عسكرية إيرانية. وأفادت معلومات مؤكدة بأن مسار الرد الإسرائيلي كان عبر الأجواء السورية، بعد نجاح الاختراق الإسرائيلي من ضرب رادارات متقدّمة للدفاعات السورية. ولقد أعادت تل أبيب في هذا المشهد التأكيد على انتهاكاتها المستمرة بحق «دول الجوار»، وأمام صمت دولي ومباركة أميركية بعد توافر معلومات عن مواقع حددتها إسرائيل، ورأى مراقبون أن الرد جاء في سياق «معادلة ميزان القوى» في المنطقة ضمن حدود الحرب المنتظرة أو سياسة صناعة التوتر في المنطقة عبر «حرب استنزاف»، تسبّبت في سقوط آلاف القتلى والجرحى والمفقودين ومئات آلاف النازحين في غزة ومن جنوب لبنان.

زوايا حرجة في العلاقة مع إيران

توازياً مع ما سبق، وفي زيارة مفاجئة حمل وزير الخارجية أيمن الصفدي في الثامن من أغسطس (آب) الماضي رسالة من العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني إلى الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، أكد خلالها الصفدي أن الزيارة جاءت «بتكليف من الملك عبد الله الثاني لتلبية الدعوة إلى طهران»، مضيفاً أن هدف الزيارة هو «الدخول في حديث أخوي واضح وصريح حول تجاوز الخلافات ما بين البلدين بصراحة وشفافية، والمضي نحو بناء علاقات طيبة وأخوية قائمة على احترام الآخر، وعدم التدخل في شؤونه، والإسهام في بناء منطقة يعمّها الأمن والسلام».

الزيارة والرسالة شكَّلتا «استدارة» أردنية في علاقتها مع إيران، ليتبعها خلال اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة لقاء جمع الملك الأردني وبزشكيان، في الثلث الأخير من سبتمبر الماضي، وهو لقاء بدأ موسّعاً بحضور بعض أركان وفدي البلدين، ثم اقتصر على مباحثات ثنائية لم يحضرها أحد، وظلّت تفاصيل اللقاء محفوظة لدى الزعيمين.

أيضاً، تلك الزيارة فتحت شهية البعض لـ«شيطنة» الموقف الرسمي الأردني واتهام عمّان بنقلها «رسالة تهديد» لطهران برد إسرائيلي حازم. غير أن الوزير الصفدي أكد في تصريحات رسمية مع نظيره الإيراني في حينه «أبلغت معالي الأخ بشكل واضح، لست هنا حاملاً رسالة إلى طهران، ولست هنا لأحمل رسالة لإسرائيل». وتابع أن «رسالة الأردن الوحيدة لإسرائيل أُعلنت في عمّان بشكل واضح وصريح، ومفادها وقف العدوان على غزة، ووقف جرائم الحرب ضد الشعب الفلسطيني، ووقف الخطوات التصعيدية، والذهاب نحو وقف فوري ودائم لإطلاق النار يتيح العمل من أجل تحقيق سلام عادل وشامل... لن يتحقّق إلا إذا حصل الشعب الفلسطيني على حقوقه كاملة، وفي مقدمها حقه في الحرية والسيادة والكرامة في دولته المستقلة».

في مطلق الأحوال، ما كان المقصود من زيارة الصفدي الإيرانية تأكيد موقف حيال طهران وحلفائها فقط، بل كانت الزيارة في حد ذاتها رسالة إلى إسرائيل مفادها أن الأردن «يملك خياراته السياسية في الدفاع عن سيادته على أرضه وسمائه، وأن واحداً من الخيارات هو فتح قنوات الاتصال على وسعها مع طهران وأطراف الصراع في المنطقة»، بحسب مصادر تحدثت لـ«الشرق الأوسط» آنذاك.

استقبال عراقجي وميقاتي

ما يُذكر أنه في منتصف أكتوبر (تشرين الأول) الماضي استقبل الملك عبد الله الثاني في عمَّان، وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، وشدّد على «ضرورة خفض التصعيد بالمنطقة». وحذّر العاهل الأردني من أن «استمرار القتل والتدمير سيبقي المنطقة رهينة العنف وتوسيع الصراع»؛ ما يتطلب «ضرورة وقف الحرب الإسرائيلية على غزة ولبنان خطوةً أولى نحو التهدئة»، مجدداً التأكيد على أن «بلاده لن تكون ساحة للصراعات الإقليمية».

ثم أنه إذا كان استقبال الوزير الإيراني، الذي زار الأردن ضمن جولة عربية مهماً لعمَّان، فقد سبق هذه الزيارة بيومين وصول رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي إلى العاصمة الأردنية ولقاؤه الملك عبد الله الثاني. وكان في جدول أعمال الزيارة:

- أولوية دعم الجيش اللبناني وسط احتمالات النزول إلى الشارع في ظل مخاوف من احتكاكات محتملة بين ميليشيات حزبية محسوبة على زعماء لبنانيين.

- الحاجة إلى تطبيق القرار الأممي بنشر قوات من الجيش اللبناني في مناطق الجنوب التي تخضع لسيطرة «حزب الله».

- الاستفادة من فرص وقف إطلاق النار عبر هُدن يمكن تمديدها.

واستكمالاً لعقد المباحثات مع «محور الممانعة»؛ طار الوزير أيمن الصفدي إلى دمشق، التي شكَّلت حدودها الجنوبية مع الأردن وعلى مدى أكثر من عقد ونصف العقد، حالة أمنية طارئة للجيش الأردني. ذلك أنه يتعامل باستمرار مع صد محاولات قوافل مهربي المخدّرات وعصابات السلاح لتجاوز الحدود؛ وهو ما استدعى مواجهات مسلحة واشتباكات نهاية العام الماضي أسفرت عن سقوط قتلى وإلقاء القبض على مهرّبين لهم اتصالات مع خلايا داخل المملكة.

الصفدي حمل رسالة شفوية من العاهل الأردني إلى الرئيس السوري بشار الأسد، لكن لم يُكشف عن مضمونها. مع هذا، نشاط عمّان الدبلوماسي على مدى أيام الشهر الماضي، ترك انطباعاً لدى جمهور النخب المحلية، بأن انفتاح الحراك الدبلوماسي الأردني على «محور الممانعة» يأتي من زاوية السعي لحماية المصالح الأردنية في ظل ما تشهده المنطقة من تصعيد عسكري خطير، وموقع المملكة على خطوط النار.

التهريب تهديد أمني

أردنياً، يُعتقد في أوساط الطبقة السياسية المطلعة، أن خطر تهريب المخدرات من الداخل السوري لا يزال يشكل «تحدياً أمنياً» كبيراً؛ الأمر الذي يستدعي إبقاء حالة الطوارئ لدى قوات حرس الحدود على امتداد الحدود الشمالية نحو (370 كلم) بين البلدين، لا سيما في ظل تحوّل مناطق في الجنوب السوري إلى مصانع إنتاج المخدرات، ونقلها من خلال عمليات التهريب إلى أسواق عربية وأجنبية عبر المملكة. ويضاف إلى ذلك النزف الاقتصادي المستمر منذ عام 2012، واستقبال اللاجئين وكُلف إقامتهم، وتراجُع أثر خطط الاستجابة الدولية للتعامل مع الدول المستضيفة للاجئين؛ إذ يستضيف الأردن نحو 1.3 مليون لاجئ سوري، معظمهم يقيمون خارج المخيمات التي خصصت لهم.

أمر آخر، يستحقّ التوقف عنده هو أنه لا يمكن فصل تلك الزيارة عن الملف الأردني الأهم، ألا وهو «الملف الأمني» المباشر. والحال، أنه لطالما بقي الجنوب السوري مسرحاً للميليشيات الإيرانية وغيرها، سيظل القلق الأردني من الخطر الآتي من الشمال، وبالتحديد، ستستمر المخاوف من تسرّب عناصر مسلحة بقصد «المقاومة» في فلسطين وعن طريق عمّان.

وبالفعل، جاء في بيان إن الرئيس الأسد والوزير الصفدي بحثا قضية عودة اللاجئين السوريين إلى بلدهم؛ إذ شدد الأسد على أن «تأمين العودة الطوعية والآمنة للاجئين السوريين» هو «أولوية للحكومة السورية» التي أكد أنها قطعت شوطاً مهماً في الإجراءات المساعدة على العودة، خصوصاً في المجالين التشريعي والقانوني.وفي إطار الزيارة، أجرى الصفدي مباحثات موسَّعة مع وزير الخارجية والمغتربين السوري بسام الصباغ، ركّزت على جهود حل الأزمة السورية وقضية اللاجئين، ومكافحة تهريب المخدرات، إضافةً إلى التصعيد الخطير الذي تشهده المنطقة وجهود إنهائه.

الرئيس نجيب ميقاتي (إ.ب.أ)

 

حقائق

زيارة ميقاتي لعمّان... طلبتُ دعم أمن لبنان

فيما يخصُّ العلاقات الأردنية - اللبنانية، طلب الرئيس نجيب ميقاتي، رئيس حكومة تصريف الأعمال في لبنان، في عمّان من العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني دعم الجيش اللبناني بصفته القوة القادرة على التعامل مع احتمال تطور استخدام سلاح ميليشيات حزبية متباينة المواقف والولاءات، مع استمرار القصف الإسرائيلي الليلي على مناطق في الضاحية الجنوبية، وفي جنوب لبنان.وللعلم، يوم 27 سبتمبر (أيلول) الماضي استقبل اللواء يوسف الحنيطي، رئيس هيئة الأركان المشتركة الأردنية، في عمّان، قائد الجيش اللبناني العماد جوزف عون. وفي الواقع لم يخفِ الأردن الرسمي دعمه للجيش اللبناني وأولوية تزويده بكل الاحتياجات بصفته ضمانة لأمن لبنان وحامياً للسلم الأهلي، بينما المواقف بين الأحزاب السياسية والميليشيات المحسوبة عليها. وبموازاة أولوية تزويد الجيش اللبناني بمتطلبات فرض سيطرته لحماية الأمن الداخلي وتنفيذ استحقاق قرارات أممية، أعلنت عمّان أيضاً دعمها لجهود الاستقرار السياسي في لبنان عبر انتخاب رئيس جديد للبلاد، ما من شأنه تخفيف حدة الاحتقان والتوتر، خصوصاً بعد تطورات الأسابيع الأخيرة أمنياً وسياسياً على معادلات الإدارة السياسية للبلاد، وتحريك عمل مؤسسات لبنان الدستورية. وهنا يرى محللون أردنيون أن تراكم الفوضى على حدود المملكة الشمالية مع سوريا والشرقية مع العراق، وحالة اللااستقرار في لبنان التي تفاقمت مع استمرار العدوان الإسرائيلي، وزيادة نشاط خطوط تهريب المخدرات، وضع تجب مواجهته عبر مسارين: الأول، مسار أمني يتطلب رفع درجات التأهب لمنع أي اختراقات إيرانية للأمن الأردني، والثاني مسار سياسي يتعلق بمواصلة الجهود السياسية لاحتواء الخطر الراهن ومحاولة تجاوز أي تصعيد من شأنه دفع المنطقة وجوار الأردن نحو المجهول. ولكن في هذه الأثناء، واضح أن إسرائيل هي الأخرى تبحث عن إزعاج الأردن، بما في ذلك «عزف» حسابات خارجية على منصات التواصل الاجتماعي على وتر الفتنة، وإغراق الرأي العام في جدل الإشاعات وتأجيجها.