الجمهوريون والرقص السياسي على قضايا الإرهاب

هجمات باريس وكاليفورنيا الإرهابيتين دفعتا الناخبين بالحزب إلى اختبار مدى جدية المرشحين في محاربة التطرف

الجمهوريون والرقص السياسي على قضايا الإرهاب
TT

الجمهوريون والرقص السياسي على قضايا الإرهاب

الجمهوريون والرقص السياسي على قضايا الإرهاب

تدخل معركة ترشيحات الحزبين الجمهوري والديمقراطي لانتخابات الرئاسة الأميركية المقررة في مطلع نوفمبر (تشرين الثاني) 2016 بداية الاختبارات الجماهيرية على مستوى الولايات، اعتبارًا من شهر فبراير (شباط) المقبل في ولاية آيوا، وهي ولاية زراعية متوسطة الحجم تقع في المنطقة المعروفة تاريخيا بالغرب الأوسط إلى الغرب من ولاية إيلينوي (حيث تقع مدينة شيكاغو). وحاليًا، بينما تبدو وزيرة الخارجية و«السيدة الأولى» السابقة هيلاري كلينتون المرشحة الأوفر حظًا بوضوح في سباق المرشحين عن الحزب الديمقراطي، تزدحم ساحة الجمهوريين بالمرشحين الذين يشكك كثرة من المراقبين في أن يحافظ كل منهم على مواقعه خلال الأسابيع والأشهر الأولى من الحملة. والملاحظ خلال الفترة الماضية بروز مرشحَين من خارج الطبقة السياسية التقليدية نجحا عبر خطبهما المتطرفة والمثيرة للجدل في لفت الأنظار إليهما، وإكسابهما نسبة لا بأس من التأييد على حساب الساسة الجمهوريين التقليديين، ولا سيما من وجوه مجلسي الكونغرس وحكّام الولايات.

تتزايد سخونة الجدل السياسي في سباق معركة الرئاسة الأميركية مع وجود مرشح جمهوري يميني متطرف على غرار الملياردير دونالد ترامب، قادر على إثارة الجدل واختلاق المعارك، وتصدر عناوين الصحف وعناوين الأخبار بتصريحاته الاستفزازية التي تأتي أحيانا غبية تنم عن جهل وسطحية، وأحيانا غائبة عن الواقع، ناهيك بأنها في معظم الأحيان مسيئة وتتسم بالعنصرية الفظّة.
ولقد أطلق ترامب جولة جديدة من التصريحات المثيرة للجدل، مساء الاثنين خلال ملتقى انتخابي بولاية ساوث كارولينا، داعيًا إلى منع المسلمين كافة من دخول أراضي الولايات المتحدة. إذ قال ترامب الذي يتبوأ راهنًا مرتبة متقدمة في استطلاعات الرأي العام بين الجمهوريين: «أقول لكم إن دونالد ترامب يدعو لمنع تام وكامل للمسلمين من دخول الولايات المتحدة حتى يتسنى للمشرعين معرفة ما الذي يجري»، وذلك في إشارة إلى المنفذين المسلمين لجريمة سان برناردينو (بولاية كاليفورنيا) الذين يشتبه في تعاطفهم مع تنظيم داعش. وأضاف المرشح اليميني المثير للجدل: «لا يمكن لبلادنا أن تظل ضحية لهجمات بشعة يشنها أشخاص لا يؤمنون إلا بـ(الجهاد)، وليس لديهم أي احترام للحياة البشرية»، على حد زعمه.
ومن جهة ثانية، قال كوري ليفاندوفسكي، مدير حملة ترامب الانتخابية، إن «حظر دخول المسلمين (الذي ينادي به ترامب) للولايات المتحدة لا ينطبق فقط على الأجانب الذين يتطلعون للهجرة إلى الولايات المتحدة فحسب، بل ينطبق أيضًا على المسلمين القادمين كسياح». وادعى ليفاندوفسكي أن استطلاع رأي – أجراه مركز غير معروف – يشير إلى أن «ربع المسلمين الذين يعيشون في الولايات المتحدة يعتقدون أن العنف ضد الأميركيين هو جزء من (الجهاد) الإسلامي وله ما يبرّره!».
وحقًا، أعرب كثيرون من أنصار ترامب عن موافقتهم على اقتراحه عبر مواقع التواصل الاجتماعي، معبّرين عن المخاوف المتزايدة التي تنامت خلال الأسابيع الماضية من تهديدات «داعش» ضد الولايات المتحدة، وكذلك في أعقاب هجمات العاصمة الفرنسية باريس الدامية في الثالث عشر من نوفمبر الماضي، وفي أعقاب جريمة سان برناردينو الجماعية التي أسفرت عن مقتل 14 شخصًا.
غير أن هذه التصريحات ما كانت الأولى من نوعها على لسان ترامب، بل سبق لرجل الأعمال الملياردير أن دعا من قبل إلى «فرض رقابة» على المساجد، كما حث السلطات على إعداد قواعد بيانات بجميع المسلمين الذين يعيشون في الولايات المتحدة. مع هذا، ناقض ترامب نفسه وتراجع عن بعض تصريحاته خلال لقاء مع شبكة «سي إن إن» التلفزيونية عندما سئل عما إذا كان المسلمون يشكلون خطرًا على الولايات المتحدة، فأجاب أنه يعتقد أن المسلمين «شعب عظيم». وأردف: «أنا أحب المسلمين... أعتقد أنهم شعب عظيم». وكان قبل ذلك قد تراجع أيضًا عن تصريحات صدرت عنه حول إعداد قواعد البيانات بجميع المسلمين الذين يعيشون في الولايات المتحدة، مُصرًا على أنها «كانت فكرة لأحد الصحافيين»، وهو بالتالي غير ملتزم بهذه الفكرة.
* آراء إزاء «التطرّف الإسلامي»
ومع العد العكسي لموعد المناظرة التلفزيونية المنتظرة بين مرشحي الحزب الجمهوري منتصف ديسمبر (كانون الأول) الحالي في مدينة لاس فيغاس لولاية نيفادا، أشارت التوقعات إلى جدل ساخن يحتدم بين المرشحين حول أي منهم يقدم «أفضل السياسات لمكافحة (التطرف الإسلامي)» و«أنجع الحلول لمكافحة (داعش) في إطار السياسة الخارجية»، وأفعل السبل لمنع تحول المسلمين داخل أميركا إلى متطرفين يقتلون الأبرياء» في إطار حماية الأمن القومي الأميركي.
والواضح أن المرشحين الجمهوريين المتنافسين يتأهبون للمزايدة ونيل بعضهم من بعض خلال المناظرة المرتقبة، بل ويعدون العدة للانقضاض على ترامب والتشهير بتصريحاته المسيئة للمسلمين في محاولة لكسب أصوات الجالية المسلمة من ناحية، وإظهار ترامب بمظهر الرجل المتعصّب غير المسؤول ما قد يؤدي إلى خفض شعبيته المتصاعدة بين الناخبين.
وبالفعل، هاجم عدد من المرشحين الجمهوريين تصريحات ترامب ورموه بتهمة «الافتقار إلى الخبرة». وقال كريس كريستي، حاكم ولاية نيوجيرسي: «هذا هو الشيء الذي يقوله شخص ليس لديه أي خبرة ولا يعرف عما يتحدث. نحن لسنا بحاجة إلى اللجوء إلى مثل هذا الأمر، بل ما يتعين علينا فعله هو زيادة أنشطة الاستخبارات، كما أننا أيضًا بحاجة إلى التعاون مع الأميركيين المسلمين المسالمين الذين يريدون إعطاءنا المعلومات الاستخباراتية عن أولئك المتطرفين». أيضًا انتقد جون كاسيك، حاكم ولاية أوهايو تصريحات ترامب معتبرًا أنها «تزيد من الانقسامات، وهي سبب كافٍ للقول إن ترامب لا يصلح لقيادة الولايات المتحدة».
وخارج مجموعة الساسة التقليديين، أكد المرشح بن كارسون، وهو طبيب الأعصاب المتقاعد الذي سبق له أن أصدر تصريحات سابقة ترفض وصول مسلم إلى منصب الرئاسة الأميركية، تمسكه بتسجيل ورصد تحركات كل زائر للولايات المتحدة بغض النظر عن ديانته، رافضًا الدعوة الانتقائية لدين واحد.
أما سيدة الأعمال كارلي فيورينا فرأت في تصريحات ترامب «رد فعل مبالغًا فيه، في مقابل رد الفعل البطيء للرئيس باراك أوباما». وأشارت إلى أن «ترامب يلعب على وتر المخاوف لدى الأميركيين».
وفي مطلق الأحوال، يشير المحللون إلى أن هذه النوعية من التصريحات غير المسؤولة من المرجح أن تعكّر صفو السباق الجمهوري للرئاسة وتضع الحزب الجمهوري أمام تحديات كبيرة، وتدفع خصوم ترامب من المرشحين الجمهوريين الآخرين إلى الانخراط في نقاشات حول إجراء اختبار إلى الخلفية الدينية لكل شخص راغب في الدخول إلى الولايات المتحدة.
* حسابات السباق
جدير بالذكر أنه في ظل ميل الجمهوريين الجلي إلى اليمين، يرى كل مرشح جمهوري طامح إلى تسليط الأضواء عليه كمرشح جدي أن يظهر بمظهر المرشح الأقوى في مسألة حماية الأمن القومي الأميركي والسياسة الخارجية. وعلى الرغم من تجربة كريس كريستي، حاكم نيوجيرسي، ولا سيما توليه منصب المدعي العام الاتحادي في قضايا الإرهاب بالولاية في أعقاب هجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001، وكذلك على الرغم من خبرة السيناتور ماركو روبيو (من ولاية فلوريدا) في لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، فإن المخطط الاستراتيجي ستيف شميت يعتقد أن كل مؤهلات وخبرة المرشحين الجمهوريين الآخرين ما زالت لا تتفوق على ترامب في أذهان كثرة من الناخبين الجمهوريين.
وينبع نجاح ترامب حتى الآن، وفقًا للاستراتيجيين الجمهوريين، من التباين بين أسلوبه القوي مقابل أسلوب أوباما السلبي والهادئ في وجه الهجمات الإرهابية. كذلك يعكس ترامب الغضب والقلق الذي يشعر به كثيرون من الناخبين. ووفق شميت، «دائمًا يكون الرئيس الجديد رد فعل للرئيس الحالي، وبالتالي فعندما ينظر الناخبون إلى أوباما ويرون ضعفه وعجزه وتردده فإنهم يتطلعون إلى أمثال ترامب لرغبتهم في زعيم قوي لأن شخصية ترامب هي النقيض الحقيقي لشخصية أوباما».
أيضًا، على الرغم من الانتقادات الكثيرة التي وجهت إلى ترامب بسبب تصريحاته المثيرة للجدل، يستبعد بعض المحللين والخبراء أن تسفر عن انخفاض في تراجع شعبيته في استطلاعات الرأي، وبالأخص في صفوف الناخبين الجمهوريين الذين تثبت النتائج خلال السنوات الأخيرة ميلهم أكثر فأكثر إلى اليمين وتبنيهم مواقف محافظة متشددة كالمواقف التي تعبر عنها جماعة «حفلة الشاي». ولعل هذا الواقع ما يذهب بعيدًا في تفسير ظاهرة احتفاظ رجل الأعمال الملياردير اليميني بالمرتبة الأولى في استطلاعات الرأي بين الجمهوريين لعدة أشهر، على الرغم من تصريحاته المتطرفة والعنصرية أحيانا.
* معركة آيوا
على صعيد آخر، يقول محللون آخرون إن تصريحات ترامب الخاصة بمنع دخول المسلمين إلى الولايات المتحدة «سلاح جديد فعال» يستخدمه ترامب الآن ليستعيد موقعه في صدارة الاستطلاعات بين المتنافسين الجمهوريين في آيوا، بعدما أظهرت استطلاعات للرأي تراجعًا نسبيًا في نسبة التأييد الذي كان يتمتع به في هذه الولاية بالذات. إذ تشير بعض التقارير إلى تراجع ترامب في آيوا إلى المرتبة الثانية التي يتقاسمها مع السيناتور ماركو روبيو (من ولاية فلوريدا)، وتقدم السيناتور تيد كروز (من ولاية تكساس) إلى المرتبة الأولى. وحسب المراقبين والمحللين حقق السيناتور كروز تقدمه في آيوا بنتيجة كسبه تأييد ستيف كينغ، عضو مجلس النواب الأميركي عن الولاية، وهو يتمتع بنفوذ قوي مع تيار المحافظين في أوساط الحزبيين الجمهوريين بالولاية.
حتى اللحظة سجلت شعبية كروز في آيوا نسبة 24 في المائة من أصوات ناخبي الحزب الجمهوري في الانتخابات الحزبية، بينما يحظى ترامب بنحو 19 في المائة، يليه بفارق بسيط السيناتور روبيو بتأييد يبلغ 17 في المائة، ويأتي بعد هؤلاء بن كارسون بـ13 في المائة، في حين يحصل حاكم ولاية فلوريدا السابق جيب بوش (نجل الرئيس الأسبق جورج بوش الأب وشقيق الرئيس السابق جورج بوش الابن) على 6 في المائة، والسيناتور راند بول (ولاية كنتاكي) على 4 في المائة. ويتذيل القائمة كل من كارلي فيورينا وجون كاسيك بأقل من 3 في المائة لكل منهما.
آيمي ديفيدسون، المحللة السياسية، قالت أخيرًا معلقة إن ترامب دأب خلال الأشهر الستة الماضية على «إشاعة روح التعصّب على المسرح الرئيسي للسياسية الأميركية. ودعوته إلى الحظر الديني للراغبين في دخول الولايات المتحدة فكرة غير مسبوقة في التاريخ الأميركي وتتعارض مع القيم الأميركية والدستور الأميركي». وأشارت إلى أنه سبق لترامب إطلاق تصريحات مسيئة والتهجم على المكسيكيين في مستهل حملته الانتخابية، داعيًا إلى ترحيلهم من الولايات المتحدة وتشييد جدار فاصل بين الولايات المتحدة والمكسيك. كذلك شن هجومًا ضد النساء وأدلى بتصريحات كانت مسيئة للمرأة، والآن انتقلت بوصلة تصريحاته إلى المسلمين.
* قضايا تشغل الناس
إلا أن بعض المحللين يعتقدون أن دونالد ترامب شخصية انتهازية أكثر منها شخصية متعصبة. ويذهب هؤلاء إلى حد القول إنه مستعد لقول أي شيء وفعل أي شيء لتحسين فرصه في استطلاعات الرأي قبل الأسابيع الأخيرة من التجمّعات الانتخابية للجمهوريين في آيوا خلال فبراير المقبل. وهو يعتقد أن تحقيق نتيجة طيبة في آيوا يؤمن لحملته قوة دفع مهمة، ويفرضه مرشحًا جديًا في حلبة الجمهوريين الذين تبين استطلاعات أجريت أخيرًا أن أحدًا منهم لن يتمكن – وفق الظروف والمعطيات الحالية طبعًا – من التغلب على هيلاري كلينتون إذا ما رشحها الحزب الديمقراطي رسميًا.
ويقول المحلل الاستراتيجي تيري كيسي إن من الواضح أن تصريحات ترامب تخلق كثيرا من الاهتمام لدى الناخبين، والملاحظ أنه تعمد في البداية تبني قضايا مثل الهجرة غير القانونية، ومن ثم انتقل بعدها إلى قضيا أخرى تشغل الناس مثل الأمن والسلامة ومكافحة التطرف.
أما صحيفة «بوليتيكو» فتقول إن الهجمات الإرهابية التي هزت باريس، وبعدها الحادث الإرهابي في سان برناردينو بكاليفورنيا، دفعت الناخبين الجمهوريين – الذين هم أساسًا من المحافظين – أكثر فأكثر إلى الرغبة في اختبار مدى صلابة المرشحين وجدية مواقفهم في مواجهة خطري «التطرف الإسلامي» و«الإرهاب».
وبناء عليه، يدرك ترامب وأمثاله من الطارئين على الساحة السياسية التقليدية، في قرارة نفوسهم، أنهم يفتقرون إلى الخبرة في ميدان السياسة الخارجية، كما أنهم لا يستطيعون كسب دعم قيادات مجربة ومحنكة تتمتع بالخبرة والفهم في المجالين الدولي والأمني. لا خيار أمامهم إلا الاستفادة من إطلاق مواقف صارمة وحازمة في مواجهة التطرف والإرهاب. وفعلاً، أشار استطلاع لشبكة «سي إن إن» خلال الأسبوع الماضي إلى أنه ينظر إلى ترامب على أنه أفضل المرشحين الجمهوريين أهلية للتعامل مع تنظيم داعش المتطرف، وكذلك مع ملف السياسة الخارجية!
على أي حال، يشتد الجدل منذ الآن حول مَن سيفوز بترشيح الحزب الجمهوري في معركة آيوا الحزبية خلال فبراير القادم، ومن سيتمكن ستشكل محطة هذه الولاية نقطة انطلاق مفيدة في المواجهات التمهيدية في الولايات الأخرى على امتداد البلاد وصولاً إلى المؤتمر الحزبي الكبير الحاسم. والسؤال الذي يفرض نفسه بلا شك هو: كيف ستكون معايير المنافسة؟ هل بإطلاق مزيد من التصريحات المستفزة وبث المخاوف ومشاعر الكراهية والعنصرية وأجواء الاستقطاب؟... واستطرادًا: هل يمكن أن يكون دونالد ترامب مرشح الحزب الجمهوري لخوض سباق الرئاسة لعام 2016؟



الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
TT

الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)

شأن معظم دول المنطقة والإقليم، تسببت الأزمة السورية المتصاعدة في تراجع الاهتمام الرسمي والشعبي العراقي بالحرب التي تشنّها إسرائيل على غزة ولبنان، بعد أن كانت تحظى بأولوية قصوى، خصوصاً بعد التهديدات الإسرائيلية بتوجيه ضربات عسكرية ضد الفصائل المسلحة العراقية التي استهدفتها بأكثر من 200 هجمة صاروخية خلال الأشهر الماضية. وأظهر رئيس الوزراء محمد شيّاع السوداني، موقفاً داعماً للحكومة السورية في ظروفها الحالية منذ اليوم الأول للهجوم الذي شنَّته الفصائل السورية المسلحة وتمكّنت من السيطرة على محافظة حلب ومدن أخرى، إذ أجرى اتصالاً بالرئيس السوري بشار الأسد وكذلك الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، وأكد دعمه لدمشق.

أعلن رئيس الحكومة العراقي محمد شيّاع السوداني، يوم الثلاثاء الماضي، موقفاً أكثر وضوحاً بالنسبة لدعم نظام دمشق، وذلك خلال اتصال - مماثل لاتصاليه مع القيادتين السورية والإيرانية - أجراه مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان.

ومما قاله السوداني إن «العراق لن يقف متفرجاً على التداعيات الخطيرة الحاصلة في سوريا، خصوصاً عمليات التطهير العرقي للمكوّنات والمذاهب هناك»، طبقاً لبيان حكومي.

كذلك شدّد الزعيم العراقي على أنه سبق لبلاده أن «تضرّرت من الإرهاب ونتائج سيطرة التنظيمات المتطرّفة على مناطق في سوريا، ولن يُسمَح بتكرار ذلك»، مؤكداً «أهمية احترام وحدة سوريا وسيادتها، وأن العراق سيبذل كل الجهود من أجل الحفاظ على أمنه وأمن سوريا».

محمد شياع السوداني (آ ف ب)

السوداني كان قد انهمك بسلسلة اتصالات خلال الأيام القليلة الماضية مع عدد من قادة الدول، بخصوص الوضع في سوريا؛ من «أجل دعم الاستقرار في المنطقة، وعدم حصول أي تداعيات فيها، خصوصاً مع ما تشهده من حرب إجرامية صهيونية مستمرة منذ أكثر من عام» بحسب بيان حكومي.

وأظهرت قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية موقفاً مماثلاً وداعماً لحكومة السوداني في مواقفها حيال سوريا، لكنها أعربت خلال اجتماع، الثلاثاء الماضي أيضاً، عن قلقها جراء الأوضاع في سوريا بعد «احتلال الإرهابيين مناطق مهمة» طبقاً لبيان صدر عن الاجتماع. وعدّت «أمن سوريا امتداداً للأمن القومي العراقي للجوار الجغرافي بين البلدين، والامتدادات المختلفة لذلك الجوار».

الحدود المشتركة مؤمّنة

للعلم، مع الشرارة الأولى لاندلاع الأزمة السورية، اتخذت السلطات العراقية على المستوى الأمني إجراءات عديدة «لتأمين» حدودها الممتدة لأكثر من 600 كيلومتر مع سوريا. وصدرت بيانات كثيرة حول جاهزية القوات العراقية وقدرتها على التصدّي لأي محاولة توغّل داخل الأراضي العراقية من قبل الفصائل المسلحة من الجانب السوري، مثلما حدث صيف عام 2014، حين تمكَّنت تلك الجماعات من كسر الحدود المشتركة والسيطرة على مساحات واسعة من العراق.

اللواء يحيى رسول، الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة العراقية، أوضح (الثلاثاء) أبرز الإجراءات المُتَّخذة لتحصين الحدود مع سوريا. وقال في تصريحات صحافية إن «الحدود مؤمَنة ومُحكمة بشكل كبير من تحكيمات وتحصينات، وهناك وجود لقوات الحدود على خط الصفر الذي يربطنا مع الجارة سوريا مدعومة بالأسلحة الساندة والجهد الفني، المتمثل بالكاميرات الحرارية وأبراج المراقبة المحصّنة». وأضاف رسول: «لا خوف على الحدود العراقية، فهي مؤمّنة ومحكمة ومحصّنة، وأبطالنا منتشرون على طولها»، مشيراً إلى أنه «تم تعزيز الحدود بقطاعات من الألوية المدرعة وهي موجودة أيضاً عند الحدود».

أيضاً، وصل وفد أمني برئاسة الفريق أول قوات خاصة الركن عبد الأمير رشيد يارالله، رئيس أركان الجيش، يوم الأربعاء، إلى الشريط الحدودي العراقي - السوري. وذكر بيان عسكري أن «هدف الزيارة جاء لمتابعة انتشار القطعات الأمنية وانفتاح خطوط الصد».

غموض في الموقف

إلا أنه حتى مع المواقف الحكومية الداعمة لدمشق في أزمتها الراهنة، يبدو جلياً «الالتباس» بالنسبة لكثرة من المراقبين، وبالأخص لجهة شكل ذلك الدعم وطبيعته، وما إذا كانت السلطات الحكومية العراقية ستنخرط بقوة لمساعدة نظام الأسد عسكرياً، أم أنها ستبقى عند منطقة الدعم السياسي والدبلوماسي، تاركة أمر الانخراط والمساعدة الميدانية للفصائل المسلحة.

وهنا يلاحظ إياد العنبر، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد، وجود «التباس واضح حيال الموقف من الحدث السوري، وهذا الالتباس نختبره منذ سنوات، وليس هناك تمييز واضح بين العراق الرسمي وغير الرسمي». وتابع العنبر لـ«الشرق الأوسط» أن «مستويات تفعيل المساهمة العراقية في الحرب غير واضحة، وإذا ما قررت الحكومة البقاء على المستوى الدبلوماسي بالنسبة لقضة دعم سوريا، أم أن هناك مشاركة عسكرية».

غير أن إحسان الشمري، أستاذ الدراسات الاستراتيجية والدولية في جامعة بغداد، يعتقد بأن «العراق الرسمي عبَر عتبة التردّد، وبات منخرطاً في الأزمة السورية». وفي لقاء مع «الشرق الأوسط» بنى الشمري فرضيته على مجمل المواقف الرسمية التي صدرت عن رئيس الوزراء، والناطق الرسمي، وزعماء «الإطار التنسيقي»، وشرح قائلاً إن «هذه المواقف بمجملها كسرت مبدأ الحياد وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى الذي يتمسّك به العراق، إلى جانب كونها انخراطاً رسمياً عراقياً بالأزمة السورية».

نتنياهو غير مضمون

ولكن، بعيداً عن الانشغال الراهن بالأزمة السورية، ما زالت التهديدات الإسرائيلية بين أهم القضايا التي تشغل الرأي العام ببعدَيه السياسي والشعبي. وحتى مع الترحيب العراقي بقرار وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله»، ما زالت مخاوف البلاد من ضربة إسرائيلية محتملة قائمةً.

ولقد قال الناطق باسم الحكومة باسم العوادي، الأربعاء قبل الماضي، في تصريحات صحافية، إنه «مع عملية وقف إطلاق النار في لبنان، نحن أنهينا الجزء الأسهل، فالمعركة انتهت والحرب لم تنتهِ، فالأصعب أنك ستدخل بالمخططات غير المعلومة. ونحن (العراق) واقعون في المنطقة الحرام، لكن السياسة العقلانية المتوازنة استطاعت أن تجنبنا الضرر».

وأجاب، من ثم، عن طبيعة الرد العراقي إذا ما هاجمت إسرائيل أراضيه، بالقول: «إلى حد أيام قليلة كانت تأتي نتائج جيدة من المعادلات التي اشتغل عليها رئيس الوزراء، لكن رغم ذلك فلا أحد يضمن ما الذي يدور في بال حكومة نتنياهو، وما هو القادم مع الإدارة الأميركية الجديدة، وكيف سيتصرف نتنياهو».

وتابع العوادي، أن «الإسرائيليين عملوا على تفكيك الساحات، وتوجيه ضربات إلى اليمن وسوريا، لكن الطرف العراقي هو الوحيد الذي لم يستطيعوا الوصول إليه بفضل المعادلة... وقد يكونون وضعونا للحظات الأخيرة أو الأيام الأخيرة بنوع ما، وهذا وارد جداً، وتتعامل الحكومة العراقية مع ذلك».

شبح هجوم إسرائيلي

وحقاً، لا يزال شبح هجوم إسرائيلي واسع يخيم على بغداد، إذ تناقلت أوساط حزبية تحذيرات جدية من شنِّ ضربات جوية على العراق. وفي وقت سابق، قال مصدر مقرّب من قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، لـ«الشرق الأوسط»، إنَّ «مخاوف الأحزاب الشيعية من جدية التهديد دفعتها إلى مطالبة رئيس الحكومة للقيام بما يلزم لمنع الهجمات». وأكَّد المصدر أنَّ «فصائل عراقية مسلّحة لجأت أخيراً إلى التحرك في أجواء من التكتم والسرية، وقد جرى بشكل مؤكد إبدال معظم المواقع العسكرية التابعة لها».

وفي سياق متصل، تتحدَّث مصادر صحافية عمَّا وصفتها بـ«التقديرات الحكومية» التي تشير إلى إمكانية تعرّض البلاد لـ«300 هجوم إسرائيلي». وفي مطلع الأسبوع الماضي، شدَّدت وزارة الخارجية العراقية، في رسالة إلى مجلس الأمن، على أهمية «تدخل المجتمع الدولي لوقف هذه السلوكيات العدوانية لإسرائيل».

كما أنَّه حيال التهديدات الجدية والخشية الحقيقية من عمل عسكري إسرائيل ضد البلاد، اهتدت بعض الشخصيات والأجواء المقرّبة من الحكومة والفصائل إلى «رمي الكرة» في الملعب الأميركي، مستندين بذلك إلى اتفاقية «الإطار الاستراتيجي» المُوقَّعة منذ عام 2011، بين بغداد وواشنطن، وهو العام الذي خرجت فيه القوات الأميركية من العراق.

التهديدات الإسرائيلية من أهم القضايا التي تشغل الرأي العام العراقي

هادي العامري (رووداو)

العامري يلوم واشنطن

أيضاً، وجد هادي العامري، زعيم منظمة «بدر»، بنهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، الفرصة ليحمّل واشنطن مسؤولية حماية الأجواء العراقية، بعدما شنَّت إسرائيل هجوماً عسكرياً ضد إيران، مستخدمةً الأجواء العراقية في هجماتها. ويومذاك، حمّل العامري الجانب الأميركي «المسؤولية الكاملة» على انتهاك إسرائيل سيادة الأجواء العراقية في طريقها لضرب إيران. وقال، إن «الجانب الأميركي أثبت مجدّداً إصراره على الهيمنة على الأجواء العراقية، وعمله بالضد من مصالح العراق وشعبه وسيادته، بل سعيه لخدمة الكيان الصهيوني وإمداده بكل ما يحتاج إليه لممارسة أساليبه العدوانية، وتهديده للسلام والاستقرار في المنطقة».

وأضاف العامري: «لهذا باتت الحاجة ماسة أكثر من أي وقت مضى لإنهاء الوجود العسكري الأميركي في العراق بأشكاله كافة». وللعلم، فإن منظمة «بدر» - التي يقودها العامري - وردت ضمن لائحة المنظمات التي اتهمتها إسرائيل بشنِّ هجمات ضدها خلال الشكوى التي قدمتها إلى مجلس الأمن في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

وبناءً على تصريحات العامري السالفة، وتصريحات أخرى لشخصيات مقرّبة من الفصائل المسلحة وقوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، تبلورت خلال الأسبوع الأخير، قناعة داخل أوساط هذه القوى مفادها، بأن واشنطن «ملزمة وبشكل مباشر بحماية الأجواء العراقية» من أي هجوم محتمل من إسرائيل أو غيرها، أخذاً في الاعتبار الاتفاقية الاستراتيجية الموقعة و«سيطرتها على الأجواء العراقية».

وبالتوازي، سبق أن حمّل فادي الشمري، المستشار السياسي لرئيس الوزراء، الولايات المتحدة، أيضاً وفقاً لـ«اتفاقية الإطار الاستراتيجي والاتفاقية الأمنية»، مسؤولية «الردع، والرد على أي هجمات خارجية تمسّ الأمن الداخلي العراقي».

الرد الأميركي قاطع

في المقابل، تخلي واشنطن مسؤوليتها حيال هذا الأمر. ورداً على المزاعم العراقية المتعلقة بـ«الحماية الأميركية»، قالت ألينا رومانوسكي، السفيرة الأميركية في بغداد، صراحةً إن بلادها غير معنية بذلك. وأردفت رومانوسكي، خلال مقابلة تلفزيونية سابقة، أن التحالف الدولي دُعي إلى العراق لـ«محاربة (داعش) قبل 10 سنوات، وقد حققنا إنجازات على مستوى هزيمة هذا التنظيم، لكنه ما زال يمثل بعض التهديد، ودعوة الحكومة العراقية لنا تتعلق بهذا الجانب حصراً. أما اتفاقية الإطار الاستراتيجي فتلزمنا ببناء القدرات العسكرية العراقية، لكنها لا تتطرق لمسألة حماية الأجواء والدفاع بالنيابة». ونفت السفيرة أن تكون بلادها قد «فرضت سيطرتها على سماء العراق».

والاثنين قبل الماضي، قالت رومانوسكي، خلال لقاء «طاولة مستديرة» لعدد من وسائل الإعلام: «أود أن أكون واضحة جداً، ومنذ البداية، بأن الإسرائيليين وجّهوا تحذيرات ردع للميليشيات المدعومة إيرانياً والموجودة هنا في العراق، التي تعتدي على إسرائيل». وأضافت: «هذه الميليشيات هي التي بدأت الاعتداء على إسرائيل. ولأكون واضحة جداً في هذه النقطة، فإن الإسرائيليين حذّروا حكومة العراق بأن يوقف هذه الميليشيات عن اعتداءاتها المتكررة والمستمرة على إسرائيل... إن رسالتنا إلى حكومة العراق هي أن تسيطر على هذه الميليشيات المنفلتة، والتي لا تعتد بأوامر الحكومة وأوامر القائد العام للقوات المسلحة رئيس الوزراء. إن إسرائيل دولة لها سيادتها، وهي سترد على أي اعتداء من أي مكان ضدها».

جدعون ساعر (آ ف ب)

 

حقائق

قلق عراقي جدّي من التهديدات الإسرائيلية مع مطالبة واشنطن بالتدخّل

خلال الأسبوع قبل الماضي، بعث وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر رسالةً إلى مجلس الأمن تكلّم فيها عمّا أسماه بـ«حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها»، وحمّل فيها الحكومة العراقية المسؤولية عن الهجمات التي تشنها الفصائل العراقية عليها، داعياً مجلس الأمن للتحرك والتأكد من أن الحكومة العراقية تفي بالتزاماتها. ساعر اتّهم بالتحديد «عصائب أهل الحق» و«كتائب حزب الله» و«ألوية بدر» وحركة «النُّجباء» و«أنصار الله الأوفياء» و«كتائب سيد الشهداء»، بمهاجمة إسرائيل، ومعظم هذه الفصائل مشاركة في الحكومة العراقية الحالية ولها نفوذ كبير داخلها. هنا، تجدر الإشارة إلى أنه سبق لرئاسة الوزراء العراقية توجيه وزارة الخارجية لمتابعة ملف التهديدات الإسرائيلية في المحافل الأممية والدولية وأمام هيئات منظمة الأمم المتحدة، واتخاذ كل الخطوات اللازمة، وفق مبادئ القانون الدولي، لحفظ حقوق العراق وردع تهديدات إسرائيل العدوانية. كذلك طالبت رئاسة الوزراء بـ«دعوة جامعة الدول العربية إلى اتخاذ موقف حازم وموحّد ضد تهديدات سلطات الكيان المحتل، يتضمن إجراءات عملية تستند إلى وحدة المصير والدفاع المشترك». وهذا بجانب «مطالبة مجلس الأمن الدولي بالنظر في الشكاوى المقدمة من جمهورية العراق ضد سلطات الكيان المحتل، واتخاذ إجراءات رادعة تكفل تحقيق الاستقرار والسِّلم الإقليمي والدولي»، وباتخاذ الولايات المتحدة مع العراق، من خلال الحوارات الأمنية والعسكرية ضمن إطار القسم الثالث من «اتفاقية الإطار الاستراتيجي»، خطوات فعالة «لردع سلطات الكيان المحتل» مع دعوة «التحالف الدولي والدول الأعضاء فيه إلى كبح هذه التهديدات والحدّ من اتساع رقعة الحرب».