بارزاني يتهم الحكومة العراقية بتجاهل الدستور والانقلاب على مجلس النواب

رئيس إقليم كردستان: لن نتراجع إلى الوراء وسيكون لنا موقف لم يتوقعه أحد

مسعود بارزاني خلال إلقائه كلمته في أربيل أمس («الشرق الأوسط»)
مسعود بارزاني خلال إلقائه كلمته في أربيل أمس («الشرق الأوسط»)
TT

بارزاني يتهم الحكومة العراقية بتجاهل الدستور والانقلاب على مجلس النواب

مسعود بارزاني خلال إلقائه كلمته في أربيل أمس («الشرق الأوسط»)
مسعود بارزاني خلال إلقائه كلمته في أربيل أمس («الشرق الأوسط»)

اتهم مسعود بارزاني رئيس إقليم كردستان العراق الحكومة الاتحادية «بالتجاوز على الحقوق الدستورية والقانونية لإقليم كردستان ومحاولة الانقلاب على مجلس النواب الذي يعد أعلى مؤسسة شرعية تمثل جميع أطياف الشعب العراقي» مؤكدا أن «دستور العراق الذي كان لجميع الأحزاب والمكونات العراقية دور أساسي في كتابته يعد اليوم وثيقة مكتوبة دون أن تنفذ».
وجاءت تصريحات بارزاني خلال مراسيم استقبال رفات 93 بارزانيا تم دفنهم أحياء في صحارى البصية في الحدود العراقية – السعودية عام 1983 في بداية حملة التطهير العرقي التي بدأتها الحكومة العراقية في منطقة بارزان معقل مسعود بارزاني.
وأكد بارزاني أن «الكرد غير مستعدين للعودة للوراء ولن يقبلوا أبدا بأن يتم التعامل معهم بعقلية تدرج المواطنة أي أن ينظر للشعب الكردي كمواطنين من الدرجة الثانية ولن يكونوا مسلوبي القرار» مبينا أن «تضحيات هذا الشعب ونضاله كان من أجل الحرية لا من أجل أن تتعامل معه الحكومة في بغداد بهذه الروح العدائية بقطع مرتبات ومستحقات موظفيه دون أي سبب مقنع».
وأشار بارزاني إلى أن القيادة السياسية في الإقليم «ما زالت تأمل في حل المشاكل العالقة بين الطرفين عن طريق الحوار واللجوء لطاولة المفاوضات»، لكنه أكد أيضا على أن «الشعب الكردي لن يسكت على ما يحصل ضده من قبل الحكومة العراقية بل سيكون له موقف مختلف عما سبق حيث لن يكون في توقع أو تصور أي أحد وأنه يعني ما يقول»، داعيا «القوى السياسية والأحزاب في الإقليم على توحيد الموقف لمواجهة التهديدات التي تستهدف بقاء الكرد وحريتهم».
وأضاف بارزاني أن «الذنب الوحيد الذي ارتكبه هؤلاء الشهداء والكثيرون منهم في كرميان وحلبجة وبادينان كان كرديتهم، لكن أخلاق هذا الشعب أبت أن يسلك طريقا انتقاميا ضد الجنود الذين دفنوا أطفالهم الرضع وهم أحياء ولم يتعرض أي جندي أو ضابط عراقي للإهانة في أيام الانتفاضة والتزمنا بعد ذلك بكل قواعد وحدة العراق وسيادته ليكون موقف بغداد بهذا الشكل الذي نراه اليوم».
ولم يخف بارزاني «بأن المقصود من تصرفات بغداد هو كسر هيبة الشعب الكردي وعدم إعطائه المجال لكي يعيش حرا» مبينا أن توقعاته بشأن مستقبل العراق والتي تحدث عنها قبل سنين كثيرة محذرا من الخطر الذي يحدق بمستقبله تحققت اليوم حيث لم تبق أي قيمة للعيش المشترك والحياة المشتركة.
ولم يرد بارزاني على تصريحات رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي «والذي أطلق الكثير من الاتهامات على حكومة الإقليم» مبينا أنه من واجب حكومة الإقليم أن ترد عليه رسميا لكنه أكد على أن أي شخص في مكان المالكي وهو رئيس للوزراء وقائد عام للقوات المسلحة يجب أن يكون صادقا في كلامه.
وكشف رئيس الإقليم أنه وفي إحدى اجتماعاته مع الأحزاب السياسية في كردستان العراق «طلب من جميع الحاضرين أن يفكروا وبجدية حول موقف موحد من مستقبل العلاقات مع بغداد وضرورة مراجعة نوعية العلاقة مع الحكومة العراقية لأن الوضع لم يعد يحتمل».
وقد قوبلت تصريحات رئيس إقليم كردستان بإيجابية «من قبل بعض الأطراف السياسية في الإقليم مع قليل من الحذر في التعامل مع بغداد وضرورة توحيد الموقف بين مكونات الإقليم لمواجهة أي خطر يواجهها».
فقد أكد سوران عمر القيادي في الجماعة الإسلامية في الإقليم وعضو برلمان الإقليم عن قائمة الجماعة لـ«الشرق الأوسط» أن «كلمة رئيس إقليم كردستان حملت في طياتها مغزى قويا وجاءت في الوقت المناسب» داعيا إلى الجدية في تنفيذ ما أعلن عنه بارزاني في موقف موحد من قبل الأحزاب الكردستانية لكي تأخذ بغداد ما يريد أن يحققه الإقليم في مواجهته لهذا الوضع على محمل الجد.
من جهته أكد القيادي في حركة التغيير محمد حاجي، مسؤول العلاقات السياسية للحركة «أن تخصيص بارزاني لجزء كبير من كلمته للحديث عن المشاكل بين أربيل وبغداد يدل على أن الخلاف بين الطرفين خلاف جدي حيث لم يخف بارزاني أن الإقليم باستطاعته أن يفعل ما لا تتوقعه بغداد».
وبين حاجي «أنه لا يمكن له أن يتوقع أو يخمن ما الذي يستطيع الإقليم فعله في هذه المرحلة وكيف سيستطيع الضغط على بغداد»، مؤكدا على أن أي موقف يتخذ ضد الأزمة الحالية بين الطرفين لا بد أن يكون بموقف موحد بين الأحزاب الكردستانية موضحا أن «التشكيلة الحكومية القادمة لا بد لها من حسم هذا الموقف بطرح مبادرة موحدة لمواجهة هذه الأزمة».



الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
TT

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)

يتضاعف خطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن بعد تفاقم الأزمة الاقتصادية، وانهيار سعر العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، بفعل الحرب الحوثية على الموارد الرئيسية للبلاد، وتوسيع دائرة الصراع إلى خارج الحدود، في حين تتزايد الدعوات إلى اللجوء للتنمية المستدامة، والبحث عن حلول من الداخل.

وبينما تتوالي التحذيرات من تعاظم احتياجات السكان إلى المساعدات الإنسانية خلال الأشهر المقبلة، تواجه الحكومة اليمنية تحديات صعبة في إدارة الأمن الغذائي، وتوفير الخدمات للسكان في مناطق سيطرتها، خصوصاً بعد تراجع المساعدات الإغاثية الدولية والأممية خلال الأشهر الماضية، ما زاد من التعقيدات التي تعاني منها بفعل توقف عدد من الموارد التي كانت تعتمد عليها في سد الكثير من الفجوات الغذائية والخدمية.

ورجحت شبكة الإنذار المبكر بالمجاعة حدوث ارتفاع في عدد المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية في اليمن في ظل استمرار التدهور الاقتصادي في البلاد، حيث لا تزال العائلات تعاني من التأثيرات طويلة الأجل للصراع المطول، بما في ذلك الظروف الاقتصادية الكلية السيئة للغاية، بينما تستمر بيئة الأعمال في التآكل بسبب نقص العملة في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، وانخفاض قيمة العملة والتضخم في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة.

وبحسب توقعات الأمن الغذائي خلال الستة أشهر المقبلة، فإنه وبفعل الظروف الاقتصادية السيئة، وانخفاض فرص كسب الدخل المحدودة، ستواجه ملايين العائلات، فجوات مستمرة في استهلاك الغذاء وحالة انعدام الأمن الغذائي الحاد واسعة النطاق على مستوى الأزمة (المرحلة الثالثة من التصنيف المرحلي) أو حالة الطوارئ (المرحلة الرابعة) في مناطق نفوذ الحكومة الشرعية.

انهيار العملة المحلية أسهم مع تراجع المساعدات الإغاثية في تراجع الأمن الغذائي باليمن (البنك الدولي)

يشدد الأكاديمي محمد قحطان، أستاذ الاقتصاد في جامعة تعز، على ضرورة وجود إرادة سياسية حازمة لمواجهة أسباب الانهيار الاقتصادي وتهاوي العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، منوهاً إلى أن عائدات صادرات النفط والغاز كانت تغطي 70 في المائة من الإنفاق العام في الموازنة العامة، وهو ما يؤكد أهميتها في تشغيل مؤسسات الدولة.

ويضيف قحطان في حديث خص به «الشرق الأوسط» أن وقف هذه الصادرات يضع الحكومة في حالة عجز عن الوفاء بالتزاماتها، بالتضافر مع أسباب أخرى منها الفساد والتسيب الوظيفي في أهم المؤسسات الحكومية، وعدم وصول إيرادات مؤسسات الدولة إلى البنك المركزي، والمضاربة بالعملات الأجنبية وتسريبها إلى الخارج، واستيراد مشتقات الوقود بدلاً من تكرير النفط داخلياً.

أدوات الإصلاح

طبقاً لخبراء اقتصاديين، تنذر الإخفاقات في إدارة الموارد السيادية ورفد خزينة الدولة بها، والفشل في إدارة أسعار صرف العملات الأجنبية، بآثار كارثية على سعر العملة المحلية، والتوجه إلى تمويل النفقات الحكومية من مصادر تضخمية مثل الإصدار النقدي.

توقف تصدير النفط يتسبب في عجز الحكومة اليمنية عن تلبية احتياجات السكان (البنك الدولي)

ويلفت الأكاديمي قحطان إلى أن استيراد مشتقات الوقود من الخارج لتغطية حاجة السوق اليمنية من دون مادة الأسفلت يكلف الدولة أكثر من 3.5 مليار دولار في السنة، بينما في حالة تكرير النفط المنتج محلياً سيتم توفير هذا المبلغ لدعم ميزان المدفوعات، وتوفير احتياجات البلاد من الأسفلت لتعبيد الطرقات عوض استيرادها، وأيضاً تحصيل إيرادات مقابل بيع الوقود داخلياً.

وسيتبع ذلك إمكانية إدارة البنك المركزي لتلك المبالغ لدعم العرض النقدي من العملات الأجنبية، ومواجهة الطلب بأريحية تامة دون ضغوط للطلب عليها، ولن يكون بحاجة إلى بيع دولارات لتغطية الرواتب، كما يحدث حالياً، وسيتمكن من سحب فائض السيولة النقدية، ما سيعيد للاقتصاد توازنه، وتتعافى العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، وهو ما سيسهم في استعادة جزء من القدرة الشرائية المفقودة للسكان.

ودعا الحكومة إلى خفض نفقاتها الداخلية والخارجية ومواجهة الفساد في الأوعية الإيرادية لإحداث تحول سريع من حالة الركود التضخمي إلى حالة الانتعاش الاقتصادي، ومواجهة البيئة الطاردة للاستثمارات ورجال الأعمال اليمنيين، مع الأهمية القصوى لعودة كل منتسبي الدولة للاستقرار داخل البلاد، وأداء مهاهم من مواقعهم.

الحكومة اليمنية تطالب المجتمع الدولي بالضغط على الحوثيين لوقف حصار تصدير النفط (سبأ)

ويؤكد مصدر حكومي يمني لـ«الشرق الأوسط» أن الحكومة باتت تدرك الأخطاء التي تراكمت خلال السنوات الماضية، مثل تسرب الكثير من أموال المساعدات الدولية والودائع السعودية في البنك المركزي إلى قنوات لإنتاج حلول مؤقتة، بدلاً من استثمارها في مشاريع للتنمية المستدامة، إلا أن معالجة تلك الأخطاء لم تعد سهلة حالياً.

الحل بالتنمية المستدامة

وفقاً للمصدر الذي فضل التحفظ على بياناته، لعدم امتلاكه صلاحية الحديث لوسائل الإعلام، فإن النقاشات الحكومية الحالية تبحث في كيفية الحصول على مساعدات خارجية جديدة لتحقيق تنمية مستدامة، بالشراكة وتحت إشراف الجهات الممولة، لضمان نجاح تلك المشروعات.

إلا أنه اعترف بصعوبة حدوث ذلك، وهو ما يدفع الحكومة إلى المطالبة بإلحاح للضغط من أجل تمكينها من الموارد الرئيسية، ومنها تصدير النفط.

واعترف المصدر أيضاً بصعوبة موافقة المجتمع الدولي على الضغط على الجماعة الحوثية لوقف حصارها المفروض على تصدير النفط، نظراً لتعنتها وشروطها صعبة التنفيذ من جهة، وإمكانية تصعيدها العسكري لفرض تلك الشروط في وقت يتوقع فيه حدوث تقدم في مشاورات السلام، من جهة ثانية.

تحذيرات من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد (أ.ف.ب)

وقدمت الحكومة اليمنية، أواخر الشهر الماضي، رؤية شاملة إلى البنك الدولي لإعادة هيكلة المشروعات القائمة لتتوافق مع الاحتياجات الراهنة، مطالبةً في الوقت ذاته بزيادة المخصصات المالية المخصصة للبلاد في الدورة الجديدة.

وكان البنك الدولي توقع في تقرير له هذا الشهر، انكماش إجمالي الناتج المحلي بنسبة واحد في المائة هذا العام، بعد انخفاضه بنسبة 2 في المائة العام الماضي، بما يؤدي إلى المزيد من التدهور في نصيب الفرد من إجمالي الناتج الحقيقي.

ويعاني أكثر من 60 في المائة من السكان من ضعف قدرتهم على الحصول على الغذاء الكافي، وفقاً للبنك الدولي، بسبب استمرار الحصار الذي فرضته الجماعة الحوثية على صادرات النفط، ما أدى إلى انخفاض الإيرادات المالية للحكومة بنسبة 42 في المائة خلال النصف الأول من العام الحالي، وترتب على ذلك عجزها عن تقديم الخدمات الأساسية للسكان.

وأبدى البنك قلقه من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد، وتفاقم الأزمات الاجتماعية والإنسانية.