أوليفييه روا: المشكلة هي «أسلمة» الراديكالية.. لا راديكالية الإسلام

قدم عالم السياسة أطروحته حول الشباب العدمي والإرهاب في فرنسا بالتشكيك في وجهة نظر الرئيس

فرنسي أثناء تقديمه باقة ورود لضحايا العمليات الإرهابية في باريس الشهر الماضي (أ. ب)
فرنسي أثناء تقديمه باقة ورود لضحايا العمليات الإرهابية في باريس الشهر الماضي (أ. ب)
TT

أوليفييه روا: المشكلة هي «أسلمة» الراديكالية.. لا راديكالية الإسلام

فرنسي أثناء تقديمه باقة ورود لضحايا العمليات الإرهابية في باريس الشهر الماضي (أ. ب)
فرنسي أثناء تقديمه باقة ورود لضحايا العمليات الإرهابية في باريس الشهر الماضي (أ. ب)

أفرزت العمليات الإرهابية التي كانت العاصمة الفرنسية باريس مسرحًا لها يوم 13 نوفمبر (تشرين الثاني) 2015. ردود فعل متباينة وسط النخبة الفرنسية. ففي الوقت الذي سارعت النخب السياسية الحزبية لاستغلال الأحداث المؤلمة وجعلها جزءًا من التعبئة الانتخابية ضد الخصوم السياسيين؛ سارعت النخب الاقتصادية للتنبيه إلى تأثير الإرهاب على الاقتصاد الوطني، مسجلة أن خسائر هذا المجال وصلت لملياري يورو، وأن القطاع السياحي مس بشكل كبير. وفي ظل التعبئة العامة التي سجلت في الوسط النخبوي الفرنسي، ظهر مرة أخرى عالم السياسة الفرنسي أوليفييه روا الأستاذ الجامعي في معهد الجامعة الأوروبية في فلورنسا بإيطاليا، بأطروحته المتميزة؛ وقد ساعده في ذلك ما راكمه من خبرة بحثية كبيرة، جعلت منه أكبر متخصص فرنسي في الحركات الإرهابية.

في ظل الصراع السياسي المحتدم في فرنسا كان من الطبيعي أن تثير العمليات الإرهابية التي شهدتها باريس يوم 13 نوفمبر 2015 الشارع الفرنسي، بأوساطه كافة، وأن تخصص صحيفة «لوموند» الرصينة المرموقة بتاريخ 24 نوفمبر 2015، صفحة كاملة طرح عبرها الأكاديمي الفرنسي أوليفييه روا (Olivier Roy)، تفسيره لطبيعة العمليات الإرهابية الباريسية من حيث المنفذين، وكيفية التعامل مع الإرهاب في فرنسا خصوصًا.
ولقد بدأ عالم السياسة روا أطروحته بالتشكيك في وجهة نظر الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند المبنية على كون فرنسا في «حالة حرب». وسارع للتساؤل ووضع علامة التعجب بخصوص حقيقة هذا الزعم السياسي، طارحًا إشكالاً منطلقيًا يقول: «فرنسا في حرب! لكن ضد من وضد ماذا»؟ إذ لم يهاجم السوريون فرنسا حتى تعلن باريس شن هجومها على هذا البلد، ثم إن الذين ارتكبوا الفعل الإرهابي هم جزء من الكينونة الفرنسية الغربية، وليسوا من الشرق الأوسط. وتمرّدهم وراديكاليتهم ناتجة عن أزمة الثقافة في عصر العَلمنة والعولمة وارتدادات الدين والتدين.
وعليه فإن تفسير ما عاشته باريس بتاريخ 13 نوفمبر 2015، لا يمكن فهمه بربطه ربطًا مباشرًا بتاريخ «القاعدة» وما جرى في أفغانستان؛ وظهور «داعش» في العراق وسوريا، وقبلها الجماعة الإسلامية المسلحة بالجزائر. إن روا باعتباره متخصّصًا في الحركات التي تطلق على نفسها مسمى «الجهادية»، يسجل أن هناك تحوّلاً جوهريًا طرأ على البنية الثقافية والسلوكية للشباب المسلم الأوروبي، حيث أخذ جانبه المعرفي والسلوكي يقترب ويتشابه بشكل كبير مع المنطلقات الفاشية واليسارية الجذرية المتطرفة. وفي الوقت نفسه يجد الشباب المسلم من الجيل الثالث نفسه في مجتمع لا يخلو من «الإسلاموفوبيا»، وهو يعيش في قطيعة مع آبائهم من حيث فهمهم للدين، ودور هذا الأخير في المجتمع، وعلاقته بالهوية. ومن جانب آخر، يجد هذا الجيل نفسه أمام تحدّي تأثيرات الصراع العربي الإسرائيلي.
بهذه الخطاطة المتشابكة يرسم روا، الأستاذ الجامعي في معهد الجامعة الأوروبية بفلورنسا، أطروحته التفسيرية لظاهرة «الإرهابيين الشباب»، باعتبارها جزءا من التحول الواقع في العالم الغربي نفسه، وقدرته على استيعاب الجيل المتمرد، الذي اختار الراديكالية باعتبارها تحيزًا سلوكيا قبل أن تكون مظهرًا من مظاهر التديّن المتشدد. وعلينا ألا ننسى في هذا الإطار نقطة مركزية في غاية الأهمية، وهي أن الإرهابيين كانوا جزءًا أصيلاً من عالم الجريمة، قبل أن يتحوّلوا إلى «راديكاليين إسلاميين».
إن العصيان والراديكالية، عند الجيل الثالث المسلم بفرنسا لا يمكن ربطهما بالتعليم الديني، ولا حتى بالتشدد الديني المحافظ، والأسرة؛ بل هو «التزام طوعي» سابق على الدين والتدين. وهذا المشكل لا نجده عند الجيل الأول والثاني من مسلمي فرنسا.
ويبدو أن صلابة هذه الأطروحة، دفعت روا، للتأكيد في مقالة له نشرتها صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية بتاريخ 17-11-2015، أن فرنسا التي «تحارب مع الولايات المتحدة (داعش) في الشرق الأوسط. هي القوة الغربية الوحيدة التي تحاربه في منطقة الساحل الأفريقي، بدءًا من مالي في 2013. ونشرت جزءًا مهما من جيشها هناك لهذا الغرض. ومساء الجمعة 13 نوفمبر 2015، تكبّدت فرنسا ثمن قتال (داعش)».
أما في حوار أوليفييه مع راديو «آر تي إس إينفو» RTS INFO يوم الجمعة 13 نوفمبر 2015، فقد أكد على أن «فرنسا ليست في حرب ضد (داعش)..، التفجيرات تمت من طرف شبان فرنسيين، صحيح أن هذا التنظيم جند شبابا أصله من عالم المخدرات، وعندما ينتقل للتدين ينتقل للتطرف بسرعة».. وهذا ما لا تتناوله النخب الإعلامية والسياسية الفرنسية؛ والتي هاجمت ما أطلق عليه الإعلام الفرنسي مسميات نمطية تتصل بالتشدّد الديني في محاولة لاستغلال التعاطف والتضامن الشعبي لربح مكاسب سياسية انتخابية. يَعتبر أوليفييه روا، الجيل الثالث من مسلمي فرنسا الذين نفذوا الهجمات، متطرفين يجدون في الإسلام تعبيرا عن تطرفهم، ليس لأن الإسلام أو التعليم الديني متطرف؛ بل إنهم شباب لا نعرفهم، وهم يشعرون بانتمائهم للأمة الإسلامية، ولا يختلفون بشيء عن الفاشية واليسار المتطرف من حيث الاختيارات المتطرفة. وهم في واقع الأمر في قطيعة مع آبائهم وخبرتهم الدينية الصوفية والمجتمعية. علينا كذلك أن نأخذ بعين الاعتبار أنهم شباب يمتهنون المهن، محامون، وموظفون، أطباء وهم يُحمّلون الإسلام تطرفهم عبر ممارسة التدين المتطرف، فيما يشبه محاولة لقولبة الدين نفسه وتحويله لمَجمع للمتطرفين. «إنهم لم يصبحوا راديكاليين لأننا علمناهم الإسلام الراديكالي في مدارس التعليم، والمحاضن الأسرية، بل إنهم يبحثون عن الإسلام الراديكالي لأنهم راديكاليون، ويريدون الراديكالية».
ولذلك، يدعو روا إلى إبراز الإسلام المعتدل المعاصر، وتمتيع المسلمين بحرية التدين وممارسته في المجتمع. ليس في المجتمع الفرنسي وحسب، بل كذلك في العالم العربي والإسلامي. لننظر ما يقوله روا لأحداث ما بعد 2011م، وإفرازاتها عربيًا. «عندما تركنا المسار الديمقراطي في تونس يسير بمسار طبيعي، وجدنا أن الوضع لم يتجه نحو التطرف والراديكالية الإسلامية، بل نحو حزب النهضة المعتدل. بالنسبة لنا في فرنسا يجب التوجه لشباب الجيل الثالث الراديكالي والتعرف عليهم، باعتبارهم فئة متنوعة. إن هؤلاء الشباب يتجهون لتكريس وضع يعتبرون فيه أنهم هم الإسلام، وهذه وجهة نظر أصولية، لها سبب جوهري يتجلى في أزمة الثقافة في زمن العلمنة والعولمة. وهذا يدفع للربط بين الثقافي والديني بشكل كبير عند المسلمين الفرنسيين».
بالنسبة لأوليفييه روا، في كتابه «الجهل المقدس: زمن الدين بلا ثقافة»، فإن «التعارض لا يقوم بين أديان معتمدة على ثقافات متضادة بل بين الأديان ودينامية العلمنة». لذلك يعود بمقالته المطوّلة في «لوموند»، ليؤكد أن هناك طريقتين لتفسير ما حدث بباريس من أحداث إرهابية: الأولى تتبنى التفسير الثقافي، والثانية تعتمد التفسير التقليدي. وترى الأولى أنه لا بد للإسلام - وفي الحقيقة كان على روا أن يتحدث هنا عن المسلمين - حتى يحقق الاندماج من إصلاح «عقدي» فيما يخص نظرة القرآن لـ«الجهاد».
ومن جهة أخرى، لا بد من تجاوز الإرث الاستعماري في علاقته بالقضية الفلسطينية والشرق الأوسط؛ وكذلك العنصرية و«الإسلاموفوبيا» على المستوى الداخلي الفرنسي. وما لم يعالج الصراع الفلسطيني الإسرائيلي فإن الثأر والراديكالية سيستمران. من هذا المنطلق، وجب الانتباه للعزلة التي يعيشها المتطرفون الشباب وسط المجتمع الإسلامي الفرنسي، فهم يعيشون خارج المسجد، وراديكاليتهم لم يكتسبوها من الشريعة الإسلامية، أو من اليوتوبيا الدائرة اليوم بسوريا. إنهم عدميون أكثر من كونهم يوتوبيين؛ فهم لم يكونوا أعضاء في جماعة الدعوة والتبليغ، أو الإخوان المسلمين، ولم ينخرطوا في أي عمل سياسي منظم، لكن هويتهم «المتشددة» هي نفسها هوية «داعش».
خلاصة القول عند أوليفييه روا، أن أسباب الإرهاب «بنيوية»، ومن ثم، فإن مواجهته لا يجب أن تقتصر على جانب معين في غياب نظرة شاملة. وما هو مؤكد أن الإرهابيين ليسوا تعبيرًا عن راديكالية المجتمع المسلم، بل إنهم انعكاس لتمرد فئة محددة من الشباب الفرنسي، اختاروا الإسلام لأنه لا يوجد في السوق غيره للتعبير عن التمرّد الراديكالي.
* أستاذ العلوم السياسية
في جامعة محمد الخامس



«المراجعات»... فكرة غائبة يراهن عليها شباب «الإخوان»

جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
TT

«المراجعات»... فكرة غائبة يراهن عليها شباب «الإخوان»

جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)

بين الحين والآخر، تتجدد فكرة «مراجعات الإخوان»، الجماعة التي تصنفها السلطات المصرية «إرهابية»، فتثير ضجيجاً على الساحة السياسية في مصر؛ لكن دون أي أثر يُذكر على الأرض. وقال خبراء في الحركات الأصولية، عن إثارة فكرة «المراجعة»، خصوصاً من شباب الجماعة خلال الفترة الماضية، إنها «تعكس حالة الحيرة لدى شباب (الإخوان) وشعورهم بالإحباط، وهي (فكرة غائبة) عن قيادات الجماعة، ومُجرد محاولات فردية لم تسفر عن نتائج».
ففكرة «مراجعات إخوان مصر» تُثار حولها تساؤلات عديدة، تتعلق بتوقيتات خروجها للمشهد السياسي، وملامحها حال البدء فيها... وهل الجماعة تفكر بجدية في هذا الأمر؟ وما هو رد الشارع المصري حال طرحها؟
خبراء الحركات الأصولية أكدوا أن «الجماعة ليست لديها نية للمراجعات». وقال الخبراء لـ«الشرق الأوسط»: «لم تعرف (الإخوان) عبر تاريخها (مراجعات) يُمكن التعويل عليها، سواء على مستوى الأفكار، أو السلوك السياسي التنظيمي، أو على مستوى الأهداف»، لافتين إلى أن «الجماعة تتبنى دائماً فكرة وجود (محنة) للبقاء، وجميع قيادات الخارج مُستفيدين من الوضع الحالي للجماعة». في المقابل لا يزال شباب «الإخوان» يتوعدون بـ«مواصلة إطلاق الرسائل والمبادرات في محاولة لإنهاء مُعاناتهم».

مبادرات شبابية
مبادرات أو رسائل شباب «الإخوان»، مجرد محاولات فردية لـ«المراجعة أو المصالحة»، عبارة عن تسريبات، تتنوع بين مطالب الإفراج عنهم من السجون، ونقد تصرفات قيادات الخارج... المبادرات تعددت خلال الأشهر الماضية، وكان من بينها، مبادرة أو رسالة اعترف فيها الشباب «بشعورهم بالصدمة من تخلي قادة جماعتهم، وتركهم فريسة للمصاعب التي يواجهونها هم وأسرهم - على حد قولهم -، بسبب دفاعهم عن أفكار الجماعة، التي ثبت أنها بعيدة عن الواقع»... وقبلها رسالة أخرى من عناصر الجماعة، تردد أنها «خرجت من أحد السجون المصرية - بحسب من أطلقها -»، أُعلن فيها عن «رغبة هذه العناصر في مراجعة أفكارهم، التي اعتنقوها خلال انضمامهم للجماعة». وأعربوا عن «استعدادهم التام للتخلي عنها، وعن العنف، وعن الولاء للجماعة وقياداتها».
وعقب «تسريبات المراجعات»، كان رد الجماعة قاسياً ونهائياً على لسان بعض قيادات الخارج، من بينهم إبراهيم منير، نائب المرشد العام للجماعة، الذي قال إن «الجماعة لم تطلب من هؤلاء الشباب الانضمام لصفوفها، ولم تزج بهم في السجون، ومن أراد أن يتبرأ (أي عبر المراجعات) فليفعل».
يشار إلى أنه كانت هناك محاولات لـ«المراجعات» عام 2017 بواسطة 5 من شباب الجماعة المنشقين، وما زال بعضهم داخل السجون، بسبب اتهامات تتعلق بـ«تورطهم في عمليات عنف».
من جهته، أكد أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أن «(المراجعات) أو (فضيلة المراجعات) فكرة غائبة في تاريخ (الإخوان)، وربما لم تعرف الجماعة عبر تاريخها (مراجعات) يُمكن التعويل عليها، سواء على مستوى الأفكار، أو على مستوى السلوك السياسي التنظيمي، أو على مستوى أهداف الجماعة ومشروعها»، مضيفاً: «وحتى الآن ما خرج من (مراجعات) لم تتجاوز ربما محاكمة السلوك السياسي للجماعة، أو السلوك الإداري أو التنظيمي؛ لكن لم تطل (المراجعات) حتى الآن جملة الأفكار الرئيسية للجماعة، ومقولتها الرئيسية، وأهدافها، وأدبياتها الأساسية، وإن كانت هناك محاولات من بعض شباب الجماعة للحديث عن هذه المقولات الرئيسية».

محاولات فردية
وقال أحمد بان إن «الحديث عن (مراجعة) كما يبدو، لم تنخرط فيها القيادات الكبيرة، فالجماعة ليس بها مُفكرون، أو عناصر قادرة على أن تمارس هذا الشكل من أشكال (المراجعة)، كما أن الجماعة لم تتفاعل مع أي محاولات بحثية بهذا الصدد، وعلى كثرة ما أنفقته من أموال، لم تخصص أموالاً للبحث في جملة أفكارها أو مشروعها، أو الانخراط في حالة من حالات (المراجعة)... وبالتالي لا يمكننا الحديث عن تقييم لـ(مراجعة) على غرار ما جرى في تجربة (الجماعة الإسلامية)»، مضيفاً أن «(مراجعة) بها الحجم، وبهذا الشكل، مرهونة بأكثر من عامل؛ منها تبني الدولة المصرية لها، وتبني قيادات الجماعة لها أيضاً»، لافتاً إلى أنه «ما لم تتبنَ قيادات مُهمة في الجماعة هذه (المراجعات)، لن تنجح في تسويقها لدى القواعد في الجماعة، خصوصاً أن دور السلطة أو القيادة في جماعة (الإخوان) مهم جداً... وبالتالي الدولة المصرية لو كانت جادة في التعاطي مع فكرة (المراجعة) باعتبارها إحدى وسائل مناهضة مشروع الجماعة السياسي، أو مشروع جماعات الإسلام السياسي، عليها أن تشجع مثل هذه المحاولات، وأن تهيئ لها ربما عوامل النجاح، سواء عبر التبني، أو على مستوى تجهيز قيادات من الأزهر، للتعاطي مع هذه المحاولات وتعميقها».
وأكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أن «الجماعة لم تصل لأي شيء في موضوع (المراجعات)، ولا توجد أي نية من جانبها لعمل أي (مراجعات)»، مضيفاً: «هناك محاولات فردية لـ(المراجعات) من بعض شباب الجماعة الناقم على القيادات، تتسرب من وقت لآخر، آخرها تلك التي تردد أنها خرجت من داخل أحد السجون جنوب القاهرة - على حد قوله -، ومن أطلقها صادر بحقهم أحكام بالسجن من 10 إلى 15 سنة، ولهم مواقف مضادة من الجماعة، ويريدون إجراء (مراجعات)، ولهم تحفظات على أداء الجماعة، خصوصاً في السنوات التي أعقبت عزل محمد مرسي عن السلطة عام 2013... وتطرقوا في انتقاداتهم للجوانب الفكرية للجماعة، لكن هذه المحاولات لم تكن في ثقل (مراجعات الجماعة الإسلامية)... وعملياً، كانت عبارة عن قناعات فردية، وليس فيها أي توجه بمشروع جدي».
وأكد زغلول، أن «هؤلاء الشباب فكروا في (المراجعات أو المصالحات)، وذلك لطول فترة سجنهم، وتخلي الجماعة عنهم، وانخداعهم في أفكار الجماعة»، مضيفاً: «بشكل عام ليست هناك نية من الجماعة لـ(المراجعات)، بسبب (من وجهة نظر القيادات) (عدم وجود بوادر من الدولة المصرية نحو ذلك، خصوصاً أن السلطات في مصر لا ترحب بفكرة المراجعات)، بالإضافة إلى أن الشعب المصري لن يوافق على أي (مراجعات)، خصوصاً بعد (مظاهرات سبتمبر/ أيلول الماضي) المحدودة؛ حيث شعرت قيادات الجماعة في الخارج، بثقل مواصلة المشوار، وعدم المصالحة».
وفي يناير (كانون الثاني) عام 2015، شدد الرئيس عبد الفتاح السيسي، على أن «المصالحة مع من مارسوا العنف (في إشارة ضمنية لجماعة الإخوان)، قرار الشعب المصري، وليس قراره شخصياً».
وأوضح زغلول في هذا الصدد، أن «الجماعة تتبنى دائماً فكرة وجود (أزمة أو محنة) لبقائها، وجميع القيادات مستفيدة من الوضع الحالي للجماعة، وتعيش في (رغد) بالخارج، وتتمتع بالدعم المالي على حساب أسر السجناء في مصر، وهو ما كشفت عنه تسريبات أخيرة، طالت قيادات هاربة بالخارج، متهمة بالتورط في فساد مالي».

جس نبض
وعن ظهور فكرة «المراجعات» على السطح من وقت لآخر من شباب الجماعة. أكد الخبير الأصولي أحمد بان، أن «إثارة فكرة (المراجعة) من آن لآخر، تعكس حالة الحيرة لدى الشباب، وشعورهم بالإحباط من هذا (المسار المغلق وفشل الجماعة)، وإحساسهم بالألم، نتيجة أعمارهم التي قدموها للجماعة، التي لم تصل بهم؛ إلا إلى مزيد من المعاناة»، موضحاً أن «(المراجعة أو المصالحة) فكرة طبيعية وإنسانية، وفكرة يقبلها العقل والنقل؛ لكن تخشاها قيادات (الإخوان)، لأنها سوف تفضح ضحالة عقولهم وقدراتهم ومستواهم، وستكشف الفكرة أمام قطاعات أوسع».
برلمانياً، قال النائب أحمد سعد، عضو مجلس النواب المصري (البرلمان)، إن «الحديث عن تصالح مع (الإخوان) يُطلق من حين لآخر؛ لكن دون أثر على الأرض، لأنه لا تصالح مع كل من خرج عن القانون، وتورط في أعمال إرهابية - على حد قوله -».
وحال وجود «مراجعات» فما هي بنودها؟ أكد زغلول: «ستكون عبارة عن (مراجعات) سياسية، و(مراجعة) للأفكار، ففي (المراجعات) السياسية أول خطوة هي الاعتراف بالنظام المصري الحالي، والاعتراف بالخلط بين الدعوة والسياسة، والاعتراف بعمل أزمات خلال فترة حكم محمد مرسي... أما الجانب الفكري، فيكون بالاعتراف بأن الجماعة لديها أفكار عنف وتكفير، وأنه من خلال هذه الأفكار، تم اختراق التنظيم... وعلى الجماعة أن تعلن أنها سوف تبتعد عن هذه الأفكار».
وعن فكرة قبول «المراجعات» من قبل المصريين، قال أحمد بان: «أعتقد أنه يجب أن نفصل بين من تورط في ارتكاب جريمة من الجماعة، ومن لم يتورط في جريمة، وكان ربما جزءاً فقط من الجماعة أو مؤمناً فكرياً بها، فيجب الفصل بين مستويات العضوية، ومستويات الانخراط في العنف».
بينما أوضح زغلول: «قد يقبل الشعب المصري حال تهيئة الرأي العام لذلك، وأمامنا تجربة (الجماعة الإسلامية)، التي استمرت في عنفها ما يقرب من 20 عاماً، وتسببت في قتل الرئيس الأسبق أنور السادات، وتم عمل (مراجعات) لها، وبالمقارنة مع (الإخوان)، فعنفها لم يتعدَ 6 سنوات منذ عام 2013. لكن (المراجعات) مشروطة بتهيئة الرأي العام المصري لذلك، وحينها سيكون قبولها أيسر».
يُشار إلى أنه في نهاية السبعينات، وحتى منتصف تسعينات القرن الماضي، اُتهمت «الجماعة الإسلامية» بالتورط في عمليات إرهابية، واستهدفت بشكل أساسي قوات الشرطة والأقباط والأجانب. وقال مراقبون إن «(مجلس شورى الجماعة) أعلن منتصف يوليو (تموز) عام 1997 إطلاق ما سمى بمبادرة (وقف العنف أو مراجعات تصحيح المفاهيم)، التي أسفرت بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية وقتها، على إعلان الجماعة (نبذ العنف)... في المقابل تم الإفراج عن معظم المسجونين من كوادر وأعضاء (الجماعة الإسلامية)».
وذكر زغلول، أنه «من خلال التسريبات خلال الفترة الماضية، ألمحت بعض قيادات بـ(الإخوان) أنه ليس هناك مانع من قبل النظام المصري - على حد قولهم، في عمل (مراجعات)، بشرط اعتراف (الإخوان) بالنظام المصري الحالي، وحل الجماعة نهائياً».
لكن النائب سعد قال: «لا مجال لأي مصالحة مع (مرتكبي جرائم عنف ضد الدولة المصرية ومؤسساتها) - على حد قوله -، ولن يرضى الشعب بمصالحة مع الجماعة».