جدل في أوروبا حول تسمية «داعش» أم «الدولة»

انتقاد من كاميرون لـ«بي بي سي» لاستخدامها مصطلح «الدولة الإسلامية»

جدل في أوروبا حول  تسمية «داعش» أم «الدولة»
TT

جدل في أوروبا حول تسمية «داعش» أم «الدولة»

جدل في أوروبا حول  تسمية «داعش» أم «الدولة»

اتسم الجدل حول تسمية تنظيم «الدولة الإسلامية» بشراسة الخلاف نفسها بشأن قصف المتشددين تقريبا. ويمتد الجدل حول التسمية لفترة أطول، وكشف بطريقته الخاصة الانقسامات العميقة والنقاشات المحمومة.
ويوجد أربعة أسماء واختصارات بديلة على الأقل للتنظيم: الدولة الإسلامية (IS)، أو الدولة الإسلامية في العراق وسوريا (Isis)، أو الدولة الإسلامية في العراق والشام (Isil)، أو «داعش» (Daesh) المأخوذ من الاختصار العربي لاسم التنظيم.
وحتى الآن، يصر رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون بعناد على تسمية التنظيم باسم الدولة الإسلامية في العراق والشام، وانتقد هيئة الإذاعة البريطانية لإشارتها إلى التنظيم بأسماء مختلفة. لكن في ظل حثه أعضاء البرلمان على دعم خطط الحكومة لتمديد القصف من العراق إلى سوريا، غيّر كاميرون تسمياته اللغوية، من الدولة الإسلامية في العراق والشام إلى «داعش».
ووردت تقارير تفيد بأن مكتب رئيس الوزراء قال إن كاميرون «اقتنع بكلام هؤلاء الذين لا يعتقدون أنه ينبغي علينا استخدام الكلمتين الإنجليزيتين (الدولة) و(الإسلامية) لوصف التنظيم».
لكن ربما جاء تغيير اللغة بمثابة محاولة من جانب الحكومة لترمز إلى الوقوف بجانب فرنسا بدلا من الولايات المتحدة في خطط قصف التنظيم. ويشير الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند إلى التنظيم باسم «داعش»، فيما يصفه الرئيس الأميركي باراك أوباما بالدولة الإسلامية في العراق والشام. ولم يشعر كاميرون بالسعادة أبدا حيال ربط التنظيم بـ«الإسلام»، أو يكنيه بـ«الدولة» أو «الخلافة» كما يدعي.
وفي يونيو (حزيران)، انتقد كاميرون «بي بي سي» بسبب مصطلحاتها. فقد قال، خلال مقابلة أجراها معه برنامج «توداي» بالإذاعة الرابعة: «آمل أن تتوقف هيئة الإذاعة البريطانية عن الإشارة إلى التنظيم باسم الدولة الإسلامية، فهو ليس دولة إسلامية، إنما هو عبارة عن نظام مروع ووحشي. إنه انحراف عن الدين الإسلامي، وسوف ينفر كثير من المسلمين الذين يستمعون إلى هذا البرنامج في كل مرة يسمعون فيها مصطلح الدولة الإسلامية».
وأصر كاميرون على أن قول تنظيم «ما يُطلق عليه» الدولة الإسلامية في العراق والشام أفضل. وفي ذلك الوقت، لم يطلق كاميرون على التنظيم اسم «داعش». في حين استخدم آخرون ذلك المصطلح. فقد حثت مجموعة من أعضاء البرلمان ينتمون لأحزاب مختلفة - من بينهم عمدة لندن بوريس جونسون، ورئيس لجنة الشؤون الداخلية بالبرلمان المنتمي لحزب العمال كيث فاز، والزعيم السابق للحزب القومي الاسكوتلندي أليكس سالموند - هيئة الإذاعة البريطانية والإذاعات الأخرى على تبني اسم «داعش» للتنظيم.
من جانبها، رفضت «بي بي سي» الدعوة، لكن منذ ذلك الحين، أشارت إلى تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام في كثير من الأحيان ببادئة «ما يطلق على نفسه» مثلما طالب كاميرون.
وفي ما يتعلق بتصريف الأفعال، يمكن لمصطلح «داعش» أن يعني «داعس أو سحق» أو «متعصب يفرض رأيه على الآخرين»، بحسب ما قاله زيبا خان في صحيفة «بوسطن غلوب».
ويُقال إن التنظيم يهدد بقطع ألسنة كل من يستخدم مصطلح «داعش»، لذلك إذا كنت تتساءل ما يفكر التنظيم حول استخدام هذا المصطلح، ستكون إجابتك كما يلي.
قال وزير الخارجية الفرنسي لورين فابيوس العام الماضي إنه «تنظيم إرهابي وليس دولة.. ويطمس مصطلح الدولة الإسلامية الخطوط الفاصلة بين الإسلام والمسلمين والإسلاميين».
وورد في خطاب أرسلته الجمعية الإسلامية في بريطانيا واتحاد المحامين المسلمين لكاميرون إنه «لا إسلامي، ولا دولة».
وقد يعتبر التغيير في أسلوب مقر الحكومة انتصارا للحزب القومي الاسكوتلندي، فلطالما دافع زعيم مجلس العموم التابع لذلك الحزب أنغوش روبرتسون عن استخدام مصطلح «داعش».
في يونيو، قال روبرتسون: «حان الوقت لأن يتوقف العالم المتحدث باللغة الإنجليزية عن استخدام مصطلح الدولة الإسلامية أو الدولة الإسلامية في العراق وسوريا أو الدولة الإسلامية في العراق والشام، وينبغي علينا وعلى وسائل إعلامنا أن نستخدم بدلا من ذلك اسم (داعش) إذ إنه هو المصطلح شائع الاستخدام في جميع أنحاء منطقة الشرق الأوسط».
وقال سيمون كوليز، السفير البريطاني لدى العراق، والسفير السابق لدى سوريا: «يلفظ الناطقون باللغة العربية اسم (داعش) بخليط من الاحتقار والاستهزاء والعداء. ودائما ما يحمل هذا المصطلح شعورا سلبيا».



إعلاميو فرنسا أمام معضلة البقاء مع «إكس» أو الابتعاد عنها

الصحف الفرنسية أمام التحدي
الصحف الفرنسية أمام التحدي
TT

إعلاميو فرنسا أمام معضلة البقاء مع «إكس» أو الابتعاد عنها

الصحف الفرنسية أمام التحدي
الصحف الفرنسية أمام التحدي

يرى البعض في فرنسا أن موسم رحيل «العصافير الزرقاء» يلوح في الأفق بقوة، وذلك بعدما أعلنت مجموعة كبيرة من الشخصيات والمؤسسات الإعلامية انسحابها من منصّة التواصل الاجتماعي «إكس» (تويتر سابقاً).

الظاهرة بدأت تدريجياً بسبب ما وصف بـ«الأجواء السامة» التي اتسّمت بها المنصّة. إذ نقلت صحيفة «كابيتال» الفرنسية أن منصة «إكس» فقدت منذ وصول مالكها الحالي إيلون ماسك أكثر من مليون مشترك، إلا أن الوتيرة أخذت تتسارع في الآونة الأخيرة بعد النشاط الفعّال الذي لعبه ماسك في الحملة الانتخابية الأميركية، ومنها تحويله المنصّة إلى أداة دعاية قوية للمرشح الجمهوري والرئيس العائد دونالد ترمب، وكذلك إلى منبر لترويج أفكار اليمين المتطرف، ناهيك من تفاقم إشكالية «الأخبار الزائفة» أو «المضللة» (الفايك نيوز).

نقاش إعلامي محتدم

ومهما يكن من أمر، فإن السؤال الذي صار مطروحاً بإلحاح على وسائل الإعلام: هل نبقى في منصّة «إكس»... أم ننسحب منها؟ حقاً، النقاش محتدم اليوم في فرنسا لدرجة أنه تحّول إلى معضلة حقيقية بالنسبة للمؤسسات الإعلامية، التي انقسمت فيها الآراء بين مؤيد ومعارض.

للتذكير بعض وسائل الإعلام الغربية خارج فرنسا كانت قد حسمت أمرها باكراً بالانسحاب، وكانت صحيفة «الغارديان» البريطانية الأولى التي رحلت عن المنصّة تاركة وراءها ما يناهز الـ11 مليون متابع، تلتها صحيفة «فون غوارديا» الإسبانية، ثم السويدية «داكنز نيهتر».

أما في فرنسا فكانت أولى وسائل الإعلام المنسحبة أسبوعية «ويست فرنس»، وهي صحيفة جهوية تصدر في غرب البلاد، لكنها تتمتع بشعبية كبيرة، إذ تُعد من أكثر الصحف الفرنسية قراءة بأكثر من 630 ألف نسخة تباع يومياً ونحو 5 ملايين زيارة على موقعها عام 2023. ولقد برّر نيكولا ستارك، المدير العام لـ«ويست فرنس»، موقف الصحيفة بـ«غياب التنظيم والمراقبة»، موضحاً «ما عاد صوتنا مسموعاً وسط فوضى كبيرة، وكأننا نقاوم تسونامي من الأخبار الزائفة... تحوّلت (إكس) إلى فضاء لا يحترم القانون بسبب غياب المشرفين». ثم تابع أن هذا القرار لم يكن صعباً على الأسبوعية الفرنسية على أساس أن منصّة التواصل الاجتماعي هي مصدر لأقل من واحد في المائة من الزيارات التي تستهدف موقعها على الشبكة.

بصمات ماسك غيّرت «إكس» (تويتر سابقاً)

«سلبيات» كثيرة بينها بصمات إيلون ماسك

من جهتها، قررت مجموعة «سود ويست» - التي تضم 4 منشورات تصدر في جنوب فرنسا هي «سود ويست»، و«لاروبوبليك دي بيريني»، و«شارانت ليبر» و«دوردون ليبر» - هي الأخرى الانسحاب من منصّة «إكس»، ملخصّة الدوافع في بيان وزع على وسائل الإعلام، جاء فيه أن «غياب الإشراف والمراقبة، وتحديد عدد المنشورات التابعة لحسابات وسائل الإعلام، وإبدال سياسة التوثيق القديمة بواسطة أخرى مدفوعة الثمن، كانت العوامل وراء هذا القرار».

أيضاً الموقع الإخباري المهتم بشؤون البيئة «فير» - أي «أخضر» - انسحب بدوره من «إكس»، تاركاً وراءه عشرين ألف متابع لدوافع وصفها بـ«الأخلاقية»، قائلا إن مضامين المنصّة تتعارض مع قيمه التحريرية. وشرحت جولييت كيف، مديرة الموقع الإخباري، أنه لن يكون لهذا القرار تأثير كبير بما أن الحضور الأهم الذي يسجّله الموقع ليس في «إكس»، وإنما في منصّة «إنستغرام»، حيث لديه فيها أكثر من 200 ألف متابع. ولكن قبل كل هؤلاء، كان قرار انسحاب برنامج «لوكوتيديان» الإخباري الناجح احتجاجاً على التغييرات التي أحدثها إيلون ماسك منذ امتلاكه «إكس» قد أطلق ردود فعل كثيرة وقويّة، لا سيما أن حساب البرنامج كان يجمع أكثر من 900 ألف متابع.

سالومي ساكي

... الفريق المتريّث

في المقابل، وسائل إعلام فرنسية أخرى فضّلت التريّث قبل اتخاذ قرار الانسحاب، وفي خطوة أولى اختارت فتح باب النقاش لدراسة الموضوع بكل حيثياته. وبالفعل، عقدت صحيفة «ليبيراسيون»، ذات التوجّه اليساري، جلسة «تشاور» جمعت الإدارة بالصحافيين والعمال يوم 19 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي للبحث في مسألة «البقاء مع منصّة (إكس) أو الانسحاب منها؟». وفي هذا الإطار، قال دون ألفون، مدير الصحيفة، في موضوع نشر بصحيفة «لوموند»، ما يلي: «نحن ما زلنا في مرحلة التشاور والنقاش، لكننا حدّدنا لأنفسنا تاريخ 20 يناير (كانون الثاني) (وهو اليوم الذي يصادف تنصيب دونالد ترمب رئيساً للمرة الثانية) لاتخاذ قرار نهائي».

الوضع ذاته ينطبق على الأسبوعية «لاكروا» التي أعلنت في بيان أن الإدارة والصحافيين بصّدد التشاور بشأن الانسحاب أو البقاء، وكذلك «لوموند» التي ذكرت أنها «تدرس» الموضوع، مع الإشارة إلى أن صحافييها كانوا قد احتفظوا بحضور أدنى في المنصّة على الرغم من عدد كبير من المتابعين يصل إلى 11 مليوناً.

من جانب آخر، إذا كان القرار صعب الاتخاذ بالنسبة لوسائل الإعلام لاعتبارات إعلانية واقتصادية، فإن بعض الصحافيين بنوا المسألة من دون أي انتظار، فقد قررت سالومي ساكي، الصحافية المعروفة بتوجهاتها اليسارية والتي تعمل في موقع «بلاست» الإخباري، إغلاق حسابها على «إكس»، ونشرت آخر تغريدة لها يوم 19 نوفمبر الماضي. وفي التغريدة دعت ساكي متابعيها - يصل عددهم إلى أكثر من 200 ألف - إلى اللّحاق بها في منصّة أخرى هي «بلو سكاي»، من دون أن تنسى القول إنها انسحبت من «إكس» بسبب إيلون ماسك وتسييره «الكارثي» للمنّصة.

وفي الاتجاه عينه، قال غيوم إرنر، الإعلامي والمنتج في إذاعة «فرنس كولتو»، بعدما انسحب إنه يفضل «تناول طبق مليء بالعقارب على العودة إلى (إكس)». ثم ذهب أبعد من ذلك ليضيف أنه «لا ينبغي علينا ترك (إكس) فحسب، بل يجب أن نطالب المنصّة بتعويضات بسبب مسؤوليتها في انتشار الأخبار الكاذبة والنظريات التآمرية وتدّني مستوى النقاش البنّاء».

«لوفيغارو»... باقية

هذا، وبين الذين قرّروا الانسحاب وأولئك الذين يفكّرون به جدياً، يوجد رأي ثالث لوسائل الإعلام التي تتذرّع بأنها تريد أن تحافظ على حضورها في المنصّة «لإسماع صوتها» على غرار صحيفة «لوفيغارو» اليمينية. مارك فويي، مدير الصحيفة اليمينية التوجه، صرح بأنها لن تغيّر شيئاً في تعاملها مع «إكس»، فهي ستبقى لتحارب «الأخبار الكاذبة»، وتطالب بتطبيق المراقبة والإشراف بحزم وانتظام.

ولقد تبنّت مواقف مشابهة لـ«لوفيغارو» كل من صحيفة «لي زيكو» الاقتصادية، ويومية «لوباريزيان»، وقناة «تي إف1» و«إم 6»، والقنوات الإخبارية الكبرى مثل «بي إف إم تي في»، و«سي نيوز». وفي حين تتّفق كل المؤسّسات المذكورة على أن المنّصة «أصبحت عبارة عن فضاء سام»، فهي تعترف في الوقت نفسه باستحالة الاستغناء عنها، لأن السؤال الأهم ليس ترك «إكس»، بل أين البديل؟ وهنا أقرّ الصحافي المعروف نيكولا دوموران، خلال حوار على أمواج إذاعة «فرنس إنتير»، بأنه جرّب الاستعاضة عن «إكس» بواسطة «بلو سكاي»، لكنه وجد الأجواء مملة وكان النقاش ضعيفا، الأمر الذي جعله يعود إلى «إكس»، حيث «الأحداث أكثر سخونة» حسب رأيه.

أما الصحافي المخضرم جان ميشال أباتي، فعلى الرغم من انتقاده الشديد للمنصّة وانسحاب برنامج «لوكوتيديان» - الذي يشارك فيه - من «إكس» - فإنه لم يفكر في إغلاق حسابه لكونه الإعلامي الفرنسي الأكثر متابعة؛ إذ يسجل حسابه أكثر من 600 ألف متابع.

في هذه الأثناء، وصفت كارين فوتو، رئيسة موقع «ميديا بارت» الإخباري المستقّل الوضع «بالفخ الذي انغلق على وسائل الإعلام»، حيث «إما البقاء وتعزيز أدوات الدعاية لليمين المتطرّف وإما الانسحاب والتخلّي عن مواجهة النقاش». وللعلم، من الملاحظ أن المنصّة غدت حاجة شبه ماسة لأصحاب القرار والساسة، حيث إن بعضهم يتوجه إليها قبل أن يفكّر في عقد مؤتمر صحافي، وهذا ما حدا بالباحث دومينيك بوليي، من معهد «سيانس بو» للعلوم السياسية، إلى القول في حوار لصحيفة «لوتان» إن منصّة «إكس» بمثابة «الشّر الذي لا بد منه»، إذ تبقى المفضّلة لدى رجال السياسة للإعلان عن القرارات المهمة، وللصحافيين لتداولها والتعليق عليها، مذكّراً بأن الرئيس الأميركي جو بايدن اختار «إكس» للإعلان عن انسحابه من السباق الرئاسي الأخير.