مثقفون مغاربة: على التلفزيون أن يكون رافعة للثقافة المغربية

بين شماعة «ما يطلبه المشاهدون» وسؤال «صناعة الوجدان»

مشهد من إحدى حلقات برنامج «مشارف» أبرز البرامج الثقافية في التلفزيون المغربي («الشرق الأوسط»)
مشهد من إحدى حلقات برنامج «مشارف» أبرز البرامج الثقافية في التلفزيون المغربي («الشرق الأوسط»)
TT

مثقفون مغاربة: على التلفزيون أن يكون رافعة للثقافة المغربية

مشهد من إحدى حلقات برنامج «مشارف» أبرز البرامج الثقافية في التلفزيون المغربي («الشرق الأوسط»)
مشهد من إحدى حلقات برنامج «مشارف» أبرز البرامج الثقافية في التلفزيون المغربي («الشرق الأوسط»)

تتفق أغلب الكتابات المهتمة بعلاقة الثقافة والتلفزيون المغربي على وصفها بـ«الملتبسة»، مع التشديد على الحاجة إلى تحقيق نوع من المصالحة بين المثقفين والتلفزيون، الذي يبقى القناة الأكثر فعالية في مجال الترويج للأفكار وتقريبها من مدارك المواطنين.
وما بين أماني تحقيق المصالحة بين منتجي الأفكار والتلفزيون، من جهة، وواقع الحال، من جهة ثانية، مسافة تختصر الهوة بين المثقف والمجتمع، لذلك يرى المتتبعون للشأن الثقافي في المغرب، أن «علاقة التلفزيون المغربي مع البرامج التي تعنى بشؤون الفكر والأدب، ليست على ما يرام»، مستدلين في ذلك، بأن «جل البرامج التي تعنى بشؤون الفكر والأدب لم تعمر طويلاً»، و«حتى إذا ما حافظ أحدها على استمراريته فإنه عادة ما يبرمج في غير أوقات المشاهدة العالية».
من جهتهم، يدافع المثقفون عن حاجة الثقافة إلى «موقع قار ضمن خريطة برامج التلفزيون المغربي»، مع التشديد على الدور الحيوي للثقافة في «التنمية والتوعية والتهذيب والرفع من منسوب التحضر»، آملين أن يشكل التلفزيون المغربي «رَافِعَة للثقافة المغربية»، لذلك ينادون بـ«ضرورة الاستثمار في البرامج الثقافية»، و«ربط الإنتاج والبرمجة التلفزيونيين بالثقافة»، مع الحرص على «دعم الفنون والآداب والإنتاجات الوطنية»، و«الاهتمام بمكونات الهوية الوطنية بشكل يثمّن التنوع، ويصالح المغاربة مع تاريخهم، ويروج للقيم الإيجابية، في إطار مهمته الاستراتيجية الجديدة، المتمثلة في تكريس قيم المواطنة والديمقراطية ورسم الأفق الحداثي للبلد»، بشكل «يمكن من تقديم خدمة تستجيب لمتطلبات التثقيف وترسيخ قيم المواطنة والتعدّد والانفتاح وتثمين المقومات الثقافية والحضارية للمغاربة».
ويرى الكاتب والإعلامي عبد الصمد الكباص، أن «وضع التلفزيون بالمغرب يجسد النظرية التي كشفها ريموند ويليامز سنة 1974، والمتمثلة في وقوعه على جوهر التلفزيون باعتباره نمطًا من التدفق الذي من خلاله تستوطن شركات الإعلان والإشهار إحساس المشاهد وذهنه، حيث تتحول المواد المدرجة للاستهلاك من قبل عين المتفرج إلى تجسيد مباشر لصراع المعلنين الذي يحتكر موقع تحديد قيمة الأولوية المنسوبة للمواد المعروضة ودرجة أهميتها».
وانطلاقًا مما يستوطن إحساس المشاهد وذهنه، وفق نظرية ويليامز، يشدد الكباص على أن «الثقافة تمثل الضحية الأولى لهذا الصراع في القنوات العمومية المغربية، التي لم تحمِ نفسها، من منطق فرض الطابع التجاري على النشاط الإعلامي»، مشددًا على أنه «كيفما كانت أهمية محتوى البرامج الثقافية المقدمة في القنوات العمومية المغربية، فإن السياق الذي تُعرض فيه يفرض عليها أن تتجرد من هذه الأهمية، لكونها تهمش في مواعيد، تؤول الثقافة بأنها قضية أقلية، واحتياج مجموعة معزولة. لذلك فإن تأثيرها المرجو في الجمهور وليس في المثقفين فقط، يصبح شبه منعدم».
يشير الكباص إلى أن «التحول الذي وقع في المغرب، بعد التحرير المحدود للمشهد المسموع والمرئي، وتحويل التلفزيون والإذاعة إلى شركة عمومية، تمثل في تحطيم الحدود بين ما هو تجاري وما هو مبني على مسؤولية اجتماعية مرتبطة بالمشروع الاجتماعي للدولة. وهكذا، وبمنطق التجارة المسيطر، أضحى المبتذل خطابًا مهمًا في الإنتاج التلفزيونية، يحتل موقع الحظوة، ويدفع للاستيلاء على ساعات الذروة، والأساس في كل ذلك مردوديته التجارية المبنية على نسبة المشاهدة والقياس الكمي للمتابعة. وفي ظل هذا الوضع، فالثقافة تدفع على الرغم منها، إلى الهامش المفروض على مضض من قبل دفتر التحملات، والذي يظهرها بالصيغة التي تقدم بها، كمصدر عبء مفروض على المنتجين، لا يرغب أحد فيه، وجمهوره يتخلى عنه باستمرار».
ينتهي الكباص، من تشريحه لعلاقة التلفزيون المغربي بالثقافة وانتظارات المثقفين، إلى أنه «طالما أن الإعلام العمومي مشغول بالمنطق التجاري ويحتكم إلى القياس الكمي للمتابعة، فسيواصل قتل المردودية المطلوبة من البرامج الثقافية مهما بلغت جودتها، وبالتالي سيواصل قتل الثقافة في صلب الاهتمام الاجتماعي داخل المجتمع».
من جهته، ينتهي الشاعر والإعلامي ياسين عدنان، الذي يعد ويقدم «مشارف»، أحد أبرز البرامج الثقافية التي يقترحها التلفزيون المغربي في السنوات الأخيرة، من رصده للعلاقة «الملتبسة» بين الثقافة والتلفزيون المغربي، إلى أن هذا الأخير «يحتاج إلى أن تخضَع برمجتُه من ألفها إلى يائها إلى تصور ثقافي واضح»، مشددًا على أن «النقاش منذ البداية لا يمكنه أن يكون إلا ثقافيًا»، و«أن يبدأ بمعرفة طبيعة الإنسان عندنا، تركيبته النفسية، شرطه السوسيولوجي، قيمه وتطلعاته، وكذا ثقافته السياسية ونوعية المستقبل الذي نريده للبلاد دولة ومجتمعًا»، وأنه «حينما تتشكل لدينا تصورات واضحة عن الفرد والمجتمع يمكن إذّاك لدورتي الإنتاج والبرمجة أن تنطلقا بسلاسة ووضوح. حينها، فقط، سنكتشف أن اختيار فقرات سهرة نهاية الأسبوع الفنية هو في العمق مسألة ثقافية. وأن اختيار سلسلة لرسوم الأطفال المتحركة قرار يستحيل اتخاذه دونما تنسيق مع رجال التربية في البلد؛ وأن الدراما، سواء أنتجناها في استوديوهاتنا المحلية أو استوردناها من أصقاع بعيدة، تظل في صلب مسألة القيم، ويمكنها أن تلعب دورًا خطيرًا في بلبلة قيم المجتمع ما لم نناقشها بجدية، انطلاقًا من تشخيص سوسيولوجي واضح للتحولات التي طالت وتطال منظومة القيم لدينا».
ويجد هذا التشديد، من قبل عدنان على ارتباط التحولات التي تهم منظومة القيم بوضوح التصورات عن الفرد والمجتمع، أهميته في أن التلفزيون صار، اليوم، «الآلية الأكثر تأثيرًا على البشر: صغارًا وكبارًا، أفرادًا ومجتمعات»، وأنه «وحده التصوّر الثقافي العميق الواضح يمكنه أن يتحكّم في آلية بهذه الخطورة ويكبح جماحها، مشيرًا إلى أنه «ما زال بيننا من يرى أن التلفزيون سيفقد بريقه ووهجه إذا ما ذكرت داخل استوديوهاته، ولو عرَضًا، كلمة ثقافة». لذلك، يشدد عدنان على أننا ما زلنا لم ننتبه، حتى الآن، إلى أن «المنافسة تتم أصلاً في المعترك الخطأ»، من جهة أن «التنافس على الرفع من نسب المشاهدة بجميع الوسائل والمواد، حتى لو كانت خردة مسلسلات مكسيكية رخيصة أو مجموعة من السيتكومات الملفّقة، والفوز بأكبر نصيب ممكن من كعكة الإعلانات، حتى ولو جاء ذلك على حساب هوية القناة والتزاماتها إزاء المجتمع، مثل هذه المنافسة لا نجد فيها رابحًا، لأننا ببساطة قد نكسب المزيد من المشاهدين، وبالتالي المزيد من الإعلانات لكننا نخسر الإنسان»؛ لذلك يبقى «تعزيز» البرمجة الثقافية في التلفزيون «مطلبًا حيويًا»، ما يدفعنا إلى الاختيار بين أمرين: «هل نريد شعوبًا يقظة لها حد أدنى من المعرفة والوعي والقدرة على التمييز؟ أم نريد كائنات استهلاكية هشة لا مناعة لها ومستعدة لابتلاع أي خطاب مهما كان سطحيًا وحتى لو كان خطيرًا وتتلقى الفرجة السطحية والتفاهات برضا وتسليم؟».
يوسع عدنان من مشهد الرصد وتحديد المسؤوليات، ليشدد على أن «الإعلام بشكل عام، وليس التلفزيون فقط، يتحمل مسؤولية كبرى في لعب دور الوساطة ما بين الثقافة والأدب، من جهة، والمجتمع من جهة أخرى»، ملاحظًا أن المشكلة تبقى في أن «الإنتاج الرمزي لا يحظى بالاعتبار اللازم لأن منطق الاستهلاك لا يعترف بما هو رمزي. والإنتاج الثقافي والإبداع الأدبي يدخلان في إطار الإنتاج الرمزي الذي يساهم في صناعة الوجدان العام ويرفع من تحضُّر المجتمعات. والأدب بالخصوص ما زال مظلومًا في مجتمعاتنا العربية. فلا أحد من خبراء نسب المشاهدة يبدو مستعدًا لاستيعاب أولوية أن يساهم التلفزيون في دعم الأدب والإنتاج الأدبي وأن يعتبر ذلك جزءًا من دوره في بناء مجتمعات متزنة، منفتحة، بل وحالمة أيضًا بالمعنى المنتج الخلاق لهذه الكلمة».
من جهته، يرى باسم الهور، صحافي ومنتج برامج بالقناة «الثقافية» المغربية، أن «الحديث عن مكانة الثقافة في الإعلام المسموع والمرئي العمومي بالمغرب، لا يستقيم إلا بتسليط الأضواء على السياقات المتنوعة التي أحاطت بتطور الإعلام المسموع والمرئي المغربي بصفة عامة»، بعد أن «انتبهت الدولة إلى ضرورة تأهيل الإعلام المسموع والمرئي على المستويين القانوني والتشريعي من جهة، وعلى الصعيد الاستراتيجي والعملي، من ناحية أخرى».
يتوقف الهور عند ما سمّاه «المنعطف التاريخي البارز»، المنسجم مع «توجه استراتيجي جديد للمغرب في تعامله وتدبيره لملف الإعلام المسموع والمرئي، تحولت بموجبه الإذاعة والتلفزيون المغربية إلى مقاولة إعلامية مملوكة للدولة، اسمها «الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة»، ملاحظًا أن هذا التحول في المشهد الإعلامي الإذاعي والتلفزيوني «عبد الطريق أمام إطلاق باقة من القنوات الموضوعاتية والمتخصصة والعامة، والتي عززت القطب الإعلامي العمومي التلفزيوني». وهنا، سيتحدث عن قناة «الثقافية»، التي «انطلقت مع بداية سنة 2005، كقناة تلفزيونية موضوعاتية، أهدافها تعليمية وتربوية وتثقيفية، أيضًا، معتمدة في ذلك على شبكة برامجية متنوعة تمزج بين الإنتاج الداخلي للقناة والخارجي، أيضًا، قبل أن تتخذ هذه القناة شكل ومضمون الثقافة، وتسعى لكسب رهان التعريف وتثمين الهوية والثقافة المغربية، التي قوامها التنوع في الروافد والانفتاح على الثقافة الإنسانية والكونية».
وإذا كان رهان الشبكة البرامجية للقناة، خصوصًا في شقها المتعلق بالإنتاج الداخلي والوطني، هو «إيلاء العناية والتركيز على الثقافة والهوية المغربيين، على مستوى الشكل والمضمون»، فإن هذا المعطى، يضيف الهور، «لا يأتي على حساب الترجمة الوفية لمبدأ انفتاح الثقافة المغربية على البعد الكوني، حيث خصصت القناة حيزًا هامًا من شبكتها البرامجية لمواد تلفزيونية تتطرق لكافة تمظهرات الثقافات المتنوعة التي تعبر عن جغرافيات كثيرة. ووفق هذا المنظور، اجتهدت القناة وما زالت، في الإجابة على جملة من الأسئلة المحورية: ماذا نريد من هذه القناة؟ ولمن يتوجه منتجها الإعلامي؟ وكيف؟ فيما يظل سؤال: وبماذا (وسائل وموارد وظروف العمل)؟ حارقًا، مع قلة الحيلة والنقص الحاد في الموارد البشرية واللوجيستيكية». غير أن «ما يثلج الصدر ويحث على المزيد من المثابرة ورفع كل التحديات»، يختم الهور، يبقى «التفاعل الإيجابي الذي تحظى به القناة في الوسط الثقافي المغربي، والمتمثل في استحسان وتقدير كل الفاعلين والمهتمين والمتلقين، لما تقدمه من مردود ومنتج إعلامي، له ما له من نصيب الاجتهاد، وعليه ما عليه من النقائص التي مردها قلة الحيلة».



قانون الآثار الإسرائيلي الجديد «يهوّد» الضفة الغربية

قانون الآثار الإسرائيلي الجديد «يهوّد» الضفة الغربية
TT

قانون الآثار الإسرائيلي الجديد «يهوّد» الضفة الغربية

قانون الآثار الإسرائيلي الجديد «يهوّد» الضفة الغربية

كانت الأراضي الفلسطينية طوال آلاف السنين مقراً وممراً للعديد من الحضارات العريقة التي تركت وراءها آلاف المواقع الأثريّة ذات الأهميّة الفائقة، ليس في تاريخ المنطقة فحسب، بل ومُجمل التجربة البشرية. وقد أصبحت المواقع بمحض القوة بعد قيام الدولة العبرية عام 1948 خاضعة لسلطة دائرة الآثار الإسرائيلية، التي لا تدخر وسعاً في السعي لتلفيق تاريخ عبراني لهذه البلاد، وإخفاء ما من شأنه أن يتعارض مع سرديات الحركة الاستعماريّة الصهيونيّة عنها.

على أن أراضي الضفة الغربيّة التي احتُلَتْ عام 1967 وتحتوى على ما لا يَقِلُّ عن 6 آلاف موقع أثَري ظلّت قانونياً خارج اختصاص دائرة الآثار الإسرائيلية، بينما تمّ بعد اتفاق أوسلو بين الدولة العبريّة ومنظمة التحرير الفلسطينية في 1995 تقاسم المنطقة لناحية اللقى والحفريات بشكل عشوائيّ بين السلطة الفلسطينية ووحدة الآثار في الإدارة المدنية الإسرائيلية، وفق تقسيمات الأراضي الثلاث المعتمدة للحكم والأمن (أ- سلطة فلسطينية، باء: سيطرة مدنية فلسطينية وسيطرة أمنية مشتركة مع الجانب الإسرائيلي، ج: سيطرة إسرائيلية تامة).

ويبدو أن غلبة التيار اليميني المتطرّف على السلطة في الدّولة العبريّة تدفع الآن باتجاه تعديل قانون الآثار الإسرائيلي لعام 1978 وقانون سلطة الآثار لعام 1989 بغرض تمديد صلاحية سلطة الآثار لتشمل مجمل الأراضي الفلسطينية المحتلّة عام 1967، بينما سيكون، حال إقراره، انتهاكاً سافراً للقانون الدّولي الذي يحظر على سلطات الاحتلال القيام بأنشطة تتعلق بالآثار ما لم تتعلق بشكل مباشر باحتياجات السكان المحليين (في هذه الحالة السكان الفلسطينيين).

ولحظت مصادر في الأرض الفلسطينية المحتلّة بأن الأوضاع الأمنيّة في الضفة الغربيّة تدهورت بشكل ملحوظ منذ بدء الحرب على غزة في أكتوبر (تشرين الأول) من العام 2023، وكثّفت السلطات الإسرائيليّة من توسعها الاستيطاني بشكل غير مسبوق منذ ثلاثة عقود، ورفعت من وتيرة هجماتها على بؤر المقاومة، وأطلقت يد المستوطنين اليهود كي يعيثوا فساداً في القرى والبلدات العربيّة تسبب بهجرة آلاف الفلسطينيين من بيوتهم، مما يشير إلى تكامل الجهد العسكري والاستيطاني مع التعديلات القانونية المزمعة لتحضير الأرضية المناسبة لتنفيذ النيات المبيتة بتهويد مجمل أراضي فلسطين التاريخيّة.

ويأتي مشروع القانون الذي قدمه عضو الكنيست عن حزب الليكود اليميني أميت هاليفي، في أعقاب حملة استمرت خمس سنوات من قبل رؤساء المجالس الإقليمية للمستوطنين ومنظمات مثل «حراس الخلود» المتخصصة في الحفاظ على ما يزعم بأنه تراث يهودي من انتهاكات مزعومة على أيدي العرب الفلسطينيين. وتردد الحملة أكاذيب مفادها أن ثمة مواقع في الضفة الغربية لها أهمية أساسية بالنسبة إلى ما أسمته «التراث اليهودي»، وخلقت انطباعاً بوجود «حالة طوارئ أثرية» تستدعي تدخل الدّولة لمنع الفلسطينيين من «نهب وتدمير آثار المواقع اليهودية ومحاولاتهم المتعمدة لإنكار الجذور اليهودية في الأرض» – على حد تعبيرهم.

وكانت اللجنة التشريعية الحكوميّة قد وافقت على التعديل المقترح لقانون الآثار، وأرسلته للكنيست الإسرائيلي (البرلمان) لمراجعته من قبل لجنة التعليم والثقافة والرياضة التي عقدت اجتماعها في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، وذلك تحضيراً لعرضه بالقراءة الأولى و«التصويت» في الكنيست بكامل هيئته خلال وقت قريب.

وبينما اكتفت السلطة الفلسطينية والدول العربيّة بالصمت في مواجهة هذه الاندفاعة لتعديل القانون، حذرّت جهات إسرائيلية عدة من خطورة تسييس علم الآثار في سياق الصراع الصهيوني الفلسطيني، واعتبرت منظمة «إيميك شافيه» غير الحكومية على لسان رئيسها التنفيذي ألون عراد أن «تطبيق قانون إسرائيلي على أراضي الضفة الغربية المحتلة يرقى إلى مستوى الضم الرسمي»، وحذَّر في حديث صحافيّ من «عواقب، ومزيد من العزل لمجتمع علماء الآثار الإسرائيليين في حالة فرض عقوبات دوليّة عليهم بسبب تعديل القانون»، كما أكدت جمعيّة الآثار الإسرائيليّة أنها تعارض مشروع القانون «لأن غايته ليست النهوض بعلم الآثار، بل لتعزيز أجندة سياسية، وقد يتسبب ذلك في ضرر كبير لممارسة علم الآثار في إسرائيل بسبب التجاوز على القانون الدولي المتعلق بالأنشطة الأثرية في الضفة الغربية»، ولا سيّما قرار محكمة العدل الدولية في التاسع عشر من يوليو (تموز) الماضي، الذي جدَّد التأكيد على أن وجود إسرائيل في الأراضي الفلسطينية المحتلة برمته غير قانوني، وطالب الدّولة العبريّة بـ«إزالة مستوطناتها في الضفة الغربية والقدس الشرقية في أقرب وقت ممكن»، وألزمت سلطة الاحتلال بتقديم تعويضات كاملة للفلسطينيين بما في ذلك إعادة «جميع الممتلكات الثقافية والأصول المأخوذة من الفلسطينيين ومؤسساتهم».

وتشير الخبرة التاريخيّة مع سلطة الآثار الإسرائيلية إلى أن الحكومة تقوم لدى إعلان السلطة منطقة ما موقعاً تاريخيّاً بفرض حماية عسكريّة عليها، مما قد يتطلّب إخلاء السكان أو فرض قيود على تحركاتهم وإقامة بنية تحتية أمنية لدعم الحفريات، وتمنع تالياً الفلسطينيين أصحاب الأرض من تطويرها لأي استخدام آخر، الأمر الذي يعني في النهاية منع التنمية عنها، وتهجير سكانها وتهويدها لمصلحة الكيان العبريّ، لا سيّما وأن الضفة الغربيّة تحديداً تضم آلاف المواقع المسجلة، مما يجعل كل تلك الأراضي بمثابة موقع أثري ضخم مستهدف.

وتبرر الحكومة الإسرائيلية الحاليّة دعمها مشروع القانون للجهات الأُممية عبر تبني ادعاءات منظمات ومجالس مستوطني الضفة الغربيّة بأن الفلسطينيين يضرون بالمواقع ويفتقرون إلى الوسائل التقنية والكوادر اللازمة للحفاظ عليها، هذا في وقت قامت به قوات الجيش الإسرائيلي بتدمير مئات المواقع الأثريّة في قطاع غزة الفلسطيني المحتل عبر استهدافها مباشرة، مما يعني فقدانها إلى الأبد.

لن يمكن بالطبع للفلسطينيين وحدهم التصدي لهذا التغوّل على الآثار في فلسطين، مما يفرض على وزارات الثقافة ودوائر الآثار والجامعات في العالم العربيّ وكل الجهات الأممية المعنية بالحفاظ على التراث الإنساني ضرورة التدخل وفرض الضغوط للحيلولة دون تعديل الوضع القانوني للأراضي المحتلة بأي شكل، ومنع تهويد تراث هذا البلد المغرِق في عراقته.