الحريري من قصر الإليزيه: «الأجواء إيجابية» وأمل كبير بانتهاء الفراغ الرئاسي في لبنان

رئيس الوزراء الأسبق التقى هولاند وأشار إلى «تضحيات سياسية» يتعين تقديمها

الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند يرحب برئيس الحكومة اللبنانية الأسبق سعد الحريري الذي استقبله في باريس أمس (إ.ب.أ)
الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند يرحب برئيس الحكومة اللبنانية الأسبق سعد الحريري الذي استقبله في باريس أمس (إ.ب.أ)
TT

الحريري من قصر الإليزيه: «الأجواء إيجابية» وأمل كبير بانتهاء الفراغ الرئاسي في لبنان

الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند يرحب برئيس الحكومة اللبنانية الأسبق سعد الحريري الذي استقبله في باريس أمس (إ.ب.أ)
الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند يرحب برئيس الحكومة اللبنانية الأسبق سعد الحريري الذي استقبله في باريس أمس (إ.ب.أ)

انتقل الملف اللبناني الداخلي وخصوصا موضوع الفراغ الرئاسي الذي يعاني منه لبنان منذ ربيع العام الماضي إلى باريس التي جاء إليها رئيس الوزراء اللبناني الأسبق سعد الحريري من أجل لقاء الرئيس فرنسوا هولاند وإجراء مجموعة من اللقاءات مع سياسيين لبنانيين، قبل العودة اليوم إلى السعودية. واغتنم الحريري مناسبة الاجتماع في قصر الإليزيه ليوجه مجموعة من الرسائل باتجاه اللبنانيين بما في ذلك إلى تيار المستقبل الذي يتزعمه.
تتمثل الرسالة الأولى بإنهاض الآمال عند اللبنانيين بأن الأمور تسير في الاتجاه الصحيح بعد شهور طويلة من المراوحة وخيبات الأمل وعجز الطبقة السياسية عن إخراج لبنان من الفراغ المؤسساتي فيما التهديدات والمخاطر تحدق بلبنان داخليا وخارجيا. وقال الحريري في كلمة مقتضبة إلى الصحافة عقب لقائه الرئيس هولاند إنه تشاور معه بموضوع الرئاسة، وإن هولاند «أكد على أهمية الانتهاء من هذا الفراغ». لكن الجملة المهمة تكمن في قوله: «إننا نعمل على إنهاء الفراغ مع كل اللبنانيين وهناك حوار يجري مع كل الفرقاء وثمة كثير من الأمل في لبنان وإن شاء الله الأمور ستكون خيرا قريبا». كذلك رد الحريري على سؤال بتأكيده أن «الحوارات ماشية (سائرة) والأجواء إيجابية والأيام القادمة تؤملنا أن لبنان سيكون بألف خير».
ويأتي كلام الحريري في سياق الأجواء «المتفائلة» التي يعيشها لبنان بشأن مصير الانتخابات الرئاسية التي حدد الموعد الجديد لها (الثالث والثلاثون) في 16 من الشهر الجاري وذلك على خلفية مبادرة الحريري بدعم ترشيح النائب سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية. وأحدث هذا التطور غير المنتظر خلطا للأوراق وإحراجا لأكثر من طرف منهم العماد ميشال عون، المرشح غير المعلن وحليفه حزب الله ورئيس القوات اللبنانية سمير جعجع وبدرجة أقل حزب الكتائب وبعض النواب المسيحيين المستقلين. وللتدليل على خطورة المرحلة، أشار الحريري إلى أن المنطقة كلها ««تمر» بمرحلة صعبة. ولذا، فإنه يرى أن «واجبه» هو «حماية لبنان وإلا سنكون نخون بلدنا والعهد الذي قطعناه للمواطنين».
أما رسالة الحريري الثانية فموجهة كما هو واضح لمعسكره الذي لا يبدو متحمسا لطرح اسم النائب فرنجية لرئاسة الجمهورية، وهو المعروف بصداقته الشخصية للرئيس السوري بشار الأسد وانتهاجه خطا سياسيا يتعارض تماما مع خط تيار المستقبل. وقال الحريري: «لا شك أن هناك تضحيات سياسية يجب أن نقدمها لكن لبنان أهم منا وكما كان يقول الرئيس الشهيد: لا أحد أهم من بلده».
ويبدو أن الحريري يعلق أهمية كبرى على موقف باريس التي كانت من أكثر الدول اهتماما بإخراج لبنان من حالة الفراغ الدستوري وذلك منذ العام الماضي، الأمر الذي برز مع جولات مدير دائرة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا السابق السفير جان فرنسوا جيرو. كذلك فإن السفير الفرنسي الحالي في بيروت إيمانويل بون الذي يعرف جيدا الطبقة السياسية اللبنانية لشغله طيلة أربع سنوات منصب مستشار الرئيس هولاند لشؤون الشرق الأوسط والعالم العربي، ينشط مع جميع الأطراف اللبنانية لتوفير توافق الحد الأدنى الذي يسمح بأن يضع حدا للفراغ، فضلا عن ذلك، تتشاور باريس باستمرار مع الرياض بشأن الملف اللبناني كما أن خطوطها مفتوحة مع الطرف الإيراني الذي هو إحدى الجهات المؤثرة عبر علاقته الخاصة بحزب الله. وكان من المفترض أن يقوم الرئيس هولاند بزيارة إلى لبنان بعد النصف الثاني من الشهر الماضي، لكن العمليات الإرهابية التي ضربت باريس ليل 13 نوفمبر (تشرين الثاني) جعلت الاهتمام الرسمي ينصب على الحرب على «داعش» الذي تريد باريس «القضاء عليه». وجاءت قمة المناخ لتستقطب اهتمام الدبلوماسية الفرنسية على كل المستويات، فضلا عن ذلك، كانت فرنسا تعول على زيارة الرئيس الإيراني حسن روحاني. إلا أن الأخير ألغى زيارته بسبب التطورات الأمنية في فرنسا.
تشدد المصادر الفرنسية، بالنسبة للملف الرئاسي اللبناني، على نقطتين لم تحد عنهما أبدا: الأولى، أن من مصلحة لبنان وما يهمها بالدرجة الأولى هو إخراجه من حال الفراغ المؤسساتي الذي من شأنه مضاعفة التهديدات التي تطأ بثقلها عليه وهي أمنية وسياسية واجتماعية ولها وجهان بينان هما من جهة الإرهاب ومن جهة ثانية تواجد مئات الآلاف من اللاجئين السوريين الذين يشكلون عبئا ثقيلا على بناه التحتية والخدمية وعلى المجتمع اللبناني بكافة مكوناته. أما الأمر الثاني فهو أن باريس «ليس لها مرشح محدد في لبنان وليس لديها (فيتو) على أي من المرشحين». وفي الأشهر الأخيرة أخذ الطرف الفرنسي يقول إن «الوقت يدهم اللبنانيين» وأن هناك حاجة لانتخاب رئيس «بأسرع وقت»، خصوصا في ظل شلل مجلس الوزراء وغياب مجلس النواب وتراكم الأزمات الداخلية بكافة عناوينها. وعلم في باريس، أن الرئيس الحريري سعى لتوضيح الصورة للرئيس هولاند وتحديدا لجهة ما يقال عن توافق مع فرنجية، في أن تكون رئاسة الجمهورية للأول على أن تكون رئاسة الحكومة للحريري نفسه. وبكلام آخر، أشار الحريري إلى غياب «بازار» لتقاسم السلطة وأن الغرض هو بالطبع إيصال رئيس لبناني إلى قصر بعبدا الفارغ منه منذ شهر مايو (أيار) 2014.
وفي باريس التقى الحريري الوزير السابق مروان حمادة ووزير الاتصالات الحالي بطرس حرب ونائب رئيس المجلس النيابي فريد مكاري. كما انتقل إلى موقع المجزرة الكبرى في فرنسا أي مسرح الباتاكلان لوضع الزهور تكريما لضحايا الإرهاب، الذي قال: إنه «يتعين على كافة الدول أن تتعاون من أجل محاربته».
وتبدو الصورة من باريس بالغة التعقيد إذ يتعين من أجل السير في عملية انتخاب رئيس جديد التغلب على عقبات داخلية وخارجية على السواء. ويسود الاعتقاد في العاصمة الفرنسية أنه «من غير توافق سعودي - إيراني» سيكون من الصعب على فريقي 14 و8 آذار أن يتوصلا إلى التفاهم على انتخاب رئيس جديد «لا يعد انتصارا لفريق على آخر». وتفهم مسألة ترشيح فرنجية التي لم يعلن أحد رسميا عن وجودها على أنها محاولة لإخراج الملف من عنق الزجاجة بعدما تبين أن عقدة عون لم ولن تحل طالما بقي حزب الله على موقفه. ويبدو الوزير السابق وليد جنبلاط من أشد الساعين لحل كهذا، لا يريح لأسباب متمايزة، لا المعسكر العوني ولا القوات اللبنانية.



الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)

أطلقت الجماعة الحوثية سراح خمسة من قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في مناطق سيطرتها، بضمانة عدم المشاركة في أي نشاط احتجاجي أو الاحتفال بالمناسبات الوطنية، وفي المقابل كثّفت في معقلها الرئيسي، حيث محافظة صعدة، حملة الاعتقالات التي تنفّذها منذ انهيار النظام السوري؛ إذ تخشى تكرار هذه التجربة في مناطق سيطرتها.

وذكرت مصادر في جناح حزب «المؤتمر الشعبي» لـ«الشرق الأوسط»، أن الوساطة التي قادها عضو مجلس حكم الانقلاب الحوثي سلطان السامعي، ومحافظ محافظة إب عبد الواحد صلاح، أفضت، وبعد أربعة أشهر من الاعتقال، إلى إطلاق سراح خمسة من أعضاء اللجنة المركزية للحزب، بضمانة من الرجلين بعدم ممارستهم أي نشاط معارض لحكم الجماعة.

وعلى الرغم من الشراكة الصورية بين جناح حزب «المؤتمر» والجماعة الحوثية، أكدت المصادر أن كل المساعي التي بذلها زعيم الجناح صادق أبو راس، وهو عضو أيضاً في مجلس حكم الجماعة، فشلت في تأمين إطلاق سراح القادة الخمسة وغيرهم من الأعضاء؛ لأن قرار الاعتقال والإفراج مرتبط بمكتب عبد الملك الحوثي الذي يشرف بشكل مباشر على تلك الحملة التي طالت المئات من قيادات الحزب وكوادره بتهمة الدعوة إلى الاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بأسلاف الحوثيين في شمال اليمن عام 1962.

قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في صنعاء يتعرّضون لقمع حوثي رغم شراكتهم الصورية مع الجماعة (إكس)

في غضون ذلك، ذكرت وسائل إعلام محلية أن الجماعة الحوثية واصلت حملة الاعتقالات الواسعة التي تنفّذها منذ أسبوعين في محافظة صعدة، المعقل الرئيسي لها (شمال)، وأكدت أنها طالت المئات من المدنيين؛ حيث داهمت عناصر ما يُسمّى «جهاز الأمن والمخابرات»، الذين يقودهم عبد الرب جرفان منازلهم وأماكن عملهم، واقتادتهم إلى معتقلات سرية ومنعتهم من التواصل مع أسرهم أو محامين.

300 معتقل

مع حالة الاستنفار التي أعلنها الحوثيون وسط مخاوف من استهداف قادتهم من قبل إسرائيل، قدّرت المصادر عدد المعتقلين في الحملة الأخيرة بمحافظة صعدة بنحو 300 شخص، من بينهم 50 امرأة.

وذكرت المصادر أن المعتقلين يواجهون تهمة التجسس لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل ودول أخرى؛ حيث تخشى الجماعة من تحديد مواقع زعيمها وقادة الجناح العسكري، على غرار ما حصل مع «حزب الله» اللبناني، الذي أشرف على تشكيل جماعة الحوثي وقاد جناحيها العسكري والمخابراتي.

عناصر من الحوثيين خلال حشد للجماعة في صنعاء (إ.ب.أ)

ونفت المصادر صحة التهم الموجهة إلى المعتقلين المدنيين، وقالت إن الجماعة تسعى لبث حالة من الرعب وسط السكان، خصوصاً في محافظة صعدة، التي تستخدم بصفتها مقراً أساسياً لاختباء زعيم الجماعة وقادة الجناح العسكري والأمني.

وحسب المصادر، تتزايد مخاوف قادة الجماعة من قيام تل أبيب بجمع معلومات عن أماكن اختبائهم في المرتفعات الجبلية بالمحافظة التي شهدت ولادة هذه الجماعة وانطلاق حركة التمرد ضد السلطة المركزية منذ منتصف عام 2004، والتي تحولت إلى مركز لتخزين الصواريخ والطائرات المسيّرة ومقر لقيادة العمليات والتدريب وتخزين الأموال.

ومنذ سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد وانهيار المحور الإيراني، استنفرت الجماعة الحوثية أمنياً وعسكرياً بشكل غير مسبوق، خشية تكرار التجربة السورية في المناطق التي تسيطر عليها؛ حيث نفّذت حملة تجنيد شاملة وألزمت الموظفين العموميين بحمل السلاح، ودفعت بتعزيزات كبيرة إلى مناطق التماس مع القوات الحكومية خشية هجوم مباغت.

خلق حالة رعب

بالتزامن مع ذلك، شنّ الحوثيون حملة اعتقالات شملت كل من يُشتبه بمعارضته لسلطتهم، وبررت منذ أيام تلك الحملة بالقبض على ثلاثة أفراد قالت إنهم كانوا يعملون لصالح المخابرات البريطانية، وإن مهمتهم كانت مراقبة أماكن وجود قادتها ومواقع تخزين الأسلحة في صنعاء.

وشككت مصادر سياسية وحقوقية في صحة الرواية الحوثية، وقالت إنه ومن خلال تجربة عشرة أعوام تبيّن أن الحوثيين يعلنون مثل هذه العمليات فقط لخلق حالة من الرعب بين السكان، ومنع أي محاولة لرصد تحركات قادتهم أو مواقع تخزين الصواريخ والمسيرات.

انقلاب الحوثيين وحربهم على اليمنيين تسببا في معاناة ملايين السكان (أ.ف.ب)

ووفق هذه المصادر، فإن قادة الحوثيين اعتادوا توجيه مثل هذه التهم إلى أشخاص يعارضون سلطتهم وممارساتهم، أو أشخاص لديهم ممتلكات يسعى قادة الجماعة للاستيلاء عليها، ولهذا يعمدون إلى ترويج مثل هذه التهم التي تصل عقوبتها إلى الإعدام لمساومة هؤلاء على السكوت والتنازل عن ممتلكاتهم مقابل إسقاط تلك التهم.

وبيّنت المصادر أن المئات من المعارضين أو الناشطين قد وُجهت إليهم مثل هذه التهم منذ بداية الحرب التي أشعلتها الجماعة الحوثية بانقلابها على السلطة الشرعية في 21 سبتمبر (أيلول) عام 2014، وهي تهم ثبت زيفها، ولم تتمكن مخابرات الجماعة من تقديم أدلة تؤيد تلك الاتهامات.

وكان آخرهم المعتقلون على ذمة الاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم أسلافهم في شمال اليمن، وكذلك مالك شركة «برودجي» التي كانت تعمل لصالح الأمم المتحدة، للتأكد من هوية المستفيدين من المساعدات الإغاثية ومتابعة تسلمهم تلك المساعدات؛ حيث حُكم على مدير الشركة بالإعدام بتهمة التخابر؛ لأنه استخدم نظام تحديد المواقع في عملية المسح، التي تمت بموافقة سلطة الحوثيين أنفسهم