15 فيلمًا تتنافس في مهرجان مراكش.. و«روك القصبة» للافتتاح اليوم

الأمير مولاي رشيد: السينما مدعوة لتقديم شهادتها أمام المحن التي تضرب عددًا من البلدان

15 فيلمًا تتنافس في مهرجان مراكش.. و«روك القصبة» للافتتاح اليوم
TT

15 فيلمًا تتنافس في مهرجان مراكش.. و«روك القصبة» للافتتاح اليوم

15 فيلمًا تتنافس في مهرجان مراكش.. و«روك القصبة» للافتتاح اليوم

تنطلق اليوم الجمعة فعاليات الدورة الخامسة عشرة من المهرجان الدولي للفيلم بمراكش، بعرض فيلم «روك القصبة» (الولايات المتحدة) لمخرجه باري ليفنسون، وبطولة بيل موراي وبروس ويليس وكيت هدسون.
وتتميز دورة هذه السنة من المهرجان المغربي، التي ستتواصل على مدى تسعة أيام، ببرمجة غنية ومتنوعة، تشمل عروضًا في إطار «المسابقة الرسمية» و«خارج المسابقة» و«نبضة قلب» ومسابقة «سينما المدارس»، فضلا عن فقرة «دروس السينما»، التي سينشطها كل من المخرج الإيراني عباس كيارستامي، والمخرج وكاتب السيناريو والمنتج الكوري الجنوبي بارك تشان ووك، والمخرج وكاتب السيناريو والمنتج الألماني من أصول تركية فاتح آكين.
وقال الأمير مولاي رشيد، شقيق العاهل المغربي الملك محمد السادس ورئيس مؤسسة المهرجان الدولي للفيلم بمراكش، في افتتاحية دورة هذه السنة، والتي تصدرت الموقع الإلكتروني للتظاهرة، إنه «في وقت يثير فيه العالم وأحداثه الرهيبة قلقا منقطع النظير، فإن السينما مدعوة اليوم إلى تقديم شهادتها أمام هذه الشدائد والمحن التي تضرب عددا كبيرا من البلدان، جاعلة الآلاف من البشر يسعون إلى ملاجئ عدة هربا من الهمجية والعنف».
واستعرض الأمير مولاي رشيد برنامج دورة هذه السنة من التظاهرة، متوقفا عند تكريم المهرجان المغربي للسينما الكندية، التي «تعد من التجارب الغنية والقوية بمواهبها وتنوعها رغم حداثتها»، مشددا على أن التكريم يندرج، مثل سابقيه، في صلب هوية المهرجان، الذي «يرمز إلى لحظة استثنائية تلتقي وتتحاور من خلالها مختلف الثقافات جاعلة من السينما لغة كونية».
وشدد الأمير مولاي رشيد على أن «تجديد الحوار كل سنة، بين المواهب والكفاءات في مدينة عتيقة كمراكش، والتقاء مختلف المبدعين في مجال الفن السابع، ليجعلنا نسجل بكل فخر واعتزاز دور المهرجان الدولي للفيلم بمراكش، الذي أضحى في الواقع، قبلة لصناع السينما وطنيا ودوليا، من أجل رسم معالم سينما الغد، علاوة على أن المملكة المغربية باتت تشكل الوجهة المفضلة لاستضافة الإنتاجات السينمائية الكبرى عبر العالم».
كما أكد الأمير مولاي رشيد على أن مهرجان مراكش «سيظل فضاء لتفاعل الحلم والفن والالتزام المواطن»، هو الذي «مكن منذ سنوات، من انصهار السينما بالإنسانية، عبر برمجته الغنية والمتنوعة، من تكريمات، وسينما المدارس، أو دروس السينما، أو السينما بالوصف المسموع لفائدة المكفوفين وضعاف البصر، ثم العروض بساحة جامع الفنا التي تعد تراثا ثقافيا للإنسانية جمعاء».
وتحدث مولاي رشيد عن مسابقة «سينما المدارس»، التي يرأس لجنة تحكيمها، خلال دورة هذه السنة، المخرج وكاتب السيناريو البلجيكي جواكيم لافوس، مشيرا إلى أن «المواهب الشابة تشكل اليوم عيونا على العالم»، معتبرا أن منح الشباب المغاربة «مخرجي الغد»، فرصة التعبير عن أنفسهم، حيث تلتقي الثقافة والوعي جنبا إلى جنب، يمنحهم، في الوقت نفسه، فرصة الاحتكاك بالمبدعين الكبار الذين سيحضرون المهرجان، بشكل يمكنهم من «رفع تحدي خلق سينما مغربية واعدة».
وستعرف المسابقة الرسمية لمهرجان مراكش تنافس خمسة عشر فيلما، تتميز بالتنوع وخصوصا على المستوى الجغرافي: يتعلق الأمر بأفلام «باباي» لفيزار مورينا (ألمانيا، كوسوفو، مقدونيا وفرنسا) و«خزانة الوحش» لستيفن دان (كندا) و«سيارة الشرطة» لجون واتس (الولايات المتحدة) و«الصحراء» لخوناس كارون (المكسيك وفرنسا) و«كيبر» لكيوم سينيز (بلجيكا، سويسرا وفرنسا) و«مفتاح بيت المرآة» لمايكل نوير (الدنمارك) و«ذكريات عالقة» لكييكو تسويروكا (اليابان) و«ثور النيون» لكابرييل ماسكارو (البرازيل، الأورغواي وهولاندا) و«فردوس» لسينا أتيان دينا (إيران وألمانيا) و«زهرة الفولاذ» لبارك سوك يونغ (كوريا الجنوبية) و«تيتي» لرامي ريدي (الهند والولايات المتحدة) و«الحاجز» لزاسولان بوشانوف (كازاخستان) و«كتير كبير» وميرجان بوشعيا (لبنان وقطر) و«الجبل البكر» لداكور كاري (آيسلندا والدنمارك) و«المتمردة» لجواد غالب (المغرب وبلجيكا).
ويقول المنظمون إن «هذه المسابقة حافظت على توهجها الذي اختارته منذ بضع سنوات والمتمثل في التنوع والبحث عن المواهب الشابة»، مشددين على أنه «إذا كان هناك فعلا من خيط ناظم بين مختلف أفلام المسابقة، فإنه يتمثل في الانفتاح على المخرجين السينمائيين الشباب الذين صنعوا الحدث هذه السنة، أو لفتوا انتباه النقاد ورواد السينما، إذ إن أكثر من ثلثي الأفلام المتنافسة على النجمة الذهبية هي أول أو ثاني عمل لصاحبها».
وكانت اللجنة المنظمة لمهرجان مراكش قد اختارت المخرج الأميركي فرانسيس فورد كوبولا رئيسا للجنة تحكيم مسابقة الأفلام الطويلة، التي ضمت في عضويتها ناوومي كاوازي من اليابان، وريشا سادا من الهند، وأولغا كوريلينكو من أوكرانيا، وطوماس فينتبرغ من الدنمارك، وأنطون كوربين من هولندا، وجون بيير جوني من فرنسا، وسيرجيو كاستييتو من إيطاليا، فضلا عن الممثلة المغربية آمال عيوش.
وجرت العادة أن تسلم، في حفل اختتام المهرجان، خمس جوائز مخصصة للأفلام المرشحة للتنافس في المسابقة الرسمية، هي الجائزة الكبرى (النجمة الذهبية) وجائزة لجنة التحكيم وجائزة أفضل إخراج وجائزة أفضل دور رجالي وجائزة أفضل دور نسائي.
وينتظر أن تظل فقرة «خارج المسابقة» وفية لبرمجتها المنفتحة على الأفلام الجديدة، حيث سيعرض، مثلا، «روك القصبة» في حفل الافتتاح، فيما سيعرض في حفل الاختتام فيلم «كارول» (المملكة المتحدة والولايات المتحدة) لمخرجه تود هاينز، وبطولة كايت بلانشيت وروين مارا وسارة بولسون وكايل تشاندلر، علاوة على «قطاع الطرق» لجوليان لوكليرك (فرنسا)، و«السيد هولمز» لبيل كوندون (الولايا المتحدة والملكة المتحدة)، و«تذكر» لأتوم إكويان (ألمانيا وكندا)، و«ترومان» لسيسك كاي (إسبانيا والأرجنتين)، و«الفرسان البيض» لجواكيم لافوس (بلجيكا وفرنسا)، و«لا يمكنك إنقاذ نفسك منفردا» لسيرجيو كاستيليتو (إيطاليا)، والعرض ما قبل الأول للفيلم المغربي «المسيرة الخضراء» لمخرجه يوسف بريطل.
أما فقرة «نبضة قلب»، التي تعتمد مقاربة التنقيب والاكتشاف، فتستقبل هذه السنة 7 أفلام تعرب عن غزارة في أشكال التعبير ووفرة في المواضيع، أغلبها أفلام من إنتاج مشترك، بينها «فيلم عائلي» لأولمو أوميرزو (جمهورية التشيك، ألمانيا، فرنسا وسلوفينيا)، و«مذكرات الريح» لأوزكان ألبير (تركيا وفرنسا وألمانيا وجورجيا)، و«بلا ندم» لجاك ترابي (كوت ديفوار وفرنسا)، و«ليلى جزيرة المعدنوس» لأحمد بولان، الذي تم إنتاجه بشكل مشترك بين المغرب وإسبانيا، ويتناول موضوعا كان محط خلاف بين البلدين الحالين، قبل سنوات.
من جهتها، تقترح فقرة «سينما المدارس» منافسة بين سبعة أفلام قصيرة، هي «لا تناغم» و«خروج» و«الفتاة المجهولة» و«ليلى» و«غير بالفن» و«مرآة الزمن» و«منصة»، تم إخراجها من طرف خريجي مدارس السينما بمراكش والرباط والدار البيضاء وورزازات.
ويهدف مهرجان مراكش، من خلال مسابقة «سينما المدارس»، إلى «التعبير عن هويته كقاعدة لسينما الغد، بكل تجلياتها وتعبيراتها».



100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)