حكايتا ليام نيسون الذي لا يشيخ والقبطان اللبناني الماهر

العربي المذنب والبريء في أفلام الطائرات

ليام نيسون يواجه عدوا مجهولا في «بلا توقف»  -  جودي فوستر كما في «خطة طيران»
ليام نيسون يواجه عدوا مجهولا في «بلا توقف» - جودي فوستر كما في «خطة طيران»
TT

حكايتا ليام نيسون الذي لا يشيخ والقبطان اللبناني الماهر

ليام نيسون يواجه عدوا مجهولا في «بلا توقف»  -  جودي فوستر كما في «خطة طيران»
ليام نيسون يواجه عدوا مجهولا في «بلا توقف» - جودي فوستر كما في «خطة طيران»

«والدي كان واحدا من ثلاثة آلاف ضحية ماتوا في ذلك اليوم. أردت معرفة الجبناء الذين قاموا بها، لا شيء تغيـر. الأمن كذبة كبيرة على الأرض وفي الجو. لا شيء آمن. وأنا ما زلت لا أفهم شيئا».
هكذا يبرر الإرهابي في فيلم جوام كوليت - سيرا «بلا توقف» عمليـته الإرهابية عندما زرع قنبلة في الطائرة ليفجـرها بمن فيها من ركـاب.
المشهد الذي يتولـى فيه شرح مبرراته تلك يقع في الطرف النهائي من الفيلم - الطرف الأضعف، لكنه يكشف عن جملة من المعطيات العملية على أكثر من صعيد في فيلم ينتمي إلى تيار من الأفلام التي دارت أحداثها في طائرات مخطوفة، بعضها مرتبط بدخان إرهاب 11 سبتمبر (أيلول) 2001، وبعضها، مثل هذا الفيلم، مستوحى منها.

* حاميها حراميها؟
الفيلم حلـق فوق باقي الأفلام التي انطلقت في نهاية الأسبوع الماضي بإيراد مرتفع بمسافة تزيد على ثلاثين مليون دولار. على متنه ممثل في الحادية والستين من العمر اسمه ليام نيسون، ينجز في السنوات الأخيرة نجاحات متلاحقة، يتمنـاها لأنفسهم ممثلو أفلام أكشن أصغر سنـا من بينها: «مخطوفة» (إخراج بيير موريل - 2008)، و«الفريق A» (جو كارناهان - 2010)، و«الرمادي» (كارناهان - 2011)، و«مخطوفة 2» (أوليفر ميغاهون - 2012)، و«غير معروف» الذي مثـله، عام 2011، تحت إدارة المخرج الحالي كوليت - سيرا.
في كل هذه الأفلام، باستثناء «الفريق A»، رجل وحيد في مواجهة الخطر. في «الرمادي»، الخطر كامن في ذئاب ألاسكا، أما في باقي الأفلام فهو موجود في هيئة ذئاب بشرية. والعائلة هي في وسط معظمها: في «مخطوفة» ينبري لاستعادة ابنته من خاطفين ألبان يريدون تحويلها إلى رق أبيض، وفي الجزء الثاني منه نجده يدافع عن زوجته التي خطفتها العصابة ذاتها في عملية انتقامية. في «الرمادي»، يعاني قرار زوجته (نراها في فلاشباك) تركه وهو لا يزال يحبـها. أما في «غير معروف»، فإن العملية التي يتعرض لها مختلفة: زوجته تنكر أنها زوجته، مكتشفا أن هناك من يود انتحال شخصيـته تمهيدا لقتل علماء ولصق العملية، التي ستأخذ شكلا إرهابيا، بعرب.
«بلا توقف» يـعيده إلى كل تلك الجوانب: فيلم أكشن، هو بطله الوحيد. يعاني فقدان ابنته الصغيرة التي أصيبت بالسرطان وماتت، وزوجته التي تركته، مما دفعه إلى الإدمان. ضع هذه التوابل في حكاية تشويقية، تقع أحداثها في طائرة تحمل 150 راكبا وعلى متنها إرهابي أو اثنان ومتفجرة وقوتة تحصل على فيلم شائق، لا بأس بمهاراته، يزيـنه تمثيل نيسون القابل للتصديق حتى بوجود هفوات كبيرة في السيناريو.
حين يبدأ بل ماركس (ليام نيسون) تسلم رسائل هاتفية مباشرة بعد إقلاع الطائرة، يكتشف أن هناك عملية إرهابية دائرة. الرسائل تهدده: فدية قدرها 150 مليون دولار يجري تحويلها إلى رصيده الخاص خلال 20 دقيقة وإلا فسيتم قتل أحد الركاب، ثم قتل آخر بعد عشرين دقيقة أخرى. إنه مارشال جو (نحو 4000 آلاف مثله جرى تعيينهم على الخطوط الأميركية محليا وعبر البحار منذ أحداث 2001) يقوم بما اعتقده مهمـة عادية أخرى ليكتشف أن المهمـة تفوق العادة، خصوصا أن أصحابها أوهموا السلطات أنه هو الخاطف (على طريقة حاميها حراميها)، وهذه أخذت تناديه بالإرهابي. تاريخه النفسي والعاطفي الداكن يقفز إلى الواجهة، وبعد قليل هو من يقتل أولا ولو من دون قصد. ومن قبل أن تحط الطائرة في النهاية سالمة (أو لا تحط) يسقط قتلى آخرون، بينهم الكابتن نفسه.

* البديل اللبناني
هناك عربي بين الركـاب (يقوم به الممثل المصري الأصل أحمد متولـي)، لكن شكوك بيل ماركس تشمل الجميع كما تشمله. كما في فيلم نيسون- كوليت - سيرا السابق «غير معروف»، العربي بريء، بل هو طبيب سيساعد بيل الذي بات يثق به وهو أهل للثقة. لكن وجوده مستخدم للنيل من أصحاب الأحكام الجائرة الذين يعتقدون أنهم يصيبون الهدف حين يرتابون في عربي مسافر على الطائرة ذاتها.
هذا حدث مع فيلم «خطة طيران» (Flightplan) الذي حققه عام 2005 الألماني روبرت شوينتكي، من بطولة جودي فوستر. هناك ركاب، وهناك طائرة أميركية متوجـهة إلى الولايات المتحدة وعلى متنها امرأة وابنتها وركاب كثيرون بينهم عربيان (مايكل إربي وعساف كوهن). المرأة تنام وحين تستيقظ لا تجد ابنتها الصغيرة. كل من على متن الطائرة يجمع على أنه شاهدها وحدها من دون فتاتها. لكنها واثقة، وشكوكها تتوجـه إلى العربيين الجالسين على مقربة. كيف تلومها في أحداث ما بعد سبتمبر 2001؟ أليس إرهابيون عرب هم من ينادون بقلب العالم رأسا على عقب؟
لكن الفيلم يستنتج في النهاية أن العربيين بريئان تماما (ولو أنه يفشل في تسجيل نقطة نقد حيال التهمة الجاهزة)، والجاني، خاطف الفتاة ومدبر المكيدة ليس سوى مارشال الجو كارسون (بيتر سكارسغارد).
بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر عام 2001، حظرت السلطات الفيدرالية التصوير في المطارات الأميركية كافـة. وحول العالم الغربي، بات من الصعوبة بمكان كبير الحصول على تراخيص تصوير في المطارات خوفا من العواقب. قبل ذلك بعام، قام لبناني من مدينة طرابلس، اسمه طلعت قبطان، بشراء استديو في منطقة تقع شمال مدينة لوس أنجليس بسعر رخيص. الاستديو كان صغيرا ولا يعمل، والكثيرون نصحوه بألا يقدم على هذه الخطوة. لكن طلعت صمـم عليها، ورهن بعض ممتلكاته وأودع أمواله واستدان فوقها ليشتري ذلك الاستديو. أبقاه استديو تصوير كما كان، لكنه حولـه إلى موقع متخصص بالمطارات والطائرات.
تدخل الاستديو فتجد رواقا يمثـل المسافة التي تجتازها وصولا إلى الطائرة. وردهة لا بأس بمساحتها تمثـل تلك التي تواجه مكاتب السفر. وأبواب لحمامات وهمية وأخرى لمداخل خاصـة بالموظفين و... النصف الأمامي لطائرة بمقاعدها الوثيرة.
السينمائي منذ الشباب طلعت قبطان، الذي كان هاجر إلى الولايات المتحدة بحثا عن مستقبل له في هوليوود، لم يكن يعلم بما سيحدث في نيويورك في ذلك اليوم المشؤوم عندما جهــز الاستديو، وفي باله أن كل من يريد التصوير في المطارات يستطيع التصوير في هذا «الموديل» البديل. حين أصدر الـ«إف بي آي» قراره بعدم السماح بالتصوير في المطارات خوفا من فوضى يستغلـها الإرهابيون، تدفـقت الأفلام التي تريد استغلال الاستديو لتصوير أحداث تقع في مطار أو في طائرة. لم يسدد طلعت قبطان ديونه فقط، بل أخذ رصيد حسابه الخاص في البنك يوالي الارتفاع لمستوى لم يكن يتوقـعه.

* سوابق
ما حدث في الجو كان أكثر إثارة لرواد السينما مما حدث مع اللبناني الذي لا يزال يعيش ويعمل هناك. سرب من الأفلام الطائرة حط على شاشات السينما تواكب شعور المشاهد بأن الطائرة قد لا تكون ملاذا آمنا بعد اليوم. وكثير منها يدور حول الشخصية التي يؤديها ليام نيسون في «بلا توقف». شخصية «مارشال الجو» كما يسمـونه، وهو شخص منتدب من الـ«إف بي آي» للقيام برحلات جوية يجلس فيها بين الركاب تحسـبا لأي طارئ.
قد لا يقع ذلك الحادث الرهيب، وقد لا يتطلـب الأمر البحث عن دافع إرهابي للاستيلاء على طائرة مدنية، بل يكفي أن يكون هناك راكب فقد رجاحة عقله، كما الحال مع أدام ساندلر في الفيلم الكوميدي «إدارة الغضب» (2003) حين يتصدى له مارشال الجو (إيزاك سينغلتون) ويجبره على البقاء في مقعده بعدما ارتاب في أنه بات يشكل خطرا على باقي الركـاب.
في العام نفسه، ظهر فيلم بعنوان «مارشال الجو» (Air Marshal)، أخرجه ألان جاكوبفيتز، وفيه إرهابيون عرب يدبـرون عملية خطف للطائرة التي تقلـهم. الفيلم لم يقدر له عرض تجاري في صالات السينما، بل توجـه إلى الفيديو وأسطوانات الديجيتال مباشرة في الولايات المتحدة وألمانيا وعرض في بعض المحطات التلفزيونية الفرنسية. لا أحد بات يذكره.
الفيلم المسحوب مباشرة من عملية 2001 هو «يونايتد 93»، فيلم بول غرينغراس (2006) الذي أريد له أن يكون بحثا في الحقائق التي أدت إلى محنة تلك الطائرة التي سقطت في بعض غابات ولاية بنسلفانيا في يوم الكارثة ذاته. المؤمنون بنظريات المؤامرة ينفون أن يكون لتلك الطائرة وجود (أين الركام؟)، لكن هذا لم يمنع السينما من تقديمها كحقيقة وكرحلة تراجيدية المصير خطفتها مجموعة من الإرهابيين العرب.

* أبو الطائرات
* بعيدا عن الأفلام المستوحاة، فعلا أو خيالا، من عمليات إرهابية ذات طابع سياسي، يبقى فيلم «مطار» الذي أخرجه الراحل جورج سيتون عام 1970 أبا لكل الأفلام اللاحقة. أميركي (فان هفلن) بلا أجندة سياسية ينقل قنبلة على متن الطائرة، وعلى بيرت لانكاستر كشفها. إنتاج كبير حينها (عشرة ملايين دولار)، أنجز 100 مليون دولار آنذاك (أي ما يقارب مع تعديل سعر الدولار) إلى نحو 700 مليون حاليا.



السينما في 2025... عام مفصلي لتطور تقنيات الإبهار

«سريع وغاضب» واللامعقول (يوينڤرسال)
«سريع وغاضب» واللامعقول (يوينڤرسال)
TT

السينما في 2025... عام مفصلي لتطور تقنيات الإبهار

«سريع وغاضب» واللامعقول (يوينڤرسال)
«سريع وغاضب» واللامعقول (يوينڤرسال)

في مجمله، كان عام 2025 نقطةً مفصلية في مسار السينما على أكثر من صعيد. بدقّة عالية يمكن تحديد العام الحالي على أساس نقطة تفصل بين ما قبله وما بعده، تماماً كما حدث عندما داهم وباء «كورونا» العالم قبل 5 سنوات، فوجدت السينما، كغيرها من القطاعات، نفسها في موقع التحدي والمواجهة.

لكنّ ما يحدث هذه المرّة يختلف؛ فالسينما تدخل عصراً جديداً تبلورت ملامحه في الأعوام السابقة، ثم تجسّد عام 2025 بوصفه واقعاً ثابتاً وقوة مؤثرة في مختلف عناصر الصناعة. الإحاطة بهذه التطورات تكشف حجم تأثير دخول التقنيات إلى عمق البنية الصناعية للسينما.

«بوليت» المطاردة تبدو واقعية لليوم (وورنر)

استبدال شامل

حتى سنوات قليلة مضت، ظلّ إنتاج الأفلام يجري بالطريقة التقليدية: الموافقة على المشروع، ومن ثَم تطويع كل الإمكانات الفنية والتقنية لخدمته وفق موضوعه ونوعه. وكان من المعتاد اللجوء إلى تقنيات الكمبيوتر غرافيكس لإتمام ما يصعب تحقيقه واقعياً، مثل مشاهد مطاردات السيارات في أفلام مثل «بولِت» (Bullitt) 1968، و«ذَ فرنش كونكشن» (The French Connection) 1971، و«رونَن» (Ronin) 1998، التي كانت تُنجز بجهود بشرية شاقة وبمخاطر حقيقية.

اليوم تغيّر القاموس التنفيذي بالكامل. بات في الإمكان تصوير ممثل يركض في «شوارع باريس»، وهو في الحقيقة واقف داخل ستوديوهات «يونيڤرسال»، أمام شاشة خضراء. ويكفي عقد مقارنة بين تلك الأفلام الكلاسيكية وأي فيلم من سلسلة «Fast and Furious» للتأكد من حجم التحوّل.

لكن المدّ لا يتوقف هنا. فالاعتماد على الذكاء الاصطناعي شهد هذا العام قفزة جديدة. صار من الممكن، تنفيذ الفيلم من السيناريو إلى الشاشة عبر منظومة غير بشرية بالكامل: كتابة، إخراج، تصوير، مونتاج، بل وحتى أداء الممثلين.

دافع رئيس

قبل أسبوعين، اعتلى المخرج غييرمو دل تورو منصّة «أميركان فيلم إنستتيوت» لتسلُّم جائزته عن فيلمه الجديد «فرانكنستين»، ونال تصفيقاً حاراً حين أعلن: «فيلمي فني في كل لقطة. خالٍ بنسبة 100 في المائة من الذكاء الاصطناعي».

وعلى الرغم من هذه المواقف، يبقى الدافع الأساسي لاعتماد التقنية واضحاً: تقليص الميزانيات الضخمة للأفلام التجارية. فالذكاء الاصطناعي قادر على خفض التكاليف إلى النصف تقريباً، بحيث تبقى الرواتب هي العبء الأكبر وحدها.

وهذا يتقاطع مع استعداد جمهور واسع لقبول كل ما يقدّم له ما دام يحتوي على جرعات عالية من الأكشن والخيال، دون الاكتراث بما إذا كان الفيلم «بشرياً» أم مُنتجاً آلياً.

«فرانكنستين» 100 في المائة سينما (نتفليكس)

تفكير بالنيابة

يرى المدافعون عن الذكاء الاصطناعي (AI) أنّه يطوّر بصريات الفيلم ويجوّد مؤثراته، لكن هذا صحيح بقدر محدود. فالسينما بلغت قممها على أيدي فنانين أكفّاء صنعوا روائع مثل «ووترلو»، أو «بوني وكلايد»، أو «لورنس العرب»، أو «صنست بوليڤارد»، أو «القيامة الآن».

ما يطلبه الذكاء الاصطناعي ببساطة هو: «لا تفكّر... سأفكّر نيابةً عنك».

وهو ما يشبه ما حدث مع الهواتف الذكية وخرائط «غوغل»: استبدال الجهد الذهني بالاعتماد التام على التقنية.

ولا يعمل الذكاء الاصطناعي وحده في هذا المسار. فعام 2025 هو الامتداد الأكثر شراسة لما بدأ قبل سنوات مع المنصّات المنزلية، التي توفّر عليك مهمّة الانتقال إلى صالات السينما. غايتها ليست راحتك ولا حتى مساعدتك على الحد من النفقات (لم ترتفع أسعار التذاكر إلى المستوى الحالي إلا كرد فعل على انخفاض الإقبال) بل مد أصابعها إلى محفظتك كل شهر. أنت بالتالي، وعلى عكس روعة الحضور الفعلي لصالة السينما، لست أكثر من رقم محفوظ ومصمم لكي تُفيد جهة لن تقوم مطلقاً بتوفير أفلام فنية أو تعالج موضوعات جادّة بفاعلية طالما إنها ليست مطلب الجمهور.

وفي هذا السياق جاء هجوم «نتفليكس» الأخير لشراء «وورنر»، في خطوة توسّع رقعة هيمنة المنصّات. بينما جاء دخول «باراماونت» على خط الاستحواذ لعرقلة هذا التفرّد وإعادة بعض التوازن إلى المنافسة.

لكن السينما المناوئة لم تُهزم بعد وتجد في المهرجانات الفنية مساحة كبيرة للمقاومة كما في مواقف مخرجين يدركون جيّداً أن عليهم الصمود في وجه هذه التيارات.


شاشة الناقد: ثلاثة أفلام من مهرجان «البحر الأحمر» تكسر المعتاد

«العميل السري» (مهرجان البحر الأحمر)
«العميل السري» (مهرجان البحر الأحمر)
TT

شاشة الناقد: ثلاثة أفلام من مهرجان «البحر الأحمر» تكسر المعتاد

«العميل السري» (مهرجان البحر الأحمر)
«العميل السري» (مهرجان البحر الأحمر)

THE SECRET AGENT ★★★★

إخراج: ‪ كلايبر مندوزا فيلو‬

البرازيل | تشويق سياسي

عروض 2025: مهرجان «البحر الأحمر»

يتألّف هذا الفيلم الذي شهد عرضه الأول في مهرجان «ڤينيسيا» هذا العام واستُقبل جيداً في مهرجان البحر الأحمر قبل أيام من 3 أقسام، كل منها بعنوان مختلف، لكن ليس بغرض سرد 3 حكايات مختلفة، بل لربط أحداث كل فصل وشخصياته بخيط واحد يتناول، بالإيحاء غالباً، الجريمة السياسية في البرازيل سنة 1977. وسواء تحدّث القسم الأول عن جرائم قتل ارتكبها نظام تلك الفترة ضد المواطنين، أو رغبة بطل الفيلم مارسيلو (واغنر مورا) في البحث في أرشيف الدولة عن تاريخ عائلته (القسم الثاني)، أو لجوئه للتخفي بعيداً عن أعين مطارديه في محاولته لإعادة فهم وتقييم الواقع المُعاش (عموم الأقسام الثلاثة)، فإنه يوفّر من خلال شخصية بطله نظرة جامعة لأثر الاضطهاد السياسي على حياته فرداً وحياة الآخرين مجموعةً. وهو يفعل ذلك بدراية كاملة وبحرية فنية تجعل الفيلم أكثر إشباعاً لمحبي السينما وتمنح المُشاهد معالجة تبدو كما لو كانت مستقاة من خطوط أحداث لا نراها، بل نعايشها كما نعايش الماثل أمامنا. هذا كان شغل فيلو منذ فيلمه الأول «أصوات مجاورة» (Neighboring Sounds) وما زال شغله الآن، حيث ما نراه وما لا نراه يتساويان في الإيحاء والأهمية.

يستخدم فيلو السينما مرآة تعكس ذاكرة تقض المضاجع. مارسيلو يعيش في ماضيه كما في واقعه الحالي. يلجأ إلى بلدة تعيش طقوساً احتفالية لا يأبه لها كثيراً، إذ إن غايته إعادة الوصل بينه وبين ابنه الذي يعيش في الخيال. كل هذا والشعور بأن السلطة والعاملين فيها أو متعاملين معها موجودون عن قرب، حتى وإن لم نرَ لهم حضوراً فعلياً.

يتحرك الفيلم بحرية بين موضوعاته وأقسامه، غير مرتبط بمنهج سرد معيّن، ولكثرة مشاغله وما يود البحث فيه هناك تطويل يطغى، لكنه يبقى قادراً على جذب الاهتمام طوال الوقت. ما يتبلور على الشاشة هو عمل يجمع بين سيرة شبه شخصية لرجل يرفض نسيان الأمس وبين حب السينما كلغة تعبير، وثقة المخرج بالكيفية التي ينجز فيها مفرداته هذه.

BLACK RABBIT‪,‬ WHITE RABBIT ★★★

إخراج: شهرام مقري

طاجيكستان/ الإمارات العربية

المتحدة | دراما

عروض 2025: مهرجان «البحر الأحمر»

هذا فيلم غريب يُقدّر لحريّة المخرج في معالجته المبنية، بوضوح، على الخروج من شروط السرد المعتمد عادةً إلى آخر يتطلّب من المُشاهد التحرك بالاتجاه نفسه، متجاوزاً بدوره ما اعتاد عليه.

«أرنب أسود، أرنب أبيض» (مهرجان البحر الأحمر)

يدور في أرض تعود إلى استوديو حيث يُصوَّر فيلمان معاً في رقعة واحدة. رغبة المخرج مقري تعتمد على الإكثار من استخدام حريّته في رصف الفيلم الذي يريد كما يريده. هذا يخلق وضعاً تتكرر فيه المشاهد والحوارات، كما الحال عادةً خلال صنع الأفلام. نرى المشهد نفسه مع تغيير طفيف أكثر من مرة، تبعاً لرؤية مخرج يهوى التجريب ويراه مدخلاً مناسباً لسينماه. امرأتان ورجل ومسدس قديم هم محور ما يدور، لكن في وسط ما يبدو تكراراً، حضور لطبقات جديدة تتوالى الظهور.

من حسنات الفيلم التصوير (لمرتضى غايدي)، الذي يؤسس لنظام عمل متكامل يتواكب مع رغبة المخرج في تشغيل مخيلة المُشاهد وتعزيز أسلوبه. في أحيان كثيرة، يؤدي ذلك، ولو بالقصد، إلى الخلط بين الحدث الذي يقع في الفيلم الذي نراه، وذلك الحدث الآخر الذي ينطوي عليه الفيلم داخل الفيلم.

LOST LAND ★★★

إخراج: أكيو فوجيموتو

اليابان/ ماليزيا/ فرنسا

دراما عن الهجرة

عروض 2025: مهرجان «البحر الأحمر»

لا بد أن الشعور الإنساني في صميمه هو ما يدفع مخرجاً يابانياً للانتقال إلى بنغلاديش لتصوير موضوع محلي الحدث مع شخصيات محلية بدورها.

«أرض مفقودة» (مهرجان البحر الأحمر)

في «أرض مفقودة» متابعة لمصير صبي في الرابعة من العمر وشقيقته ابنة التاسعة، وقد قررا الاشتراك في رحلة تبدأ في حافلة تقل عشرات الأشخاص وتنتهي بهما بعد أيام من المشاق، وقد أصبحا وحيدين. مما يتبدى أن غاية المخرج فوجيموتو هي الحديث عن الهجرة غير الشرعية عموماً، مع تمهيد للشخصيتين قبل التحوّل عنهما لتصوير آخرين يؤمّون الهدف نفسه ويعيشون مصاعبه. سيعود المخرج للصبي شافي وأخته سميرة لاحقاً بعد أن يؤسس صورة عامة.

رغبة هذين الولدين هي ترك بنغلاديش في محاولة للقاء والديهما اللذين كانا قد هاجرا إلى ماليزيا. ليس هناك كثيراً لتداوله حول ظروف ما قبل قرارهما بالهجرة، لكن الحكاية تنتهي بهما وقد وجدا نفسيهما في تايلاند. على ذلك، يلتقي هذا المنهج مع حقيقة أن الشخصيات المحيطة تهاجر من دون القدرة على اتخاذ قرارات صائبة. في عموم الفيلم، هم آملون بمستقبل أفضل في عالم لا أمل فيه بالنسبة إليهم على الأقل.

★ ضعيف | ★★: وسط| ★★★: جيد | ★★★★ جيد جداً | ★★★★★: ممتاز


شهد أمين لـ«الشرق الأوسط»: «هجرة» يكسر نموذج المرأة الواحدة

شهد أمين في حوار معها من داخل مهرجان البحر الأحمر (المهرجان)
شهد أمين في حوار معها من داخل مهرجان البحر الأحمر (المهرجان)
TT

شهد أمين لـ«الشرق الأوسط»: «هجرة» يكسر نموذج المرأة الواحدة

شهد أمين في حوار معها من داخل مهرجان البحر الأحمر (المهرجان)
شهد أمين في حوار معها من داخل مهرجان البحر الأحمر (المهرجان)

بين حضور دولي، بدأ مع فيلم «سيدة البحر» عام 2019، وصولاً إلى اختيار فيلمها الجديد «هجرة» لتمثيل السعودية في سباق الأوسكار 2026، تبدو المخرجة السعودية شهد أمين أكثر وضوحاً في صياغة رؤيتها السينمائية، خاصة أن الفيلمين يتقاطعان في السرد النسوي، حيث يقدمان نظرة لأحوال المرأة ومعالجة عميقة لقصصها.

وفي حوار أجرته معها لـ«الشرق الأوسط» من داخل مهرجان البحر الأحمر السينمائي بجدة، حيث يشارك فيلمها في المسابقة الرسمية، جاء السؤال الأول عن هذا التقاطع، لتجيب: «كنتُ واعية تماماً وأنا أعمل على (هجرة)، فأنا لا أريد تكرار نفسي، ولا تقديم فيلم يشبه (سيدة البحر)... أردتُ أن أكتب من نقطة مختلفة، من اللحظة التي نعيشها الآن، ومن السؤال الذي يشغلني شخصياً: ما الذي أريد قوله للعالم اليوم؟».

نساء الأجيال الثلاثة

أمين، التي تقدم في «هجرة» رحلة المرأة السعودية عبر 3 أجيال، تشير إلى انزعاجها من الفكرة الدارجة اليوم حول تصوير «المرأة المعاصرة» بوصفها النسخة الوحيدة الصحيحة، وكأنها جاءت لتُصحّح أخطاء الأجيال السابقة من الأمهات والجدات وكل النساء السابقات، مضيفة: «شعرتُ أن هذه النظرة فيها قدر من النرجسية». وتتابع: «نحن نرى الحياة اليوم من منظور معاصر ومختلف جذرياً، لكن هذا لا يعني أن تفكيرنا هو الصحيح وتفكيرهنّ هو الخطأ... كنتُ أريد أن أعطي حقاً للنساء اللواتي جئن قبلنا».

وتمضي لشرح رؤيتها التي تشكلت في «هجرة» قائلة: «أردتُ أن أقدم أجيال النساء من دون أحكام... نعم، هناك صراع بين الأجيال، لكنه صراع ينتهي بتفاهم، وبإدراك أن اختلافنا طبيعي وليس تهديداً. اليوم، العالم كلّه يضغط ليجعلنا نموذجاً واحداً، وفكرة واحدة... بمعنى: إذا لم تشبهني فأنت مخطئ أو شرير أو مريض. بينما الحقيقة أننا يمكن أن نختلف، ونظل نتقبّل بعضاً».

فيلم هجرة يتناول العلاقات المتشابكة بين أجيال من النساء (الشرق الأوسط)فيلم «هجرة» يتناول العلاقات المتشابكة بين أجيال من النساء (الشرق الأوسط)

«هجرة»... الحكاية العميقة

حضرت «الشرق الأوسط» عرض فيلم «هجرة» في المهرجان، حيث شهد إقبالاً كبيراً وبيعت التذاكر بالكامل، والفيلم الذي يأتي من بطولة خيرية نظمي ونواف الظفيري والوجه الصاعد لمار فادن، تعود قصته لعام 2001، حين تقرر الجدة اصطحاب اثنتين من حفيداتها لأداء فريضة الحج، وبعد أن تتوه واحدة منهما، تقرر الجدة في لحظة صعبة أن تترك الحج وتبحث عن حفيدتها الضائعة، وخلال الرحلة يتكشف الكثير من الأسرار.

شهد أمين حرصت على إظهار واقعية العلاقة الإنسانية بين الجدة والحفيدة، بعيداً عن الحوارات المطولة والتعابير المبالغ بها، حيث برزت لغة العيون والإيماءات بشكل أكبر في أداء كل شخصية، كما أظهرت تفاصيل ما يحدث حول رحلة الحج ذاتها، والشخصيات الهامشية التي تعيش على بيع السبح وماء زمزم وتوصيل الحجاج، والطقوس التي تعصف بالمكان في تلك الفترة الغنيّة بالقصص والأحداث، ما يجعله فيلماً ينحاز للعمق وصدق التجربة.

الأوسكار... الواقعية قبل الحلم

وبواقعية شديدة، تجيب أمين حول سؤالها عن فرص فيلم «هجرة» في الوصول إلى القائمة القصيرة ومن ثم النهائية للأوسكار، قائلة، «دعينا نقول إن الوصول إلى القائمة القصيرة هو الخطوة الأهم... وبصراحة، كل مخرج يكون لديه قدر من التفاؤل في هذه المرحلة، لكن يجب أن نكون واقعيّين؛ لأن الوصول إلى الأوسكار لا يعتمد فقط على جودة الفيلم، بل يحتاج أيضاً إلى حملة إعلامية ضخمة في لوس أنجليس».

وتستكمل حديثها: «نتمنى الوصول إلى القائمة القصيرة، لكني أرى أن الوصول إلى القائمة النهائية صعب جداً... ومع ذلك، لم لا؟ نقول إن شاء الله... في هذا العام أفلام عربية جميلة وقوية، وجودتها عالية، وأتوقع أن يصل أحدها إلى الأوسكار... نتمنى أن نكون نحن، لكن قد يكون فيلماً عربياً آخر، لا أحد يعلم!».

أحدث جلسة تصوير لشهد أمين في مهرجان البحر الأحمر (المهرجان)

أفلام المهرجانات أم السينما التجارية؟

ولأن أفلام شهد أمين دائماً حاضرة في المهرجانات السينمائية بخلاف دور العرض التجارية، تحتم علينا سؤالها إن كانت مخرجة لأفلام المهرجانات، لترد: «بصراحة، نعم. أفلامي تُصنَّف عادة ضمن أفلام المهرجانات، صحيح أن (سيدة البحر) عُرض في صالات السينما، لكن حضوره كان أفضل في المهرجانات».

وترى أمين أن هناك فرقاً كبيراً بين أفلام شباك التذاكر والأفلام التي تُقدَّم للمهرجانات، وعن ذلك تقول: «الأفلام التجارية تستهدف السوق مباشرة، وتُبنى على فورمات معروفة تشبه ما اعتدنا عليه في السينما الأميركية أو نوع الأفلام الخفيفة التي يعرف الجمهور شكلها مسبقاً، بحيث يدخل المشاهد الفيلم وهو يعرف تقريباً الإيقاع المتوقع، والنهاية المحتملة، والمشاعر التي سيخرج بها».

وتضيف: «أفلام المهرجانات شيء آخر... فهي أفلام تحاول أن تأخذ الجمهور في رحلة مختلفة، بتجربة بصرية أو سردية غير مألوفة. ليست مصممة لاسترضاء الجميع، وقد لا تحظى بقبول واسع، لكنها دائماً تحمل طبقات وعمقاً وتجريباً أكبر من الأفلام التجارية، ولهذا السبب نجد المهرجانات تبحث عن هذا النوع من الأعمال؛ لأنها تضيف صوتاً جديداً وشكلاً جديداً للسينما».

وبالسؤال عن طرح «هجرة» في صالات السينما السعودية، تكشف أمين عن أن الموعد «قريب جداً»، وقد يكون «في مطلع عام 2026 تقريباً»، لكنها تؤكد أن القرار يعود للموزّعين والمنتجين. وتضيف: «الحلم الحقيقي لأي صانع أفلام هو تحقيق المعادلة الصعبة: فيلم يحمل عمقاً فكرياً وشاعرية، وفي الوقت نفسه يمنح الجمهور تجربة ممتعة ومؤثرة... إذا نجح (هجرة) في ذلك فسأكون ممتنّة جداً».

المخرجة العربية... خارج القوالب

وعند الحديث عن حضور المخرجات العربيات، من هيفاء المنصور إلى كوثر بن هنية ونادين لبكي وشيرين دعيبس، في المهرجانات الدولية، ترى أمين أن الصورة أكثر تعقيداً مما يبدو، قائلة: «في الغرب، وخصوصاً في أميركا، تعمل المخرجات غالباً في مساحة السينما المستقلة؛ لأن السينما التجارية ما زالت ذكورية... القصص يكتبها رجال، ويُنتجها رجال، وتُساق ضمن قوالب مألوفة».

وتشير إلى أن السينما المستقلة تمنح المخرجات مساحة أكبر لتقديم رؤية مختلفة، مضيفة: «في العالم العربي اليوم، عدد المخرجات الشابات أكبر من عدد المخرجين، ولهذا نراهن كثيراً في المهرجانات العالمية... البعض يظن أن وجود المرأة في هذه المنصات هو مجرد (مجاملة)، وهذا غير صحيح إطلاقاً... كل الأسماء التي نراها - من الخليج إلى شمال أفريقيا - قدّمت أفلاماً تستحق مكانتها».

وتختم المخرجة شهد أمين حديثها بالقول: «دائماً ما يُسألني الناس: ما الصعوبات التي واجهتها لأنك امرأة؟ الحقيقة أن المخرجات السعوديات والعربيات اليوم أكثر حضوراً من نظيراتهن في أوروبا... وأنا فخورة جداً بذلك».