العسكريون المحررون خضعوا لفحوص طبية وحلقت لحاهم وألبسوا الثياب العسكرية قبل انطلاقهم

استُقبلوا بالاحتفالات الشعبية ونحر الخراف في البقاع الشمالي

العسكريون المحررون خضعوا لفحوص طبية وحلقت لحاهم وألبسوا الثياب العسكرية قبل انطلاقهم
TT

العسكريون المحررون خضعوا لفحوص طبية وحلقت لحاهم وألبسوا الثياب العسكرية قبل انطلاقهم

العسكريون المحررون خضعوا لفحوص طبية وحلقت لحاهم وألبسوا الثياب العسكرية قبل انطلاقهم

لم يكن صباح البقاع الشمالي يوم أمس كأي يوم آخر، فهذه المنطقة التي اختُطف العسكريون من على أرضها قبل نحو عام وأربعة أشهر، في معركة بين الجيش اللبناني من جهة وتنظيمي داعش وجبهة النصرة، كانت كما كل لبنان تعيش حالة من القلق والترقب بانتظار لحظة إطلاق سراحهم. وقد حمل فجر أمس الخبر اليقين بانطلاق تنفيذ صفقة التبادل عند الإعلان عن تسلّم جثة العسكري محمد حمية، ليُسجَّل بعدها استنفار أمني وشعبي في المنطقة ولا سيّما في بلدتي اللبوة وعرسال. وعلى وقع الأنباء والمستجدات التي كانت تبثّها وسائل الإعلام، كان الأهالي يستعدون لاستقبال العسكريين.
وفي المقلب الآخر، وتحديدًا في جرود عرسال، حيث كانت التحضيرات تجري لتنفيذ بنود صفقة التبادل التي كانت تنقلها بعض المحطات التلفزيونية، ظهر العسكريون للمرّة الأولى بلحى طويلة، برفقة رجال مسلحين ملثمين يحملون بنادق ويلوحون بعلم «جبهة النصرة» قبل أن يتم الإفراج عن الجنود وتسليمهم إلى الصليب الأحمر اللبناني، ولوحظ أن عناصر «النصرة» كانوا مزودين بكاميرات من الطراز الحديث باهظة الثمن. وبرز وجود الشيخ مصطفى الحجيري الملقّب بـ«أبو طاقية» في المكان، وهو الذي كان قد حوكم غيابيًا بالأشغال الشاقة لمدة 15 سنة لانتمائه لـ«الجبهة».
وكانت قد وصلت سيارات للصليب الأحمر لمعاينة الأسرى العسكريين قبل إتمام عملية التبادل، فيما رفضت «النصرة» واشترطت أن يتم التبادل فورًا، وهو ما حصل بعد ذلك. وقال أحد العسكريين اللبنانيين لوسائل الإعلام إن «جبهة النصرة كانت تعاملهم بشكل جيد»، فيما قال آخر: «الحمد لله رب العالمين هذه فرحة لا يمكن وصفها».
وعند الظهر، شقّ موكب العسكريين طريقه من الجرود، متوجهًا إلى بلدة عرسال ومن ثم بلدة اللبوة، حيث استُقبلوا على امتداد الطريق بالأرز ونثر الورود ونحر الخراف، إلى أن وصلوا إلى مركز قيادة اللواء الثامن في اللبوة، وكان قد سبقهم إلى هناك اللواء عباس إبراهيم بعد مفاوضات شاقة وصعبة أشرف عليها مع الجهة الخاطفة على تحرير العسكريين.
وخضع العسكريون إلى فحوصات طبية من قبل طبيب معالج استدعي خصيصا من قبل الأمن العام اللبناني وبعد التأكد من سلامتهم حلقت لحاهم وألبسوا الزي العسكري. وبعد ذلك انطلق الموكب برفقة إبراهيم، متوجهًا إلى بيروت وتحديدًا إلى السراي الحكومي، حيث نُظم لهم استقبال رسمي بحضور رئيس الحكومة تمام سلام وعدد من الوزراء والشخصيات الرسمية، قبل أن تنضم إليهم عائلاتهم.
وبعد المعلومات التي كانت قد أشارت مساء الجمعة إلى قرب إتمام صفقة التبادل، بدت الأحد وكأنها على وشك الانتهاء مع دخول مواكب أمنية كثيرة إلى عرسال وتشديد الإجراءات الأمنية. لكن التسوية اصطدمت بعراقيل «في اللحظات الأخيرة»، أهمها إيصال المساعدات إلى مناطق سيطرة «جبهة النصرة».
وكانت قد وقعت في الثاني من أغسطس (آب) 2014 معارك عنيفة بين الجيش اللبناني ومسلحين قدموا من سوريا ومن داخل مخيمات للاجئين في بلدة عرسال (شرق) الحدودية مع سوريا استمرت أياما. وانتهت بإخراج المسلحين من البلدة، لكنهم اقتادوا معهم 29 من عناصر الجيش وقوى الأمن الداخلي، قتل الخاطفون أربعة منهم.
ولبلدة عرسال حدود طويلة مع منطقة القلمون السورية. وهي حدود غير مرسمة بوضوح، وعليها كثير من المعابر غير الشرعية التي كان يسلكها مقاتلون ولاجئون وناشطون قبل أن تتراجع الحركة إثر المواجهات بين جانبي الحدود، وسيطرة المسلحين وبينهم «جبهة النصرة» على المناطق المحاذية لعرسال.



نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
TT

نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)

شيّعت الجماعة الحوثية خلال الأسبوع الماضي أكثر من 15 قتيلاً من قيادييها العسكريين والأمنيين من دون إعلان ملابسات سقوطهم. ورغم توقف المعارك العسكرية مع القوات الحكومية اليمنية في مختلف الجبهات؛ فإن النزيف البشري المستمر لقياداتها وعناصرها يثير التساؤلات عن أسبابه، بالتزامن مع مقتل العديد من القادة في خلافات شخصية واعتداءات على السكان.

ولقي قيادي بارز في صفوف الجماعة مصرعه، الأحد، في محافظة الجوف شمال شرقي العاصمة صنعاء في كمين نصبه مسلحون محليون انتقاماً لمقتل أحد أقاربهم، وذلك بعد أيام من مقتل قيادي آخر في صنعاء الخاضعة لسيطرة الجماعة، في خلاف قضائي.

وذكرت مصادر قبلية في محافظة الجوف أن القيادي الحوثي البارز المُكنى أبو كمال الجبلي لقي مصرعه على يد أحد المسلحين القبليين، ثأراً لمقتل أحد أقاربه الذي قُتل في عملية مداهمة على أحد أحياء قبيلة آل نوف، التي ينتمي إليها المسلح، نفذها القيادي الحوثي منذ أشهر، بغرض إجبار الأهالي على دفع إتاوات.

من فعالية تشييع أحد قتلى الجماعة الحوثية في محافظة حجة دون الإعلان عن سبب مقتله (إعلام حوثي)

ويتهم سكان الجوف القيادي القتيل بممارسات خطيرة نتج عنها مقتل عدد من أهالي المحافظة والمسافرين وسائقي الشاحنات في طرقاتها الصحراوية واختطاف وتعذيب العديد منهم، حيث يتهمونه بأنه كان «يقود مسلحين تابعين للجماعة لمزاولة أعمال فرض الجبايات على المركبات المقبلة من المحافظات التي تسيطر عليها الحكومة، وتضمنت ممارساته الاختطاف والتعذيب والابتزاز وطلب الفدية من أقارب المختطفين أو جهات أعمالهم».

وتقول المصادر إن الجبلي كان يعدّ مطلوباً من القوات الحكومية اليمنية نتيجة ممارساته، في حين كانت عدة قبائل تتوعد بالانتقام منه لما تسبب فيه من تضييق عليها.

وشهدت محافظة الجوف مطلع هذا الشهر اغتيال قيادي في الجماعة، يُكنى أبو علي، مع أحد مرافقيه، في سوق شعبي بعد هجوم مسلحين قبليين عليه، انتقاماً لأحد أقاربهم الذي قُتِل قبل ذلك في حادثة يُتهم أبو علي بالوقوف خلفها.

في الآونة الأخيرة تتجنب الجماعة الحوثية نشر صور فعاليات تشييع قتلاها في العاصمة صنعاء (إعلام حوثي)

وتلفت مصادر محلية في المحافظة إلى أن المسلحين الذين اغتالوا أبو علي يوالون الجماعة الحوثية التي لم تتخذ إجراءات بحقهم، مرجحة أن تكون عملية الاغتيال جزءاً من أعمال تصفية الحسابات داخلياً.

قتل داخل السجن

وفي العاصمة صنعاء التي تسيطر عليها الجماعة الحوثية منذ أكثر من 10 سنوات، كشفت مصادر محلية مطلعة عن مقتل القيادي الحوثي البارز عبد الله الحسني، داخل أحد السجون التابعة للجماعة على يد أحد السكان المسلحين الذي اقتحم السجن الذي يديره الحسني بعد خلاف معه.

وتشير المصادر إلى أن الحسني استغل نفوذه للإفراج عن سجين كان محتجزاً على ذمة خلاف ينظره قضاة حوثيون، مع المتهم بقتل الحسني بعد مشادة بينهما إثر الإفراج عن السجين.

وكان الحسني يشغل منصب مساعد قائد ما يسمى بـ«الأمن المركزي» التابع للجماعة الحوثية التي ألقت القبض على قاتله، ويرجح أن تجري معاقبته قريباً.

وأعلنت الجماعة، السبت الماضي، تشييع سبعة من قياداتها دفعة واحدة، إلى جانب ثمانية آخرين جرى تشييعهم في أيام متفرقة خلال أسبوع، وقالت إنهم جميعاً قتلوا خلال اشتباكات مسلحة مع القوات الحكومية، دون الإشارة إلى أماكن مقتلهم، وتجنبت نشر صور لفعاليات التشييع الجماعية.

جانب من سور أكبر المستشفيات في العاصمة صنعاء وقد حولته الجماعة الحوثية معرضاً لصور قتلاها (الشرق الأوسط)

ويزيد عدد القادة الذين أعلنت الجماعة الحوثية عن تشييعهم خلال الشهر الجاري عن 25 قيادياً، في الوقت الذي تشهد مختلف جبهات المواجهة بينها وبين القوات الحكومية هدوءاً مستمراً منذ أكثر من عامين ونصف.

ورعت الأمم المتحدة هدنة بين الطرفين في أبريل (نيسان) من العام قبل الماضي، ورغم أنها انتهت بعد ستة أشهر بسبب رفض الجماعة الحوثية تمديدها؛ فإن الهدوء استمر في مختلف مناطق التماس طوال الأشهر الماضية، سوى بعض الاشتباكات المحدودة على فترات متقطعة دون حدوث أي تقدم لطرف على حساب الآخر.

قتلى بلا حرب

وأقدمت الجماعة الحوثية، أخيراً، على تحويل جدران سور مستشفى الثورة العام بصنعاء، وهو أكبر مستشفيات البلاد، إلى معرض لصور قتلاها في الحرب، ومنعت المرور من جوار السور للحفاظ على الصور من الطمس، في إجراء أثار حفيظة وتذمر السكان.

وتسبب المعرض في التضييق على مرور المشاة والسيارات، وحدوث زحام غير معتاد بجوار المستشفى، ويشكو المرضى من صعوبة وصولهم إلى المستشفى منذ افتتاح المعرض.

ويتوقع مراقبون لأحوال الجماعة الحوثية أن يكون هذا العدد الكبير من القيادات التي يجري تشييعها راجعاً إلى عدة عوامل، منها مقتل عدد منهم في أعمال الجباية وفرض النفوذ داخل مناطق سيطرة الجماعة، حيث يضطر العديد من السكان إلى مواجهة تلك الأعمال بالسلاح، ولا يكاد يمرّ أسبوع دون حدوث مثل هذه المواجهات.

ترجيحات سقوط عدد كبير من القادة الحوثيين بغارات الطيران الأميركي والبريطاني (رويترز)

ويرجح أن يكون عدد من هؤلاء القادة سقطوا بقصف الطيران الحربي للولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا اللتين شكلتا منذ قرابة عام تحالفاً عسكرياً للرد على استهداف الجماعة الحوثية للسفن التجارية وطرق الملاحة في البحر الأحمر، وتنفذان منذ ذلك الحين غارات جوية متقطعة على مواقع الجماعة.

كما تذهب بعض الترجيحات إلى تصاعد أعمال تصفية الحسابات ضمن صراع وتنافس الأجنحة الحوثية على النفوذ والثروات المنهوبة والفساد، خصوصاً مع توقف المعارك العسكرية، ما يغري عدداً كبيراً من القيادات العسكرية الميدانية بالالتفات إلى ممارسات نظيرتها داخل مناطق السيطرة والمكاسب الشخصية التي تحققها من خلال سيطرتها على أجهزة ومؤسسات الدولة.

وبدأت الجماعة الحوثية خلال الأسابيع الماضية إجراءات دمج وتقليص عدد من مؤسسات وأجهزة الدولة الخاضعة لسيطرتها، في مساعِ لمزيد من النفوذ والسيطرة عليها، والتخفيف من التزاماتها تجاه السكان بحسب المراقبين.