برلمان مصر.. صراع الياقات البيضاء

في انتخابات سجلت مشاركة فاترة.. فشل اليسار والتيار الديني

برلمان مصر.. صراع الياقات البيضاء
TT

برلمان مصر.. صراع الياقات البيضاء

برلمان مصر.. صراع الياقات البيضاء

خلال الساعات الأخيرة من الانتخابات العامة المصرية، يبدو أن الملامح العامة لصورة البرلمان الجديد قد اقتربت من الوضوح قبل إعلان النتائج النهائية الرسمية. ولعل بين أبرز هذه الملامح التدني الملحوظ لنسبة المقترعين، والتراجع الكبير للتيارين اليساري والديني، مقابل ضخامة دور المال الذي أنفقته الأحزاب المتنافسة، ولا سيما، الأحزاب التي أسسها أو دعمها رجال الأعمال الأثرياء. وكان وراء تدني نسبة الاقتراع عزوف مجموعات متعددة المشارب من الناخبين، وبالأخص الشباب، عن التصويت لاعتبارات متعددة في رأسها الإحباط وخيبة الأمل.
وصل رجل أعمال جديد، انضم لصالون الضيافة، فارتفعت حرارة النقاش. في إحدى الضواحي المشيدة على طرز أوروبية شرقي العاصمة المصرية القاهرة يجري ترتيب عدة ملفات. ثمة رجال يطلق عليهم البعض أصحاب الياقات البيضاء.
تسمع أرقاما فلكية لأموال جرى إنفاقها على الدعاية الانتخابية لكثير من مرشحي البرلمان الجديد، الذي اختتم الاقتراع على آخر مراحله اليوم (الأربعاء). إنه أول برلمان في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي.
لقد تأكد فشل اليسار وخروج التيار الديني من المعادلة البرلمانية. والآن يسعى عدة أثرياء من العائلات لجمع أكبر عدد من النواب الجدد، في سباق محموم للفوز بتشكيل تكتل نيابي يؤيد رئيس الدولة، ويكون هو «تكتل السلطة» في البرلمان.
هنا أمام بوابة داخلية لقصر رجل أعمال التحق بعالم السياسة بعد رحيل نظام الرئيس الأسبق حسني مبارك، يمكن أن ترى من آخر طرف من شرق العاصمة، سحب الضباب والغبار وعوادم السيارات القادمة من الأفق. كان حارس الحديقة، واسمه عبد الله، يروي الشجر من خرطوم المياه. أجاب وهو يتذكر في أسى أيام مشاركته، كشاب يساري، في الثورة على مبارك. إنه لم ينتخب أحدًا، ولا يريد أن يشارك. وبدا أن أمر البرلمان الجديد لا يعنيه.
ويُظْهر عدة ساسة ممن عارضوا مبارك لعقود وساهموا في الإطاحة بنظامه، تفاؤلاً أقل من المتوقع بشأن العملية الديمقراطية. ومن أهم الأسباب، كما يقول أحمد بهاء الدين شعبان، رئيس الحزب الاشتراكي، بروز رجال أعمال متعطشين للسلطة، احتلوا خشبة المسرح، ويريدون طرد الجميع. يضيف: «لقد عاد مرشحون ذوو نفوذ مالي وعائلي، على حساب مرشحي البرامج السياسية»، ولهذا يخسر الثوار بعدما حلموا بتغيير للأفضل.
ما بين الفشل الكبير للأحزاب اليسارية والدينية، بدأ يظهر على الساحة صراع سياسي مبكّر لشريحة من أصحاب الياقات البيضاء ممن أسّسوا أحزابا بعد الثورة. يريدون الأغلبية وصناعة تكتل. لا ينافسهم في هذا غير بضعة نواب من رجال المال أيضا، لكنهم محترفون في العمل البرلماني وقادمون من وسط رماد حزب مبارك، أي الحزب الوطني الديمقراطي، بعد نحو أربع سنوات من حرق الثورة مكاتبه في المبنى المطل على النيل.
كان المصريون يتندّرون دائما على الحيل التي تستخدمها السلطة قبل الثورة لكي يفوز حزب الرئيس بالأغلبية. وفي الوقت الحالي يحظر الدستور انتماء الرئيس لأي حزب. لكن شعبان يضيف أن «المال السياسي الذي أنفق في هذه الانتخابات أدى لتزييف إرادة المصريين.. كيساريين خسرنا. الشباب قاطعوا، وهذا خطأ».
محمود نفادي الذي انخرط بعد ثورة 2011 في التنسيق، لبعض الوقت، بين عدة قوى سياسية كبرى على الساحة، والمعروف بأنه خبير في الشؤون البرلمانية، يؤكد أن «التيارين الأكبر خسائر في البرلمان الجديد هما التيار اليساري والتيار الديني». لقد أسس اليساريون عدة أحزاب جديدة بعد ثورة 2011، كما أسس التيار الديني أحزابا أخرى تمكنت من الهيمنة على البرلمان في 2012. وأصبح عدد الأحزاب بعد مبارك 85 حزبًا رسميًا، إضافة إلى عدة أحزاب أخرى تحت التأسيس.
اليوم هناك شعور بأن الأحزاب القديمة، التي كان عددها لا يزيد على 19 حزبًا، تاهت وسط هذا الكم الكبير من الأحزاب المتشابهة في البرامج وفي الأسماء. ومع ذلك، لم يعط قانون الانتخابات للقوائم الحزبية إلا 120 مقعدًا فقط، بينما أعطى للمرشحين بالنظام الفردي 448 مقعدًا. لهذا يوجد تنافس شديد بين كتل حزبية مسنودة من رجال أعمال لاستقطاب أكبر عدد من النواب المستقلين، يريد كل منها تشكيل تكتل نيابي واسع وقيادة الأغلبية البرلمانية.
* نكسة اليسار
أمام هذه المعمعة لم يكن اليسار مؤهلاً للعب دور حقيقي في هذه الانتخابات، كما يقول شعبان، مشيرًا إلى أن هذا له أسباب موضوعية وأسباب ذاتية.. «من الأسباب الموضوعية أن البرلمان الحالي جرى تصميم مُجرياته لكي يفوز فيه من يملك كمية هائلة من رأس المال، وهي تقريبًا عملية استرداد لبرلمان 2010 (آخر برلمانات مبارك) أو شيء من هذا القبيل». ويضيف أن جزءًا رئيسيًا من ركائز اليسار هم الشباب لكنهم اتخذوا موقفًا مراهقًا بمقاطعة الانتخابات، وبالتالي، أصبح أمام القوى المضادة فرصة للدخول للبرلمان دون مقاومة تذكر.
ويتابع قائلا: «ليس هذا فحسب، ولكن للأسف الشديد بعض القوى السياسية المحسوبة على اليسار أعلنت مقاطعتها للترشح في الانتخابات، وهو في رأيي موقف غير مسؤول، وفيه انفعالية مبالغ فيها، ولك أن تحسب نتيجة الانسحاب الذي ترك للقوى المضادة أن تكتسح مقاعد البرلمان وتفعل ما تريد». وهو يشير بذلك إلى كتلة الاتحاد المدني الديمقراطي الذي كان يحمل اسم «صحوة مصر» وانسحب من المنافسة قبل بدايتها بسبب عجزه عن الإنفاق ماليًا على حملة الانتخابات ورفضه التحالف مع أي من أصحاب رؤوس الأموال من أصحاب الأحزاب الأخرى أو المستقلين.
وحسب شعبان «توجد مشكلات عصيّة تحول دون أن يحقق اليسار المصري أحلام الشعب في الديمقراطية والتغيير. أولاً اليسار المصري شاخ.. أي أن آخر جيل دخل في مجموعة صفوف اليسار كان جيل السبعينات. بعد هذا الجيل لا يوجد أجيال دخلت اليسار إلا بضعة أفراد أو مجموعات صغيرة. وبعد ثورة 2011 جاءت مجموعات شبابية وتفاعلت مع النشاط السياسي، ثم أدارت ظهرها. هذا موضوع مهم».
تخرَّج عبد الله، البالغ من العمر 28 سنة في كلية التجارة، عام 2006. ومرت الأيام سريعًا وهو يبحث عن عمل في بلد يعاني من الفقر والبطالة، دون جدوى. انخرط في أحداث الثورة في صفوف حزب التجمع اليساري. وحين هيمن الإخوان على برلمان 2012 أصيب مثل زملائه بصدمة، فشارك في ثورة 2013 للإطاحة بحكم الجماعة، لكن الأمور لم تتحسن.. «حتى نشاط الحزب تراجع عما كان عليه أيام مبارك».
قبل، ككثير من الخريجين، بوظيفة مؤقتة، فعمل حارسًا في حديقة بمجمّع فيلات خلف جبل المقطم.. «منذ سنة وأنا أعمل هنا. المستقبل غير مضمون والراتب لا يكفي لتأسيس أسرة. لكن ما باليد حيلة». كان عبد الله عضوا أيضًا في ائتلاف الاشتراكيين الثوريين الراديكالي الذي ظهر كوجه عملة آخر للحركات الدينية الأصولية. لكن «كل شيء انتهى» كما يقول.
* سعر الصوت فوق 700 جنيه
ملياردير معروف بتطلعاته السياسة الكبيرة، علّق آمالاً عريضة ليكون الحزب الذي أسسه بعد ثورة 2011 رأس حربة للأغلبية في مجلس النواب. كثر الحديث حول هذا الموضوع في صالونات عائلات كبيرة في سوق الساحل الواقعة بين ضاحيتي المعادي ومصر القديمة. الرياح جاءت بما لم يكن متوقعا. عشرات الأسماء فوق بعضها بعضًا تتزاحم على لافتات تغطي أسطوانة ميدان «البوابة». من هنا يمر ملايين المصريين إلى أعمالهم ذهابًا وإيابًا.
مكاتب تعجّ بمنافسين وسماسرة. مؤامرات تحاك بين الجدران. تجنيد مندوبين من وراء الستار لشراء أصوات المقترعين المعوزين. الصوت بمائة جنيه. بمائتي جنيه.. «مزاد وحقائب مكدسة بالأموال»، كما يقول أحمد عبد اللطيف، وهو محام كان زميلاً للحارس عبد الله في الائتلاف الثوري الاشتراكي، الذي طواه النسيان مثلما طوى أسماء زملاء آخرين لقوا حتفهم في مظاهرات التحرير الدامية سواء أيام حكم الحزب الوطني أو أيام حكم الإخوان.
مع اقتراب موعد إغلاق لجان الاقتراع ارتفع سعر الصوت إلى سبعمائة جنيه وأكثر. في المقابل فشل مرشحون يرفعون شعارات ثورة يناير، من أساتذة جامعات وخبراء وسياسيين براغماتيين، في تحقيق أي نتائج تذكر في صناديق الانتخاب، رغم ما قدّموه من برامج لتحقيق «الكرامة والحرية والعدالة الاجتماعية». فاز منافسوهم، ومعظمهم، كما يقول عبد اللطيف «شخصيات كرتونية تنفق ببذخ» في الكثير من الدوائر.
* مشكلات عملية
المشكلة التي يرى البعض أنها ربما ستلوح في الأفق تكمن في أن الأحزاب التي وقف خلفها كبار رجال المال والأعمال، لا يبدو أنها ستكون قادرة على تشكيل الأغلبية داخل البرلمان الجديد. هذا أمر يحدث في مصر لأول مرة منذ إلغاء الأحزاب في خمسينات القرن الماضي. وبالتالي، لن يكون في استطاعة أي حزب أو تكتل، بمفرده، حسم التصويت على سياسيات تتعلق بصياغة القوانين المكملة للدستور، أو ضمان أغلبية الثلثين لتمرير القرارات التي تتطلب نوعًا معينًا من التصويت، في الشؤون السياسية والاقتصادية وأبواب موازنة الدولة.
الأهم من ذلك توجد شكوك حول قدرة التكتلات على تسمية رئيس للوزراء في حال لم يعجب البرلمان اسم رئيس الوزراء الذي يختاره رئيس الدولة، وهي إجراءات منصوص عليها في الدستور. ويترتب على فشل البرلمان في تسمية اسم رئيس وزراء بديل، خلال ثلاثين يومًا، حل البرلمان نفسه. لكن محمود نفادي يرى الوضع من زاوية مختلفة. وهو يقول إن ملامح التكتلات داخل البرلمان المقبل «تحدّدت بالفعل»، وإن كتلة الأغلبية ستتشكل من النواب المستقلين، وستقود هذه الأغلبية كتلة «في حب مصر» التي تتكوّن من مجموعة أحزاب كانت متحالفة معها في الانتخابات. لكنه يستثني من هذه الكتلة حزب المصريين الأحرار الذي أسسه الملياردير نجيب ساويرس عقب الثورة.
لماذا؟ يقول نفادي: لأن الحزب يريد أن تكون له هوية خاصة به في البرلمان، باعتبار أنه هو الحزب الذي حصل على أكبر عدد من المقاعد، أي 41 مقعدًا في المرحلة الأولى فقط. ويضيف أنه إذا حصل على عشرين أو ثلاثين مقعدًا في المرحلة الثانية، فإنه لن يشكل إلا نحو 10 في المائة من إجمالي عدد النواب، وهي نسبة لن تمكنه من قيادة الأغلبية البرلمانية.
لكن هذا الأمر يتوقف، قبل كل شيء، على النواب الذين فازوا على قوائم أحزاب مختلفة. هل سيستمرون في العمل النيابي من تحت عباءة تلك الأحزاب طوال مدة عمل البرلمان القانونية وهي خمس سنوات؟ أم أنهم سيتحالفون مع تكتلات جديدة خاصة كتلة «في حب مصر»؟ لقد أغرت الكثير من الأحزاب نوابا سابقين خاصة من حزب مبارك، لكي يخوضوا الانتخابات من خلالها. ومن ردود بعض النواب يبدو الأمر سابقًا لأوانه. وستتضح النيات بشكل أكبر حين تنعقد أولى جلسات البرلمان، خلال الشهر الحالي. مع ذلك يتلخص العامل المشترك بين كل هؤلاء الخصوم في تعبير واحد: «نحن ندعم الرئيس عبد الفتاح السيسي».
* تيار الرئيس
لقد خاض المرشحون عن كتلة «في حب مصر» منافسة شرسة مع مرشحي الكتل الأخرى، بما فيها حزب المصريين الأحرار، رغم عدم وجود اختلافات تذكر بين هؤلاء المرشحين في الموقف من السلطة التنفيذية وسياساتها الاقتصادية والاجتماعية بشكل عام. أما النقطة التي لم تحسم بعد، فهي كيف سيكون دعم الرئيس، ومن أي قناة بالضبط؟ يقول النائب البرلماني السابق، عاطف مخاليف، وهو مرشح مستقل عن حزب المصريين الأحرار ويشغل كذلك عضوية هيئته العليا وعضوية مكتبه السياسي، إنه سيعمل من داخل البرلمان «في الاتجاه الذي تسير فيه الدولة».
ويضيف موضحا: «أنا أرى أنني سأعمل في اتجاه الدولة، وسأكون جزءا من الحل وليس جزءا من المشكلة». وعما إذا كان يرى أن هذا هو التوجه العام لحزب المصريين الأحرار، يجيب قائلا إن «التوجه العام الموجود في الحزب هو توجه وطني.. أعني أننا خرجنا من ثورتين ومن استهداف الغرب لنا خاصة أميركا، وبالتالي لا بد أن نكون جميعا على قلب رجل واحد، ونجتاز بالسفينة بحر الأمواج حتى تصل مصر إلى بر الأمان. ثم نرى بعد ذلك كيف ستسير الأمور».
* ضعف الإقبال على الاقتراع
على عكس ما كان متوقعًا، ورغم الإنفاق المالي غير المسبوق، لم تشهد انتخابات البرلمان هذه السنة إقبالا كبيرًا. ووفقا لبيانات اللجنة العليا للانتخابات فإن النسبة المبدئية لمشاركة الناخبين في مرحلتي الاقتراع تدور حول 30 في المائة من نحو 55.6 مليون ناخب. ومع ذلك تبدو بعض اللجان التي يشكل فيها الشباب الأغلبية، هي الأقل في عدد المشاركين.
وعلى سبيل المثال يبلغ عدد المقترعين الذين تتراوح أعمارهم بين 21 و30 سنة، في لجنة المعادي، 46201 ناخب، من بينهم 22936 من الذكور و23265 من الإناث، لكن جميع المرشحين، وعددهم 22 بالنظام الفردي و4 قوائم لتكتلات حزبية، لم يحصلوا فيها إلا على عدة مئات من أصوات هذه الفئة العمرية وفقا لمراقبين في اللجنة، وهي نسبة ضعيفة للغاية مقارنة بعدد من يحق لهم التصويت من هذه الشريحة.
جاء عزوف الناخبين لأسباب متفرقة، من بينها جهل الفروق بين انتماءات المرشحين، وانتشار ظاهرة شراء الأصوات الانتخابية. أو كما يقول عبد الله وهو يروي الشجر «ماذا سيفعل نواب البرلمان؟»... ويجيب بثقة «لا شيء، لأنه ببساطة لا توجد برامج سياسية عما سيفعلونه.. مجرد إنتاج لتجارب برلمانات ما قبل الثورة».
في الماضي، منذ أسس أنور السادات الحزب الوطني الديمقراطي في منزله بشمال القاهرة، كان الصراع على صناديق الانتخابات يدور بين مرشحي حزب الرئيس، وغالبيتهم من رجال الأعمال وأثرياء العائلات الذين لا يحبذون الدخول في مشكلات مع السلطة، وبين المعارضين للرئيس، وكانوا إما من اليسار أو من التيار الديني. لم يكن الدستور يحظر على رئيس الدولة الانضمام لحزب ورئاسته، لكن الدستور الجديد فعل ذلك. لا يمكن للسيسي رسميًا أن يقول «هذا حزبي».
ولكن في المقابل، خلال هذه الانتخابات دأبت غالبية الأحزاب وغالبية المستقلين على الزعم أنها مرشحة من أجل دعم الرئيس، لكن التنافس على من يقود الأغلبية يبدو أنه سيكون أول معضلة. حتى الدعاية الانتخابية المكتوبة على الورق والقماش والبلاستيك والحديد التي أغرق بها المرشحون جبل المقطم المشرف على القاهرة وباقي الميادين والشوارع، كانت متشابهة، وخالية من الحرارة. «الكل يقول إنه مرشح لتعضيد السلطة التنفيذية» كما يقول عبد اللطيف.
كان عبد اللطيف مثل عبد الله مقاطعا للانتخابات.. «كنت أشاهد ما يجري وأتذكر أصدقائي الذين قتلوا والذين أصيبوا بالعجز بسبب مشاركتهم في الثورة على مبارك وعلى مرسي. كنا نريد مصر جديدة، لكن الأمر لم يكن بالسهولة التي تخيلناها في ذلك الوقت.. نحن انتخبنا السيسي، لكن الوجوه القديمة تعود، بنفس السلوك القديم».
ومن جانبه يقول نفادي إن كتلة «في حب مصر» عبارة عن «خليط من نواب قدامى ينتمون للحزب الوطني الديمقراطي، ومن نواب آخرين ينتمون إلى ثورة 30 يونيو (حزيران) 2013. هذه الكتلة تعتبر ثورة يونيو هي الثورة الحقيقية، وهي أيضا داعمة للرئيس السيسي بدرجة رئيسية». ويضيف «أما الاشتراكيون فقد فشلوا فشلا كبيرا. الأحزاب المحسوبة على 25 يناير 2011 فشلت فشلا ذريعًا».
حتى بالنسبة لمزاج جانب من الناخبين ممن حرصوا على المشاركة في الانتخابات، بدا أنه لم يكن يعني معظمهم البرامج السياسية لمرشحين يحملون شعارات «ثورة يناير» أو «ثورة يونيو»، بقدر ما كانوا حريصين على وجود نواب إلى جانبهم لحل مشكلاتهم الصغيرة التي يواجهونها في حياتهم اليومية.. مثل فتح مجمع لبيع السلع المدعمة، أو سد بالوعة صرف، أو توظيف عاطل عن العمل، أو تيسير الحصول على رخصة لبناء طابق إضافي في عمارة. غابت أسئلة من قبيل ماذا ستفعل في مشكلة التدهور الاقتصادي وانهيار السياحة، ومواجهة الإرهاب، وبناء المحطة النووية.
يقول نفادي، إن هذا الوضع يعبر عن أن المشهد لم يختلف عن السابق، أي ما قبل 2011.. «الناس ما زالت تبحث عن نائب الخدمات، والنسبة الكبيرة من الناخبين المثقفين لم يذهبوا إلى صناديق الاقتراع، وأيضا نسبة من الشباب لم تذهب، الذي توجه للصناديق هم الكتل التصويتية التقليدية التي تحتاج لنواب الخدمات.. هذا بالإضافة إلى الدور الذي لعبه المال السياسي بشكل كبير في هذه المعركة، سواء على مستوى الأحزاب أو على مستوى الأفراد». والخلاصة هي أن «نواب السياسة سقطوا».
* دور المال السياسي
ويصف نفادي استخدام المالي السياسي هذه المرة بأنه كان «استخداما فجًّا، خاصة من بعض الأحزاب التي يرأسها رجال أعمال. لقد جرى استخدام المال السياسي بشكل غير مسبوق ولأول مرة تستخدمه أحزاب، لا أفراد»، قائلا إنه في أيام مبارك كان من يستخدم المال السياسي هم الأفراد، بينما اليوم، ولأول مرة، نصل لهذه الدرجة من الإنفاق المالي من جانب الأحزاب. ويشير إلى أن أحد رجال الأعمال، على سبيل المثال، كان لديه رغبة كبيرة في أن يحصل حزبه على أعلى الأصوات، وأن يكسر حاجز المائة مقعد. وفشل.. أنفق في حدود مليار جنيه. هذا رقم رهيب مقارنة بالماضي.
يقول مخاليف عن سبب تحقيق حزب المصريين الأحرار لنتائج توصف بـ«الطيبة»، مقارنة بالأحزاب الأخرى رغم أن عمر حزبه لا يتعدى بضع سنوات، إن السبب هو اختيار الحزب لعناصر من المرشحين لديهم تاريخ وباع سياسي قديم، بالإضافة إلى أن الحزب وصل إلى الناس بشكل جيد عن طريق وسائل الإعلام.
وعما يقوله البعض من أن سبب انتشار ونفوذ حزب المصريين الأحرار على الساحة السياسية المصرية في الفترة الأخيرة، هو الإنفاق المالي الكبير، يوضح مخاليف: هذا ليس سببا رئيسيا على الإطلاق، لكن المعامل المادي معادلة مهمة في العمل السياسي وهذا موجود في كل بلاد الدنيا، وليس في مصر فقط. الحزب اختار مرشحين من عائلات، وكانت اختياراته جيدة. وهذا سبب رئيسي. ويضيف عن الانتقادات بشأن استعانة حزبه بنواب سابقين من حزب مبارك قائلا: «هذه حقيقة. ولكن ردود الحزب هي أنه ليس كل النواب السابقين للحزب الوطني الديمقراطي سيئين».
بيد أن رئيس الحزب الاشتراكي يقول إن أكثر من 70 في المائة من المصريين أحوالهم متردية، وكانوا ينتظرون أن يحل البرلمان مشكلاتهم، إلا أن المؤشرات تظهر أن البرلمان، «سيكون برلمان الصوت الواحد الذي يغلب عليه مبايعة النظام، أما الصوت الذي يعبر عن الجماهير فسيكون محدودا»، ويضيف شعبان أن من استخدم المال السياسي للفوز في الانتخابات سيعبِّر بشكل كامل عن المصالح الاقتصادية للطبقة الرأسمالية المتوحشة، أضف إلى ذلك وجود نواب سابقين من حزب مبارك سيحاولون الانتقام ممن قاموا بالثورة عليه.



شرق السودان... نار تحت الرماد

الشرق السودان دخل دوامة الحروب السودانية المتمددة (رويترز)
الشرق السودان دخل دوامة الحروب السودانية المتمددة (رويترز)
TT

شرق السودان... نار تحت الرماد

الشرق السودان دخل دوامة الحروب السودانية المتمددة (رويترز)
الشرق السودان دخل دوامة الحروب السودانية المتمددة (رويترز)

لا يبعد إقليم شرق السودان كثيراً عن تماسّات صراع إقليمي معلن، فالجارة الشرقية إريتريا، عينها على خصمها «اللدود» إثيوبيا، وتتربص كل منهما بالأخرى. كذلك، شرق السودان هو «الجسر» الذي يمكن أن تعبره قوات أي منهما نحو أرض الجانب الآخر. ومع تأثر الإقليم أيضاً بالصراعات الداخلية الإثيوبية، وبأطماع الدولتين بموارد السودان، يظل الصراع على «مثلث حلايب» هو الآخر لغماً قد ينفجر يوماً ما.

حدود ملتهبة

تحدّ إقليم «شرق السودان» ثلاث دول، هي مصر شمالاً، وإريتريا شرقاً، وإثيوبيا في الجنوب الشرقي، ويفصله البحر الأحمر عن المملكة العربية السعودية. وهو يتمتع بشاطئ طوله أكثر من 700 كيلومتر؛ ما يجعل منه جزءاً مهماً من ممر التجارة الدولية المهم، البحر الأحمر، وساحة تنافس أجندات إقليمية ودولية.

وفئوياً، تتساكن في الإقليم مجموعات ثقافية وإثنية «أصيلة» وأخرى وافدة من نواحي البلاد الأخرى، وبينها تناقضات وصراعات تاريخية، وارتباطات وقبائل مشتركة مع دول الجوار الثلاث. كذلك يتأثر الإقليم بالصراعات المحتدمة في الإقليم، وبخاصة بين إريتريا وإثيوبيا، وهو إلى جانب سكانه يعج باللاجئين من الدولتين المتشاكستين على الدوام؛ ما يجعل منه ساحة خلفية لأي حرب قد تنشأ بينهما.

وحقاً، ظل شرق السودان لفترة طويلة ساحة حروب داخلية وخارجية. وظلت إريتريا وإثيوبيا تستضيفان الحركات المسلحة السودانية، وتنطلق منهما عملياتها الحربية، ومنها حركات مسلحة من الإقليم وحركات مسلحة معارضة منذ أيام الحرب بين جنوب السودان وجنوب السودان، وقوات حزبية التي كانت تقاتل حكومة الخرطوم من شرق السودان.

لكن بعد توقيع السودان و«الحركة الشعبية لتحرير السودان» بقيادة الراحل جون قرنق ما عُرف بـ«اتفاقية نيفاشا»، وقّعت الحركات المسلحة في شرق السودان هي الأخرى ما عُرف بـ«اتفاقية سلام شرق السودان» في أسمرا عاصمة إريتريا، وبرعاية الرئيس الإريتري أسياس أفورقي، يوم 14 أكتوبر (تشرين الأول) 2006. ونصّت تلك الاتفاقية على تقاسم السلطة والثروة وإدماج الحركات المسلحة في القوات النظامية وفقاً لترتيبات «أمنية»، لكن الحكومة «الإسلامية» في الخرطوم لم تف بتعهداتها.

عبدالفتاح البرهان (رويترز)

12 ميليشيا مسلحة

من جهة ثانية، اندلعت الحرب بين الجيش السوداني و«قوات الدعم السريع» في منتصف أبريل (نيسان) 2023، فانتقلت الحكومة السودانية إلى بورتسودان «حاضرة الشرق» وميناء السودان على البحر الأحمر، واتخذت منها عاصمة مؤقتة، ووظّفت الحركات المسلحة التي أعلنت انحيازها للجيش، في حربها ضد «الدعم السريع».

وإبّان هذه الحرب، على امتداد 18 شهراً، تناسلت الحركات المسلحة في شرق السودان ليصل عددها إلى 8 ميليشيات مسلحة، كلها أعلنت الانحياز إلى الجيش رغم انتماءاتها «الإثنية» المتنافرة. وسعت كل واحدة منها للاستئثار بأكبر «قسمة حربية» والحصول على التمويل والتسليح من الجيش والحركة الإسلامية التي تخوض الحرب بجانب الجيش من أجل العودة للسلطة.

ميليشيات بثياب قبلية

«الحركة الوطنية للعدالة والتنمية» بقيادة محمد سليمان بيتاي، وهو من أعضاء حزب «المؤتمر الوطني» المحلول البارزين - وترأس المجلس التشريعي لولاية كَسَلا إبان حكم الرئيس عمر البشير -، دشّنت عملها المسلح في يونيو (حزيران) 2024، وغالبية قاعدتها تنتمي إلى فرع الجميلاب من قبيلة الهدندوة، وهو مناوئ لفرع الهدندوة الذي يتزعمه الناظر محمد الأمين ترك.

أما قوات «الأورطة الشرقية» التابعة لـ«الجبهة الشعبية للتحرير والعدالة» بقيادة الأمين داؤود، فتكوّنت في نوفمبر (تشرين الثاني) 2024، وسمّت «اتفاقية سلام السودان»، في جوبا، داؤود المحسوب على قبيلة البني عامر رئيساً لـ«مسار شرق السودان». لكن بسبب التنافس بين البني عامر والهدندوة على السيادة في شرق السودان، واجه تنصيب داؤود رئيساً لـ«تيار الشرق» رفضاً كبيراً من ناظر قبائل الهدندوة محمد الأمين ترك.

بالتوازي، عقدت «حركة تحرير شرق السودان» بقيادة إبراهيم دنيا، أول مؤتمر لها في مايو (أيار) 2024 برعاية إريترية كاملة فوق التراب الإريتري، بعد أيام من اشتعال الحرب في السودان. وتدرّبت عناصرها في معسكر قريب من قرية تمرات الحدودية الإريترية، ويقدّر عدد مقاتليها اليوم بنحو ألفي مقاتل من قبيلتي البني عامر والحباب، تحت ذريعة «حماية» شرق السودان.

كذلك، نشطت قوات «تجمّع أحزاب وقوات شرق السودان» بقيادة شيبة ضرار، وهو محسوب على قبيلة الأمرار (من قبائل البجا) بعد الحرب. وقاد شيبة، الذي نصّب نفسه ضابطاً برتبة «فريق»، ومقرّه مدينة بورتسودان - العاصمة المؤقتة - وهو ويتجوّل بحريّة محاطاً بعدد من المسلحين.

ثم، على الرغم من أن صوت فصيل «الأسود الحرة»، الذي يقوده مبروك مبارك سليم المنتمي إلى قبيلة الرشايدة العربية، قد خفت أثناء الحرب (وهو يصنَّف موالياً لـ«الدعم السريع»)، يظل هذا الفصيل قوة كامنة قد تكون طرفاً في الصراعات المستقبلية داخل الإقليم.

وفي أغسطس (آب) الماضي، أسّست قوات «درع شرق السودان»، ويقودها مبارك حميد بركي، نجل ناظر قبيلة الرشايدة، وهو رجل معروف بعلاقته بالحركة الإسلامية وحزب «المؤتمر الوطني» المحلول، بل كان قيادياً في الحزب قبل سقوط نظام البشير.

أما أقدم أحزاب شرق السودان، «حزب مؤتمر البجا»، بقيادة مساعد الرئيس البشير السابق موسى محمد أحمد، فهو حزب تاريخي أُسّس في خمسينات القرن الماضي. وبعيد انقلاب 30 يونيو 1989 بقيادة عمر البشير، شارك الحزب في تأسيس ما عُرف بـ«التجمع الوطني الديمقراطي»، الذي كان يقود العمل المسلح ضد حكومة البشير من داخل إريتريا، وقاتل إلى جانب قوات «الحركة الشعبية لتحرير السودان» بقيادة الراحل جون قرنق على طول الحدود بين البلدين، وفي 2006 وقّع مع بقية قوى شرق السودان اتفاقية سلام قضت بتنصيب رئيسه مساعداً للبشير.

ونصل إلى تنظيم «المجلس الأعلى لنظارات البجا والعموديات المستقلة» بقيادة الناظر محمد الأمين ترك. لهذا التنظيم دور رئيس في إسقاط الحكومة المدنية بقيادة رئيس الوزراء الدكتور عبد الله حمدوك، بإغلاقه الميناء وشرق البلاد. ورغم زعمه أنه تنظيم «سياسي»، فإنه موجود في الميليشيات المسلحة بشكل أو بآخر.

وهكذا، باستثناء «مؤتمر البجا» و«المجلس الأعلى للعموديات المستقلة»، فإن تاريخ تأسيس هذه الميليشيات القبلية وجغرافيا تأسيسها في إريتريا، ونشرها في الإقليم تحت راية الجيش وتحت مزاعم إسناده – على رغم «تبعيتها» لدولة أجنبية مرتبطة بالحرب - يعتبر مراقبون أن وجودها يهدّد استقرار الإقليم ويعزّز الدور الإريتري في شرق السودان، وبخاصة أن البناء الاجتماعي للإقليم في «غاية الهشاشة» وتتفشى وسط تباينات المجموعات القبلية والثقافية المكوّنة له.

أسياس أفورقي (رويترز)

مقاتلون من الغرب يحاربون في الشرق

إلى جانب الميليشيات المحلية، تقاتل اليوم أكثر من أربع حركات مسلحة دارفورية بجانب الجيش ضد «الدعم السريع»، ناقلةً عملياتها العسكرية إلى شرق السودان. الأكبر والأبرز هي: «حركة تحرير السودان» بقيادة مني أركو مناوي (حاكم إقليم دارفور)، و«حركة العدل والمساواة السودانية» بقيادة (وزير المالية) جبريل إبراهيم، و«حركة تحرير السودان - فصيل مصطفى طمبور»، ومعها حركات أخرى صغيرة كلها وقّعت «اتفاقية سلام السودان» في جوبا، وبعد سبعة أشهر من بدء الحرب انحازت إلى الجيش في قتاله ضد «الدعم السريع».

الحركات المسلحة الدارفورية التي تتخذ من الشرق نقطة انطلاق لها، أسسها بعد اندلاع الحرب مواطنون سودانيون ترجع أصولهم إلى إقليم دارفور، إلا أنهم يقيمون في شرق السودان. أما قادتها فهم قادة الحركات المسلحة الدارفورية التي كانت تقاتل الجيش السوداني في إقليم دارفور منذ عام 2003، وحين اشتعلت حرب 15 أبريل، اختارت الانحياز للجيش ضد «الدعم السريع». ولأن الأخير سيطر على معظم دارفور؛ فإنها نقلت عملياتها الحربية إلى شرق السودان أسوة بالجيش والحكومة، فجندت ذوي الأصول الدارفورية في الإقليم، ودرّبتهم في إريتريا.

استقطاب قبلي

حسام حيدر، الصحافي المتخصّص بشؤون شرق السودان، يرى أن الحركات المسلحة في الإقليم، «نشأت على أسس قبلية متنافرة ومتنافسة على السلطة واقتسام الثروة والموارد، وبرزت أول مرة عقب اتفاق سلام شرق السودان في أسمرا 2006، ثم اتفاق جوبا لسلام السودان».

ويرجع حيدر التنافس بين الميليشيات المسلحة القبلية في الإقليم إلى «غياب المجتمع المدني»، مضيفاً: «زعماء القبائل يتحكّمون في الحياة العامة هناك، وهذا هو تفسير وجود هذه الميليشيات... ثم أن الإقليم تأثر بالنزاعات والحروب بين إريتريا وإثيوبيا؛ ما أثمر حالة استقطاب وتصفية حسابات إقليمية أو ساحة خلفية تنعكس فيها هذه الصراعات».

تتساكن في الإقليم مجموعات ثقافية وإثنية «أصيلة» وأخرى وافدة

من نواحي البلاد الأخرى وبينها تناقضات وصراعات تاريخية

الدكتورعبدالله حمدوك (رويترز)

المسؤولية على «العسكر»

حيدر يحمّل «العسكر» المسؤولية عن نشاط الحركات المسلحة في الشرق، ويتهمهم بخلق حالة استقطاب قبلي واستخدامها لتحقيق مكاسب سياسية، ازدادت حدتها بعد حرب 15 أبريل. ويشرح: «الحركات المسلحة لا تهدد الشرق وحده، بل تهدد السودان كله؛ لأن انخراطها في الحرب خلق انقسامات ونزاعات وصراعات بين مكوّنات الإقليم، تفاقمت مع نزوح ملايين الباحثين عن الأمان من مناطق الحرب».

وفقاً لحيدر، فإن نشاط أربع حركات دارفورية في شرق السودان، وسّع دائرة التنافس على الموارد وعلى السلطة مع أبناء الإقليم؛ ما أنتج المزيد من الحركات القبلية، ويوضح: «شاهدنا في فترات سابقة احتكاكات بين المجموعات المسلحة في شرق السودان مع مجموعات مسلحة في دارفور، وهي مع انتشار المسلحين والسلاح، قضايا تضع الإقليم على حافة الانفجار... وإذا انفجر الشرق ستمتد تأثيراته هذا الانفجار لآجال طويلة».

ويرجع حيدر جذور الحركات التي تدرّبت وتسلحت في إريتريا إلى نظام الرئيس السابق عمر البشير، قائلاً: «معظمها نشأت نتيجة ارتباطها بالنظام السابق، فمحمد سليمان بيتاي، قائد (الحركة الوطنية للبناء والتنمية)، كان رئيس المجلس التشريعي في زمن الإنقاذ، ومعسكراته داخل إريتريا، وكلها تتلقى التمويل والتسليح من إريتريا».

وهنا يبدي حيدر دهشته لصمت الاستخبارات العسكرية وقيادة الجيش السوداني، على تمويل هذه الحركات وتدريبها وتسليحها من قِبل إريتريا على مرأى ومسمع منها، بل وتحت إشرافها، ويتابع: «الفوضى الشاملة وانهيار الدولة، يجعلان من السودان مطمعاً لأي دولة، وبالتأكيد لإريتريا أهداف ومصالح في السودان». ويعتبر أن تهديد الرئيس (الإريتري) أفورقي بالتدخل في الحرب، نقل الحرب من حرب داخلية إلى صراع إقليمي ودولي، مضيفاً: «هناك دول عينها على موارد السودان، وفي سبيل ذلك تستغل الجماعات والمشتركة للتمدد داخله لتحقق مصالحها الاقتصادية».

الدور الإقليمي

في أي حال، خلال أكتوبر الماضي، نقل صحافيون سودانيون التقوا الرئيس أفورقي بدعوة منه، أنه سيتدخّل إذا دخلت الحرب ولايات الشرق الثلاث، إضافة إلى ولاية النيل الأزرق. وهو تصريح دشّن بزيارة مفاجئة قام بها رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان لإريتريا 26 نوفمبر الماضي، بحثت بشكل أساسي - وفقاً لتقارير صحافية - قضية الحركات المسلحة التي تستضيفها إريتريا داخل حدودها ومشاركتها في الحرب إلى جانب الجيش، إلى جانب إبرام اتفاقات أمنية وعسكرية.

للعلم، الحركات الشرقية الثماني تدرّبت داخل إريتريا وتحت إشراف الجيش الإريتري وداخل معسكراته، وبعضها عاد إلى السودان للقتال مع جانب الجيش، وبعضها لا يزال في إريتريا. وعلى الرغم من النفي الإريتري الرسمي المتكرر، فإن كثيرين، وبخاصة من شرق السودان، يرون أن لإريتريا أطماعاً في الإقليم.

أما إثيوبيا، فهي الأخرى تخوض صراعاً حدودياً مع السودان وترفض ترسيم الحدود عند منطقة «الفشقة» السودانية الخصيبة بولاية القضارف. وإلى جانب تأثر الإقليم بالصراعات الداخلية الإثيوبية، فهو يضم الآلاف من مقاتلي «جبهة تحرير التيغراي» لجأوا إلى السودان فراراً من القتال مع الجيش الفيدرالي الإثيوبي في عام 2020، ولم يعودوا إلى بلادهم رغم نهاية الحرب هناك. ويتردد على نطاق واسع أنهم يقاتلون مع الجيش السوداني، أما «الدعم السريع» فتتبنى التهمة صراحةً.

أخيراً، عند الحدود الشمالية حيث مثلث «حلايب» السوداني، الذي تتنازع عليه مصر مع السودان ويسيطر عليه الجيش المصري، فإن قبائل البشارية والعبابدة القاطنة على جانبي الحدود بين البلدين، تتحرك داخل الإقليم. وهي جزء من التوترات الكامنة التي يمكن أن تتفجر في أي وقت.

وبالتالي، ليس مبالغة القول إن شرق السودان يعيش على شفا حفرة من نار. وتحت الرماد جمرات قد تحرق الإقليم ولا تنطفئ أبداً.