إدوار الخراط.. تمرد على القواعد «المحفوظية» وأسس لأدب «الحساسية الجديدة»

في صفحة لا يشاركه فيها أحد، كما أَحبَ دائما، سيذكر التاريخ الروائي الناقد المصري الكبير إدوار الخراط، الذي وافته المنية في مستشفى «الأنجلو أميركان» بوسط القاهرة، أمس (الثلاثاء)، عن عمر ناهز 89 عامًا، بعد صراع مع المرض.
ومن المقرر أن تقام الصلاة على روح الخراط بكنيسة الدوبارة بوسط القاهرة، اليوم (الأربعاء) قبل السفر إلى الإسكندرية ليدفن بمدافن العائلة ببرج العرب غرب المدينة الساحلية التي صارت معشوقته، منذ ولادته في 16 مارس (آذار) عام 1926، في كنف عائلة قبطية ترجع أصولها إلى الصعيد، ودرس في جامعتها وحصل على ليسانس الحقوق في عام 1946.
ونعى حلمي النمنم وزير الثقافة المصري وفاة الأديب الكبير قائلا إن رحيله «خسارة كبيرة لأديب وروائي أثرى الحياة الثقافية بأعماله، فكان متفانيا في حب الوطن ورسم ملامح المجتمع في رواياته، وتغنى بمعشوقته الإسكندرية وحبه لها في رواية (ترابها زعفران)»، مشيرًا إلى أنه يعد من رموز الحداثة في الأدب المصري، وأثرى المكتبة العربية بعدد كبير من الروايات والترجمات.
وأضاف أن «الخراط استطاع أن يلمس بأعماله وجدان القراء، واستحسان النقاد، فدارت حول أدبه كثير من الدراسات النقدية والندوات وصار محطًا لاهتمام الباحثين في الأدب العربي والحداثة، كما تخرج من تحت عباءته الروائية كثير ممن ساروا على الدرب».
تسعة وثمانون عاما حملها الخراط على كاهله، في رحلة طويلة وخصبة قطعها مبدع من طراز رفيع مع فن الكتابة، مدافعا عن نزقه وفوضاه، تحت مظلة «الحساسية الجديدة» أو «الكتابة عبر النوعية»، وغيرهما من القيم الجمالية التي أرسى دعائمها، وأصبحت معاول أساسية في التعامل النقدي مع هذا الإبداع، سواء في الشعر والرواية والقصة القصيرة، وفنون المسرح والفن التشكيلي والسينما، وقضايا الثقافة والترجمة والفكر الإنساني بشكل عام.
عمل الخراط بعد تخرجه في مخازن البحرية البريطانية بالإسكندرية، ثم موظفا في البنك الأهلي بالإسكندرية، وبعدها التحق بشركة التأمين الأهلية المصرية عام 1955، ثم مترجما بالسفارة الرومانية بالقاهرة.
وشغل لاحقًا منصب مساعد الأمين العام لمنظمة تضامن الشعوب الأفريقية والآسيوية، ونائب الأمين العام لاتحاد الكتاب الأفريقيين والآسيويين. ومنذ وقت مبكر شارك الخراط في الحياة الثقافية بفاعلية، إذ شارك في مجلة «غاليري 68» التي كانت صوتا لجيل الستينات من الأدباء المصريين والكتابة الأدبية الجديدة في مصر، كما ساهم في إصدار مجلة «لوتس» للأدب الأفريقي الآسيوي، التي كانت تصدرها منظمة الشعوب الأفريقية والآسيوية. أصدر مجموعته الروائية الأولى «الحيطان العالية» عام 1959 وعدت حينها منعطفا حاسما في القصة العربية، إذ ابتعد عن الواقعية السائدة آنذاك وركز اهتمامه على وصف خفايا الأرواح المعرضة للخيبة واليأس، ثم أكدت مجموعته الثانية «ساعات الكبرياء» هذه النزعة إلى رسم شخوص تتخبط في عالم كله ظلم واضطهاد وفساد.
أما روايته الأولى «رامة والتنين» التي صدرت عام 1980، فشكلت حدثا أدبيا من الطراز الأول، تبدو على شكل حوار بين رجل وامرأة تختلط فيها عناصر أسطورية ورمزية فرعونية ويونانية وإسلامية. وصنفت الرواية من أفضل مائة رواية عربية، كما أُقرت مادةً للتدريس في جامعة باريس عامي 1984 - 1985. وتوالت أعمال الراحل الكبير التي ناهزت 50 كتابا قصصيا وشعريا ونقديا، ومن أبرز رواياته «الزمن الآخر» 1985، و«ترابها زعفران»، و«يقين العطش»، «أمواج الليالي» 1991، «حريق الأخيلة» 1994، «الغجرية ويوسف المخزنجي»، وهي روايته الأخيرة التي صدرت عام 2004.
ويضع الخراط نفسه ضمن التيار الروائي لما سمي تيار ما بعد محفوظية (نسبة للروائي المصري الكبير نجيب محفوظ). يقول الخراط نفسه: «قد أكون من التيار الروائي والقصصي الذي سُمّي تيار ما بعد (المحفوظية) وجمع مروحة واسعة من الكتاب المصريين مثل صنع الله إبراهيم وجمال الغيطاني وغالب هلسا وبهاء طاهر وعبد الحكيم قاسم، والجامع المشترك بين هؤلاء هو التمرد على القواعد (المحفوظية) في الكتابة القصصية والروائية وكسرها. أما العنصر الآخر الجامع في هذه التجارب الكتابية، فقوامه إحساس هؤلاء الكتاب بأن هناك خطأ ما في التجربة السياسية - الاجتماعية للناصرية، خصوصًا بعد الكارثة التي تكشفت عنها هزيمة 1967، ورغم أن نقد الناصرية لم يصل إلى إدانتها إدانة مباشرة وصريحة، فإن الحذر والتوجس من شعاراتها كشفا خواءها في مقابل القمع السياسي والثقافي للسلطة السياسية. وهذا ما انعكس في الأعمال الأدبية للكتاب والروائيين».
ومن ترجماته المنشورة رواية «الحرب والسلام» لليو تولستوي 1958، وقصص من رومانيا بعنوان «الغجرية والفارس» 1958، وقصص من إيطاليا بعنوان «شهر العسل المر» 1959.
وعرف الخراط في العشرين عاما الأخيرة بالغزارة اللافتة في الكتابة والنشر، إذ كان يصدر له كتابان أو 3 في العام الواحد، على الرغم من تأخره في النشر عن معظم أبناء جيله.
ونال الخراط كثيرًا من الجوائز خلال مسيرته الحافلة؛ منها جائزة النيل في الآداب أكبر جوائز الدولة عام 2014، وجائزة نجيب محفوظ من الجامعة الأميركية بالقاهرة عام 1999 وجائزة الدولة التقديرية في الآداب في العام نفسه، كما فاز بجائزة ملتقى الرواية العربية الرابع بالقاهرة في فبراير (شباط) 2008.
واحتفل المجلس الأعلى للثقافة بمصر عام 1996 ببلوغ الخراط سن السبعين كما احتفل عام 2007 بعيد ميلاده الثمانين، وأصدر بهذه المناسبة كتاب «الإبحار نحو المجهول»، وهو مختارات من كتاباته بمقدمة للناقد المصري ماهر شفيق فريد، الذي صدر له عام 2003 كتاب عن الخراط بعنوان «الإغارة على الحدود».