تسوية بين النظام والمعارضة لفك الحصار عن قدسيا بريف دمشق

خروج المسلحين مع عائلاتهم إلى إدلب برعاية الهلال الأحمر والأمم المتحدة

تسوية بين النظام والمعارضة لفك الحصار عن قدسيا بريف دمشق
TT

تسوية بين النظام والمعارضة لفك الحصار عن قدسيا بريف دمشق

تسوية بين النظام والمعارضة لفك الحصار عن قدسيا بريف دمشق

ضمن عملية التسوية بين حكومة النظام في دمشق ومقاتلي المعارضة في مدينة قدسيا بريف دمشق، تم يوم أمس الاثنين، إخراج نحو 135 مقاتلاً من أبناء مدينة قدسيا مع عائلاتهم نحو محافظة إدلب شمال سوريا، تنفيذا لشروط النظام لفك الحصار عن مدينة قدسيا وإعادة فتح الطريق الذي يربطها بالعاصمة دمشق. وبحسب ما ذكره ناشطون، فإن خروج المقاتلين، كان بإشراف ومرافقة الهلال الأحمر السوري ولجنة المصالحة في المدينة.
من جانبها قالت مصادر موالية للنظام، إن الذين خرجوا هم من «المسلحين الأجانب» من قدسيا غرب العاصمة، وذلك تنفيذا لعملية التسوية كشرط لفتح طريق دمشق - قدسيا.
إلا أن ناشطا في المعارضة أكد لـ«الشرق الأوسط»، أن الذين خرجوا هم من «المدنيين الراغبين بالنزوح» من ريف دمشق الغربي. وقد تم ذلك عبر عملية مفاوضات طويلة مع وزارة المصالحة الوطنية، وتم نقل الخارجين بمرافقة الهلال الأحمر السوري وبالتعاون مع منظمة الأمم المتحدة. وكان الراغبون بالخروج وهم عائلات من منطقتي الهامة وقدسيا، قد سجلوا أسماءهم لدى لجنة وزارة المصالحة الوطنية وتجمعوا صباح أمس في إحدى الساحات استعدادا للخروج.
وبحسب لجنة المصالحة الوطنية في قدسيا، فإن عدد الأسماء المسجلة بلغ 136 اسما من منطقتي قدسيا والهامة وبعضهم - بحسب ناشطين إعلاميين من المنطقة - اختار الخروج برفقة عائلته. فيما قالت مصادر موالية للنظام إن «العائلات التي تجمعت في إحدى ساحات قدسيا جاءت لتوديع أبنائها الذين تم إرغامهم على السفر إلى إدلب للانضمام إلى مقاتلي المعارضة هنالك».
ومن المنتظر أن يفك الحصار عن مدينة قدسيا ويسمح بدخول المواد الغذائية وغيرها إلى المنطقة بعد حصار دام خمسة أشهر، على أن يتبع عملية التسوية هذه أخرى مماثلة تشمل منطقة الهامة التي ما تزال محاصرة من قبل قوات النظام.
وكان وزير المصالحة الوطنية علي حيدر طمأن في لقاء مع التلفزيون السوري الرسمي أهالي قدسيا قبل عدة أيام، بأن اتفاق المصالحة سيتم إنجازه قريبًا في المنطقة.
وتنص اتفاقية التسوية التي تم البدء بتنفيذها، أمس الاثنين، على تولي لجان محلية من أهالي قدسيا مهمة حفظ الأمن داخل المدينة، وأن تكون الجهة الوحيدة المخولة حمل السلاح ونصب الحواجز داخل المدينة. على أن يتم فتح طريق قدسيا دمشق بعد خروج المسلحين من قدسيا وإنجاز تسوية مماثلة في مدينة الهامة وخروج مسلحيها إلى إدلب لتحقيق تسوية نهائية في تلك المناطق التي تعتبر جيوب معارضة ضمن مناطق سيطرة النظام في الريف الشمالي الغربي للعاصمة.
وتعاني بلدتا قدسيا والهامة من حصار جزئي فرضته قوات النظام منذ شهر يوليو (تموز) الماضي على خلفية اختطاف ضابط في قوات النظام. وتم الحصار بإغلاق المداخل والطرقات إلى العاصمة ومنع دخول المواد الغذائية والسلع الأساسية، والسماح أحيان بخروج ودخول الموظفين في الدولة.
وتسعى وزارة المصالحة الوطنية في حكومة النظام إلى إنجاز هدن وتسويات مناطقية في ريف دمشق حيث تم العمل على إنجاز اتفاق مماثل في مدينة الزبداني غرب دمشق خرج بموجبه عدد من مقاتلي المدينة إلى إدلب مقابل فك الحصار عن كفريا والفوعة من قبل مقاتلي المعارضة، لكن المفاوضات لم تكتمل.
وتتخوف المعارضة من عمليات التسوية التي يشترط فيها النظام إبعاد المقاتلين وعائلتهم إلى مناطق أخرى، وترى فيها عملية تغيير ديموغرافي وتفريغ محيط العاصمة من سكانها المناهضين للنظام، في وقت يتدفق فيه مقاتلون شيعة مع عائلاتهم من العراق وإيران ولبنان إلى العاصمة وريفها لمؤازرة قوات النظام ويحتلون أماكن من هجر من أهلها.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.