أنصار القذافي يهددون النيجر بالثأر بعد تسليمها الساعدي

مسؤولون: نجل العقيد بدا محبطا وامتثل لأوامر بحلق لحيته وارتداء ملابس السجناء

الساعدي القذافي بملابس السجن الزرقاء في العاصمة الليبية أمس (إ.ب.أ)
الساعدي القذافي بملابس السجن الزرقاء في العاصمة الليبية أمس (إ.ب.أ)
TT

أنصار القذافي يهددون النيجر بالثأر بعد تسليمها الساعدي

الساعدي القذافي بملابس السجن الزرقاء في العاصمة الليبية أمس (إ.ب.أ)
الساعدي القذافي بملابس السجن الزرقاء في العاصمة الليبية أمس (إ.ب.أ)

بينما انعكست الخلافات بين نوري أبو سهمين رئيس المؤتمر الوطني العام (البرلمان) وعلي زيدان رئيس الحكومة الانتقالية في ليبيا خلال مشاركتهما أمس في مؤتمر أصدقاء ليبيا بالعاصمة الإيطالية روما، أعلنت السلطات الليبية عن اتخاذ الإجراءات الأولية لفتح ملف تحقيق مع الساعدي نجل العقيد الراحل معمر القذافي عقب تسلمه بشكل مفاجئ في ساعة مبكرة من صباح أول من أمس من النيجر.
وكشفت مصادر ليبية لـ«الشرق الأوسط» النقاب عن مفاوضات سرية مكثفة أجرتها الحكومة الليبية مع النيجر لإقناعها بتسليم الساعدي إليها، مشيرة إلى أن الحكومة الليبية تعهدت بزيادة استثماراتها المباشرة في النيجر كتعبير عن امتنانها لموافقة السلطات هناك على موقفها. ولفتت المصادر إلى أن السلطات الليبية سلمت حكومة النيجر في وقت سابق ملف معلومات كاملا يبرهن على ما وصفته السلطات الليبية بـ«تورط» نجل القذافي في نشاطات مناوئة لها، خاصة بمنطقة الجنوب، في محاولة لزعزعة الأمن والاستقرار.
بينما قال مسؤول ليبي، طالبا حجب اسمه، لـ«الشرق الأوسط»: «قدمنا للسلطات في النيجر كافة المعلومات التي نمتلكها حول دعم الساعدي لإحداث حالة من الفوضى الأمنية والعسكرية، ودخلنا في مفاوضات اقتصادية ومالية صعبة. أخيرا اقتنعوا. بالتأكيد نجحنا في عقد صفقة جيدة». ورجحت معلومات غير رسمية دفع ليبيا مليار دولار أميركي مقابل تسلم الساعدي، الذي يواجه عدة قضايا جنائية منها مقتل لاعب كرة قدم، والمشاركة في قمع الثورة على نظام والده في 2011.
وأكد المستشار عبد القادر رضوان، النائب العام الليبي، أنه جرى إيداع الساعدي  بسجن مؤسسة الهضبة في العاصمة الليبية طرابلس تحت حراسة جهاز الشرطة القضائية التابع لوزارة العدل، قائلا في مؤتمر صحافي أمس، إنها «لحظات سعيدة بالنسبة للمجتمع الليبي. ورهيبة بالنسبة لأعدائه».
وأعلن رضوان استمرار التعاون بين أجهزة الدولة الليبية لاتخاذ كافة الإجراءات والتدابير العاجلة والفورية بطلب تسليم كافة من أجرموا في حق الشعب الليبي سواء بمذكرات التفاهم أو بالاتفاقيات الموقعة مع بعض الدول العربية والأجنبية. وكشف أن التهم الجنائية والجنح الموجهة ضد الساعدي متعلقة بالخطف وهتك العرض والإيذاء الخطير، وإساءة استخدام الوظيفة ومقتل لاعب كرة قدم والمشاركة في قمع الثورة على نظام والده في 2011.
وقال: «بالنسبة للتهم المسندة إلى المذكور باعتباره معاون آمر ركن الوحدات الأمنية، فهي أعمال ترمي للقتل العشوائي ودعم وتمويل جماعات مسلحة للقضاء على ثورة فبراير بجلب المرتزقة وتحديد المدن المناهضة للنظام بأرقام وعلامات أدت إلى زعزعة الأمن والاستقرار في البلاد». ولفت إلى أن الساعدي بصفته رئيس الاتحاد العام لكرة القدم سابقا، استولى بقوة السلاح على أراض مملوكة للدولة الليبية، وأخرى لمواطنين وضمها للاتحاد واستولى على قيمتها لحسابه الخاص.
وطبقا لما أعلنه هاشم بشر، رئيس اللجنة الأمنية العليا بطرابلس، فإن «الساعدي وصل في نحو الساعة الثانية وخمسين دقيقة من صباح (أول من) أمس إلى قاعدة امعتيقة مقبوضا عليه، ومنها جرى نقله إلى سجن الهضبة، حيث جرى تسليمه إلى مكتب النائب العام رسميا»، بينما قال خالد الشريف، وكيل وزارة الدفاع الليبية، إنه فور وصول الساعدي جرى تكبيله بالأصفاد كما ربطت عيناه، قبل أن يجري نقله إلى السجن في موكب أمني.
وقال حراس ومسؤولون أمنيون شاركوا في استلام الساعدي لـ«الشرق الأوسط» إنه بدا محبطا ومنهارا؛ لكنه لم يرد على بعض الشتائم التي وجهت إليه، كما امتثل لطلب إدارة السجن حلق لحيته وشعر رأسه وارتداء الملابس الزرقاء المخصصة للسجناء.
من جهته، قال مسؤول أمنى لـ«الشرق الأوسط» إن الساعدي «يخشى الاعتداء عليه كما حدث مع شقيقه المعتصم، الذي قتل بعد اعتقاله إثر انهيار النظام السابق قبل نحو ثلاث سنوات».
وفور انتشار أخبار وصوله إلى طرابلس خرج بعض السكان إلى الشوارع وأطلقوا أبواق السيارات، كما هتف مسؤولون داخل السجن بالتكبير والتهليل، تعبيرا عن فرحتهم بنجاح السلطات في استلام نجل القذافي. وأعربت حكومة زيدان في بيان بثه موقعها الإلكتروني عن شكرها لرئيس النيجر محمد يوسف والحكومة النيجرية والشعب النيجري على التعاون الذي ترتب عليه هذا الأمر، وتعهدت بالتزامها بمعاملة نجل القذافي وفق أسس العدالة والمعايير الدولية في التعامل مع السجناء.
وقالت الحكومة في بيان آخر منفصل، إن موافقة حكومة النيجر على تسليم الساعدي جاءت بعدما ثبت لديها بما لا يدع مجالا للشك مسؤوليته عن ما وصفته بـ«مخطط إرهابي يستهدف حياة المدنيين ويرمي إلى ضرب الوحدة الوطنية وزعزعة الأمن في ليبيا». وكشف البيان النقاب عن أن «جهاز المخابرات الليبية قدم كل الأدلة والقرائن التي تثبت تورط الساعدي في التخطيط وتوفير الدعم اللازم وتجنيد العناصر المسؤولة عن الأحداث الدامية التي تعرض لها الجنوب الليبي في يناير (كانون الثاني) الماضي، وهو الأمر الذي اعتبرته سلطات النيجر بمثابة نقض للتعهدات والالتزامات التي قطعها على نفسه كشرط للتمتع بحقه الإنساني في الإقامة على أراضيها».
ودعت حكومة زيدان بقية الدول التي تؤوي عناصر من النظام السابق، إلى الحذو حذو النيجر، لافتة إلى أن العلاقات الثنائية بين طرابلس ونيامي ستشهد «انطلاقة تعود على الشعبين بالنماء والازدهار».
وكانت حركة اللجان الثورية التي كانت تمثل العمود الفقري لنظام القذافي قبل انهياره عام 2011، استبقت عملية تسليم النيجر للساعدي بتوجيه إنذار لحكومة النيجر، مشيرة في بيان أصدرته أخيرا إلى أنها علمت بأن هناك مفاوضات تجري منذ مدة بين الحكومة الليبية وحكومة النيجر وصلت إلى مليار دولار لبيع الساعدي. وأضافت: «ولن تمر هذه الصفقة.. ونحمل رئيس النيجر مغبة هذا العمل الجبان المهين للنيجر قبل أن يكون عارا يلاحقها.. وأن الرئيس وعائلته سوف يتحملون ثأر هؤلاء الرجال الذين يعرفهم جيدا».
وأوضح عثمان القلالي، المتحدث الرسمي باسم مؤسسة (سجن) الإصلاح والتأهيل بمنطقة الهضبة، أن «إدارة السجن التابع لجهاز الشرطة القضائية أودعت الساعدي في معتقله بعد أن انتهت من إجراءات تسلمه وكشوفاته الطبية رسميا بأمر من النائب العام الليبي، تمهيدا لبدء إجراءات التحقيق معه خلال الساعات المقبلة لتقديمه إلى غرفة الاتهام». وقال القلالي إنه «عومل بشكل جيد وفق الإجراءات المتبعة لدى جهاز الشرطة القضائية الليبية وما تقتضيه الشريعة الإسلامية ومواثيق حقوق الإنسان ليواجه الاتهامات الموجهة إليه أمام محكمة تتوفر فيها جميع متطلبات العدالة والقانون».
وتضم مؤسسة الإصلاح والتأهيل في منطقة الهضبة بطرابلس عددا من كبار مسؤولي النظام السابق، وقد بدأت فعليا محاكماتهم جميعا. وسلمت النيجر الحكومة الليبية منتصف الشهر الماضي عبد الله منصور رئيس جهاز الأمن الداخلي في نظام القذافي، علما بأنه جرى تسليم مسؤولين كبار آخرين في النظام الليبي السابق إلى طرابلس من جانب دول أخرى، مثل عبد الله السنوسي الرئيس السابق لجهاز الاستخبارات الذي سلمته موريتانيا، والبغدادي المحمودي رئيس الوزراء السابق الذي سلمته تونس.
وتنتقد منظمات للدفاع عن حقوق الإنسان باستمرار، شروط محاكمة مسؤولين ليبيين سابقين. ودعت منظمة «هيومن رايتس ووتش» طرابلس إلى السماح لسيف الإسلام القذافي نجل القذافي ومسؤولين آخرين في نظامه متهمين بقمع الثورة في 2011، بتعيين محامين لهم.
في غضون ذلك، لفت علي زيدان إلى الاستحقاقات التي تعمل حكومته على إنجازها في هذه المرحلة وعلى رأسها، إجراء انتخابات مبكرة ووضع نظام لا مركزي، بالإضافة إلى استراتيجية للتخلص من السلاح وضبط الحدود وتحقيق المصالحة الوطنية وتفعيل الاقتصاد. وأكد في كلمة ألقاها بالعاصمة الإيطالية روما لدى افتتاح أعمال مؤتمر أصدقاء ليبيا بحضور ممثلين عن أكثر من ثلاثين دولة، حرص بلاده على الحفاظ على المسار الديمقراطي والشرعية والحراك السلمي.
في المقابل، عد نوري أبو سهمين رئيس البرلمان الليبي خلال كلمته أمام المؤتمر، أن بلاده خلال هذه المرحلة التي تنتقل فيها من مسار الثورة إلى مؤسسات الدولة، تمر بمحطات تاريخية وهامة سترسم ملامح دولة ليبيا الجديدة. وطالب المؤتمر بتبني التوصيات المرجوة التي من شأنها دعم المسار الديمقراطي، ورفض كل المحاولات لانتزاع السلطة بالقوة أو العنف والقفز على إرادة الشعب الليبي الذي ضحى من أجل استعادة حريته.
وأعرب عن أمله في أن يخرج المؤتمر بتوصيات تؤكد على بذل المزيد من الجهد لتسليم رموز نظام القذافي، الذين قال «إنهم يعملون على إثارة القلاقل، مستغلين في ذلك الأموال والممتلكات والاستثمارات التي نهبوها بغير وجه حق من الشعب الليبي». وأضاف أن «ليبيا تأمل التزام الدول وشركاتها بألا تتعامل في شراء النفط الليبي إلا من خلال القنوات الرسمية للدولة الليبية، ونأمل من خلال بناء قدرات المؤسسات الأمنية ومؤسسات الجيش والشرطة أن نتمكن من وضع حد للانفلات الأمني والعسكري في ليبيا».
وأجرى زيدان وأبو سهمين سلسلة من الاجتماعات الثنائية على هامش مؤتمر روما، شملت وزراء خارجية الولايات المتحدة وروسيا وفرنسا وبريطانيا بالإضافة إلى مسؤولين من الاتحاد الأوروبي والصين وكندا. وكشفت مصادر ليبية مقربة من زيدان وأبو سهمين لـ«الشرق الأوسط»، عن ما وصفته بمماحكات سياسية سبقت توجههما إلى مؤتمر روما، مشيرة إلى أن رئيس البرلمان الليبي أبو سهمين تأخر في اتخاذ قرار الذهاب، فيما تجاهل زيدان إبلاغه وذهب مباشرة إلى هناك.
من جانبه، قال وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس للصحافيين أمس على هامش المؤتمر إن «الوضع مقلق جدا بسبب ضعف ضمان الأمن والأعمال والمخاطر الإرهابية، لا سيما في الجنوب، ولأن الوضع السياسي غير مستقر». كما شدد على أهمية اللقاء المنعقد في روما، بعد عام على لقاء أول في باريس.
وقال فابيوس: «للمرة الأولى اجتمع عدد هائل من البلدان، من بينها الصين وروسيا اللتان لم تحضرا من قبل» هذا المؤتمر «المفيد» و«المشجع». وأفاد أن المطلوب من السلطات الليبية هو «أولا، على الصعيد السياسي، يطلب إلى الليبيين التحاور فيما بينهم والتوصل إلى حل مستقر» بالعمل مع مبعوث الأمم المتحدة الخاص حول هذا النزاع.
وأفادت مصادر دبلوماسية غربية أنه على ليبيا العثور على وسائل تنظيم «حوار وطني فعلي» والعمل على «جلوس الجميع حول طاولة» لتجاوز مشكلات «تداخل الشرعيات» بين الحكومة والسلطات المحلية في كل منطقة والقبائل. كما اقترحت الدول الغربية مساعدات ملموسة جديدة على مستوى الأمن، لا سيما مبادرة من ألمانيا وفرنسا لإنشاء مخازن أسلحة وضمان أمنها. وقال فابيوس «لا يجدي سحب الأسلحة من التداول إن كانت مجموعة إرهابية أخرى ستنجح في الاستيلاء عليها».
 



اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
TT

اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)

كان مخيم اليرموك للاجئين في سوريا، الذي يقع خارج دمشق، يُعدّ عاصمة الشتات الفلسطيني قبل أن تؤدي الحرب إلى تقليصه لمجموعة من المباني المدمرة.

سيطر على المخيم، وفقاً لوكالة «أسوشييتد برس»، مجموعة من الجماعات المسلحة ثم تعرض للقصف من الجو، وأصبح خالياً تقريباً منذ عام 2018، والمباني التي لم تدمرها القنابل هدمت أو نهبها اللصوص.

رويداً رويداً، بدأ سكان المخيم في العودة إليه، وبعد سقوط الرئيس السوري السابق بشار الأسد في 8 ديسمبر (كانون الأول)، يأمل الكثيرون في أن يتمكنوا من العودة.

في الوقت نفسه، لا يزال اللاجئون الفلسطينيون في سوريا، الذين يبلغ عددهم نحو 450 ألف شخص، غير متأكدين من وضعهم في النظام الجديد.

أطفال يلعبون أمام منازل مدمرة بمخيم اليرموك للاجئين في سوريا (أ.ف.ب)

وتساءل السفير الفلسطيني لدى سوريا، سمير الرفاعي: «كيف ستتعامل القيادة السورية الجديدة مع القضية الفلسطينية؟»، وتابع: «ليس لدينا أي فكرة لأننا لم نتواصل مع بعضنا بعضاً حتى الآن».

بعد أيام من انهيار حكومة الأسد، مشت النساء في مجموعات عبر شوارع اليرموك، بينما كان الأطفال يلعبون بين الأنقاض. مرت الدراجات النارية والدراجات الهوائية والسيارات أحياناً بين المباني المدمرة. في إحدى المناطق الأقل تضرراً، كان سوق الفواكه والخضراوات يعمل بكثافة.

عاد بعض الأشخاص لأول مرة منذ سنوات للتحقق من منازلهم. آخرون كانوا قد عادوا سابقاً ولكنهم يفكرون الآن فقط في إعادة البناء والعودة بشكل دائم.

غادر أحمد الحسين المخيم في عام 2011، بعد فترة وجيزة من بداية الانتفاضة ضد الحكومة التي تحولت إلى حرب أهلية، وقبل بضعة أشهر، عاد للإقامة مع أقاربه في جزء غير مدمر من المخيم بسبب ارتفاع الإيجارات في أماكن أخرى، والآن يأمل في إعادة بناء منزله.

هيكل إحدى ألعاب الملاهي في مخيم اليرموك بسوريا (أ.ف.ب)

قال الحسين: «تحت حكم الأسد، لم يكن من السهل الحصول على إذن من الأجهزة الأمنية لدخول المخيم. كان عليك الجلوس على طاولة والإجابة عن أسئلة مثل: مَن هي والدتك؟ مَن هو والدك؟ مَن في عائلتك تم اعتقاله؟ عشرون ألف سؤال للحصول على الموافقة».

وأشار إلى إن الناس الذين كانوا مترددين يرغبون في العودة الآن، ومن بينهم ابنه الذي هرب إلى ألمانيا.

جاءت تغريد حلاوي مع امرأتين أخريين، يوم الخميس، للتحقق من منازلهن. وتحدثن بحسرة عن الأيام التي كانت فيها شوارع المخيم تعج بالحياة حتى الساعة الثالثة أو الرابعة صباحاً.

قالت تغريد: «أشعر بأن فلسطين هنا، حتى لو كنت بعيدة عنها»، مضيفة: «حتى مع كل هذا الدمار، أشعر وكأنها الجنة. آمل أن يعود الجميع، جميع الذين غادروا البلاد أو يعيشون في مناطق أخرى».

بني مخيم اليرموك في عام 1957 للاجئين الفلسطينيين، لكنه تطور ليصبح ضاحية نابضة بالحياة حيث استقر العديد من السوريين من الطبقة العاملة به. قبل الحرب، كان يعيش فيه نحو 1.2 مليون شخص، بما في ذلك 160 ألف فلسطيني، وفقاً لوكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين (الأونروا). اليوم، يضم المخيم نحو 8 آلاف لاجئ فلسطيني ممن بقوا أو عادوا.

لا يحصل اللاجئون الفلسطينيون في سوريا على الجنسية، للحفاظ على حقهم في العودة إلى مدنهم وقراهم التي أُجبروا على مغادرتها في فلسطين عام 1948.

لكن، على عكس لبنان المجاورة، حيث يُمنع الفلسطينيون من التملك أو العمل في العديد من المهن، كان للفلسطينيين في سوريا تاريخياً جميع حقوق المواطنين باستثناء حق التصويت والترشح للمناصب.

في الوقت نفسه، كانت للفصائل الفلسطينية علاقة معقدة مع السلطات السورية. كان الرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد وزعيم «منظمة التحرير الفلسطينية»، ياسر عرفات، خصمين. وسُجن العديد من الفلسطينيين بسبب انتمائهم لحركة «فتح» التابعة لعرفات.

قال محمود دخنوس، معلم متقاعد عاد إلى «اليرموك» للتحقق من منزله، إنه كان يُستدعى كثيراً للاستجواب من قبل أجهزة الاستخبارات السورية.

وأضاف متحدثاً عن عائلة الأسد: «على الرغم من ادعاءاتهم بأنهم مع (المقاومة) الفلسطينية، في الإعلام كانوا كذلك، لكن على الأرض كانت الحقيقة شيئاً آخر».

وبالنسبة لحكام البلاد الجدد، قال: «نحتاج إلى مزيد من الوقت للحكم على موقفهم تجاه الفلسطينيين في سوريا. لكن العلامات حتى الآن خلال هذا الأسبوع، المواقف والمقترحات التي يتم طرحها من قبل الحكومة الجديدة جيدة للشعب والمواطنين».

حاولت الفصائل الفلسطينية في اليرموك البقاء محايدة عندما اندلع الصراع في سوريا، ولكن بحلول أواخر 2012، انجر المخيم إلى الصراع ووقفت فصائل مختلفة على جوانب متعارضة.

عرفات في حديث مع حافظ الأسد خلال احتفالات ذكرى الثورة الليبية في طرابلس عام 1989 (أ.ف.ب)

منذ سقوط الأسد، كانت الفصائل تسعى لتوطيد علاقتها مع الحكومة الجديدة. قالت مجموعة من الفصائل الفلسطينية، في بيان يوم الأربعاء، إنها شكلت هيئة برئاسة السفير الفلسطيني لإدارة العلاقات مع السلطات الجديدة في سوريا.

ولم تعلق القيادة الجديدة، التي ترأسها «هيئة تحرير الشام»، رسمياً على وضع اللاجئين الفلسطينيين.

قدمت الحكومة السورية المؤقتة، الجمعة، شكوى إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تدين دخول القوات الإسرائيلية للأراضي السورية في مرتفعات الجولان وقصفها لعدة مناطق في سوريا.

لكن زعيم «هيئة تحرير الشام»، أحمد الشرع، المعروف سابقاً باسم «أبو محمد الجولاني»، قال إن الإدارة الجديدة لا تسعى إلى صراع مع إسرائيل.

وقال الرفاعي إن قوات الأمن الحكومية الجديدة دخلت مكاتب ثلاث فصائل فلسطينية وأزالت الأسلحة الموجودة هناك، لكن لم يتضح ما إذا كان هناك قرار رسمي لنزع سلاح الجماعات الفلسطينية.