تكتيكات { داعش} القتالية متجددة بتغير الأجواء المناخية

هجمات ليلية واستغلال للضباب.. واعتقاد بأن المنظمة الإرهابية تمتلك مناظير ونظارات للرؤية الليلية تستخدمها في نشاطاتها

تكتيكات { داعش} القتالية متجددة بتغير الأجواء المناخية
TT

تكتيكات { داعش} القتالية متجددة بتغير الأجواء المناخية

تكتيكات { داعش} القتالية متجددة بتغير الأجواء المناخية

بعد «تحرير» سنجار (شمال العراق) من سيطرة تنظيم داعش ودخول قوات البيشمركة الكردية المدينة التي تمثل المعقل الرئيسي للأقلية الإيزيدية في العراق، ما هو وضع تنظيم (داعش) حاليا على خط الجبهة الكردية؟ للوقوف على هذا الموضوع كان لنا حديث مع عدد من القادة الأكراد والخبراء العسكريين العراقيين حول الحرب ضد المتشددين من التنظيم والتقنيات القتالية العسكرية للمنظمة التي تبدو مقتبسة من الفيلم الأسطوري «ماد ماكس»، الذي تميز بمشاهد آلات الحرب الجهنمية الشبيهة إلى حد بعيد بتلك التي نراها يوميًا في العراق. فهناك أصبحت مشاهد قوافل الشاحنات والجرارات المحمَّلة بالمتفجرات والمغطاة بقطع معدنية لحمايتها، والتي لا تتوانى عن بث الرعب على طريقها، أسلوبا شائعا من أساليب الحرب.
يمتد خط الجبهة بين مقاتلي «داعش» والمقاتلين الأكراد على طول 1000 كلم تقريبا. شهدت هذه الحدود خلال شهر نوفمبر (تشرين الثاني) تطورات جديدة بعد أن سيطر الأكراد على جبل سنجار، موطن الأقلية الإيزيدية العراقية التي عانت أبشع أنواع الجرائم والانتهاكات على يد تنظيم داعش بعد أن استولى على المدينة في أغسطس (آب) 2014 مرتكبا المذابح بحق الرجال فيها ومعرضا نساءها للسبي والآلاف من سكانها للتشريد.
وعلى الرغم من الانتصار الذي حققته القوات الكردية العراقية، تزايدت هجمات التنظيم في بعض المناطق الكردية. وتعليقا على ذلك، صرّح في حديث إلى «الشرق الأوسط» العميد سيروان بارزاني، الذي يدير جبهة «المخمور» على الخطوط الأمامية في المنطقة الكردية في العراق وهو أيضًا ابن أخ رئيس المنطقة الكردية مسعود بارزاني قائلا: «واجهنا أربع هجمات خلال الأسبوعين الماضيين، في حين كان الوضع أكثر هدوءا في الأشهر الثمانية المنصرمة»، عازيا ذلك ربما إلى اقتراب فصل الشتاء، بما أن مقاتلي «داعش» يستغلون الطقس العاطل وليالي الضباب الكثيف لمحاولة التسلل إلى الأراضي التي يسيطر عليها الأكراد: «مما يدفعنا إلى الاعتقاد أن المنظمة الإرهابية تمتلك مناظير ونظارات للرؤية الليلية تستخدمها في نشاطاتها».
ورغم «الخسائر الكبيرة التي مُني بها داعش، فإنه لا يزال يملك موارد كافية لمواصلة شن هجمات جديدة»، وفق البارزني.
وفي هذا السياق يعتبر الخبير العسكري أحمد شوقي الدوري أن قوة «داعش» تكمن في حرب العصابات التي شنها ضد القوات العراقية والتي كان يسبقها عادة عمل استخباري دقيق. «فتنظيم داعش يعمد إلى جمع المعلومات عن المواقع العسكرية قبل مهاجمتها. كما أنه لا يختار مواقع شديدة الأهمية ويعمد إلى قطع الإمدادات عنها قبل ضربها. وهو يركز على شن عمليات مباغتة، أضف إلى أن أي قوة عسكرية عندما تنتشر تضعف. هناك خطوط إمدادات تربط هذه القطعات وداعش يعلم أنه لا توجد خطوط دفاع حقيقية بسبب عدم خبرة الضباط. فالتنظيم يحاول قطع الإمدادات ومحاصرة الثكنات ومن ثم مباغتتها والسيطرة عليها». تماما كما حصل في بعض الثكنات التي هرب جنودها تاركين وراءهم أسلحتهم مما سمح لـ«داعش» في معارك الأنبار مثلاً - التي هي بعيدة عن خطوط إمداد المنظمة مثل الرقة والموصل - أن لا تأتي بأسلحة من الموصل والرقة بسيطرتها على التي تركت وبذلك تعود إلى العناصر البشرية بحسب الخبير العسكري الذي تحدث مع «الشرق الأوسط».
علاوة على ذلك، استخدم تنظيم داعش السلاح الاقتصادي: أي النفط والمياه. ففي أبريل (نيسان) في عام 2014. أغلق مقاتلو «داعش» المحاصرين في الفلوجة السدود بهدف «إغراق» القوات الحكومية في البلدات المحيطة بها. ونتيجة لذلك، عانت مناطق واسعة من العراق من الجفاف؛ وفي الرقة تم تحويل مجاري مياه «بحيرة الأسد» في المحافظة وفقا لموقع قناة «العربية».
عُرف تنظيم داعش أيضا بالعربات المفخخة، ووفق شوقي، تبدأ عادة العمليات الإرهابية التي يشنها بهجمات تفجيرية مروعة ينفذها انتحاري يقود شاحنة محملة بأطنان من المتفجرات تكون مصفحة بألواح معدنية لحماية السائق والسيارة والسماح له بتنفيذ التفجير ما أن يبلغ هدفه. «فداعش يعتمد على عنصر المفاجأة» بحسب الخبير العسكري.
علما بأن أساليب «داعش» تغيرت في الآونة الأخيرة، بحسب المقاتلين الأكراد. يعتبر الدكتور كمال كركوكي، الذي يدير خط المواجهة في كركوك، أن الحرب ضد «داعش» اتخذت شكلا جديدًا، مضيفا: «إنه في العام الماضي كنا في مواجهة مباشرة مع مقاتلي التنظيم، وكانت خطوط المواجهات بيننا تبعد عشرات الأمتار. غير أنه منذ أن استعدنا الأرض والمواقع الاستراتيجية مثل آبار البترول ومحطات توليد الكهرباء ومصادر المياه والتلال المرتفعة. هذا وقد تطورت أيضا العمليات التي شنتها الحركة الإرهابية. فالهجمات السابقة كانت تبدأ عادة بسيارات مفخخة، تليها شاحنات تحمل الدوشكا وقوافل على متنها مئات من الإرهابيين». إنما وفقا للقائد الكركوكي، انخفض عدد المقاتلين في صفوف التنظيم المسلح الذين يشاركون في العمليات ضد الأكراد وهم يتمركزون في مواقع في القرى العربية. ومؤخرًا بدأ التنظيم باستخدام الدرجات النارية في هجماته التي تحمل انتحاريين.
في مكتب الدكتور كمال كركوكي ترى طائرة من دون طيار وضعت قبيل الباب. وبحسب توضيحاته فهذه واحدة من الطائرات التي يستخدمها «داعش» خلال عمليات الاستطلاع فوق كردستان. «إن هذه الطائرة تستخدمها الولايات المتحدة الأميركية، ومن الغريب جدا أن يمتلك داعش نفس التكنولوجيا، بالأخص أن تشغيلها يتطلب مهارات وتقنيات عالية جدًا» بحسب آري هارسين، عضو البرلمان الكردي، الذي شارك شخصيا في قتال «داعش»، إضافة إلى ذلك، تعلم متطرفو «داعش» التكيف بذكاء مع هجمات قوات التحالف التي تديرها الولايات المتحدة. «فقد اكتشفنا أنهم يقسمون شاحناتهم إلى مستويين بحيث توضع في المستوى المرتفع الحيوانات وفي الطابق الأسفل المقاتلين، مما يسمح لهم بالتنقل من منطقة إلى أخرى دون لفت الانتباه» وفقا لبارزاني.
وفي حالات أخرى، يعمد التنظيم إلى تغطية الشاحنات المحملة بالمتفجرات بمواد بلاستيكية والفلين كي لا تتمكن الطائرات الحربية من رصدها بما أنها تلتقط الإشارات الحرارية للشحنات المتفجرة، وفق شوقي.
وغالبا ما يلجأ تنظيم داعش إلى السكان اللاجئين لجمع المعلومات عن تحركات القوات على الجانب الآخر من الجبهة، كما يمكنه إعداد خلايا نائمة. وفي هذا الصدد صرح العميد بارزاني مؤكدًا تزايد عدد الانشقاقات في التنظيم أنه «في شهر أكتوبر (تشرين الأول) أي منذ 20 يوما تقريبا، لجأ ما يقارب 200 شخص إلى القطاع الخاضع لسيطرتي، وتظاهر غالبيتهم بأنهم أناس عاديون أو جنود سابقون، فنحن نستقبلهم ونحقق معهم لبضع ساعات للتأكد من بعض المعلومات، وبعد ذلك نرسلهم إلى جهاز Asaysih وهو جهاز المخابرات الكردية في أربيل، لضمان أنهم ليسوا على قائمة المشتبه بهم، وإلا يتم توقيفهم. فنحن نعرف أن بعضا من أولئك الأشخاص قاتلوا في صفوف داعش، ولكن لا يمكننا إثبات ذلك، كما انشق بعضهم بسبب زيادة ضربات الأكراد والتحالف ضد التنظيم» حسب العميد بارزاني.
لا شك أن «داعش» مني بهزائم مهمة، غير أن ذلك لن يؤدي إلى شل حركة المنظمة التي أثبتت قدرتها على التأقلم والتي ستتمكن من البقاء صامدة ما لم يترافق الجهد العسكري مع حل سياسي شامل.



ألمانيا... صعود {اليمين المتطرف}

انتشار أمني عقب وقوع مجزرة في مقهيين لتدخين النارجيلة وسقوط 9 قتلى في مدينة هاناو الألمانية قبل بضعة أيام (إ.ب.أ)
انتشار أمني عقب وقوع مجزرة في مقهيين لتدخين النارجيلة وسقوط 9 قتلى في مدينة هاناو الألمانية قبل بضعة أيام (إ.ب.أ)
TT

ألمانيا... صعود {اليمين المتطرف}

انتشار أمني عقب وقوع مجزرة في مقهيين لتدخين النارجيلة وسقوط 9 قتلى في مدينة هاناو الألمانية قبل بضعة أيام (إ.ب.أ)
انتشار أمني عقب وقوع مجزرة في مقهيين لتدخين النارجيلة وسقوط 9 قتلى في مدينة هاناو الألمانية قبل بضعة أيام (إ.ب.أ)

عندما وصف رجل ألماني في شريط على «يوتيوب» سوسن شبلي، السياسية الألمانية الشابة من أصل فلسطيني، والتي تنتمي للحزب الاشتراكي الديمقراطي، بأنها: «دمية متحدثة باسم الإسلاميين»، ظنت أن محكمة ألمانية سترد لها حقها بعد «الإهانة» التي تعرضت لها، ولكنها فوجئت عندما حكمت المحكمة بأن هذه الصفة وغيرها من التي ألصقها بها الرجل، هي «ضمن حرية التعبير التي يصونها القانون الألماني»، وليست إهانة ولا تحريضاً على الكراهية.

في الواقع، لم تكن تلك المرة الأولى التي تتعرض لها شبلي لتوصيفات عنصرية كهذه. فهي وغيرها من السياسيين المسلمين القلائل في ألمانيا، والسياسي الأسود الوحيد كرامبا ديابي، معتادون على سماع كثير من الإهانات، بسبب ديانتهم ولونهم فقط؛ حتى أنهم يتلقون تهديدات عبر البريد الإلكتروني والاتصالات، تصل أحياناً لحد التهديد بالقتل.
ورغم أن هذه التهديدات التي يتعرض لها السياسيون المسلمون في ألمانيا تجلب لهم التضامن من بقية السياسيين الألمان، فإن أكثر من ذلك لا يُحدث الكثير.
في ألمانيا، تصنف السلطات ما يزيد على 12 ألف شخص على أنهم من اليمين المتطرف، ألف منهم عنيفون، وهناك خطر من أن ينفذوا اعتداءات داخل البلاد.
يشكل اليمينيون المتطرفون شبكات سرية، ويتواصلون عادة عبر الإنترنت، ويتبادلون الأحاديث داخل غرف الـ«تشات» الموجودة داخل الألعاب الإلكترونية، تفادياً للمراقبة.
وفي السنوات الماضية، ازداد عنف اليمين المتطرف في ألمانيا، وازداد معه عدد الجرائم التي يتهم أفراد متطرفون بارتكابها. وبحسب الاستخبارات الألمانية الداخلية، فإن اعتداءات اليمين المتطرف زادت خمسة أضعاف منذ عام 2012.
وفي دراسة لمعهد «البحث حول التطرف» في جامعة أوسلو، فإن ألمانيا على رأس لائحة الدول الأوروبية التي تشهد جرائم من اليمين المتطرف، وتتقدم على الدول الأخرى بفارق كبير جداً. فقد سجل المعهد حوالي 70 جريمة في هذا الإطار بين عامي 2016 و2018، بينما كانت اليونان الدولة الثانية بعدد جرائم يزيد بقليل عن العشرين في الفترة نفسها.
في الصيف الماضي، شكل اغتيال سياسي ألماني يدعى فالتر لوبكه، في حديقة منزله برصاصة أطلقت على رأسه من الخلف، صدمة في ألمانيا. كانت الصدمة مضاعفة عندما تبين أن القاتل هو يميني متطرف استهدف لوبكه بسبب سياسته المؤيدة للاجئين. وتحدث كثيرون حينها عن «صرخة يقظة» لأخذ خطر اليمين المتطرف بجدية. ودفن لوبكه ولم يحدث الكثير بعد ذلك.
فيما بعد اغتياله بأشهر، اعتقل رجل يميني متطرف في ولاية هسن، الولاية نفسها التي اغتيل فيها السياسي، بعد أن قتل شخصين وهو يحاول الدخول إلى معبد لليهود، أثناء وجود المصلين في الداخل بهدف ارتكاب مجزرة. أحدثت تلك المحاولة صرخة كبيرة من الجالية اليهودية، وعادت أصوات السياسيين لتعلو: «لن نسمح بحدوثها مطلقاً مرة أخرى»، في إشارة إلى ما تعرض له اليهود في ألمانيا أيام النازية. ولكن لم يحدث الكثير بعد ذلك.
وقبل بضعة أيام، وقعت مجزرة في مقهيين لتدخين النارجيلة في مدينة هاناو في الولاية نفسها، استهدفا من قبل يميني متطرف لأن من يرتادهما من المسلمين. أراد الرجل أن يقتل مسلمين بحسب رسالة وشريط فيديو خلَّفه وراءه بعد أن قتل 9 أشخاص، ثم توجه إلى منزله ليقتل والدته، ثم نفسه. أسوأ من ذلك، تبين أن الرجل كان يحمل سلاحاً مرخصاً، وينتمي لنادي الرماية المحلي.
بات واضحاً بعد استهداف هاناو، أن السلطات الألمانية لم تولِ اليمين المتطرف اهتماماً كافياً، وأنها لا تقدر حقيقة خطره على المجتمع، رغم أنها كشفت قبل أيام من جريمة هاناو عن شبكة يمينية متطرفة، كانت تعد لاعتداءات على مساجد في أنحاء البلاد، أسوة بما حصل في كرايستشيرش في نيوزيلندا.
وجاء الرد على اعتداء هاناو بتشديد منح رخص السلاح، وبات ضرورياً البحث في خلفية من يطلب ترخيصاً، على أن يرفض طلبه في حال ثبت أنه ينتمي لأي مجموعة متطرفة، ويمكن سحب الترخيص لاحقاً في حال ظهرت معلومات جديدة لم تكن متوفرة عند منحه. كما يبحث وزراء داخلية الولايات الألمانية تأمين حماية للمساجد وللتجمعات الدينية للمسلمين واليهود.
ولكن كل هذه الإجراءات يعتقد البعض أنها لا تعالج المشكلة الأساسية التي تدفع باليمين المتطرف لارتكاب أعمال عنف. وفي كل مرة تشهد ألمانيا اعتداءات، يوجه سياسيون من اليسار الاتهامات لحزب «البديل لألمانيا» اليميني المتطرف، بالمسؤولية عنها بشكل غير مباشر. ويواجه الحزب الذي دخل البرلمان الفيدرالي (البوندستاغ) للمرة الأولى عام 2018، وبات أكبر كتلة معارضة، اتهامات بأنه «يطبِّع سياسة الكراهية»، وبأنه يحرض على العنف ضد اللاجئين والمهاجرين، من خلال ترويجه لخطاب الكراهية. وحتى أن البعض ذهب أبعد من ذلك بالدعوة إلى حظر الحزب للتصدي للعنف المتزايد لليمين المتطرف.
والواقع أن مشكلة اليمين المتطرف تزداد منذ أن دخل «البديل لألمانيا» إلى «البوندستاغ». فهو - كما حملته الانتخابية - يركز خطابه على مواجهة سياسة اللاجئين التي اعتمدتها حكومة المستشارة أنجيلا ميركل. وكثير من الأسئلة التي يتقدم بها نوابه في البرلمان تهدف لإثبات خطأ هذه السياسة، وعدم قدرة اللاجئين على الاندماج. ورغم أن نوابه في البرلمان يحرصون على عدم تخطي القانون في خطاباتهم، فإن كثيراً من السياسيين المنتمين لهذا الحزب؛ خصوصاً في الولايات الشرقية، لا يترددون في الحديث بلغة لا يمكن تمييزها عن لغة النازيين. أبرز هؤلاء السياسيين بيورغ هوكيه الذي لم يستطع أعضاء في حزبه تمييز ما إذا كانت جمل قرأها صحافي لهم، هي مقتطفات من كتاب «كفاحي» لهتلر، أم أنها أقوال لهوكيه.
كل هذا خلق أجواء سلبية ضد المسلمين في ألمانيا، وحوَّل كثيرين من الذين ولدوا لأبوين مهاجرين إلى غرباء في بلدهم. في هاناو، يقول كثيرون من الذين فقدوا أصدقاءهم في المجزرة، بأنهم لم يعودوا يشعرون بالأمان، ولا بأنهم جزء مقبول من المجتمع. وبعضهم يرى أنه ما دام حزب «البديل لألمانيا» مقبولاً بين الأحزاب الأخرى، فإن خطاب الكراهية سيستمر، والجرائم كالتي حصلت في هاناو ستتكرر.
ما يزيد من هذه المخاوف ومن الشبهات، أن السلطات الألمانية لم تأخذ خطر اليمين المتطرف على محمل الجد طوال السنوات الماضية. وهناك فضائح متتالية داخل المؤسسات الأمنية تظهر أنها مليئة بمؤيدين أو متعاطفين مع اليمين المتطرف؛ خصوصاً داخل الشرطة والجيش. ويواجه رئيس المخابرات الداخلية السابق هانس يورغ ماسن اتهامات بأنه متعاطف مع اليمين المتطرف، وهو ما دفع جهازه لغض النظر عن تحركاتهم طوال السنوات الماضية، والتركيز عوضاً عن ذلك على خطر الإسلام المتطرف. ومنذ مغادرته المنصب، أصدرت المخابرات الداخلية تقييماً تقول فيه بأن خطر اليمين المتطرف بات أكبر من خطر الإسلام المتطرف في ألمانيا.
وطُرد ماسن الذي ينتمي للجناح المتطرف في حزب ميركل (الاتحاد المسيحي الديمقراطي) من منصبه، بعد اعتداءات كيمنتس في صيف عام 2018، بسبب رد فعله على التطورات هناك. وعارض ماسن ميركل في قولها بأن شريط فيديو من هناك أظهر ملاحقة نازيين جدد للاجئين، شتماً وضرباً. وخرج ماسن ليقول بأنه لم يتم التثبت من الشريط بعد، ويشكك في وجود نازيين جدد هناك. وكانت تظاهرات كبيرة قد خرجت ضد لاجئين في كيمنتس، بعد جريمة قتل ارتكبها لاجئان (عراقي وسوري) بحق أحد سكان البلدة.
وتعرض كذلك لانتقادات بعد جريمة هاناو لقوله بأن الرجل يعاني من اضطرابات عقلية، وهو الخط نفسه الذي اتخذه حزب «البديل لألمانيا» عندما رفض طبع المجرم بأنه يميني متطرف؛ خصوصاً أن الأخير تحدث في شريط الفيديو عن «التخلص» من جنسيات معينة من دول عربية ومسلمة.
ويعيد ماسن صعود عنف اليمين المتطرف لموجة اللجوء منذ عام 2015، إلا أن ألمانيا شهدت عمليات قتل وملاحقات عنصرية قبل موجة اللجوء تلك. ففي عام 2011 كشف عن شبكة من النازيين الجدد عملت بالسر طوال أكثر من 12 عاماً، من دون أن يكشف أمرها، ما سبب صدمة كبيرة في البلاد. ونجح أفراد هذه الشبكة في قتل تسعة مهاجرين لأسباب عنصرية بين عامي 2000 و2007، إضافة إلى تنفيذهم 43 محاولة قتل، و3 عمليات تفجير، و15 عملية سرقة.
وقبل اكتشاف الخلية، كانت الشرطة تستبعد أن تكون عمليات القتل ومحاولات القتل تلك تتم بدوافع عنصرية، رغم أن جميع المستهدفين هم من أصول مهاجرة. وعوضاً عن ذلك، كانت التخمينات بأن الاستهدافات تلك لها علاقة بالجريمة المنظمة والمافيات التركية.
ورغم أن الكشف عن ارتباط هذه الجرائم باليمين المتطرف زاد الوعي الألماني لخطر هذه الجماعات، وأطلق نقاشات في الصحافة والمجتمع والطبقة السياسية، فإن التعاطي مع الجرائم التي لحقت، والتي اشتبه بأن اليمين المتطرف وراءها، لم يكن تعاطياً يحمل كثيراً من الجدية.