النمر وآل شويل: منظرا الإرهاب من مذهبين.. أمام ميزان واحد

خيانة الوطن وتوظيف الدين لأغراض سياسية واستباحة شاملة للدماء

إرهاب السكان هدف مستمر للإرهابيين («الشرق الأوسط»)
إرهاب السكان هدف مستمر للإرهابيين («الشرق الأوسط»)
TT

النمر وآل شويل: منظرا الإرهاب من مذهبين.. أمام ميزان واحد

إرهاب السكان هدف مستمر للإرهابيين («الشرق الأوسط»)
إرهاب السكان هدف مستمر للإرهابيين («الشرق الأوسط»)

بينهما روابط مشتركة، إذ خلعا البيعة عن أعناقهما لحكام السعودية، وانتهجا الخيانة وفقا لنصي حكميهما، معلنين من منبرين، تتفاوت بينهما سنوات، أنه لا شرعية لهذه البلاد.. إنهما عملة واحدة، أحد أوجهها رجل الدين الشيعي نمر النمر، ووجه آخر يتمثل في منظّر تنظيم القاعدة فارس آل شويل، ولهما في إيران موقع للتدريب، وفقا لما أثبتته مسيرة جلسات محاكمتهما في المحكمة الجزائية المتخصصة بالعاصمة السعودية الرياض.
* نمر باقر النمر
يتوقف عمره عند الخامسة والخمسين، وعاش حياته في العوامية وتتلمذ في مدارسها، وبعدما اندلعت الثورة الإسلامية في إيران هاجر إليها لأهداف شتى، ومنها إلى العراق الذي التحق فيه بحوزة الإمام القائم (الحوزة: لفظ اصطلاحي على مدرسة تدرس المذهب الجعفري الاثني عشري الشيعي)، ومن ثم انتقل إلى سوريا، وظل بعيدا عن السعودية لأكثر من خمس عشرة سنة، قبل أن يعود في 1994، ومنذ ذلك التاريخ وحتى الآن ظل مارقا على أنظمة الدولة، على الرغم من إيقافاته المتكررة.
في عام 2009 صعد منبره في العوامية، موجها الهجوم على وزارة الداخلية السعودية، واتهمها بكثير من التهم المترافقة مع الخطابات التحريضية القادمة من قم إيران. واتهم الأجهزة الأمنية أنها تسعى للخراب وليس الأمن. وظل على ذات المنوال حتى اندلاع الثورات العربية، وقيام احتجاجات في مملكة البحرين التي أخمدتها السياسة البحرينية والأمن الخليجي بعد ثبوت تورط إيراني في تلك الاحتجاجات، والدفع بعدد كبير من الأفراد للخروج، بغية إسقاط حكم الأسرة الحاكمة في البحرين.
وطالب النمر، الذي استؤنف الحكم عليه بالقصاص، في خطبه منذ 2011 التي أصبحت منتشرة ومتناغمة مع التطور التقني وتناقلتها الأجهزة الذكية، بإعادة الهجوم على السعودية، وحكامها وأجهزتها الأمنية، متهما إياها بـ«القمع»، ومطالبا بالخروج للتظاهر ضد الحكومة وحكامها، والمطالبة بالإفراج عن متهمين لهم علاقة بـ«تفجيرات الخبر» 1996. وحملت تلك الدعوات انسجاما في الموقف الرسمي الإيراني، وبعض المرجعيات الدينية التي ظل النمر ممثلا في مسرحها، لتأجيج الشارع.
وبعد وفاة الأمير نايف بن عبد العزيز (رحمه الله)، ولي العهد وزير الداخلية السعودي، سخر النمر من وفاته، وطالب عبر خطبة دموية بتحكيم ولاية الفقيه في هذه البلاد، ومطالبته بإسقاط مملكة البحرين، ودعوته للشباب السعودي إلى مناصرة مثيري الفتنة في البحرين بالقول والفعل وغير ذلك مما حوته خطبه.
وفي شهر يوليو (تموز) من عام 2012، وأثناء قيام إحدى الدوريات الأمنية بعملها المعتاد، لاحظت وجود أحد المطلوبين على لائحة القائمة الأمنية الـ«23» هو حسين آل ربيع (قبض عليه بعد شهرين من القبض على النمر ويمثل حاليا أمام القضاء الشرعي)، وأثناء محاولتها القبض عليه قام بإطلاق النار على الدورية الأمنية، وخلال تلك اللحظات حاولت سيارة أخرى تضليل المطاردة الأمنية للمطلوب، واتضح أنها تعود للمطلوب حينها نمر النمر. وعندها أقدمت الأجهزة الأمنية للقبض على النمر، ولكن أثناء القبض عليه حضرت سيارة أخرى إلى المكان وأطلق من كانوا فيها وابلا من الرصاص على الأمن، ونتج عنها إصابة نمر النمر، الذي تم نقله للعلاج.
* نص الحكم الابتدائي
وجاء نص الحكم الابتدائي على نمر النمر بعدد من الإدانات، أقر فيها النمر بأنه لا بيعة في عنقه لأحد، وأن البيعة لا تكون إلا لله ولرسوله وآله وللأئمة الاثنى عشر، وأنه لا شرعية لحكام هذه البلاد، كونه لا تتوفر فيهم الشروط الشرعية للبيعة. واتهم القضاء في السعودية بعدم النزاهة، ووصف الدولة بأنها «دولة إرهاب وعنف». كذلك وصف كثيرا من الأنظمة والقوانين المتبعة فيها بأنها غير شرعية، خصوصا النظام الأساسي للحكم. ووصف رجال الأمن بـ«عصابات قطاع الطرق»، وقوات «درع الجزيرة» بـ«عار الجزيرة»، مطالبا بإخراجهم من البحرين. وحرض للدفاع عن المطلوبين في قضايا تمس أمن البلاد والمعلن عنهم في قائمة «الـ23»، وهرب وتخفى عن رجال الأمن بعدما علم أنه مطلوب للسلطات المختصة.
حمل نص الحكم، بناء على إفادات عدد من الأشخاص المرصودة سابقا والمتضمنة، أن النمر هو من يتزعم التوتر الحاصل في بلدة العوامية، ويقوم بتحميس الشباب في البلدة على مواصلة المسيرات والتجمعات، وعدم الخوف من الجهات الأمنية. ويسيء في خطبه لولاة الأمر، ويطالب باستقلال العوامية. وبعد أن ثبت لدى المحكمة الجزائية المتخصصة «خروجه على إمام هذه الدولة والحاكم فيها خادم الحرمين الشريفين بقصد تفريق الأمة وإشاعة الفوضى وإسقاط الدولة (...) ونظرا إلى أنه قد ثبت للمحكمة إدانة المدعى عليه بأفعال ضارة على الأمن العام وسكينة المجتمع وسلمه، الذي استقرت به أوضاعه، حيث تجاوز الأمر إبداء الرأي المجرد، والذي مارسه المدعى عليه سنين طويلة دون أن يؤاخذ به انطلاقا من ترحيب الشريعة الإسلامية بالرأي وعدم مصادرته»، تم الحكم بقتله تعزيرا.
* فارس آل شويل
آل شويل محرض في بحر الأربعين من العمر، خاض حياته في التأليب والتحريض، حتى انتهى به الحال بين قضبان الحديد، ومحكوم عليه بالقتل تعزيرا.
رحل من منطقة الباحة إلى المدينة المنورة في عام 1996، لدراسة المرحلة الجامعية بالجامعة الإسلامية، حيث لم يستمر بها أكثر من سنة، انتقل بعدها إلى القصيم (بوسط السعودية)، ومن ثم انتقل جنوبا إلى أبها، حيث أكمل فيها دراسته، ومن ثم تزوج ورزق بطفلين.
نشيط في الكتابة، وساهم تنامي الوهج المحلي على الإنترنت مع بداية الألفية الحالية، على القيام بكثير من الأمور الشرعية وفقا لتخصصه الجامعي. وبما أن تنظيم القاعدة في عمله يقوم على ثلاثة شعب: الشرعية والعسكرية والإعلامية، فإن آل شويل كان حجر الأساس الشرعي للفتيا في التنظيم، وكان يمد الشعبة الإعلامية بنتاجه من كتب مسمومة، يشرعن فيها الزاد النظري أمام الجناح العسكري المتعدد الأفراد.
* الكتب التي ألفها
ألف آل شويل عشرات الكتب، وأصدر عدة رسائل صوتية عبر الإنترنت، وكان من بين أبرز كتبه التي كتب بعضها باسم مستعار هو «أبو جندل الأزدي» - أزاله لاحقا بعدما أصبح على قائمة المطلوبين - هو: «الباحث عن حكم قتل أفراد وضباط المباحث»، و«أسامة بن لادن مجدد الزمان وقاهر الأميركان»، و«وجوب استنقاذ المستضعفين من سجون الطواغيت والمرتدين»، و«الآيات والأحاديث الغزيرة على كفر قوات درع الجزيرة»، و«تحريض المجاهدين الأبطال على إحياء سنة الاغتيال»، و«نصوص الفقهاء حول أحكام الإغارة والتترس».
وتنقل آل شويل بين عدد من المدن السعودية، متنكرا بزي نسائي، حتى وصل إلى مدينة أبها في شهر أغسطس (آب) من عام 2004. وبعد رصد أمني دقيق تمكنت القوات الأمنية من جعله تحت الأنظار أثناء وجوده في حديقة عامة، وكانت محاكمته تحمل تحديا أمام القضاء، إذ إنه ظل متمسكا بمنهج «القاعدة»، وأثبتت المحكمة الجزائية المتخصصة، في حكمها الذي أدانت فيه آل شويل، تأييده منهج «عدد من المنحرفين فكريا أمثال أسامة بن لادن وأبو محمد المقدسي والفقيه والمسعري وتصريحه بتمجيدهم ودفاعه عن منهجهم». كما أدين بالاستجابة لأحد الأشخاص عند مقابلته في مكة المكرمة، وسبق أن التقاه في إيران، وذلك بعرض مقابلته عددا من الأشخاص في محافظة جدة لممارسة بعض التدريبات البدنية بقصد الإعداد للقتال. وقيامه بالتردد عليهم في إحدى الشقق، وتدربه مع بعضهم على الرماية بالسلاح الرشاش، وإقراره بأنه بعد الأحداث الإرهابية التي وقعت في الرياض 2003 قرر الانتقال إلى منطقة عسير، وذلك بالتشاور مع من وصفه بـ«قائد تنظيم الجهاد في جزيرة العرب»، وكذلك بالتشاور أيضا مع عيسى العوشن.
أيضا، ثبتت إدانته بالخروج من السعودية إلى اليمن بطريقة غير مشروعة، بعد علمه أنه مطلوب للجهات الأمنية، إثر القبض على من كان يجتمع بهم في جدة. وكذلك عودته إلى المملكة بالطريقة نفسها، والتنقل من منطقة إلى أخرى متخفيا عن رجال الأمن بمساعدة عدة أشخاص، مستخدما محررات رسمية مزورة حصل عليها من شخص يقيم في منطقة القصيم سبق أن تعرف إليه أثناء وجودهما في إيران. كما قام بالاشتراك في إيواء أحد المصابين في المواجهات الأمنية في حي الفيحاء، شرق مدينة الرياض، في أبريل (نيسان) 2004، وهو راكان الصيخان، وتولى مع عبد العزيز المقرن دفنه بعد هلاكه بقصد تضليل الجهات الأمنية.
وثبت أيضا إدانة آل شويل بالتستر على عدة عمليات إرهابية علم عن الترتيب لها أثناء إقامته مع أعضاء التنظيم وقيامه بالقنوت لإتمامها، ومنها التخطيط لاغتيال وزير الداخلية آنذاك الأمير نايف بن عبد العزيز (رحمه الله)، والشروع في تفجير سفارات دول أجنبية ومبنى قوات أمن الطوارئ بتجهيز أعضاء التنظيم سيارات مفخخة، إضافة إلى إقراره بأنهم في كل مخططاتهم هدفهم في التنظيم الإطاحة بالأسرة الحاكمة في المملكة وعدد من الأسر الحاكمة في الخليج بعد الإطاحة بأميركا.
* اعتبارات تتعلق بالعقوبة
وقال حمود الزيادي، الباحث في شؤون الجماعات الإرهابية، إن «تنفيذ العقوبة بحق المدانين، لها عدة اعتبارات، أهمها أن من شأن ذلك يعد رادعا للذين لم ينخرطوا بعد في هذه التنظيمات المتطرفة، ويبرهن على سيادة القانون ونفاذه، وأن لا تهاون مع كل من يستحل الدماء ويعتدي على شرعية الدولة وكيانها ويتآمر على أمنها واستقرارها لتحقيق مصالح أعداء سواء كانوا تنظيمات أو دولا». وأوضح أن «ذلك سيحدث إرباكا بين أتباع تلك التنظيمات ومناصريها، وسيحطم الهيبة المصطنعة والموهومة لتلك الجماعات».
وتابع الزيادي، خلال حديث مع «الشرق الأوسط»، أن «لدى السعودية من الإمكانات والقدرات الأمنية الاحترافية ما يكفي للتصدي لمثل هذه التهديدات التي طالما وجهت إليها من هذه المجموعات الإرهابية، ورعاتها من بعض الدول الإقليمية وتحديدا إيران. وأن السعودية تعمل بحزم وصرامة مع ملف الإرهاب خلال عقد ونصف، وفككت كثيرا من الشبكات والخلايا حتى قضت على فرع تنظيم القاعدة في السعودية».



«داعش» يُعيد اختبار قدراته في غرب أفريقيا

مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)
مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)
TT

«داعش» يُعيد اختبار قدراته في غرب أفريقيا

مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)
مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)

في مؤشر رمزي لـ«اختبار قدراته»، عقب هزائمه في سوريا والعراق وعدد من الدول، دفع تنظيم داعش الإرهابي عناصره وخلاياه لتنفيذ عمليات في غرب أفريقيا، أملاً في «إثبات الوجود» وتأكيد استمرار مشروع التنظيم. ضربات التنظيم «الخاطفة» التي شهدتها بوركينا فاسو ومالي والنيجر، ونيجيريا أخيراً، دفعت لتساؤلات تتعلق بأهداف توجه «داعش» نحو غرب أفريقيا الآن، وخطة نشاطه خلال الفترة المقبلة.
خبراء ومتخصصون في الحركات الأصولية أكدوا أن «التنظيم يهدف من نشاطه في غرب القارة السمراء إلى تفريغ القدرات القتالية لعناصره، والحفاظ على رأس ماله الرمزي، وتأكيد الوجود في المشهد، والحفاظ على حجم البيعات الصغيرة التي حصل عليها في السابق».
وقال الخبراء لـ«الشرق الأوسط» إن «التنظيم الإرهابي عانى من الانحسار الجغرافي خلال الأشهر الماضية، وتأثر بمقتل زعيمه السابق أبي بكر البغدادي، وهو يسعى لتدوير قدراته القتالية في مناطق جديدة». لكن الخبراء قللوا في هذا الصدد من تأثير عمليات «داعش» في هذه الدول، لكونها للترويج الإعلامي.

خلايا فرعية
يشار إلى أن «ولاية غرب أفريقيا» في «داعش» انشقت عن جماعة «بوكو حرام» في عام 2016، وأصبحت الجماعة المتشددة المهيمنة في تلك المنطقة. وأبدى «داعش» اهتماماً ملحوظاً خلال الأشهر الماضية بتوسيع نطاق نشاطه في القارة الأفريقية، حيث تعاني بعض الدول من مشكلات أمنية واقتصادية واجتماعية، مما ساعده في تحقيق أهدافه.
وقال أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر، إن «النقطة المركزية في حركة التنظيمات الجهادية، وتحديداً (المعولمة) الموجودة بين أكثر من دولة، وأكثر من نشاط، تحت رعاية مشروع آيديولوجي (جهادي) محدد، مثل (داعش) ومن قبله (القاعدة)، أنه في كثير من الأحيان يكون التمركز في منطقة معينة، وتكون هي مركز الثقل، مع وجود فروع أو جيوب أخرى يتم التحرك من خلالها في بعض الأحيان، فضلاً عن أن هناك قواعد جهادية قتالية بلا عمل، فيكون التكتيك الذي يتبعه التنظيم في هذه السياقات ضرورة العمل في مناطق أخرى، أو توزيع جهوده على نطاقات جغرافية أخرى، بهدف تفريغ القدرات القتالية لعناصره، والحفاظ على رأس ماله الرمزي، بصفته (أي داعش) جماعة مقاومة -على حد زعم التنظيم- فضلاً عن تأكيد عبارات مثل: (موجودون) و(مستمرون في القتال) و(مستمرون في إقامة مشروعنا)».
في حين أرجع عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، محاولات «داعش» للتمدد في غرب أفريقيا إلى «إعادة التموضع واتخاذ مرتكزات أخرى، بعد الضربات التي مُني بها التنظيم أخيراً، خاصة بعد مقتل البغدادي والمهاجر. لذلك لجأ التنظيم إلى أفريقيا الساحل ونيجيريا وبوركينا فاسو والنيجر ومالي، وغيرها من الدول، لأن بعض هذه الدول تعاني من مشكلات في الوجود الأمني، سواء داخلياً أو على الحدود. لذا لجأ التنظيم لعدة عمليات للحفاظ على حجم البيعات الصغيرة التي حصل عليها في السابق، مع وجود منافس شرس هناك مثل تنظيم (القاعدة) الموجود بصور مختلفة في السنوات القليلة الماضية على أراضي بعض الدول الأفريقية».
وفي غضون ذلك، فسر الأكاديمي الدكتور أيمن بريك، أستاذ الإعلام المساعد في جامعتي الأزهر والإمام محمد بن سعود الإسلامية، تمدد «داعش» في غرب أفريقيا بأنه «محاولة لـ(لملمة شتات) عناصره، بعد الهزائم المتتالية في العراق وسوريا، حيث دفع بكثير من أعضائه الفارين إلى أفريقيا، في محاولة لتأكيد البقاء».

ضربات موجعة
الكلام السابق تطابق مع دراسة لمرصد دار الإفتاء في مصر، أكدت أنه «رغم الضربات الموجعة التي تعرض لها (داعش)، سواء بإخراجه من آخر معاقله في الباغوز بسوريا، واستعادة كافة الأراضي التي سيطر عليها خلال عام 2014، أو بالقضاء على غالبية قياداته ورموزه، وعلى رأسهم أبو بكر البغدادي زعيم التنظيم السابق، فإنه ظل قادراً على تنفيذ عمليات في مناطق عدة، بعد فتح جبهات جديدة لعناصره في غرب أفريقيا التي تُعد ساحة مرشحة لعمليات متزايدة متضاعفة للتنظيم».
هذا وقد قتل البغدادي بعد غارة عسكرية أميركية في سوريا، بينما قتل المتحدث باسم التنظيم السابق أبو الحسن المهاجر في عملية عسكرية منفصلة في الأسبوع نفسه تقريباً، نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.
وأكد زغلول أن «التنظيم الإرهابي عانى من أزمات في مناطق انتشاره الأساسية، وهناك استراتيجيات أمنية على المستوى المحلي والدولي ضده، فضلاً عن انحسار جغرافي في سوريا والعراق، وهناك قيادة جديدة تولت التنظيم... كل هذه التحديات تدفعه إلى إثبات وجود، وإعادة تدوير قدراته القتالية في مناطق أخرى واختبارها، لذا يبدو طبيعياً أن يتمدد في غرب أفريقيا، أو في أي منطقة أخرى، ما دام أن هناك موارد وسياقات محلية تدعم هذا التوجه، والأمر لا يتوقف فقط على التنظيم الرئيسي (أي القيادة المركزية لداعش وقراراتها)، لكنه مرتبط بجانب آخر بوجود سياقات مناسبة؛ بمعنى أن الأوضاع الداخلية في دولة ما قد تكون مناسبة لنشاط التنظيم خلال فترة ما، وقد تكون هذه الأوضاع غير مناسبة للتنظيم في دولة أخرى».
ودعا البغدادي في وقت سابق ما سماها «ولايات دولة الخلافة المزعومة» في أفغانستان والقوقاز وإندونيسيا، وأيضاً غرب ووسط أفريقيا، للقيام بعمليات إرهابية.

مشهد جديد
وعن دلالة توجه «داعش» لغرب أفريقيا الآن، قال عبد المنعم: «هي محاولة لبلورة مشهد جهادي جديد في هذه الدول. وقد هذا ظهر بشكل كبير بعد أيام من مقتل البغدادي، وبيعة أبو إبراهيم الهاشمي القرشي زعيم (داعش) الجديد، ليؤكد التنظيم أنه عازم على استكمال مسيرة مشروعه، لذا خرج بشعار جديد في أحد إصداراته الأخيرة بعنوان (سوف نمضي)».
ومن جهته، أكد أحمد زغلول أن «التضييقات السياسية والأمنية على التنظيم في نقاطه المركزية دفعته إلى الكمون خلال الأشهر الماضية، وتضييق نشاطه، وتقليل حجم عملياته، بهدف البقاء، أو كنوع من المناورة مع السياسات الأمنية التي يتعرض لها من وقت لآخر، وهذا جعل التنظيم لديه أزمات داخلية؛ بمعنى أن هناك مشروعاً جهادياً لا بد من تحقيقه، وهناك قواعد له في دول أخرى ترى أن التنظيم نموذجاً وتدعمه بشكل أو بآخر بمختلف أوجه الدعم، لذا يؤكد دائماً على البقاء والثبات».
وكثف «داعش» من هجماته الإرهابية في دول غرب أفريقيا أخيراً. ففي نهاية ديسمبر (كانون الأول) الماضي، تبنى «داعش» هجوماً على قاعدة أربيندا العسكرية في بوركينا فاسو، قُتل خلاله 7 عسكريين. وفي الشهر ذاته، نشر التنظيم شريطاً مصوراً مدته دقيقة واحدة، أظهر فيه مشاهد إعدام 11 مسيحياً في شمال شرقي نيجيريا. وسبق ذلك إعلان «داعش»، في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، مسؤوليته عن هجوم استهدف قاعدة عسكرية شمال شرقي مالي، وأسفر عن مقتل 53 جندياً. كما تبنى التنظيم هجوماً أوقع أكثر من 70 قتيلاً في معسكر لجيش النيجر في ايناتيس قرب مالي.
وأشارت تقديرات سابقة لمراكز بحثية غربية إلى أن «عدد الذين انضموا لـ(داعش) من أفريقيا منذ عام 2014 في سوريا والعراق يزيد على 6 آلاف مقاتل». وقال مراقبون إن «عودة هؤلاء، أو من تبقى منهم، إلى أفريقيا بعد هزائم سوريا والعراق كانت إشكالية كبيرة على أمن القارة، خصوصاً أن كثيرين منهم شباب صغير السن، وليس لهم روابط إرهابية سابقة، وأغلبهم تم استقطابه عبر الإنترنت».

عمليات نوعية
وحول نشاط «داعش» المستقبلي في غرب أفريقيا، قال عمرو عبد المنعم إن «نشاط (داعش) بدأ يظهر في غرب أفريقيا من خلال عمليات نوعية، سواء ضد المسيحيين أو جيوش الدول أو العناصر الغربية الموجودة في هذه المناطق»، لافتاً إلى أن «الاستهداف حتى الآن عشوائي، وبعض هذه العمليات لم يحدث تأثيراً بالقدر الكبير، كمثل العمليات التي حدثت في أوروبا، وأحدثت دوياً من قبل، وحتى الآن هي مجرد عمليات للترويج الإعلامي وإثبات الوجود، لأن بعض ولايات وأذرع (داعش) بأفريقيا التي بايعت البغدادي في وقت سابق ما زالت لم يسمع لها صوتاً، بالمقارنة بحجم وتأثير العمليات التي شهدتها أوروبا في وقت سابق».
أما الدكتور أيمن بريك، فقد تحدث عن احتمالية «حدوث تحالف بين (داعش) و(القاعدة) ‏في القارة الأفريقية، كـ(تحالف تكتيكي) في ظل حالة الضعف والتردي التي ‏يعاني منها التنظيمين»، لكنه في الوقت نفسه دعا إلى «ضرورة التصدي لـمحاولات تمدد (داعش) وغيره من التنظيمات الإرهابية في ‏القارة الأفريقية، وذلك قبل أن ينجح بقايا الدواعش في إعادة بناء تنظيم، ربما يكون أكثر عنفاً وتشدداً وإجراماً مما فعله التنظيم الأم (أي داعش) خلال أعوامه السابقة».