«أبو شاكر».. لقب أصبح علامة فارقة في سوق الصالحية بدمشق

أول محل عصير ظهر على يد والده منذ 90 عامًا

أقدم محل عصير في دمشق  -  سلطة الفاكهة  -  تفنن في تحضير العصائر
أقدم محل عصير في دمشق - سلطة الفاكهة - تفنن في تحضير العصائر
TT

«أبو شاكر».. لقب أصبح علامة فارقة في سوق الصالحية بدمشق

أقدم محل عصير في دمشق  -  سلطة الفاكهة  -  تفنن في تحضير العصائر
أقدم محل عصير في دمشق - سلطة الفاكهة - تفنن في تحضير العصائر

على الرغم من انتشار العصائر المعلبة في الأسواق وفي محلات بيع المواد الغذائية، فإن الكثيرين ما زالوا يفضلون تناولها طازجة وبإبريق زجاجي كبير وهم يجلسون على كراسي من القش أو واقفين أمام محلات إعدادها، والتي تنتشر في كثير من أسواق دمشق خصوصا في سوق الصالحية الشهيرة، حيث يوجد زقاق متفرع منه يطلق عليه سوق العصير، وإذا كانت دمشق وكثير من المدن السورية شهدت في السنوات الخمسين الماضية افتتاح عشرات محلات تحضير العصائر الطبيعية، فإن هناك شخصا واحدا ما زال يحافظ على شهرة وشعبية واسعة بين متذوقي العصائر الطبيعية وما زال مقصد زوار دمشق الباحثين عن إبريق عصير طبيعي لذيذ المذاق، حتى أن لقبه صار علامة فارقة بين الدمشقيين، فما أن يذكر (أبو شاكر) في أي جلسة دمشقية أو بين زوار دمشق العرب حتى يعرف الحاضرون أن المقصود هو ذلك البائع والمتخصص في تحضير العصير الطبيعي في سوق الصالحية.
أبو شاكر اللقب الذي أطلقه والده عليه، حيث طغى لقبه على اسمه، هو الدمشقي عدنان (75 عامًا) ابن حي الشاغور العريق، بدأ العمل مع والده في تحضير العصائر سنة 1953 أي قبل نحو ستين عامًا، وكان والده محمد العمر - كما يؤكد أبو شاكر لـ«الشرق الأوسط» - هو أول سوري يفتتح محلاً لتحضير العصائر الطبيعية في دمشق من خلال دكان في ساحة المرجة، وذلك في عشرينات القرن الماضي وكان يعصر البرتقال والليمون بشكل يدوي لزبائنه، وبعد سنوات كثيرة قام أبو شاكر في عام 1963 بافتتاح محل جديد للعصير في سوق الصالحية الرئيسية، ومن ثم نقله عام 1970 لأحد الشوارع المتفرعة من السوق، حيث وسّعه ووضع طاولات وكراسي لاستقبال زبائنه ممن يرغبون في تناول كوب العصير في الداخل، وهم غالبًا من العائلات، كما وضع كراسي صغيرة أمام المحل للزبائن وغالبيتهم من الجيل الشاب، خاصة وأن الزقاق أمام المحل وكحال معظم الأزقة المتفرعة من سوق الصالحية مغلقة أمام حركة السيارات، وتتميز برصفها بحجر اللبون التراثي الأسود المائل للون الأزرق لتتناسب مع تراثية سوق الصالحية.
ولكن ما أنواع العصائر التي يحضّرها والتطور الحاصل عليها منذ الانطلاقة الأولى قبل مائة عام؟ يشرح أبو شاكر: بدأ والدي بتحضير العصائر (السادة) أي نوعًا واحدًا فقط ومنها عصير التفاح والبرتقال والجزر والعنب، ومن ثم طوّر العمل ونوعّه بتحضير عصير خليط من الموز والحليب، حيث جاء بآلة من لبنان مخصصة لهذا الغرض، ولكنني تمكنت من تحضير عصير آخر وهو (كوكتيل الفاكهة) وكان ذلك سنة 1955، ولهذا الابتكار حكاية سأرويها لك - يبتسم أبو شاكر وهو يعود بذاكرته لعشرات السنين الماضية - أتذكر هنا أن والدي كان يتركني في المساء ويذهب للمنزل، فأستلم العمل مكانه وكان الزبائن يأتون ويطلبون عصير الموز والحليب، ولكن الحليب يكون قد نفذ من محلنا فأعرض عليهم عصيرًا جديدًا، وأقول لهم: هذا من تحضيري الشخصي جربوه وإن لم يعجبكم فاتركوه ولا تدفعوا ثمنه، فيقومون بتذوقه ويعجبون بمذاقه اللذيذ، وفي الواقع لم يكن هذا العصير الجديد سوى (كوكتيل فواكه)، حيث أضع قليلاً من البرتقال والتفاح والعنب والجزر مع الموز، وعندما علم والدي بما أفعله قال لي: أتيت بهذه الآلة لتحضير الموز والحليب وليس لكوكتيل فواكه تحتاج لجهد وهي مربكة قليلاً كما تفعل، فأجبته: أتحمل الجهد والإرباك مقابل رضا الزبون واستمتاعه بالمذاق الطيب، فقبل ووافق والدي على اجتهادي هذا، كذلك كان لي اجتهاد آخر وهو تحضير (كأس الإمبراطور) والذي يتكون من موز وحليب وفوقه قشطة وكريمة وعسل، وجاءت على شكل تاج الإمبراطور، ولذلك أطلقت على هذا العصير اسم الإمبراطور ولا يوجد أحد يحضّره في دمشق غيري فهو من تحضيري.
«لقد تطورت مهنتنا» يضيف أبو شاكر، مع وجود الآلات الكهربائية، حيث صار تحضير العصائر جميعها يتم بشكل آلي واختفى العمل اليدوي حتى في تحضير عصير البرتقال، وبالتأكيد لم يتغير المذاق، بل بقي كما هو لأن الأمر يتعلق هنا بلمسات محضّر العصير وليس بوجود الآلة أو عدم وجودها.
وما لمسات وخصوصية أبو شاكر التي يضيفها لعصائره الطبيعية خاصة وأن لديه كثير من براءات الابتكار في مهنته، وشهادات التقدير يعلّقها في صدر دكانه؟ يبتسم أبو شاكر: إنها سرّ المهنة ولكنني سأجيبك السر هنا (النظافة والكرم) في تحضير العصر الطبيعي - وهذه أول نصيحة لوالدي قبل ستين عامًا عندما قررت احتراف هذه المهنة رغم معارضته لي، حيث كان يرغب في أن أدرس وأحصل على شهادة جامعية - فأنا لا أبخس الإبريق حقّه أي أضع الفاكهة المطلوبة بشكل وفير في العصّارة، وحسب ما يحتاجه الإبريق ولا أضيف لها أي شيء آخر، كذلك أطبّق المثل الشعبي المعروف «لاقيني ولا تطعميني»، حيث استقبل الزبائن بكلمات لطيفة وبعبارات الترحيب وبابتسامة.
كان من زبائني - يتابع أبو شاكر حديثه - قبل الحرب والأزمة السياح الذين يتذوقون العصير الطبيعي ويعلّقون باستغراب: لديكم كل هذه العصائر الطبيعية وتذهبون للأطباء؟!.. وكذلك كثير من المشاهير ومنهم الرئيس الجزائري السابق (الأمين زروال) والذي كان في ستينات القرن المنصرم مقيمًا في دمشق ويدرس في الجامعة السورية، حيث كان يرتاد محلي بشكل يومي لتناول العصير الطبيعي.
وأبو شاكر الذي لم يحقق رغبة والده بالدراسة الجامعية وفضّل مهنة تحضير العصير الطبيعي على الدراسة والعلم - يضحك: أنا أعشق مهنتي حتى الجنون - ولكني حققت هذه الرغبة في أولادي الأربعة (ابنتان وشابان)، فهو كما يقول أتاح لهم جميعًا فرصة الدراسة الجامعية فتخرجوا محامين ومهندسين وأساتذة جامعة، ومع ذلك فهم جميعهم يعملون في محل والدهم في خارج أوقات عملهم الرئيسي، فالجميع يتناوبون كل يوم لمدة ساعتين على الوجود في المحل.



ما قصة «الفوندو» وأين تأكله في جنيف؟

ديكورات جميلة وتقليدية (الشرق الاوسط)
ديكورات جميلة وتقليدية (الشرق الاوسط)
TT

ما قصة «الفوندو» وأين تأكله في جنيف؟

ديكورات جميلة وتقليدية (الشرق الاوسط)
ديكورات جميلة وتقليدية (الشرق الاوسط)

إذا كنت من محبي الأجبان فستكون سويسرا من عناوين الأكل المناسبة لك؛ لأنها تزخر بأنواع تُعد ولا تُحصى من الأجبان، بعضها يصلح للأكل بارداً ومباشرة، والأصناف الأخرى تُؤكل سائحة، ولذا يُطلق عليها اسم «فوندو» أو «ذائبة».

من أشهر الأجبان السويسرية: «الفاشرين» Vacherin، و«الغرويير»، و«الراكليت»، و«الإيمينتال»، ويبقى طبق «الفوندو» الأشهر على الإطلاق، لا سيما في فصل الشتاء؛ لأنه يلمّ شمل العائلة حوله، وترتكز فكرته على المشاركة، والنوع الأفضل منه يُطلق عليه اسم «مواتييه مواتييه»، ويعني «نصف - نصف»، وهذه التسمية جاءت من مزج نصف كمية من جبن «الفاشرين»، والنصف الآخر من جبن «الإيمينتال»، يُؤكل ذائباً بعد وضعه في إناء خاص على نار خافتة، يتناوله الذوّاقة عن طريق تغميس مكعبات لذيذة من الخبز الطازج وبطاطس مسلوقة صغيرة الحجم في الجبن إلى جانب البصل والخيار المخلل.

جلسة خارجية تناسب فصل الصيف (الشرق الاوسط)

عندما تزور مدينة جنيف لا بد أن تتوجه إلى القسم العتيق منها حيث تنتشر المقاهي والمطاعم المعروفة فيها، وبالقرب من الكاتدرائية لن يغفل عنك مطعم «ليه أرمور» Les Armures، المعروف كونه أقدم المطاعم السويسرية في جنيف، ويقدّم ألذ الأطباق التقليدية، على رأسها: «الراكليت»، و«الفوندو»، واللحم المجفف، و«الروستي» (عبارة عن شرائح بطاطس مع الجبن).

يستوقفك أولاً ديكور المطعم الذي يأخذك في رحلة تاريخية، بدءاً من الأثاث الخشبي الداكن، ومروراً بالجدران الحجرية النافرة، والأسقف المدعّمة بالخشب والمليئة بالرسومات، وانتهاء بصور الشخصيات الشهيرة التي زارت المطعم وأكلت فيه، مثل: الرئيس السابق بيل كلينتون، ويُقال إنه كان من بين المطاعم المفضلة لديه، وقام بتجربة الطعام فيه خلال إحدى زياراته لجنيف في التسعينات.

جانب من المطعم الاقدم في جنيف (الشرق الاوسط)

يعود تاريخ البناء إلى القرن السابع عشر، وفيه نوع خاص من الدفء؛ لأن أجواءه مريحة، ويقصده الذوّاقة من أهل المدينة، إلى جانب السياح والزوار من مدن سويسرية وفرنسية مجاورة وأرجاء المعمورة كافّة. يتبع المطعم فندقاً من فئة «بوتيك»، يحمل الاسم نفسه، ويحتل زاوية جميلة من القسم القديم من جنيف، تشاهد من شرفات الغرف ماضي المدينة وحاضرها في أجواء من الراحة. ويقدّم المطعم باحة خارجية لمحبي مراقبة حركة الناس من حولهم، وهذه الجلسة يزيد الطلب عليها في فصل الصيف، ولو أن الجلوس في الداخل قد يكون أجمل، نسبة لتاريخ المبنى وروعة الديكورات الموجودة وقطع الأثاث الأثرية. ويُعدّ المطعم أيضاً عنواناً للرومانسية ورجال الأعمال وجميع الباحثين عن الأجواء السويسرية التقليدية والهدوء.

ديكور تقليدي ومريح (الشرق الاوسط)

ميزة المطعم أنه يركّز على استخدام المواد محلية الصنع، لكي تكون طازجة ولذيذة، تساعد على جعل نكهة أي طبق، ومهما كان بسيطاً، مميزة وفريدة. الحجز في المطعم ضروري خصوصاً خلال عطلة نهاية الأسبوع. أسعاره ليست رخيصة، وقد تتناول «الفوندو» بسعر أقل في مطعم آخر في جنيف، ولكن يبقى لـ«Les Armures» سحره الخاص، كما أنه يتميّز بالخدمة السريعة والجيدة.

فوندو الجبن من أشهر الاطباق السويسرية (الشرق الاوسط)

ما قصة «الفوندو» السويسري؟

«الفوندو» السويسري هو طبق تقليدي من أطباق الجبن المميزة التي يعود أصلها إلى المناطق الجبلية والريفية في جبال الألب السويسرية، ويُعد اليوم رمزاً من رموز المطبخ السويسري. يعتمد هذا الطبق على فكرة بسيطة، ولكنها فريدة؛ إذ تتم إذابة الجبن (عادة مزيج من عدة أنواع مثل «غرويير» و«إيمينتال») في قدر خاص، يُدعى «كاكلون» Caquelon، ويُوضع فوق موقد صغير للحفاظ على حرارة الجبن. يُغمس الخبز في الجبن المذاب باستخدام شوكات طويلة، مما يمنح كل قطعة خبز طعماً دافئاً وغنياً.

مبنى "ليه أرمور" من الخارج (الشرق الاوسط)

كان «الفوندو» يُعد حلاً عملياً لمواجهة ظروف الشتاء القاسية، حيث كانت الأسر السويسرية تعتمد بشكل كبير على الأجبان والخبز غذاء أساساً، ومع قسوة الشتاء وندرة المؤن، كانت الأجبان القديمة التي أصبحت صلبة وإعادة استخدامها بتلك الطريقة تُذاب. وقد أضاف المزارعون لاحقاً قليلاً من النبيذ الأبيض وبعض التوابل لتحسين الطعم وتسهيل عملية إذابة الجبن.

مع مرور الوقت، ازداد انتشار «الفوندو» ليصبح طبقاً سويسرياً تقليدياً ورمزاً وطنياً، خصوصاً بعد أن روّج له الاتحاد السويسري لتجار الجبن في ثلاثينات القرن العشرين. جرى تقديم «الفوندو» في الفعاليات الدولية والمعارض الكبرى، مثل «المعرض الوطني السويسري» عام 1939؛ مما ساعد في التعريف به دولياً. أصبح «الفوندو» في منتصف القرن العشرين جزءاً من الثقافة السويسرية، وجذب اهتمام السياح الذين يبحثون عن تجربة الطهي السويسرية التقليدية.

من أقدم مطاعم جنيف (الشرق الاوسط)

هناك أنواع مختلفة من «الفوندو»، تعتمد على المكونات الأساسية:

• «فوندو الجبن»: الأكثر شيوعاً، ويُستخدم فيه عادة خليط من أنواع الجبن السويسري، مثل: «غرويير»، و«إيمينتال»، والقليل من جوزة الطيب.

• «فوندو الشوكولاته»: نوع حلو تتم فيه إذابة الشوكولاته مع الكريمة، ويُقدّم مع قطع من الفواكه أو قطع من البسكويت.

• «فوندو اللحم» (فوندو بورغينيون): يعتمد على غمر قطع اللحم في قدر من الزيت الساخن أو المرق، وتُغمس قطع اللحم بعد طهيها في صلصات متنوعة.

اليوم، يُعد «الفوندو» تجربة طعام اجتماعية مميزة؛ حيث يلتف الأصدقاء أو العائلة حول القدر الدافئ، ويتبادلون أطراف الحديث في أثناء غمس الخبز أو اللحم أو الفواكه؛ مما يعزّز من روح المشاركة والألفة.