عسكريون سوريون هجروا السلاح.. وقادة الجيش الحر سجناء في تركيا

من هم المعارضة المعتدلة في سوريا؟

عسكريون سوريون هجروا السلاح.. وقادة الجيش الحر سجناء في تركيا
TT

عسكريون سوريون هجروا السلاح.. وقادة الجيش الحر سجناء في تركيا

عسكريون سوريون هجروا السلاح.. وقادة الجيش الحر سجناء في تركيا

العسكريون لا يتقنون إلا الموت، من أجل الوطن وأهله.. فماذا يفعل حاملو السلاح إن طلب منهم أن يقتلوا من يحمونهم.. ماذا يفعل حماة الديار إن أمروا بتدمير الديار..
وإلى أين يمكن أن يذهبوا؟ هل يهربون كغيرهم، أم عليهم مواجهة قادتهم الذين خانوا أمانة السلاح الذي يحملونه؟ من يستطيع أن يعطيهم ثقته وهم أبناء نظام قاتل..
في سوريا أو في تركيا أو في بلاد أوروبا.. إلى أين يمكن أن يؤول حال حامل السلاح السوري إذا تركه وانشق عن مؤسسته العسكرية ورفض تنفيذ الأوامر؟

مازن حسون مواليد 1977، من تلبيسة التابعة لمدينة حمص، تخرج عام 2000 ضابطًا متخصصا في الحرب الإلكترونية حتى نهاية عام 2011. وعندما اقترب من الترقي إلى رتبة «رائد» اندلعت الثورة السورية.. انضم كما غيره من مئات العسكريين المنشقين إلى الجيش الحر لحماية المظاهرات السلمية من بطش النظام، وهو كغيره أيضًا من المنشقين الذين هجروا السلاح قبل تحقيق النصر.
يقول حسون وفقا للشقيقة «المجلة»: «بعد انشقاقي تابعت عملي العسكري مع الجيش الحر وشغلت عدة مناصب ضمن تشكيلاته وشاركت بـ27 عملية عسكرية لحماية المدنيين. وفي نهاية عام 2013 وبداية 2014 قررت الخروج من حمص لإدراكي العميق بعد متابعة سير الأحداث أن حمص سوف تقع في قبضة النظام ﻻ محالة بعد الخذلان الدولي لها، خصوصًا للجيش الحر، وبعد زحف «داعش» باتجاه حمص من الجهة الشرقية، فكانت الخيارات محدودة؛ إما مبايعة داعش وإما مصالحة وتسوية مع النظام، والأمران مرفوضان بالمطلق بالنسبة لي».

مدرسة الأسد
ويتابع: «تلقيت دعوة من قيادة الأركان فخرجت بمهمة رسمية للتمرن على السلاح النوعي، وصلت إلى معبر باب الهوى وبقيت شهرين ونصف الشهر، وبعد التواصل مع الإخوة الضباط وعدم توفر عمل مقنع يخدم القضية في قيادة الأركان قررت الرحيل إلى تركيا، والضباط المنشقون في تركيا إما في المخيمات وإما في الطريق إلى أوروبا للحصول على لجوء، والقلة المحدودة تعمل للتنسيق مع الداخل والحصول على بعض الدعم»، منوها بأن «المنشقين في عزلة تلبى كل حاجاتهم في المخيم وهم جالسون، عادة مشكوك بهم لأنهم تخرجوا من مدرسة الأسد التي فقدت الثقة مع الشعب.. المنشقون نوعان منهم من كان ينتظر الثورة وكان يظن أنها لأبد قادمة، وكنت أنا منهم، والآخر أجبر على الانشقاق من قبل الجيش الحر.. وهناك من وقف في منطقة متوسطة بين طرفي الصراع لعدم قناعته بالطرفين. من هنا جاء الشك، كما أن بعض سياسات القوى الإقليمية كانت تتعمد زرع الشك وتعميق الهوة بين الشعب وضباط الجيش الحر».

ويسرد مثالاً عما أسلفه قائلاً: «في إحدى العمليات الضخمة لنا عندما كنا منضوين في العمل ضمن المكتب العسكري لحمص وريفها وكان آنذاك عدد الضباط المشاركين في العملية يصل إلى 17 ضابطًا، جاءت الأوامر من قيادة الأركان في تركيا ببدء العمل القتالي، وأن الذخيرة والإمدادات سوف تصل خلال ساعات.
وتم إيهامنا بأنه ﻻ مجال للتأخير في التنفيذ وأن الوقت ليس في صالحنا، علمًا بأن ذخيرتنا بالكاد تكفي ليوم قتالي واحد وبدأنا الهجوم واستمر ليومين ولم تصل الإمدادات وكانت الجبهة قد اشتعلت وكان ضروريًا استقدام تعزيزات ضخمة ﻻسترجاع المناطق التي خسرناها، حينها اضطررنا للانتقال إلى موقع الدفاع وبدأت حرب استنزاف استمرت ثلاثة أيام، كاد حينها الريف الشمالي لحمص أن يسقط في معركة (مللوك) فقدنا كثيرًا من شبابنا واضطررنا للانسحاب وفقدنا كثيرًا من مصداقيتنا لدى مقاتلينا واتهمنا بأننا كاذبون سارقون وأنها كانت خطة للقضاء على المعارضة المسلحة وحصل بعدها انشقاق كبير، ذهب بعدها كثيرون للانضمام إلى الفصائل الإسلامية (الأكثر مصداقية) بين هلالين - بعدها بمدة قصيرة تصدع المكتب العسكري وفشل»، متهكمًا: «ولم تصل الذخيرة لحد الآن».

مخيم يضم المنشقين وعوائلهم

«مخيم أبايدن (كما يسميه الأتراك) هو مخيم يضم المنشقين وعوائلهم، يقع في الأراضي التركية ولا يبعد عن الحدود السورية أكثر من 4 كم، ويوجد حول المخيم سور من الأسلاك الشائكة للحفاظ على سلامتنا، هكذا كان يقول لنا الأتراك، صراحة يشبه السجن. والخروج من المخيم لم يكن مسموحًا. هناك يوم واحد في الأسبوع مسموح فيه للذهاب إلى السوق»، الكلام لأحد المنشقين عن جيش النظام ويدعى أبو أحمد، الذي غادره متسائلاً: «ماذا كنا نفعل؟ نحتسي الشاي.. كانت هناك حلقات لحفظ القرآن والإنشاد وقراءة الشعر، مثلا الشيخ أبو مسلم والأستاذ عبادة بركات كانوا يقومون بمثل هذه النشاطات لذا خرجت من المخيم».
عمل أبو أحمد في مهن متعددة إلا أنه الآن عاطل عن العمل ولم يفلح في تأمين مبلغ يمكنه من السفر واللجوء إلى إحدى الدول الأوروبية ووجوده في تركيا منعه من الإفصاح عن المزيد واكتفى بحديث مقتضب مع «المجلة».
* ما خلف أسوار أبايدن .. ومزيد من التفاصيل بشأن دور جماعة الإخوان في إفشال المنظومة العسكرية للثورة أضغط على هذا الرابط



الغزّيون ملّوا الحروب ويحلمون بحياة تشبه الحياة

سيدة فلسطينية تبحث عن ابنها المفقود عبر صورته على هاتفها في مخيم جباليا (رويترز)
سيدة فلسطينية تبحث عن ابنها المفقود عبر صورته على هاتفها في مخيم جباليا (رويترز)
TT

الغزّيون ملّوا الحروب ويحلمون بحياة تشبه الحياة

سيدة فلسطينية تبحث عن ابنها المفقود عبر صورته على هاتفها في مخيم جباليا (رويترز)
سيدة فلسطينية تبحث عن ابنها المفقود عبر صورته على هاتفها في مخيم جباليا (رويترز)

بخلاف الناس في البلدان الأخرى وحتى تلك التي تشهد حروباً، لا يملك أهالي قطاع غزة بعد عام على الحرب الإسرائيلية المجنونة عليهم، ترف الحزن على أحبائهم وبيوتهم وذكرياتهم. لقد فقدوا البلد، كل البلد بكل ما فيها: البيوت، والحارات، والشوارع، والناس، والمساجد، والكنائس، والمحال، والمستشفيات، والمدارس والجامعات... كل شيء أصبح كأنه مجرد ذكرى من حياة سابقة، وهم نفدت طاقتهم على الحزن.

لا يعرف الغزيون اليوم ماذا ينتظرهم، لكن بخبرة العارفين بالحروب، يدركون جيداً أن بؤس الحرب لا ينتهي مع وقف إطلاق النار. إنه بؤس ممتد، تغلّفه أسئلة كثيرة: مَن يعيد الأحبَّة والبلاد؟ مَن يبني البيوت؟ كم سنعيش في الخيام؟ من أين وإلى متى وكيف سنؤمّن قوت من بقي حيّاً من أبنائنا؟ والحال أن كثيرين لا تشغلهم هذه الأسئلة لأنهم مرهقون بأسئلة أصعب، أين يجدون جثامين أحبائهم؟ ومتى قد يلتقون أحباء مفقودين؟ وكم سيصمدون على قيد الحياة أصلاً؟

إنها أسئلة الحرب المدمّرة التي تدخل عامها الثاني، وهي حرب غيَّرت إلى حد كبير تفكير الغزيين حول كل شيء.

«الشرق الأوسط» جالت على مَن بقي ورصدت ماذا غيَّرت الحرب في فكر سكان القطاع وعقولهم وقلوبهم.

ليس الكثير فيما يتعلق بحب البلد والعداء لإسرائيل، لكن الكثير والكثير فيما يتعلق بمستقبلهم، ومَن يحكمهم، وإذا كانت الهجرة أفضل أم البقاء.

أطفال فلسطينيون هاربون من قصف إسرائيلي استهدف مكان نزوحهم في رفح (أ.ف.ب)

حلم الهجرة والأمان

يلخص تفكير أيسر عقيلان، وهو خريج كلية التجارة من الجامعة الإسلامية في غزة، ونازح من مخيم الشاطئ غرب المدينة إلى خان يونس جنوب القطاع، ما يجول في عقل كثيرين من الشبان مثله.

قال عقيلان (27 عاماً) لـ«الشرق الأوسط» إنه يخطط لمغادرة القطاع في أي لحظة. وحاول عقيلان كثيراً الحصول على مبلغ 6 آلاف دولار، لتأمين سبيل سفر عبر معبر رفح، إلى مصر ثم البحث عن حياة جديدة، لكنه لم ينجح.

وقال الشاب: «في أول فرصة سأغادر. لم أكن قادراً على العمل قبل الحرب، والآن لا أعتقد أن ذلك سيكون ممكناً أبداً. لا توجد أعمال. لا يوجد بلد أصلاً. لقد دمَّروا كل شيء». وحسب الإحصائيات التي تصدر عن جهات حكومية وأهلية مختصة، فإنه حتى قبل الحرب، كان أكثر من 64 في المائة من سكان قطاع غزة يعانون البطالة وانعدام فرص العمل، واليوم يعتقد أن هذه النسبة باتت شبه كاملة. ورغم صعوبة الحياة قبل الحرب لم يفكر عقيلان في الهجرة، لكن «وجهة نظره في الحياة» تغيرت في أثناء الحرب، كما قال.

ومن يتحدث لأهالي غزة لا يفوته أن غالبية الجيل الشاب ترغب في الهجرة، والبحث عن مستقبل جديد، غير آبهين بما سيصبح عليه الحال في القطاع. وقال باسل سالم (31 عاماً)، الذي حالفه الحظ بالخروج من غزة مع زوجته وطفلته الوحيدة: «لم يبقَ أمامي أي خيارات أخرى. كل ما فكرت فيه هو إنقاذ زوجتي وابنتي من جحيم الحرب».

كان سالم قد فقد شقته السكنية التي امتلكها قبل الحرب بقليل وهو سبب آخر دفعه للهجرة، موضحاً لـ«الشرق الأوسط»: «لم يعد هناك بيت يؤويني، تشردنا وتعبنا ومرضنا وشعرت أني وسط كابوس لعين». ونجح الآلاف من الغزيين خصوصاً الغزيين، ممن يحملون جنسيات مزدوجة، في السفر قبيل سيطرة إسرائيل على معبر رفح، ووصلوا إلى بلدان مختلفة، في حين استقر آخرون لا يملكون جنسيات أخرى، داخل مصر، وبعضهم في تركيا. ويعمل سالم في مجال التصميم والغرافيك؛ الأمر الذي سهَّل سفره إلى الخارج من أجل الحصول على فرصة عمل تتيح له الاستمرار بحياة أفضل. ولا يجد سالم كلمات تصف «الأمان» الذي يشعر به مع عائلته: «هذا أهم ما في الحياة».

وفي وقت تغيب الإحصاءات الدقيقة لمن هاجروا إبان الحرب وخلالها، يذهب بعض التقديرات الأهلية إلى أن العدد الإجمالي يزيد على 220 ألفاً.

ومثل سالم لا تخطط إيمان ساقلا (59 عاماً) التي كانت في رحلة علاج خارجية مع بدء الحرب على غزة، للعودة، بل نجحت في التنسيق لإنقاذ أفراد أسرتها وإحضارهم إليها في مصر لكونها تحمل الجنسية المصرية، لكن أيضاً بعد دفع مبالغ طائلة. وقالت ساقلا: «لم يعد لنا في غزة مستقبل. ربما نعود إليها بعد أعوام، لكن الآن لا يوجد سوى الموت والدمار والخراب».

وبينما يرى سالم وساقلا أنهما قد نجوا بنفسيهما وأسرتيهما من جحيم الحرب، يعيش مئات الآلاف من الغزيين، خصوصاً الشبان، في ظروف صعبة ويمنّون النفس بالمغادرة. لكن ليست هذه حال كل الغزيين بالطبع.

سمير النجار (52 عاماً) من سكان بلدة خزاعة، شرقي شرق خان يونس، والذي فقد منزله بعد تجريفه من آليات إسرائيلية، وبات مشرداً ونازحاً في خيمة أقامها غرب المدينة، قال إنه يفضل البقاء في القطاع، وينتظر انتهاء الحرب كي يستصلح أرضاً كان يزرعها.

رجل فلسطيني يسقي نباتاته في جباليا (رويترز)

وقال النجار: «أفهم الذين ينوون الرحيل من هنا. لكن أنا أفضّل الموت هنا. لا أعتقد أن لديّ فرصة لتأسيس حياة جديدة خارج القطاع. كل ما أريده من الحياة هو إعادة بناء واستصلاح أرضي... ولا شيء أكثر».

والنجار واحد من مئات الآلاف الذين فقدوا منازلهم في غزة. ووفقاً لتقديرات أممية حتى شهر أغسطس (آب) الماضي، فإن نحو ثلثي المباني في قطاع غزة تضررت أو دُمرت منذ بدء الحرب، وأن القطاع يحتاج إلى أكثر من 15 عاماً حتى يتم إعادة إعماره. ويتطلع النجار لإعادة الإعمار، ويعتقد أن أي جهة قادرة على إعادة الإعمار هي التي يجب أن تحكم غزة.

وأضاف: «بعد كل هذه الحروب. نريد أن نعيش. بصراحة لم أعد أكترث بالحرب ولا السياسة ولا من يحكمني. أنا أريد العيش فقط. العيش بعيداً عن الحروب والقتل والدمار».

وتتفق نجوى الدماغ (47 عاماً) مع النجار ولا تفكر بمغادرة القطاع، لكنها تمنّي النفس بحياة أفضل.

وقالت الدماغ لـ«الشرق الأوسط» إنها تفضّل البقاء في غزة، لكنها تريد السلام والأمن. وأضافت: «تعبنا من الحروب. أعتقد ما ظل فينا نَفَس. صار وقت نعيش بسلام».

ولا تهتم الدماغ بمن يحكمها، «المهم أن نعيش مثل بقية البشر». وهذا شعور انتقل تلقائياً لابنتها إيمان (22 عاماً) التي خرجت من هذه الحرب وهي لا تثق بأي فصيل فلسطيني سياسي.

وقالت إيمان: «كلهم (الفصائل) يبحثون عن مصالحهم الشخصية ولديهم أجندات. لا أحد يفكر أو يهتم للناس». وبخلاف والدتها، تسعى إيمان للهجرة وبناء حياة جديدة في الخارج «بعيداً من تجار الحروب والدم»، كما قالت.

دمار بمقرّ المجلس التشريعي الفلسطيني في مدينة غزة (أ.ف.ب)

وبينما يعيش مئات آلاف من الغزيين في مخيمات نزوح موزعة في كل قطاع غزة، تعيش الأغلبية الباقية في منازل شبه مدمَّرة أو نازحين عند أقاربهم، ويعانون مجاعة حقيقية وغلاء أسعار فاحشاً، والكثير من الفوضى التي عمقت شكل المأساة في القطاع. وقال كثير من الغزيين الذي سألتهم «الشرق الأوسط» عن مستقبلهم إنهم لا يفضلون الفصائل ويتطلعون إلى «حكومة مسؤولة»، وفق تعبيرهم.

وشرح الكاتب والمحلل السياسي مصطفى إبراهيم، ذلك بالقول إن الغزيين لم يعودوا يهتمون بما تتبناه الفصائل وحتى السلطة الفلسطينية من شعارات «ليس لها من الواقع نصيب». وأضاف: «هم يفضّلون جهة تحكمهم قادرة على وقف نزيف الدم وأن تعيد بناء منازلهم وتوفر لهم فرص عمل يستعيدون بها حياتهم». ورأى إبراهيم أن «الأفق السياسي لليوم التالي للحرب ما زال غامضاً ولا يمكن التنبؤ به؛ مما شكّل حالة من اليأس لدى السكان ودفعهم لعدم الاهتمام بمن يحكمهم بقدر اهتمامهم بمصيرهم ومستقبل حياتهم في اللحظة التي تتوقف فيها الحرب».

طفل فلسطيني يسير أمام أنقاض المباني في مدينة غزة (أ.ف.ب)

ويرى إبراهيم أن السكان في غزة ملّوا من الصراع مع إسرائيل والحرب التي تتكرر كل بضعة أعوام، واليوم أصبحوا أكثر من أي وقت مضى يفكرون بالهجرة في حال أُتيحت لهم فرصة حقيقية. وأضاف: «الكلام الذي لا يقوله أهل غزة على الملأ هو: لماذا نحن؟ القضية الفلسطينية والقدس والأقصى ليست قضيتنا وحدنا... فلماذا وحدنا نموت؟».