جولة داخل آلة «داعش» الإعلامية

إعلاميو التنظيم الإرهابي يتمتعون بمنزلة رفيعة وامتيازات ورواتب عالية

دورات إعلامية لمنتسبي «داعش» عن التصوير الفوتوغرافي والتلفزيوني أثناء المعارك («واشنطن بوست»)
دورات إعلامية لمنتسبي «داعش» عن التصوير الفوتوغرافي والتلفزيوني أثناء المعارك («واشنطن بوست»)
TT

جولة داخل آلة «داعش» الإعلامية

دورات إعلامية لمنتسبي «داعش» عن التصوير الفوتوغرافي والتلفزيوني أثناء المعارك («واشنطن بوست»)
دورات إعلامية لمنتسبي «داعش» عن التصوير الفوتوغرافي والتلفزيوني أثناء المعارك («واشنطن بوست»)

كشفت مقابلات مع أعضاء سابقين في تنظيم داعش الإرهابي محتجزين في المغرب وحوارات مع مسؤولين أمنيين وخبراء في مكافحة الإرهاب، عن آليات عمل آلة دعاية التنظيم الضخمة على مواقع التواصل الاجتماعي. ويحظى مسؤولو الإعلام الرفيعون في التنظيم بنفس «مرتبة الأمراء العسكريين»، كما يتدخلون مباشرة في قرارات الاستراتيجية العسكرية، وفق ما أكده أبو هاجر المغربي أحد مصوري «داعش» محتجز حاليا في سجن قرب العاصمة المغربية. وأضاف أبو هاجر أن هذه «النخبة» الإعلامية تتمتّع بمكانة متميزة تثير غيرة المقاتلين، وأنهم يتقاضون رواتب تصل إلى نحو 700 دولار شهريا، أي 7 أضعاف رواتب المقاتلين، فضلا عن امتيازات السكن واللباس والأكل. وأشار أبو هاجر إلى أن رجال الإعلام أهمّ من المقاتلين في التنظيم، رواتبهم أعلى، ويملكون سيارات أفضل. إنهم يملكون القدرة على تشجيع المتعاطفين في الداخل (أي خارج سوريا والعراق) على القتال، وعلى تجنيد مقاتلين جدد.
وصلت التكليفات على قصاصات ورقية تحمل كل منها شعار العلم الأسود لتنظيم داعش، وخاتم المسؤول الإعلامي للتنظيم الإرهابي، والموقع المطلوب تصويره ذلك اليوم.
قال أبو هاجر المغربي الذي قضى قرابة عام كمصور لدى «داعش»، إن «التكليفات تحدد الموقع، لكن من دون إعطاء تفاصيل»، مضيفا أن عمله في بعض الأحيان يكون تصوير المصليين في المسجد، أو عمليات تبادل لإطلاق النار بين المسلحين، لكنه قد لا يستطيع تفادي تصوير حمام دم يحدث أمامه.
بالنسبة لمهام أبو هاجر، فالقصاصة تتضمن تكليفا بالتوجه بالسيارة طيلة ساعتين إلى جنوب غربي مدينة الرقة السورية، عاصمة «دولة الخلافة»، أو «الدولة الإسلامية»، التي أعلنها التنظيم المسلح. وعند وصوله، اكتشف أبو هاجر أنه واحد من بين عشرة مصورين أرسلوا لتلك المنطقة كي يصوروا اللحظات الأخيرة في حياة 160 جنديا سوريا أسرهم التنظيم عام 2014.
وأضاف أبو هاجر: «أمسكت بكاميرتي وهي من ماركة (كانون)، في حين قام المسلحون بنزع ملابس الجنود باستثناء سراويلهم الداخلية، وساروا بهم داخل الصحراء، وأجبروهم على الركوع ونُفذت مذبحة بالبنادق الآلية. ونشرت الصور التي التقطها أبو هاجر وغيره من المصورين في جميع أنحاء العالم، وشملت مقطعا مصورا بثه تنظيم داعش على مواقع التواصل الاجتماعي وفى نشرات الأخبار الرئيسية بقناة (الجزيرة) وغيرها من الشبكات».
وأبو هاجر معتقل حاليا في سجن بالمغرب، بين أكثر من عشرة منشقين أو أعضاء في «داعش» ممن سردوا روايات تفصيلية لصحيفة «واشنطن بوست» عن تورطهم في أقوى آلة دعائية لجماعة إرهابية.
كان ما وصفوه أشبه ببرامج الواقع التي تصور حياة العصور الوسطى. فكاميرات طاقم المصورين كانت تتجول في دولة الخلافة كل يوم، وتصوّر مشاهد المعارك وقطع الرؤوس على الملأ بشكل يساعد المقاتلين ومنفذي عمليات الإعدام على تنفيذها (بشكل احترافي)، بينما يقومون بقراءة بعض السطور المدونة على لوائح تلقين وُضعت خلف الكاميرا.
وحسب اعترافات المصورين الذين يتمتعون بخبرات عالية نتيجة مناصبهم السابقة في القنوات الإخبارية أو شركات التكنولوجيا، فالكاميرات وأجهزة الكومبيوتر وغيرها من أجهزة تصوير المقاطع المصورة تصل تباعا في شحنات منتظمة من تركيا، وتُسلم إلى قسم الإعلام الذي يديره غربيون، منهم أميركي واحد على الأقل.
ويعامل كبار تقنيي الإعلام كأمراء شأنهم شأن زملائهم العسكريين، ويلعبون دورا مباشرا في اتخاذ القرارات الاستراتيجية، ويقودون المئات من مصوري الفيديو، والمنتجين، والمحررين الذين ينظر لهم كطبقة محترفة ذات منزلة رفيعة تتمتع بامتيازات ورواتب ومستوى معيشي يحسدهم عليه غيرهم من المقاتلين العاديين.
وحسب أبو عبد الله المغربي، وهو منشق آخر خدم بإدارة الأمن بتنظيم داعش وعمل أيضا بشكل مباشر مع فرق دعايتها، فإنهم «أشبه بجيش كامل من موظفي وحدة الإعلام». وأضاف أن «العاملين في مجال الإعلام بـ(داعش) أهم من مقاتليه، فرواتبهم الشهرية أعلى، وسياراتهم أفضل، ولديهم القوة لتحفيز زملائهم بالداخل على القتال وعلى استقدام أعضاء جدد للانضمام إلى (داعش)».
وتتزايد القوة الإعلامية خارج حدود مناطق حكم التنظيم، فهجمات باريس نفذها أتباع «داعش» من الطلقاء المنتشرين في عشرات الدول والذين يتواصلون مع التنظيم عن طريق الإنترنت. والمهندس المزعوم للهجمات الذي قُتل في غارة داخل فرنسا ظهر مرارا في مقاطع يحث فيها على الانضمام للتنظيم. وأظهرت المقاطع المصورة الذي ظهرت لاحقا أن الهدف الأكبر لـ«داعش» ليس فقط بث الرعب في نفوس الأعداء، بل التأثير على المشاهدين في جميع أنحاء العالم كذلك.
ولم تجد الولايات المتحدة أو حلفاؤها إجابة واضحة عن السبب وراء تلك الدعاية الضخمة، وقدمت خطة أعدتها الخارجية الأميركية لمجابهة رسائل «داعش» عددا من المبادرات لم يكن لها سوى تأثير طفيف، فقد استطاع أنصار «داعش» على الإنترنت الالتفاف مرارا على محاولات حجب دعاياتهم على «تويتر» و«فيسبوك».
وبعدما ضاقت بهم ذرعا على الإنترنت، لجأت الولايات المتحدة إلى استخدام القوة المميتة، حيث شنت مؤخرا ضربات جوية نتج عنها مقتل الكثير من التنفيذيين في إدارة إعلام «داعش»، منهم جنيد حسين، خبير الكومبيوتر البريطاني. ووصف جيمس كومي، مدير مكتب التحقيقات الفيدرالية الأميركي (إف بي آي)، وحدات دعاية «داعش» كأهداف عسكرية. وحسب تصريح أدلى به كومي الشهر الماضي في اجتماع عقد في واشنطن، «أنا متفائل أن الإجراءات التي اتخذها زملاؤنا للحد من تغريدات (داعش) سوف يكون لها تأثير كبير»، مضيفا «لكن دعونا ننتظر لنرى ما سيحدث».
وشمل البحث لإنجاز هذا المقال إجراء مقابلات شخصية مع منشقين وأعضاء في «داعش»، وكذلك مع مسؤولين أمنيين، وخبراء في مكافحة الإرهاب في ست دول في ثلاث قارات. وجاءت الاعترافات الموثوق بها من سبعة منشقين ممكن كانوا في السجن بالمغرب، أو ممن أطلق سراحهم مؤخرا بعدما وجهت لهم اتهامات بالتورط في الإرهاب بعد عودتهم من سوريا، وطلبوا جميعهم ذكر أسمائهم الحركية التي يستخدمونها في سوريا، بدلا من أسمائهم الحقيقية.
وأجريت تلك المقابلات بمقتضى تصريح من الحكومة المغربية في مبنى إداري داخل مجمع للسجون بالقرب من العاصمة. وقال السجناء إنهم تحدثوا طواعية بعدما طلبت السلطات منهم ذلك نيابة عن صحيفة «واشنطن بوست»، في حين امتنع مسجونون آخرون عن الكلام. وتمت أغلب المقابلات في وجود مسؤولين أمنيين، وهو الأمر الذي جعل المسجونين يعمدون إلى تقليل أهمية الأدوار التي لعبوها في «داعش»، غير أنه لم يكن لذلك تأثير كبير على قدر الصراحة في وصفهم لدور إدارة الإعلام في التنظيم.
وصرح أبو هاجر، مهاجر مغربي ذو حديث ناعم ولحية خفيفة وجسد ممشوق، بأنه كان نشطا في دوائر الإعلام الجهادي لأكثر من عشر سنوات قبل أن يدخل سوريا في 2013، وبدأ المشاركة في المنتديات الإسلامية على الإنترنت عقب الغزو الأميركي للعراق في عام 2003. بعد ذلك، أصبح أبو هاجر مديرا لموقع مؤثر على الإنترنت عرف باسم «شموخ»، وهو ما منحه حق ضم منتسبين جدد ومراقبة المواد التي ينشرها غيره من المسلحين. كانت تلك الخبرات بمثابة أوراق الاعتماد التي مهدت الطريق أمام أبو هاجر لتولي المهام التي يتطلبها «داعش».
ويتّبع «داعش» نظاما محكما في تقييم وتدريب القادمين الجدد، فوفق أبو هاجر، بمجرد دخوله سوريا تم تعيينه في فريق إعلام «داعش» حيث تلقى تدريبات عسكرية على مدار شهرين، قبل أن يلتحق ببرنامج تدريبي خاص لمدة شهر عن العمل الإعلامي. وأضاف في المقابلة أن البرنامج «متخصص في التصوير ودمج الصور، وضبط الصوت»، وبعد استكمال الدورة، تسلم كاميرا من ماركة «كانون»، وجوالا ذكيا من ماركة «سامسونغ غالاكسي»، وتكليف بمهام وحدة إعلام «دولة الخلافة» في الرقة.
وولد أبو هاجر، وهو في منتصف الثلاثينات من عمره، في حي فقير في المغرب، والآن عادت زوجته وأولاده للعيش في نفس المكان الذي كانوا يعيشون فيه قبل السفر. والمكان عبارة عن قرية صغيرة من بيوت الصفيح والخشب من دون أي توصيلات للمياه، وتقع القرية على أطراف ضواحي مدينة الرباط. في سوريا، كان أبو هاجر وعائلته يعيشون في منزل كبير بحديقة. وأعطيت له سيارة من نوع «تويوتا هيلوكس» للتنقل إلى مواقع التصوير البعيدة، كما كان يتقاضى 700 دولارا شهريا، أي 7 أضعاف ما يتقاضاه المقاتلون. وأشار أبو هاجر إلى أن رجال الإعلام أهمّ من المقاتلين في التنظيم، رواتبهم أعلى، ويملكون سيارات أفضل. إنهم يملكون القدرة على تشجيع المتعاطفين في الداخل (أي خارج سوريا والعراق) على القتال، وعلى تجنيد مقاتلين جدد.
*خدمة «واشنطن بوست»



تساؤلات حول قيادة «داعش»

فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)
فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)
TT

تساؤلات حول قيادة «داعش»

فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)
فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)

من يقود تنظيم داعش الإرهابي الآن؟ وما سر عدم ظهور إبراهيم الهاشمي القرشي، زعيم «داعش» الجديد، حتى اللحظة؟ ولماذا تعمد التنظيم إخفاء هوية «القرشي» منذ تنصيبه قبل شهرين؟ وهل هناك تغير في شكل التنظيم خلال الفترة المقبلة، عبر استراتيجية إخفاء هوية قادته، خوفاً عليهم من الرصد الأمني بعد مقتل أبو بكر البغدادي؟ تساؤلات كثيرة تشغل الخبراء والمختصين، بعدما خيم الغموض على شخصية زعيم «داعش» الجديد طوال الفترة الماضية. خبراء في الحركات الأصولية أكدوا لـ«الشرق الأوسط» أن «التنظيم يعاني الآن من غياب المركزية في صناعة القرار».
ويرجح خبراء التنظيمات المتطرفة أن «يكون (داعش) قد قرر إخفاء هوية (القرشي) تماماً، في محاولة لحمايته، وأن إعلان (القرشي) زعيماً من قبل كان شكلاً من أشكال التمويه فقط، لإخفاء حقيقة الخلاف الدائر داخل التنظيم». كما شكك الخبراء في «وجود شخصية (القرشي) من الأساس».
وأعلن «داعش»، في تسجيل صوتي بثه موقع «الفرقان»، الذراع الإعلامية للتنظيم، في نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، تنصيب «القرشي» خلفاً للبغدادي الذي قتل في أعقاب غارة أميركية، وتعيين أبو حمزة القرشي متحدثاً باسم التنظيم، خلفاً لأبو الحسن المهاجر الذي قتل مع البغدادي. وكان الرئيس الأميركي دونالد ترمب قد أعلن «مقتل البغدادي في عملية عسكرية أميركية شمال غربي سوريا».
ورغم أن مراقبين أكدوا أن «(القرشي) هو القاضي الأول في التنظيم، وكان يرأس اللجنة الشرعية»، فإن مصادر أميركية ذكرت في وقت سابق أن «(القرشي) عُرف بلقب الحاج عبد الله، وعُرف أيضاً باسم محمد سعيد عبد الرحمن المولى، وكان أحد قادة تنظيم القاعدة في العراق، وقاتل ضد الأميركيين». لكن عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر «شكك في وجود (القرشي) من الأساس»، قائلاً: إن «(القرشي) شخصية غير حقيقية، وهناك أكثر من إدارة تدير (داعش) الآن».
وأكد أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أنه «بطبيعة الحال، لا يمكن أن نحدد من يقود (داعش) الآن، حتى هذا الإعلان (أي تنصيب القرشي) قد يكون شكلاً من أشكال التمويه، لإخفاء حقيقة الخلاف الدائر داخل التنظيم»، مضيفاً: «نحن أمام عدد من الاحتمالات: الاحتمال الأول هو أن تكون شخصية (القرشي) حقيقية لكن يتم إخفاءها، وعدم ظهوره إلى الآن هو من أجل تأمين حياته، وعدم مطاردته من قبل أجهزة الدول. والاحتمال الثاني أننا أمام شخصية (وهمية)، والتنظيم لا يزال منقسماً حول فكرة اختيار خليفة للبغدادي. أما الاحتمال الثالث فأننا أمام صراع حقيقي داخل التنظيم حول خلافة (البغدادي)».
وتحدث المراقبون عن سبب آخر لإخفاء «داعش» هوية «القرشي»، وهو «الخوف من الانشقاقات التي تضرب التنظيم من قبل مقتل البغدادي، بسبب الهزائم التي مُني بها في سوريا والعراق، خاصة أن نهج إخفاء المعلومات والتفاصيل التي تتعلق بقادة (داعش) استخدمه التنظيم من قبل، حين تم تعيين أبو حمزة المهاجر وزيراً للحرب (على حد تعبير التنظيم) في عهد البغدادي، وتم الكشف عن اسمه في وقت لاحق».
وكان البغدادي قد استغل فرصة الاضطرابات التي حدثت في سوريا، وأسس فرعاً لتنظيمه هناك، كما استغل بعض الأحداث السياسية في العراق، وقدم نفسه وتنظيمه على أنهم المدافعون عن الإسلام (على حد زعمه)، فاكتسب في البداية بيئة حاضنة ساعدته على احتلال المزيد من الأراضي العراقية التي أسس عليها «دولته المزعومة». وفي عام 2014، أعلن البغدادي نفسه «خليفة مزعوماً» من على منبر مسجد النوري الكبير، في مدينة الموصل، ثم اختفى بعدها لمدة 5 سنوات، ولم يظهر إلا في أبريل (نيسان) الماضي، في مقطع فيديو مصور مدته 18 دقيقة، ليعلن «انتهاء السيطرة المكانية لـ(دولته المزعومة)، وسقوط آخر معاقلها في الباغوز السورية». وقال المراقبون إنه «رغم أن ظهور البغدادي كان قليلاً في السنوات الأخيرة قبل مقتله، فإن أخباره كانت دائمة الانتشار، كما عمد مع بداية الإعلان عن (دولته المزعومة) إلى الظهور المتكرر، وهو ما لم يفعله (القرشي)».
وأكد عبد المنعم أن «هوية (القرشي) كانت لا بد أن تختفي تماماً لحمايته»، مدللاً على ذلك بأنه «في ثمانينات القرن الماضي، كانت التنظيمات الإرهابية تعلن عن أكثر من اسم للقيادة، حتى تحميه من التتبع الأمني»، موضحاً: «يبدو أن هوية (القرشي) الحقيقة بالنسبة لعناصر التنظيم ليست بالأهمية ذاتها، لأن ما يهمهم هو وجود الزعيم على هرم التنظيم، ضمن إطار وإرث ديني... وهذا أهم بكثير للعناصر من الإعلان عن هوية الرجل (أي القرشي)»، مدللاً على ذلك بأنه «في الأيام التي أعقبت إعلان تعيين (القرشي)، تساءلت مجموعة صغيرة من عناصر التنظيم على موقع التواصل (تليغرام) عن هوية الزعيم الجديد. وبعد أيام من تساؤلاتهم، وعندما طلب منهم مبايعة (القرشي)، قلت التساؤلات. ولهذا، من الواضح أن هوية الرجل بدت غير مهمة لهم، بل المهم هو أنه زعيم (داعش)، ويحتاج إلى دعمهم».
وحث أبو حمزة القرشي، متحدث «داعش» الجديد، أتباعه في رسالته الصوتية الأخيرة على «الالتزام بما أصدره البغدادي في رسالته في سبتمبر (أيلول) الماضي، التي طالب فيها بتحرير أنصار التنظيم من السجون، وتجنيد أتباع جدد لاستكمال المهمة، وتأكيد مواصلة التنظيم تمدده في الشرق الأوسط وخارجه».
ومن جهته، أضاف عبد المنعم أن «التنظيم دشن قبل أيام كتيبة أطلق عليها (الثأر للبغدادي والمهاجر)، بهدف الانتقام لمقتل البغدادي والمهاجر، كما جرى سجن عدد من قيادات التنظيم، مُرجح أنها تورطت في تسريب معلومات بطريقة غير مباشرة لعناصر في تنظيم (حراس الدين)»، موضحاً أن «المركز الإعلامي للتنظيم يعاني حالياً من عدم وجود اتصال مع باقي المراكز التابعة للتنظيم، ويعاني من حالة ارتباك شديدة».
وهدد المتحدث باسم التنظيم الجديد الولايات المتحدة، قائلاً: «لا تفرحوا بمقتل الشيخ البغدادي». وقال عبد المنعم: «يبدو أن (داعش) قرر عدم التعامل بالشكل التقليدي في التسجيلات والظهور المباشر لـ(القرشي)، مثلما كان يحدث مع البغدادي»، لافتاً إلى أن «عمليات (داعش) منذ تولي (القرشي) لم تشهد أي حراك، على عكس شهري أبريل وسبتمبر الماضيين، اللذين شهدا حراكاً، عقب بث تسجيلين: واحد مصور والآخر صوتي للبغدادي».
وكان أبو بكر البغدادي قد ذكر في سبتمبر (أيلول) الماضي أن «تنظيمه لا يزال موجوداً، رغم توسعه في البداية، ومن ثم الانكماش»، وأن ذلك يعد (اختباراً من الله)»، على حد زعمه.
وقال عمرو عبد المنعم إن «قنوات (داعش) واصلت بث أخبارها كالمعتاد، وأبرز ما نقلته هذه القنوات أخيراً إصدار مرئي جديد على شاكلة (صليل الصوارم)، بعنوان (لن يضروكم إلا أذى)، مدته 11 دقيقة، وفيه متحدث رئيسي مُقنع يتوعد بالثأر من عملية (التراب الأسود) التي أطلقتها القوات العراقية ضد (داعش) في سبتمبر (أيلول) الماضي. وفي نهاية الإصدار، ظهر مقاتلون ملثمون يبايعون الخليفة الجديد».
وبايع فرع «داعش» في الصومال «القرشي» في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، حيث نشر فرع التنظيم صوراً على موقع التواصل الاجتماعي «إنستغرام» لنحو 12 عنصراً يقفون بين الأشجار، وعليها تعليق يقول: «إنهم يعلنون مبايعة (القرشي)». كما بايع «ولاية سيناء»، الموالي لـ«داعش» في مصر، «القرشي»، ونشر في إصدار مرئي صوراً لمجموعة قال إنهم من العناصر التي بايعت «القرشي». ويشار إلى أنه ما زالت بعض أفرع تنظيم داعش حول العالم لم تعلن مبايعتها لـ«القرشي» حتى الآن، وفي مقدمتها «ولاية خراسان» في أفغانستان، و«ولاية غرب أفريقيا» (بوكو حرام سابقاً) في نيجيريا.
وحول وجود تغير في استراتيجية «داعش» في الفترة المقبلة، بالاعتماد على إخفاء شخصيات قادته، أكد الخبير الأصولي أحمد بان أن «هذه المرحلة ليست مرحلة الإمساك بالأرض من جديد، والسيطرة عليها، أو ما يسمى (الخلافة)، لكن مرحلة ترميم مجموعات التنظيم، وإعادة التموضع في ساحات جديدة، ومحاولة كسب ولاءات جماعات أخرى، قبل أن نصل إلى عنوان جديد، ربما يعكس ظهور تنظيم جديد، قد يكون أخطر من تنظيم (داعش). لكن في كل الأحوال، هيكلية (داعش) تغيرت، من مرحلة الدولة (المزعومة) إلى مرحلة (حروب النكاية) إلى مرحلة إعادة التنظيم والتموضع؛ وكل مرحلة تطرح الشكل المناسب لها. وفي هذه المرحلة (أي الآن)، أتصور أن التنظيم قد تشظى إلى مجموعات صغيرة، وأن هناك محاولة لكسب ولاء مجموعات جديدة في دول متعددة».
أما عمرو عبد المنعم، فقد لفت إلى أن «(داعش) فقد مركزية صناعة القرار الآن، وهناك عملية (انشطار) في المرحلة المقبلة للتنظيم، ولن يكرر التنظيم فكرة القيادة المركزية من جديد، لذلك لم يظهر (القرشي) على الإطلاق حتى الآن، لو كان له وجود حقيقي، وهذا على عكس ما كان يظهر به البغدادي، ويحث العناصر دائماً على الثبات والصبر»، محذراً في الوقت ذاته من «خطوة (حرب العصابات) التي قد يشنها التنظيم، وقتال الشوارع واستنزاف القوى الكبرى، وهي الاستراتيجية القديمة نفسها للتنظيم، مع زيادة العنصر (الانفرادي) الذي يعرف بـ(الذئاب المنفردة)».
وقال المراقبون إن «التنظيم تحول منذ سقوط بلدة الباغوز في مارس (آذار) الماضي، ونهاية (الخلافة المزعومة) بعد عدة سنوات من إرسائها، نحو اعتماد (نهج العصابات). وقاد البغدادي (داعش) بعد استيلائه على مناطق شاسعة في العراق وسوريا، قبل أن يتهاوى التنظيم خلال الأشهر الماضية نتيجة خسائره، وفرار عدد كبير من عناصره».