كشفت مقابلات مع أعضاء سابقين في تنظيم داعش الإرهابي محتجزين في المغرب وحوارات مع مسؤولين أمنيين وخبراء في مكافحة الإرهاب، عن آليات عمل آلة دعاية التنظيم الضخمة على مواقع التواصل الاجتماعي. ويحظى مسؤولو الإعلام الرفيعون في التنظيم بنفس «مرتبة الأمراء العسكريين»، كما يتدخلون مباشرة في قرارات الاستراتيجية العسكرية، وفق ما أكده أبو هاجر المغربي أحد مصوري «داعش» محتجز حاليا في سجن قرب العاصمة المغربية. وأضاف أبو هاجر أن هذه «النخبة» الإعلامية تتمتّع بمكانة متميزة تثير غيرة المقاتلين، وأنهم يتقاضون رواتب تصل إلى نحو 700 دولار شهريا، أي 7 أضعاف رواتب المقاتلين، فضلا عن امتيازات السكن واللباس والأكل. وأشار أبو هاجر إلى أن رجال الإعلام أهمّ من المقاتلين في التنظيم، رواتبهم أعلى، ويملكون سيارات أفضل. إنهم يملكون القدرة على تشجيع المتعاطفين في الداخل (أي خارج سوريا والعراق) على القتال، وعلى تجنيد مقاتلين جدد.
وصلت التكليفات على قصاصات ورقية تحمل كل منها شعار العلم الأسود لتنظيم داعش، وخاتم المسؤول الإعلامي للتنظيم الإرهابي، والموقع المطلوب تصويره ذلك اليوم.
قال أبو هاجر المغربي الذي قضى قرابة عام كمصور لدى «داعش»، إن «التكليفات تحدد الموقع، لكن من دون إعطاء تفاصيل»، مضيفا أن عمله في بعض الأحيان يكون تصوير المصليين في المسجد، أو عمليات تبادل لإطلاق النار بين المسلحين، لكنه قد لا يستطيع تفادي تصوير حمام دم يحدث أمامه.
بالنسبة لمهام أبو هاجر، فالقصاصة تتضمن تكليفا بالتوجه بالسيارة طيلة ساعتين إلى جنوب غربي مدينة الرقة السورية، عاصمة «دولة الخلافة»، أو «الدولة الإسلامية»، التي أعلنها التنظيم المسلح. وعند وصوله، اكتشف أبو هاجر أنه واحد من بين عشرة مصورين أرسلوا لتلك المنطقة كي يصوروا اللحظات الأخيرة في حياة 160 جنديا سوريا أسرهم التنظيم عام 2014.
وأضاف أبو هاجر: «أمسكت بكاميرتي وهي من ماركة (كانون)، في حين قام المسلحون بنزع ملابس الجنود باستثناء سراويلهم الداخلية، وساروا بهم داخل الصحراء، وأجبروهم على الركوع ونُفذت مذبحة بالبنادق الآلية. ونشرت الصور التي التقطها أبو هاجر وغيره من المصورين في جميع أنحاء العالم، وشملت مقطعا مصورا بثه تنظيم داعش على مواقع التواصل الاجتماعي وفى نشرات الأخبار الرئيسية بقناة (الجزيرة) وغيرها من الشبكات».
وأبو هاجر معتقل حاليا في سجن بالمغرب، بين أكثر من عشرة منشقين أو أعضاء في «داعش» ممن سردوا روايات تفصيلية لصحيفة «واشنطن بوست» عن تورطهم في أقوى آلة دعائية لجماعة إرهابية.
كان ما وصفوه أشبه ببرامج الواقع التي تصور حياة العصور الوسطى. فكاميرات طاقم المصورين كانت تتجول في دولة الخلافة كل يوم، وتصوّر مشاهد المعارك وقطع الرؤوس على الملأ بشكل يساعد المقاتلين ومنفذي عمليات الإعدام على تنفيذها (بشكل احترافي)، بينما يقومون بقراءة بعض السطور المدونة على لوائح تلقين وُضعت خلف الكاميرا.
وحسب اعترافات المصورين الذين يتمتعون بخبرات عالية نتيجة مناصبهم السابقة في القنوات الإخبارية أو شركات التكنولوجيا، فالكاميرات وأجهزة الكومبيوتر وغيرها من أجهزة تصوير المقاطع المصورة تصل تباعا في شحنات منتظمة من تركيا، وتُسلم إلى قسم الإعلام الذي يديره غربيون، منهم أميركي واحد على الأقل.
ويعامل كبار تقنيي الإعلام كأمراء شأنهم شأن زملائهم العسكريين، ويلعبون دورا مباشرا في اتخاذ القرارات الاستراتيجية، ويقودون المئات من مصوري الفيديو، والمنتجين، والمحررين الذين ينظر لهم كطبقة محترفة ذات منزلة رفيعة تتمتع بامتيازات ورواتب ومستوى معيشي يحسدهم عليه غيرهم من المقاتلين العاديين.
وحسب أبو عبد الله المغربي، وهو منشق آخر خدم بإدارة الأمن بتنظيم داعش وعمل أيضا بشكل مباشر مع فرق دعايتها، فإنهم «أشبه بجيش كامل من موظفي وحدة الإعلام». وأضاف أن «العاملين في مجال الإعلام بـ(داعش) أهم من مقاتليه، فرواتبهم الشهرية أعلى، وسياراتهم أفضل، ولديهم القوة لتحفيز زملائهم بالداخل على القتال وعلى استقدام أعضاء جدد للانضمام إلى (داعش)».
وتتزايد القوة الإعلامية خارج حدود مناطق حكم التنظيم، فهجمات باريس نفذها أتباع «داعش» من الطلقاء المنتشرين في عشرات الدول والذين يتواصلون مع التنظيم عن طريق الإنترنت. والمهندس المزعوم للهجمات الذي قُتل في غارة داخل فرنسا ظهر مرارا في مقاطع يحث فيها على الانضمام للتنظيم. وأظهرت المقاطع المصورة الذي ظهرت لاحقا أن الهدف الأكبر لـ«داعش» ليس فقط بث الرعب في نفوس الأعداء، بل التأثير على المشاهدين في جميع أنحاء العالم كذلك.
ولم تجد الولايات المتحدة أو حلفاؤها إجابة واضحة عن السبب وراء تلك الدعاية الضخمة، وقدمت خطة أعدتها الخارجية الأميركية لمجابهة رسائل «داعش» عددا من المبادرات لم يكن لها سوى تأثير طفيف، فقد استطاع أنصار «داعش» على الإنترنت الالتفاف مرارا على محاولات حجب دعاياتهم على «تويتر» و«فيسبوك».
وبعدما ضاقت بهم ذرعا على الإنترنت، لجأت الولايات المتحدة إلى استخدام القوة المميتة، حيث شنت مؤخرا ضربات جوية نتج عنها مقتل الكثير من التنفيذيين في إدارة إعلام «داعش»، منهم جنيد حسين، خبير الكومبيوتر البريطاني. ووصف جيمس كومي، مدير مكتب التحقيقات الفيدرالية الأميركي (إف بي آي)، وحدات دعاية «داعش» كأهداف عسكرية. وحسب تصريح أدلى به كومي الشهر الماضي في اجتماع عقد في واشنطن، «أنا متفائل أن الإجراءات التي اتخذها زملاؤنا للحد من تغريدات (داعش) سوف يكون لها تأثير كبير»، مضيفا «لكن دعونا ننتظر لنرى ما سيحدث».
وشمل البحث لإنجاز هذا المقال إجراء مقابلات شخصية مع منشقين وأعضاء في «داعش»، وكذلك مع مسؤولين أمنيين، وخبراء في مكافحة الإرهاب في ست دول في ثلاث قارات. وجاءت الاعترافات الموثوق بها من سبعة منشقين ممكن كانوا في السجن بالمغرب، أو ممن أطلق سراحهم مؤخرا بعدما وجهت لهم اتهامات بالتورط في الإرهاب بعد عودتهم من سوريا، وطلبوا جميعهم ذكر أسمائهم الحركية التي يستخدمونها في سوريا، بدلا من أسمائهم الحقيقية.
وأجريت تلك المقابلات بمقتضى تصريح من الحكومة المغربية في مبنى إداري داخل مجمع للسجون بالقرب من العاصمة. وقال السجناء إنهم تحدثوا طواعية بعدما طلبت السلطات منهم ذلك نيابة عن صحيفة «واشنطن بوست»، في حين امتنع مسجونون آخرون عن الكلام. وتمت أغلب المقابلات في وجود مسؤولين أمنيين، وهو الأمر الذي جعل المسجونين يعمدون إلى تقليل أهمية الأدوار التي لعبوها في «داعش»، غير أنه لم يكن لذلك تأثير كبير على قدر الصراحة في وصفهم لدور إدارة الإعلام في التنظيم.
وصرح أبو هاجر، مهاجر مغربي ذو حديث ناعم ولحية خفيفة وجسد ممشوق، بأنه كان نشطا في دوائر الإعلام الجهادي لأكثر من عشر سنوات قبل أن يدخل سوريا في 2013، وبدأ المشاركة في المنتديات الإسلامية على الإنترنت عقب الغزو الأميركي للعراق في عام 2003. بعد ذلك، أصبح أبو هاجر مديرا لموقع مؤثر على الإنترنت عرف باسم «شموخ»، وهو ما منحه حق ضم منتسبين جدد ومراقبة المواد التي ينشرها غيره من المسلحين. كانت تلك الخبرات بمثابة أوراق الاعتماد التي مهدت الطريق أمام أبو هاجر لتولي المهام التي يتطلبها «داعش».
ويتّبع «داعش» نظاما محكما في تقييم وتدريب القادمين الجدد، فوفق أبو هاجر، بمجرد دخوله سوريا تم تعيينه في فريق إعلام «داعش» حيث تلقى تدريبات عسكرية على مدار شهرين، قبل أن يلتحق ببرنامج تدريبي خاص لمدة شهر عن العمل الإعلامي. وأضاف في المقابلة أن البرنامج «متخصص في التصوير ودمج الصور، وضبط الصوت»، وبعد استكمال الدورة، تسلم كاميرا من ماركة «كانون»، وجوالا ذكيا من ماركة «سامسونغ غالاكسي»، وتكليف بمهام وحدة إعلام «دولة الخلافة» في الرقة.
وولد أبو هاجر، وهو في منتصف الثلاثينات من عمره، في حي فقير في المغرب، والآن عادت زوجته وأولاده للعيش في نفس المكان الذي كانوا يعيشون فيه قبل السفر. والمكان عبارة عن قرية صغيرة من بيوت الصفيح والخشب من دون أي توصيلات للمياه، وتقع القرية على أطراف ضواحي مدينة الرباط. في سوريا، كان أبو هاجر وعائلته يعيشون في منزل كبير بحديقة. وأعطيت له سيارة من نوع «تويوتا هيلوكس» للتنقل إلى مواقع التصوير البعيدة، كما كان يتقاضى 700 دولارا شهريا، أي 7 أضعاف ما يتقاضاه المقاتلون. وأشار أبو هاجر إلى أن رجال الإعلام أهمّ من المقاتلين في التنظيم، رواتبهم أعلى، ويملكون سيارات أفضل. إنهم يملكون القدرة على تشجيع المتعاطفين في الداخل (أي خارج سوريا والعراق) على القتال، وعلى تجنيد مقاتلين جدد.
*خدمة «واشنطن بوست»
جولة داخل آلة «داعش» الإعلامية
إعلاميو التنظيم الإرهابي يتمتعون بمنزلة رفيعة وامتيازات ورواتب عالية
جولة داخل آلة «داعش» الإعلامية
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة