«داعش أفغانستان» يسعى لإشعال حرب طائفية

عشرات الآلاف من «الهزارة» الشيعة يتظاهرون للضغط على الحكومة لتطهير مناطقهم من المسلحين

ينظم داعش صفوفه ويقوم بتجنيد مقاتلين جدد إلى صفوفه في ولاية خراسان التي يطلقون عليها اسم «داخا» التي تشمل كلا من أفغانستان وباكستان وإيران ودول آسيا الوسطى وأذربيجان ({الشرق الأوسط})
ينظم داعش صفوفه ويقوم بتجنيد مقاتلين جدد إلى صفوفه في ولاية خراسان التي يطلقون عليها اسم «داخا» التي تشمل كلا من أفغانستان وباكستان وإيران ودول آسيا الوسطى وأذربيجان ({الشرق الأوسط})
TT

«داعش أفغانستان» يسعى لإشعال حرب طائفية

ينظم داعش صفوفه ويقوم بتجنيد مقاتلين جدد إلى صفوفه في ولاية خراسان التي يطلقون عليها اسم «داخا» التي تشمل كلا من أفغانستان وباكستان وإيران ودول آسيا الوسطى وأذربيجان ({الشرق الأوسط})
ينظم داعش صفوفه ويقوم بتجنيد مقاتلين جدد إلى صفوفه في ولاية خراسان التي يطلقون عليها اسم «داخا» التي تشمل كلا من أفغانستان وباكستان وإيران ودول آسيا الوسطى وأذربيجان ({الشرق الأوسط})

ما زال تنظيم داعش في ولاية خراسان، التي تشمل كلا من أفغانستان وباكستان وإيران ودول آسيا الوسطى وأذربيجان، يقوم بتجنيد مقاتلين جدد إلى صفوفه، كذلك ما زال في طور إنشاء وترتيب البيت الداخلي قبل القيام بتنفيذ عمليات كبرى قد تنطلق قريبا.
لكن من جانب آخر، يثير احتمال تمدد «داعش»، بجانب تصرفات بعض أجنحة حركة طالبان، المنقسمة على ذاتها، مخاطر افتعال فتنة طائفية في أعقاب المجزرة البشعة التي ارتكبت أخيرا في ولاية زابل، وراح ضحيتها عدد من أبناء عرقية الهزارة الشيعية، المتحدرة من أصول مغولية - ألطائية.
قيادة «داعش» في أفغانستان والمنطقة المشار إليها تعود في الظاهر إلى قيادات سابقة في حركة «طالبان باكستان» على رأسهم حافظ سعيد، الذي انشق عن تلك الحركة، وأعلن ولاءه لـ«أبو بكر البغدادي». وجدير بالإشارة أن قيادات «داعش» في المنطقة تطلق على ولاية خراسان اسم «داخا»، أي «الدولة الإسلامية في خراسان»، والتي قد تضم لاحقا جنوب آسيا، إضافة إلى أذربيجان وإيران، وأخيرا انضمت مجموعات منشقة عن «طالبان أفغانستان»، في مناطق كونر ونورستان وباكتيكا بشرق البلاد، إلى هذا التنظيم. وكان من أهم قيادات «داعش أفغانستان» أيضا عبد الرحيم مسلم دوست، وهو قيادي سابق في «طالبان أفغانستان»، وسبق أن اعتقلته القوات الأميركية ونقلته إلى «غوانتانامو»، ثم بعد إطلاق سراحه انضم مجددا إلى «طالبان»، وعُيِّن قاضيا في منطقة وزيرستان الشمالية، وله مؤلفات عدة باللغتين البشتونية والعربية، وفي أيام ما يسمى «الجهاد الأفغاني» كان عضوا بارزا في الحزب الإسلامي، بقيادة الراحل مولوي يونس خالص.
أيضا، من أهم القيادات كذلك الداعشي الأفغاني الملا عبد القهار، وهو زعيم جماعة متشددة في ولاية كونر، انضم إلى تنظيم «داعش»، ولدى جماعته مئات من المقاتلين الأفغان والباكستانيين والعرب، إضافة إلى الطاجيك والأوزبك والشيشان.
ويسعى تنظيم داعش في أفغانستان حاليا للتمدد والتوسع على حساب «طالبان أفغانستان» التي نشب فيها الخلاف بعد وفاة زعيم الجماعة ومؤسسها، الملا عمر، وتبدو الفرصة متاحة لمقاتلي «داعش» للحضور والانتشار في أفغانستان للأسباب التالية:
1) أن الخلافات بين «طالبان أفغانستان» وصلت إلى ذروتها، وهناك اشتباكات عنيفة تدور حاليا بين مجموعتين من طالبان بعد وفاة زعيم الحركة الملا عمر، فالجماعة المنشقة، بقيادة الملا رسول، حشدت قواها وهي تقاتل ضد الأمير الجديد، الملا أختر منصور، في ولاية زابل، وفي مناطق أخرى، وسط أنباء عن سقوط العشرات بين قتيل وجريح من الطرفين. ولقد اتهم الملا عبد المنان نيازي، المتحدث السابق وأحد أعضاء المجموعة المنشقة، الزعيم الجديد لـ«طالبان» (الملا أختر منصور) بأنه هو من قتل مؤسس الحركة الملا عمر بالتواطؤ مع الاستخبارات الباكستانية، وإضافة إلى ذلك هناك خلافات قبلية شديدة بين القيادات المنشقة، والزعامة الجديدة قد تعزز الانشقاق.
من المؤكد أن المستفيد الأول من هذه الخلافات هو تنظيم داعش، الذي سيتمدد على حساب «طالبان» في كثير من مناطق التوتر، لا سيما في جنوب أفغانستان وشرقها، وهي المناطق التي تعد مهيأة من ناحية العادات والتقاليد القبلية والأفكار المتطرفة لانتشار فكر «داعش» المتطرف.
2) تنظيم «داعش» لديه الأموال والمعدات القتالية بكميات أكبر بكثير مما بحوزة طالبان في الوقت الحالي، ومن شأن هذا العامل أن يؤدي إلى اجتذاب المزيد من مسلحي طالبان إلى صفوف «داعش».
في المقابل، هناك بعض المعوقات والعقبات التي سيواجهها تنظيم داعش في أفغانستان، وهي تتلخص في ما يلي:
1) المجتمع الأفغاني مجتمع محافظ، ويعتنق الإسلام التقليدي غير المتطور، ولا يعرف للدين سوى تفسير واحد ممزوج بالأعراف والتقاليد القبلية. وثمة ممارسات تعد من المحرمات لدى المجتمع الأفغاني، منها ممارسات يلتزم بها «داعش» بحرفيتها، وهذا جانب ينتظر أن يعرقل تمدد «داعش» في أفغانستان، لتعارض فكره وممارساته مع عادات الأفغان وتقاليدهم.
2) من عادة الأفغان رفض الإملاءات الخارجية عليهم، حتى لو كان ذلك باسم الدين والمذهب.
3) هناك رفض لدى غالبية الإثنيات الأفغانية لفكرة انتشار مقاتلين أجانب في مناطقهم، وهذا يعني أن معظم الأفغان ينظرون إلى الوجود العسكري الأجنبي - حتى لو كان باسم الدين - بعين الريبة والشك.
4) المدارس الدينية الموجودة في أفغانستان مدارس تقليدية تعارض الأفكار «الداعشية» المتطرفة.
5) الأقلية الشيعية في أفغانستان مسالمة، ولا يمكن أن تدخل في صراع مسلح مع «داعش» أو غيره من الجماعات المسلحة على أساس طائفي.
لهذه الأسباب وغيرها من الصعب، وفقا للمراقبين، تمدد «داعش» أو نجاح حضوره في الأراضي الأفغانية لمدة أطول، أضف إلى ذلك الغضب الجماهيري والشعبي الكبير لدى الأفغان إزاء ما ارتكبه «داعش أفغانستان» من عمليات خطف أشخاص وقتلهم من عرقية «الهزارة» الشيعية، ثم قطع رؤوسهم في ولاية زابل بجنوب شرقي أفغانستان. ولقد أثارت هذه الجريمة سخطا واستنكارا واسعين في الشارع الأفغاني، وسارت مظاهرات شعبية في مختلف المدن تدعو إلى تطهير المناطق من مقاتلي «داعش»، وإلحاق الهزيمة بهم قبل أن يتحول التنظيم إلى قوة كبرى.
والحقيقة أنه لأول مرة في أفغانستان خرجت مظاهرة حاشدة شارك فيها عشرات الآلاف من المواطنين في العاصمة كابل أخيرا، للتنديد بالعنف الشديد الذي تتعرض له أقلية «الهزارة» الشيعية، وانتقاد السلطات، التي اتهمها المتظاهرون بأنها لا توفر حماية كافية لها، بينما تتعرض لاضطهاد طائفي من حركة طالبان ومقاتلين يدعون أنهم ينتمون إلى تنظيم داعش. ولقد أطلقت قوات الأمن الأفغانية أعيرة نارية تحذيرية مع اقتراب المسيرة الحاشدة ضد العنف تجاه «الهزارة» من القصر الرئاسي في وسط كابل.
المتظاهرون انطلقوا تحت المطر من غرب العاصمة وهم يحملون نعوش سبعة من «الهزارة»، مطالبين بإحقاق العدل في قضية مقتل هؤلاء بقطع رؤوسهم في زابل، في ما يعد «جريمة حرب»، كما تقول الأمم المتحدة. وأطلق المتظاهرون أيضا هتافات معادية لطالبان و«داعش» المتهمين بارتكاب الجريمة، وحملوا لافتات كتبوا عليها «انتقام» و«احترمونا» و«اليوم يقتلوننا وغدا دوركم»، في إشارة واضحة إلى طالبان و«داعش». كذلك رددوا هتافات مناوئة للرئيس الدكتور أشرف غني أحمد زي، الذي ينتمي إلى عرقية البشتون، ورئيس الحكومة الدكتور عبد الله عبد الله، الذي ينحدر من أب بشتوني وأم طاجيكية، مكررين: «غني استقل!.. عبد الله استقل!»، واتهموهما بالتقصير في حماية الهزارة. وبعد خطابات نارية حاول عدد من المتظاهرين تسلق أحد أسوار القصر الرئاسي، بحسب صور نشرت في التلفزيونات المحلية وشبكات التواصل الاجتماعي، مثل «فيسبوك» و«تويتر». ولقد صرح صديق صديقي، المتحدث باسم وزارة الداخلية الأفغانية، قائلا: «إن أعيرة نارية تحذيرية أطلقت، وتفرق المتظاهرون، لكن مع الأسف أصيب خمسة من المتظاهرين إصابات طفيفة»، لكنه لم يوضح الجهة التي أطلقت النار من الشرطة أو الجيش أو الحرس الرئاسي.
يشكل الهزارة، المعروفون بملامحهم الآسيوية (المغولية)، أكثر من عشرة في المائة من سكان أفغانستان، وكانوا قد تعرضوا للاضطهاد، خصوصا في عهد حركة طالبان المتشددة، التي حكمت البلاد بين 1996 و2001. وهم يؤكدون أن وضعهم يزداد هشاشة في مواجهة متمردي طالبان الذين وسعوا تمردهم من معاقلهم في جنوب البلاد وشرقها باتجاه شمال أفغانستان الذي كان هادئا من قبل.
وكما سبقت الإشارة، كان السبب وراء هذا الاحتجاج الكبير غير المسبوق في تاريخ أفغانستان سلسلة عمليات خطف طالت أبناء «الهزارة» في الطرقات العامة الرابطة بين كابل وجنوب أفغانستان، وأثناء تنقلاتهم بين المدن الكبيرة، حيث تخضع غالبية الطرق الرئيسية لمقاتلي طالبان ومسلحي «داعش» الذين يشنون هجمات متقطعة، ويقومون بخطف موظفي الدولة والمنتمين إليها على هذه الطرقات. أما الحادثة المأساوية التي انتهت بقتل الضحايا «الهزارة» السبعة، فحدثت عندما أقدمت مجموعة مسلحة على خطف واحد وثلاثين شخصا من «الهزارة» في جنوب البلاد، أفرج لاحقا عن أربعة وعشرين منهم، لكن سبعة آخرين، وهم أربعة رجال وامرأتان وطفل، قتلوا بقطع رؤوسهم. وعثرت السلطات المحلية على الجثث في زابل، حيث تدور معارك عنيفة بين فصائل متناحرة من طالبان خلال الأسابيع الأخيرة.
علي رضا باقري (42 سنة)، أحد «الهزارة» المشاركين في المظاهرة، قال: «نريد إحقاق العدل، ونحن متوجهون إلى القصر الرئاسي لمحاسبة قادتنا عديمي الكفاءة». وقال آخر اسمه محمد بامياني: «نريد أن نعرف لماذا تبدو الحكومة غير مبالية إلى هذا الحد». وأضاف: «نطالب باستقالة قادتنا، لأنهم غير فاعلين وفاسدون».
وعلى صلة بما حدث، أعلنت وكالة الاستخبارات الأفغانية الثلاثاء قبل الماضي أنها حررت ثمانية مخطوفين شيعة، بينما أعلنت مديرية الأمن الوطني، في بيان، تحرير خمسة رجال وامرأتين وفتى في ولاية غزنة، من دون مزيد من التفاصيل. أما الرئيس أشرف غني فقال، في مؤتمر صحافي عاجل بعد المظاهرات الشعبية، إن «قوات الأمن ستفعل ما بوسعها للعثور على القتلة الذين يسعون لبث الشقاق والخوف في أفغانستان التي تتسم بالتنوع الإثني (العرقي) والديني لسكانها». وقال رئيس بعثة الأمم المتحدة في أفغانستان، نيكولاس هايسم، في بيان، أرسل إلى وسائل الإعلام: «من الممكن أن تعادل جرائم القتل هذه جرائم حرب، ولا بد من إحالة مرتكبيها إلى القضاء».
مع هذا، تبقى تفاصيل جريمة قتل الضحايا السبعة غامضة.. الجريمة وقعت في منطقة خارجة عن سيطرة الحكومة، ويتواجه فيها منذ أيام فصيلان متناحران من طالبان، جناحي الملا أختر والملا محمد رسول.



تركيا وإحياء «داعش» في ليبيا

قوات ليبية تهاجم مواقع «داعش» خلال عملية «البنيان المرصوص» في مدينة سرت 2016 (غيتي)
قوات ليبية تهاجم مواقع «داعش» خلال عملية «البنيان المرصوص» في مدينة سرت 2016 (غيتي)
TT

تركيا وإحياء «داعش» في ليبيا

قوات ليبية تهاجم مواقع «داعش» خلال عملية «البنيان المرصوص» في مدينة سرت 2016 (غيتي)
قوات ليبية تهاجم مواقع «داعش» خلال عملية «البنيان المرصوص» في مدينة سرت 2016 (غيتي)

غداة الزيارة المريبة التي قام بها الوالي العثماني المنحول إردوغان إلى تونس، علا صوت الكثير من الأحزاب التونسية والاتحادات العامة للشغل وغيرها من جماعات المجتمع المدني بالرفض لأن تكون تونس ممراً أو مستقراً لنقل «الدواعش» من سوريا إلى ليبيا بواسطة تركيا عبر بلادهم».
المطالب المتقدمة تعني أمراً واحداً، وهو يقين الشرفاء والنبلاء من الشعب التونسي بأن بعض من نوايا إردوغان الحقيقية بالنسبة لليبيا موصول بإعادة إنتاج التنظيم الإرهابي الأشرس في العقود الأخيرة (داعش)، وربما في طبعة جديدة أسوأ مما شهده العالم في العراق وسوريا خلال النصف الثاني من العقد الماضي.
أسئلة كثيرة تطل برأسها من نافذة الأحداث المتسارعة عن أحوال «داعش» وعن الفوضى والارتباك اللذين تتسبب فيهما تركيا في ليبيا، وفي الوسط تسعى لنقل معركتها إلى ساحل البحر الأبيض المتوسط، وإلى العمق الأفريقي لأهداف سنأتي على تفصيلها.
علامة الاستفهام الأولى في هذا الحديث: «ما هو وضع الدواعش في الوقت الحاضر في موطن النشوء الأول ومن حول بلاد الشام التاريخية؟».
الجواب نجده بالتفصيل والأرقام عند هارون ي زيلين، الباحث في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، وعنده أنه في عام 2019 قدر البنتاغون أن ما بين 14 و18 ألف من مقاتلي تنظيم «داعش» لا يزالون في العراق وسوريا، والتساؤل ما الذي يفعلونه هناك؟
بلا شك مواصلة العمل كتنظيم إرهابي متمرد يكرس أعضاؤه جل وقتهم لمحاولة تهريب السجناء، وربما إعادة السيطرة على الأراضي، ومن خلال حرب استنزاف يعتقدون أنهم سيرهقون أعداءهم، كما أنهم يستفيدون من أي مساحات لا تسيطر عليها الحكومة المركزية أو يلعبون على وتر خطوط الصدع السياسية أو العرقية أو الدينية آملين في استغلالها لصالحهم.
> هل لدى التنظيم حتى الساعة مقدرة مالية على إدارة شؤونه بنفسه والإنفاق على عملياته الإرهابية؟
ــــ من الواضح أن الدواعش لا يزالون قابضين على ثروة تقدر بنحو 300 مليون دولار، ووفقاً لتقرير صادر عن الأمم المتحدة في يوليو (تموز) 2019، فإن «داعش» استثمر مجدداً أمواله في أعمال مشروعة، وربما بأسماء وهمية لا علاقة لها بأعضائه الإرهابين، أي من خلال عناصر نائمة، وذلك عبر العقارات، ووكلاء السيارات، ويوجد عدد منها في تركيا وفقاً لوزارة الخزانة الأميركية التي صنفت أفراداً من تنظيم «داعش» وشركات تحويل وصرافة على لائحة الإرهاب.
> ماذا تعني تلك البيانات المتقدمة؟
ــــ باختصار غير مخل، تشير إلى أن التنظيم لا يزال باقياً وفاعلاً، وأن الأيادي التركية السوداء تقف وراءه في أقصى الشرق، وها هي تجد فرصة غير مسبوقة ليعبر المتوسط جهة الغرب ويحل برحاله في ليبيا.
لم ينس إردوغان للحظة واحدة أنه في الشرق من ليبيا، توجد مصر الكنانة التي أسقطت مشروعه في عام 2013؛ فقد خيل له أنه قد أضحى الخليفة الجديدة بعد سنوات الربيع المغشوش؛ ولهذا فإن ملامح وعلامات الانتقام من مصر لا تغيب عن ناظريه، وقد حاول كثيراً استخدام الطابور الخامس من الإخوان المسلمين في مصر في زعزعة استقرار المحروسة وأخفق؛ ولهذا فقد بدا واضحاً أن الرجل المقهور يود نقل معركته إلى الداخل المصري بالاقتراب الكبير والمؤثر والفاعل؛ الأمر الذي لا يغيب عن أعين صقور المؤسسة العسكرية المصرية التي تقف له بالمرصاد.
وجد إردوغان ضالته المنشودة في جماعة الوفاق المنحلة، التي هي مزيج من الإخوان المسلمين والدواعش و«القاعدة» والجماعات الإرهابية كافة الشاردة والواردة، ومن خلال عمليات لوجيستية تتضح ساعة بعد أخرى، يمضي في إحياء التنظيم القاتل وله في ذلك أيضاً مأربان، أحدهما جهة الشمال والآخر ناحية الجنوب...ماذا عن ذلك؟
أما الشمال، فالمقصود به أوروبا، حيث العداء التاريخي المستحكم من تركيا تجاه أوروبا، وإردوغان يشعر بالغدر والخيانة من جراء رفض الاتحاد الأوروبي قبوله تحت سقفه؛ ولهذا أطلق تصريحات ذات طبيعة دوجمائية أكثر من مرة، حاول بها تفعيل مشاعر ديماجوجية في وسط الأتراك ليكتسب شعبية، رغم أن الأمر ارتد عليه مؤخراً بالسلب.
يسعى إردوغان من تأصيل وجود «الدواعش» على الشاطئ المتوسطي المواجه لأوروبا إلى استخدام الإرهاب الأصولي كأحدى أوراق نفوذه ضد ألمانيا، وفرنسا، وإيطاليا، والبرتغال، وقبلهما اليونان وقبرص، وهو أمر ليس بجديد عليه، فقد صرح قبل فترة بأنه قادر على فتح بوابات الوصول إلى أوروبا أمام اللاجئين والدواعش لإغراق أوروبا، وربما إحراقها بنيران الدواعش ومن لفّ لفّهم.
إردوغان أيضاً له مأرب آخر يتصل بعمق القارة الأفريقية، وهو يدرك أن ما فقده من أوهام الخلافة في الشرق الأوسط، ربما يجد له صدى في وسط أفريقيا، حيث يغيب الأمن كثيراً عن بعض الدول من جهة، ولا سيما المفككة اجتماعياً، وحيث تنتشر جماعات الإرهاب المشابهة من «حركة الشباب» و«بوكو حرام» وما شابه، وغالبيتها قد أعلنت ولاءها وانضواءها تحت راية تنظيم «داعش» الإرهابية وليس الإسلامية قبل نحو عامين.
والشاهد، أن إردوغان لا ينشئ فرعاً جديداً لـ«داعش» في ليبيا، وإنما يسعى لإيقاظ المؤتلفة قلوبهم، إن جاز التعبير، أولئك الذين هم دواعش في الباطن وإن أبدوا خلاف ذلك في العلن، والمعروف أن الأرضية الأصولية الإخوانية في ليبيا كانت قد انتهزت فرصة الإطاحة بمعمر القذافي عام 2011، حيث أقام المقاتلون مثل سوريا والعراق حكماً دينياً، غير أنه وفي عام 2016 استطاعت قوات الحكومة ومقاتلون من مصراتة بدعم من القوات الأميركية الخاصة وطائرات «إف 16» إخراج مقاتلي التنظيم من سرت في ديسمبر (كانون الأول) 2016.
في ذلك الهجوم قُتلت أعداد كبيرة من المتشددين، في حين هرب البقية إلى الجنوب بحثاً عن ملاجئ آمنة، وأقاموا معسكرات تدريب استخدموها للسطو على شاحنات النفط، وحصلوا على موارد من خلال التهريب، وهرب بعضهم إلى النيجر، حيث انضموا إلى فرع التنظيم هناك. ورغم عددهم القليل فإنهم استمروا في هجماتهم السريعة.
مؤخراً، وحتى قبل التدخل الإردوغاني المسموم، بدأ القلق يتزايد في سرت مرة أخرى، حيث تم اعتقال عشرة أشخاص يشتبه بتعاطفهم مع التنظيم، منهم مهندسة عثر على جهاز لاسلكي في بيتها، كما قبض على رجل قابل أعضاء في «خلية نائمة»، وأقاموا حاجز تفتيش خارج المدينة لإظهار أنهم لا يزالون فيها.
> هل بدأت مرحلة إحياء «داعش» ليبيا بشكل رسمي الأيام الأخيرة وبدعم علني من تركيا لا يواري ولا يداري أهدافه الآثمة؟
ــــ من الواضح أن ذلك كذلك، ولا سيما في ضوء ما رصده «المرصد السوري لحقوق الإنسان» في سوريا، والذي أشار قبل أيام إلى أن الفصائل السورية الموالية لتركيا قد افتتحت هناك مراكز تسجيل أسماء الأشخاص الراغبين بالذهاب للقتال في ليبيا.
> هل بدأ الحشد «الداعشي» التركي طريقه إلى ليبيا بالفعل؟
ــــ الشاهد، أنه، ومن أسف، قد بدأ عشرات الأشخاص يقصدون تلك المراكز للالتحاق بالمعارك في ليبيا للعمل تحت الحماية التركية هناك، كما نقلت مصادر محلية قولها إن الفصائل الموالية لتركيا تشجع الشباب على الالتحاق بالحرب الليبية، وتقدم مغريات ورواتب مجزية تراوح بين 1800 و2000 دولار أميركي لكل مسلح شهرياً، علاوة عل تقديم خدمات إضافية تتكفل بها الدولة المضيفة.
ولعل الذين تابعوا الأسبوع الماضي تصريحات المتحدث باسم الجيش الوطني الليبي اللواء أحمد المسماري قد وقر لديهم أن عجلة إحياء تنظيم «داعش» في ليبيا قد دارت بالفعل، وذلك من خلال الأصابع المشبوهة للمخابرات التركية التي تقوم بنقل عناصر التنظيم، عطفاً على القادمين والمنتمين الجدد والذين هم في غالبيتهم مرتزقة ومؤدلجون أصوليون، والنوعان معاً، ولا سيما من أعضاء «جبهة النصرة» من سوريا إلى ليبيا عبر مطار جربة في تونس، الأمر الذي يعود بنا إلى الحديث عن تونس مرة جديدة، ويربط بينها وبين ما يجري في ليبيا.
> هل تعرّض التونسيون إلى خدعة كبرى في اختيارهم الأخير؟
ــــ مهما يكن من أمر ساكن القصر الرئاسي، إلا أن المؤكد أن حزب «النهضة التونسي» ليس إلا وجهاً آخر من أوجه الإخوان المسلمين في تونس، وهو أحد فروع التنظيم الدولي لـ«الإخوان» المسلمين المنتشر حول العالم، يأتمر بأمرهم، ويتوجه كيفما يعنّ لبوصلتهم.
هنا يصبح من الحقيقي التسليم بالمعلومات التي رصدها الجيش الليبي من استخدام مطارات تونس لغرض إنشاء «داعش» جديدة على الأراضي الليبية، ومنها مطار جربة، حيث تم إنزال مجموعات إرهابية في تونس، وتم نقلهم إلى ليبيا عن طريق الجبل الغربي، ومطار مصراتة وزواره، ومعتيقة تحديداً التي استقبلت أعداداً كبيرة من «جبهة النصرة» وتنظيم «داعش».
في هذا السياق، يبقى من الطبيعي أن تنهض آمال «الدواعش» في تونس في الفترة المقبلة، أولئك الذين سيصبحون الجسر الواصل بين تونس وليبيا؛ الأمر الذي حذر منه البرلمان التونسي السابق قبل عودة النهضة الكارثية مرة أخرى، لكن في ظل السيطرة الإخوانية التونسية الأخيرة يكاد يكون الأمل سراباً في إعادة ضبط وتموضع «الدواعش» التونسيين.
حين نشير إلى أن دواعش ليبيا قد بدأوا مرحلة مغاير آخذة في التصاعد الإرهابي المؤلم، فإننا لا نرجم بالغيب، بل من خلال أدلة ليس آخرها الفيديو الذي أذاعوه نهار الخامس من ديسمبر 2019، وفيه ذبح لمواطنين ليبيين بينهم موظفون حكوميون سقطوا أسرى في أيدي التنظيم، ومشاهد بشعة لعمليات إعدام جماعية بالرصاص، في منطقة الفقهاء جنوب ليبيا.
الفيديو بثته وكالة «أعماق» التابعة لتنظيم «داعش» حمل اسم «وأخرجوهم من حيث أخرجوكم»، استمر نحو 31 دقيقة وأظهر معاملة مشينة من عناصر التنظيم للأسرى الذين وقع اختطافهم، أو المواطنين الذين تم اعتقالهم خلال عملياته الإرهابية على بلدة الفقهاء، حيث وثقت مقاطع عملية إعدام جماعية لأشخاص مكبلين رمياً بالرصاص على رؤوسهم.
الأسئلة الجوهرية في هذا السياق، هل ستبقى أوروبا مكتوفة الأيدي أمام تركيا وهي تعيد سيرة حروب القرون الوسطى من جديد، وهل ستكتفي بدور المشاهد بعد أن أسقطت نظام القذافي ولم يكن لها خطة لليوم التالي؟
ثم فيما يخص أميركا، لماذا يتسم موقفها بالميوعة السياسية، وهل يخشى إردوغان من التورط في الأزمة الليبية عسكرياً وهو في عام الانتخابات ولديه من الإشكاليات الداخلية ما يكفي؟
ألا تعد خطط إردوغان نوعاً من تهديد السلم العالمي، الأمر الذي يستوجب التنادي إلى البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة الخاص بالاتحاد من أجل السلم قبل أن يستفحل الضرر ويتحول المشهد إلى حرب إقليمية؟
ثم ما هو الدور الروسي في ليبيا وهي التي تسعى لاستعادة نفوذها هناك، وهل سيقدر لها قطع الطريق على الآغا العثمانلي بطريق مشابهة لما فعلته مع الدواعش في سوريا؟