«داعش أفغانستان» يسعى لإشعال حرب طائفية

عشرات الآلاف من «الهزارة» الشيعة يتظاهرون للضغط على الحكومة لتطهير مناطقهم من المسلحين

ينظم داعش صفوفه ويقوم بتجنيد مقاتلين جدد إلى صفوفه في ولاية خراسان التي يطلقون عليها اسم «داخا» التي تشمل كلا من أفغانستان وباكستان وإيران ودول آسيا الوسطى وأذربيجان ({الشرق الأوسط})
ينظم داعش صفوفه ويقوم بتجنيد مقاتلين جدد إلى صفوفه في ولاية خراسان التي يطلقون عليها اسم «داخا» التي تشمل كلا من أفغانستان وباكستان وإيران ودول آسيا الوسطى وأذربيجان ({الشرق الأوسط})
TT

«داعش أفغانستان» يسعى لإشعال حرب طائفية

ينظم داعش صفوفه ويقوم بتجنيد مقاتلين جدد إلى صفوفه في ولاية خراسان التي يطلقون عليها اسم «داخا» التي تشمل كلا من أفغانستان وباكستان وإيران ودول آسيا الوسطى وأذربيجان ({الشرق الأوسط})
ينظم داعش صفوفه ويقوم بتجنيد مقاتلين جدد إلى صفوفه في ولاية خراسان التي يطلقون عليها اسم «داخا» التي تشمل كلا من أفغانستان وباكستان وإيران ودول آسيا الوسطى وأذربيجان ({الشرق الأوسط})

ما زال تنظيم داعش في ولاية خراسان، التي تشمل كلا من أفغانستان وباكستان وإيران ودول آسيا الوسطى وأذربيجان، يقوم بتجنيد مقاتلين جدد إلى صفوفه، كذلك ما زال في طور إنشاء وترتيب البيت الداخلي قبل القيام بتنفيذ عمليات كبرى قد تنطلق قريبا.
لكن من جانب آخر، يثير احتمال تمدد «داعش»، بجانب تصرفات بعض أجنحة حركة طالبان، المنقسمة على ذاتها، مخاطر افتعال فتنة طائفية في أعقاب المجزرة البشعة التي ارتكبت أخيرا في ولاية زابل، وراح ضحيتها عدد من أبناء عرقية الهزارة الشيعية، المتحدرة من أصول مغولية - ألطائية.
قيادة «داعش» في أفغانستان والمنطقة المشار إليها تعود في الظاهر إلى قيادات سابقة في حركة «طالبان باكستان» على رأسهم حافظ سعيد، الذي انشق عن تلك الحركة، وأعلن ولاءه لـ«أبو بكر البغدادي». وجدير بالإشارة أن قيادات «داعش» في المنطقة تطلق على ولاية خراسان اسم «داخا»، أي «الدولة الإسلامية في خراسان»، والتي قد تضم لاحقا جنوب آسيا، إضافة إلى أذربيجان وإيران، وأخيرا انضمت مجموعات منشقة عن «طالبان أفغانستان»، في مناطق كونر ونورستان وباكتيكا بشرق البلاد، إلى هذا التنظيم. وكان من أهم قيادات «داعش أفغانستان» أيضا عبد الرحيم مسلم دوست، وهو قيادي سابق في «طالبان أفغانستان»، وسبق أن اعتقلته القوات الأميركية ونقلته إلى «غوانتانامو»، ثم بعد إطلاق سراحه انضم مجددا إلى «طالبان»، وعُيِّن قاضيا في منطقة وزيرستان الشمالية، وله مؤلفات عدة باللغتين البشتونية والعربية، وفي أيام ما يسمى «الجهاد الأفغاني» كان عضوا بارزا في الحزب الإسلامي، بقيادة الراحل مولوي يونس خالص.
أيضا، من أهم القيادات كذلك الداعشي الأفغاني الملا عبد القهار، وهو زعيم جماعة متشددة في ولاية كونر، انضم إلى تنظيم «داعش»، ولدى جماعته مئات من المقاتلين الأفغان والباكستانيين والعرب، إضافة إلى الطاجيك والأوزبك والشيشان.
ويسعى تنظيم داعش في أفغانستان حاليا للتمدد والتوسع على حساب «طالبان أفغانستان» التي نشب فيها الخلاف بعد وفاة زعيم الجماعة ومؤسسها، الملا عمر، وتبدو الفرصة متاحة لمقاتلي «داعش» للحضور والانتشار في أفغانستان للأسباب التالية:
1) أن الخلافات بين «طالبان أفغانستان» وصلت إلى ذروتها، وهناك اشتباكات عنيفة تدور حاليا بين مجموعتين من طالبان بعد وفاة زعيم الحركة الملا عمر، فالجماعة المنشقة، بقيادة الملا رسول، حشدت قواها وهي تقاتل ضد الأمير الجديد، الملا أختر منصور، في ولاية زابل، وفي مناطق أخرى، وسط أنباء عن سقوط العشرات بين قتيل وجريح من الطرفين. ولقد اتهم الملا عبد المنان نيازي، المتحدث السابق وأحد أعضاء المجموعة المنشقة، الزعيم الجديد لـ«طالبان» (الملا أختر منصور) بأنه هو من قتل مؤسس الحركة الملا عمر بالتواطؤ مع الاستخبارات الباكستانية، وإضافة إلى ذلك هناك خلافات قبلية شديدة بين القيادات المنشقة، والزعامة الجديدة قد تعزز الانشقاق.
من المؤكد أن المستفيد الأول من هذه الخلافات هو تنظيم داعش، الذي سيتمدد على حساب «طالبان» في كثير من مناطق التوتر، لا سيما في جنوب أفغانستان وشرقها، وهي المناطق التي تعد مهيأة من ناحية العادات والتقاليد القبلية والأفكار المتطرفة لانتشار فكر «داعش» المتطرف.
2) تنظيم «داعش» لديه الأموال والمعدات القتالية بكميات أكبر بكثير مما بحوزة طالبان في الوقت الحالي، ومن شأن هذا العامل أن يؤدي إلى اجتذاب المزيد من مسلحي طالبان إلى صفوف «داعش».
في المقابل، هناك بعض المعوقات والعقبات التي سيواجهها تنظيم داعش في أفغانستان، وهي تتلخص في ما يلي:
1) المجتمع الأفغاني مجتمع محافظ، ويعتنق الإسلام التقليدي غير المتطور، ولا يعرف للدين سوى تفسير واحد ممزوج بالأعراف والتقاليد القبلية. وثمة ممارسات تعد من المحرمات لدى المجتمع الأفغاني، منها ممارسات يلتزم بها «داعش» بحرفيتها، وهذا جانب ينتظر أن يعرقل تمدد «داعش» في أفغانستان، لتعارض فكره وممارساته مع عادات الأفغان وتقاليدهم.
2) من عادة الأفغان رفض الإملاءات الخارجية عليهم، حتى لو كان ذلك باسم الدين والمذهب.
3) هناك رفض لدى غالبية الإثنيات الأفغانية لفكرة انتشار مقاتلين أجانب في مناطقهم، وهذا يعني أن معظم الأفغان ينظرون إلى الوجود العسكري الأجنبي - حتى لو كان باسم الدين - بعين الريبة والشك.
4) المدارس الدينية الموجودة في أفغانستان مدارس تقليدية تعارض الأفكار «الداعشية» المتطرفة.
5) الأقلية الشيعية في أفغانستان مسالمة، ولا يمكن أن تدخل في صراع مسلح مع «داعش» أو غيره من الجماعات المسلحة على أساس طائفي.
لهذه الأسباب وغيرها من الصعب، وفقا للمراقبين، تمدد «داعش» أو نجاح حضوره في الأراضي الأفغانية لمدة أطول، أضف إلى ذلك الغضب الجماهيري والشعبي الكبير لدى الأفغان إزاء ما ارتكبه «داعش أفغانستان» من عمليات خطف أشخاص وقتلهم من عرقية «الهزارة» الشيعية، ثم قطع رؤوسهم في ولاية زابل بجنوب شرقي أفغانستان. ولقد أثارت هذه الجريمة سخطا واستنكارا واسعين في الشارع الأفغاني، وسارت مظاهرات شعبية في مختلف المدن تدعو إلى تطهير المناطق من مقاتلي «داعش»، وإلحاق الهزيمة بهم قبل أن يتحول التنظيم إلى قوة كبرى.
والحقيقة أنه لأول مرة في أفغانستان خرجت مظاهرة حاشدة شارك فيها عشرات الآلاف من المواطنين في العاصمة كابل أخيرا، للتنديد بالعنف الشديد الذي تتعرض له أقلية «الهزارة» الشيعية، وانتقاد السلطات، التي اتهمها المتظاهرون بأنها لا توفر حماية كافية لها، بينما تتعرض لاضطهاد طائفي من حركة طالبان ومقاتلين يدعون أنهم ينتمون إلى تنظيم داعش. ولقد أطلقت قوات الأمن الأفغانية أعيرة نارية تحذيرية مع اقتراب المسيرة الحاشدة ضد العنف تجاه «الهزارة» من القصر الرئاسي في وسط كابل.
المتظاهرون انطلقوا تحت المطر من غرب العاصمة وهم يحملون نعوش سبعة من «الهزارة»، مطالبين بإحقاق العدل في قضية مقتل هؤلاء بقطع رؤوسهم في زابل، في ما يعد «جريمة حرب»، كما تقول الأمم المتحدة. وأطلق المتظاهرون أيضا هتافات معادية لطالبان و«داعش» المتهمين بارتكاب الجريمة، وحملوا لافتات كتبوا عليها «انتقام» و«احترمونا» و«اليوم يقتلوننا وغدا دوركم»، في إشارة واضحة إلى طالبان و«داعش». كذلك رددوا هتافات مناوئة للرئيس الدكتور أشرف غني أحمد زي، الذي ينتمي إلى عرقية البشتون، ورئيس الحكومة الدكتور عبد الله عبد الله، الذي ينحدر من أب بشتوني وأم طاجيكية، مكررين: «غني استقل!.. عبد الله استقل!»، واتهموهما بالتقصير في حماية الهزارة. وبعد خطابات نارية حاول عدد من المتظاهرين تسلق أحد أسوار القصر الرئاسي، بحسب صور نشرت في التلفزيونات المحلية وشبكات التواصل الاجتماعي، مثل «فيسبوك» و«تويتر». ولقد صرح صديق صديقي، المتحدث باسم وزارة الداخلية الأفغانية، قائلا: «إن أعيرة نارية تحذيرية أطلقت، وتفرق المتظاهرون، لكن مع الأسف أصيب خمسة من المتظاهرين إصابات طفيفة»، لكنه لم يوضح الجهة التي أطلقت النار من الشرطة أو الجيش أو الحرس الرئاسي.
يشكل الهزارة، المعروفون بملامحهم الآسيوية (المغولية)، أكثر من عشرة في المائة من سكان أفغانستان، وكانوا قد تعرضوا للاضطهاد، خصوصا في عهد حركة طالبان المتشددة، التي حكمت البلاد بين 1996 و2001. وهم يؤكدون أن وضعهم يزداد هشاشة في مواجهة متمردي طالبان الذين وسعوا تمردهم من معاقلهم في جنوب البلاد وشرقها باتجاه شمال أفغانستان الذي كان هادئا من قبل.
وكما سبقت الإشارة، كان السبب وراء هذا الاحتجاج الكبير غير المسبوق في تاريخ أفغانستان سلسلة عمليات خطف طالت أبناء «الهزارة» في الطرقات العامة الرابطة بين كابل وجنوب أفغانستان، وأثناء تنقلاتهم بين المدن الكبيرة، حيث تخضع غالبية الطرق الرئيسية لمقاتلي طالبان ومسلحي «داعش» الذين يشنون هجمات متقطعة، ويقومون بخطف موظفي الدولة والمنتمين إليها على هذه الطرقات. أما الحادثة المأساوية التي انتهت بقتل الضحايا «الهزارة» السبعة، فحدثت عندما أقدمت مجموعة مسلحة على خطف واحد وثلاثين شخصا من «الهزارة» في جنوب البلاد، أفرج لاحقا عن أربعة وعشرين منهم، لكن سبعة آخرين، وهم أربعة رجال وامرأتان وطفل، قتلوا بقطع رؤوسهم. وعثرت السلطات المحلية على الجثث في زابل، حيث تدور معارك عنيفة بين فصائل متناحرة من طالبان خلال الأسابيع الأخيرة.
علي رضا باقري (42 سنة)، أحد «الهزارة» المشاركين في المظاهرة، قال: «نريد إحقاق العدل، ونحن متوجهون إلى القصر الرئاسي لمحاسبة قادتنا عديمي الكفاءة». وقال آخر اسمه محمد بامياني: «نريد أن نعرف لماذا تبدو الحكومة غير مبالية إلى هذا الحد». وأضاف: «نطالب باستقالة قادتنا، لأنهم غير فاعلين وفاسدون».
وعلى صلة بما حدث، أعلنت وكالة الاستخبارات الأفغانية الثلاثاء قبل الماضي أنها حررت ثمانية مخطوفين شيعة، بينما أعلنت مديرية الأمن الوطني، في بيان، تحرير خمسة رجال وامرأتين وفتى في ولاية غزنة، من دون مزيد من التفاصيل. أما الرئيس أشرف غني فقال، في مؤتمر صحافي عاجل بعد المظاهرات الشعبية، إن «قوات الأمن ستفعل ما بوسعها للعثور على القتلة الذين يسعون لبث الشقاق والخوف في أفغانستان التي تتسم بالتنوع الإثني (العرقي) والديني لسكانها». وقال رئيس بعثة الأمم المتحدة في أفغانستان، نيكولاس هايسم، في بيان، أرسل إلى وسائل الإعلام: «من الممكن أن تعادل جرائم القتل هذه جرائم حرب، ولا بد من إحالة مرتكبيها إلى القضاء».
مع هذا، تبقى تفاصيل جريمة قتل الضحايا السبعة غامضة.. الجريمة وقعت في منطقة خارجة عن سيطرة الحكومة، ويتواجه فيها منذ أيام فصيلان متناحران من طالبان، جناحي الملا أختر والملا محمد رسول.



«داعش» يُعيد اختبار قدراته في غرب أفريقيا

مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)
مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)
TT

«داعش» يُعيد اختبار قدراته في غرب أفريقيا

مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)
مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)

في مؤشر رمزي لـ«اختبار قدراته»، عقب هزائمه في سوريا والعراق وعدد من الدول، دفع تنظيم داعش الإرهابي عناصره وخلاياه لتنفيذ عمليات في غرب أفريقيا، أملاً في «إثبات الوجود» وتأكيد استمرار مشروع التنظيم. ضربات التنظيم «الخاطفة» التي شهدتها بوركينا فاسو ومالي والنيجر، ونيجيريا أخيراً، دفعت لتساؤلات تتعلق بأهداف توجه «داعش» نحو غرب أفريقيا الآن، وخطة نشاطه خلال الفترة المقبلة.
خبراء ومتخصصون في الحركات الأصولية أكدوا أن «التنظيم يهدف من نشاطه في غرب القارة السمراء إلى تفريغ القدرات القتالية لعناصره، والحفاظ على رأس ماله الرمزي، وتأكيد الوجود في المشهد، والحفاظ على حجم البيعات الصغيرة التي حصل عليها في السابق».
وقال الخبراء لـ«الشرق الأوسط» إن «التنظيم الإرهابي عانى من الانحسار الجغرافي خلال الأشهر الماضية، وتأثر بمقتل زعيمه السابق أبي بكر البغدادي، وهو يسعى لتدوير قدراته القتالية في مناطق جديدة». لكن الخبراء قللوا في هذا الصدد من تأثير عمليات «داعش» في هذه الدول، لكونها للترويج الإعلامي.

خلايا فرعية
يشار إلى أن «ولاية غرب أفريقيا» في «داعش» انشقت عن جماعة «بوكو حرام» في عام 2016، وأصبحت الجماعة المتشددة المهيمنة في تلك المنطقة. وأبدى «داعش» اهتماماً ملحوظاً خلال الأشهر الماضية بتوسيع نطاق نشاطه في القارة الأفريقية، حيث تعاني بعض الدول من مشكلات أمنية واقتصادية واجتماعية، مما ساعده في تحقيق أهدافه.
وقال أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر، إن «النقطة المركزية في حركة التنظيمات الجهادية، وتحديداً (المعولمة) الموجودة بين أكثر من دولة، وأكثر من نشاط، تحت رعاية مشروع آيديولوجي (جهادي) محدد، مثل (داعش) ومن قبله (القاعدة)، أنه في كثير من الأحيان يكون التمركز في منطقة معينة، وتكون هي مركز الثقل، مع وجود فروع أو جيوب أخرى يتم التحرك من خلالها في بعض الأحيان، فضلاً عن أن هناك قواعد جهادية قتالية بلا عمل، فيكون التكتيك الذي يتبعه التنظيم في هذه السياقات ضرورة العمل في مناطق أخرى، أو توزيع جهوده على نطاقات جغرافية أخرى، بهدف تفريغ القدرات القتالية لعناصره، والحفاظ على رأس ماله الرمزي، بصفته (أي داعش) جماعة مقاومة -على حد زعم التنظيم- فضلاً عن تأكيد عبارات مثل: (موجودون) و(مستمرون في القتال) و(مستمرون في إقامة مشروعنا)».
في حين أرجع عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، محاولات «داعش» للتمدد في غرب أفريقيا إلى «إعادة التموضع واتخاذ مرتكزات أخرى، بعد الضربات التي مُني بها التنظيم أخيراً، خاصة بعد مقتل البغدادي والمهاجر. لذلك لجأ التنظيم إلى أفريقيا الساحل ونيجيريا وبوركينا فاسو والنيجر ومالي، وغيرها من الدول، لأن بعض هذه الدول تعاني من مشكلات في الوجود الأمني، سواء داخلياً أو على الحدود. لذا لجأ التنظيم لعدة عمليات للحفاظ على حجم البيعات الصغيرة التي حصل عليها في السابق، مع وجود منافس شرس هناك مثل تنظيم (القاعدة) الموجود بصور مختلفة في السنوات القليلة الماضية على أراضي بعض الدول الأفريقية».
وفي غضون ذلك، فسر الأكاديمي الدكتور أيمن بريك، أستاذ الإعلام المساعد في جامعتي الأزهر والإمام محمد بن سعود الإسلامية، تمدد «داعش» في غرب أفريقيا بأنه «محاولة لـ(لملمة شتات) عناصره، بعد الهزائم المتتالية في العراق وسوريا، حيث دفع بكثير من أعضائه الفارين إلى أفريقيا، في محاولة لتأكيد البقاء».

ضربات موجعة
الكلام السابق تطابق مع دراسة لمرصد دار الإفتاء في مصر، أكدت أنه «رغم الضربات الموجعة التي تعرض لها (داعش)، سواء بإخراجه من آخر معاقله في الباغوز بسوريا، واستعادة كافة الأراضي التي سيطر عليها خلال عام 2014، أو بالقضاء على غالبية قياداته ورموزه، وعلى رأسهم أبو بكر البغدادي زعيم التنظيم السابق، فإنه ظل قادراً على تنفيذ عمليات في مناطق عدة، بعد فتح جبهات جديدة لعناصره في غرب أفريقيا التي تُعد ساحة مرشحة لعمليات متزايدة متضاعفة للتنظيم».
هذا وقد قتل البغدادي بعد غارة عسكرية أميركية في سوريا، بينما قتل المتحدث باسم التنظيم السابق أبو الحسن المهاجر في عملية عسكرية منفصلة في الأسبوع نفسه تقريباً، نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.
وأكد زغلول أن «التنظيم الإرهابي عانى من أزمات في مناطق انتشاره الأساسية، وهناك استراتيجيات أمنية على المستوى المحلي والدولي ضده، فضلاً عن انحسار جغرافي في سوريا والعراق، وهناك قيادة جديدة تولت التنظيم... كل هذه التحديات تدفعه إلى إثبات وجود، وإعادة تدوير قدراته القتالية في مناطق أخرى واختبارها، لذا يبدو طبيعياً أن يتمدد في غرب أفريقيا، أو في أي منطقة أخرى، ما دام أن هناك موارد وسياقات محلية تدعم هذا التوجه، والأمر لا يتوقف فقط على التنظيم الرئيسي (أي القيادة المركزية لداعش وقراراتها)، لكنه مرتبط بجانب آخر بوجود سياقات مناسبة؛ بمعنى أن الأوضاع الداخلية في دولة ما قد تكون مناسبة لنشاط التنظيم خلال فترة ما، وقد تكون هذه الأوضاع غير مناسبة للتنظيم في دولة أخرى».
ودعا البغدادي في وقت سابق ما سماها «ولايات دولة الخلافة المزعومة» في أفغانستان والقوقاز وإندونيسيا، وأيضاً غرب ووسط أفريقيا، للقيام بعمليات إرهابية.

مشهد جديد
وعن دلالة توجه «داعش» لغرب أفريقيا الآن، قال عبد المنعم: «هي محاولة لبلورة مشهد جهادي جديد في هذه الدول. وقد هذا ظهر بشكل كبير بعد أيام من مقتل البغدادي، وبيعة أبو إبراهيم الهاشمي القرشي زعيم (داعش) الجديد، ليؤكد التنظيم أنه عازم على استكمال مسيرة مشروعه، لذا خرج بشعار جديد في أحد إصداراته الأخيرة بعنوان (سوف نمضي)».
ومن جهته، أكد أحمد زغلول أن «التضييقات السياسية والأمنية على التنظيم في نقاطه المركزية دفعته إلى الكمون خلال الأشهر الماضية، وتضييق نشاطه، وتقليل حجم عملياته، بهدف البقاء، أو كنوع من المناورة مع السياسات الأمنية التي يتعرض لها من وقت لآخر، وهذا جعل التنظيم لديه أزمات داخلية؛ بمعنى أن هناك مشروعاً جهادياً لا بد من تحقيقه، وهناك قواعد له في دول أخرى ترى أن التنظيم نموذجاً وتدعمه بشكل أو بآخر بمختلف أوجه الدعم، لذا يؤكد دائماً على البقاء والثبات».
وكثف «داعش» من هجماته الإرهابية في دول غرب أفريقيا أخيراً. ففي نهاية ديسمبر (كانون الأول) الماضي، تبنى «داعش» هجوماً على قاعدة أربيندا العسكرية في بوركينا فاسو، قُتل خلاله 7 عسكريين. وفي الشهر ذاته، نشر التنظيم شريطاً مصوراً مدته دقيقة واحدة، أظهر فيه مشاهد إعدام 11 مسيحياً في شمال شرقي نيجيريا. وسبق ذلك إعلان «داعش»، في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، مسؤوليته عن هجوم استهدف قاعدة عسكرية شمال شرقي مالي، وأسفر عن مقتل 53 جندياً. كما تبنى التنظيم هجوماً أوقع أكثر من 70 قتيلاً في معسكر لجيش النيجر في ايناتيس قرب مالي.
وأشارت تقديرات سابقة لمراكز بحثية غربية إلى أن «عدد الذين انضموا لـ(داعش) من أفريقيا منذ عام 2014 في سوريا والعراق يزيد على 6 آلاف مقاتل». وقال مراقبون إن «عودة هؤلاء، أو من تبقى منهم، إلى أفريقيا بعد هزائم سوريا والعراق كانت إشكالية كبيرة على أمن القارة، خصوصاً أن كثيرين منهم شباب صغير السن، وليس لهم روابط إرهابية سابقة، وأغلبهم تم استقطابه عبر الإنترنت».

عمليات نوعية
وحول نشاط «داعش» المستقبلي في غرب أفريقيا، قال عمرو عبد المنعم إن «نشاط (داعش) بدأ يظهر في غرب أفريقيا من خلال عمليات نوعية، سواء ضد المسيحيين أو جيوش الدول أو العناصر الغربية الموجودة في هذه المناطق»، لافتاً إلى أن «الاستهداف حتى الآن عشوائي، وبعض هذه العمليات لم يحدث تأثيراً بالقدر الكبير، كمثل العمليات التي حدثت في أوروبا، وأحدثت دوياً من قبل، وحتى الآن هي مجرد عمليات للترويج الإعلامي وإثبات الوجود، لأن بعض ولايات وأذرع (داعش) بأفريقيا التي بايعت البغدادي في وقت سابق ما زالت لم يسمع لها صوتاً، بالمقارنة بحجم وتأثير العمليات التي شهدتها أوروبا في وقت سابق».
أما الدكتور أيمن بريك، فقد تحدث عن احتمالية «حدوث تحالف بين (داعش) و(القاعدة) ‏في القارة الأفريقية، كـ(تحالف تكتيكي) في ظل حالة الضعف والتردي التي ‏يعاني منها التنظيمين»، لكنه في الوقت نفسه دعا إلى «ضرورة التصدي لـمحاولات تمدد (داعش) وغيره من التنظيمات الإرهابية في ‏القارة الأفريقية، وذلك قبل أن ينجح بقايا الدواعش في إعادة بناء تنظيم، ربما يكون أكثر عنفاً وتشدداً وإجراماً مما فعله التنظيم الأم (أي داعش) خلال أعوامه السابقة».