«داعش أفغانستان» يسعى لإشعال حرب طائفية

عشرات الآلاف من «الهزارة» الشيعة يتظاهرون للضغط على الحكومة لتطهير مناطقهم من المسلحين

ينظم داعش صفوفه ويقوم بتجنيد مقاتلين جدد إلى صفوفه في ولاية خراسان التي يطلقون عليها اسم «داخا» التي تشمل كلا من أفغانستان وباكستان وإيران ودول آسيا الوسطى وأذربيجان ({الشرق الأوسط})
ينظم داعش صفوفه ويقوم بتجنيد مقاتلين جدد إلى صفوفه في ولاية خراسان التي يطلقون عليها اسم «داخا» التي تشمل كلا من أفغانستان وباكستان وإيران ودول آسيا الوسطى وأذربيجان ({الشرق الأوسط})
TT

«داعش أفغانستان» يسعى لإشعال حرب طائفية

ينظم داعش صفوفه ويقوم بتجنيد مقاتلين جدد إلى صفوفه في ولاية خراسان التي يطلقون عليها اسم «داخا» التي تشمل كلا من أفغانستان وباكستان وإيران ودول آسيا الوسطى وأذربيجان ({الشرق الأوسط})
ينظم داعش صفوفه ويقوم بتجنيد مقاتلين جدد إلى صفوفه في ولاية خراسان التي يطلقون عليها اسم «داخا» التي تشمل كلا من أفغانستان وباكستان وإيران ودول آسيا الوسطى وأذربيجان ({الشرق الأوسط})

ما زال تنظيم داعش في ولاية خراسان، التي تشمل كلا من أفغانستان وباكستان وإيران ودول آسيا الوسطى وأذربيجان، يقوم بتجنيد مقاتلين جدد إلى صفوفه، كذلك ما زال في طور إنشاء وترتيب البيت الداخلي قبل القيام بتنفيذ عمليات كبرى قد تنطلق قريبا.
لكن من جانب آخر، يثير احتمال تمدد «داعش»، بجانب تصرفات بعض أجنحة حركة طالبان، المنقسمة على ذاتها، مخاطر افتعال فتنة طائفية في أعقاب المجزرة البشعة التي ارتكبت أخيرا في ولاية زابل، وراح ضحيتها عدد من أبناء عرقية الهزارة الشيعية، المتحدرة من أصول مغولية - ألطائية.
قيادة «داعش» في أفغانستان والمنطقة المشار إليها تعود في الظاهر إلى قيادات سابقة في حركة «طالبان باكستان» على رأسهم حافظ سعيد، الذي انشق عن تلك الحركة، وأعلن ولاءه لـ«أبو بكر البغدادي». وجدير بالإشارة أن قيادات «داعش» في المنطقة تطلق على ولاية خراسان اسم «داخا»، أي «الدولة الإسلامية في خراسان»، والتي قد تضم لاحقا جنوب آسيا، إضافة إلى أذربيجان وإيران، وأخيرا انضمت مجموعات منشقة عن «طالبان أفغانستان»، في مناطق كونر ونورستان وباكتيكا بشرق البلاد، إلى هذا التنظيم. وكان من أهم قيادات «داعش أفغانستان» أيضا عبد الرحيم مسلم دوست، وهو قيادي سابق في «طالبان أفغانستان»، وسبق أن اعتقلته القوات الأميركية ونقلته إلى «غوانتانامو»، ثم بعد إطلاق سراحه انضم مجددا إلى «طالبان»، وعُيِّن قاضيا في منطقة وزيرستان الشمالية، وله مؤلفات عدة باللغتين البشتونية والعربية، وفي أيام ما يسمى «الجهاد الأفغاني» كان عضوا بارزا في الحزب الإسلامي، بقيادة الراحل مولوي يونس خالص.
أيضا، من أهم القيادات كذلك الداعشي الأفغاني الملا عبد القهار، وهو زعيم جماعة متشددة في ولاية كونر، انضم إلى تنظيم «داعش»، ولدى جماعته مئات من المقاتلين الأفغان والباكستانيين والعرب، إضافة إلى الطاجيك والأوزبك والشيشان.
ويسعى تنظيم داعش في أفغانستان حاليا للتمدد والتوسع على حساب «طالبان أفغانستان» التي نشب فيها الخلاف بعد وفاة زعيم الجماعة ومؤسسها، الملا عمر، وتبدو الفرصة متاحة لمقاتلي «داعش» للحضور والانتشار في أفغانستان للأسباب التالية:
1) أن الخلافات بين «طالبان أفغانستان» وصلت إلى ذروتها، وهناك اشتباكات عنيفة تدور حاليا بين مجموعتين من طالبان بعد وفاة زعيم الحركة الملا عمر، فالجماعة المنشقة، بقيادة الملا رسول، حشدت قواها وهي تقاتل ضد الأمير الجديد، الملا أختر منصور، في ولاية زابل، وفي مناطق أخرى، وسط أنباء عن سقوط العشرات بين قتيل وجريح من الطرفين. ولقد اتهم الملا عبد المنان نيازي، المتحدث السابق وأحد أعضاء المجموعة المنشقة، الزعيم الجديد لـ«طالبان» (الملا أختر منصور) بأنه هو من قتل مؤسس الحركة الملا عمر بالتواطؤ مع الاستخبارات الباكستانية، وإضافة إلى ذلك هناك خلافات قبلية شديدة بين القيادات المنشقة، والزعامة الجديدة قد تعزز الانشقاق.
من المؤكد أن المستفيد الأول من هذه الخلافات هو تنظيم داعش، الذي سيتمدد على حساب «طالبان» في كثير من مناطق التوتر، لا سيما في جنوب أفغانستان وشرقها، وهي المناطق التي تعد مهيأة من ناحية العادات والتقاليد القبلية والأفكار المتطرفة لانتشار فكر «داعش» المتطرف.
2) تنظيم «داعش» لديه الأموال والمعدات القتالية بكميات أكبر بكثير مما بحوزة طالبان في الوقت الحالي، ومن شأن هذا العامل أن يؤدي إلى اجتذاب المزيد من مسلحي طالبان إلى صفوف «داعش».
في المقابل، هناك بعض المعوقات والعقبات التي سيواجهها تنظيم داعش في أفغانستان، وهي تتلخص في ما يلي:
1) المجتمع الأفغاني مجتمع محافظ، ويعتنق الإسلام التقليدي غير المتطور، ولا يعرف للدين سوى تفسير واحد ممزوج بالأعراف والتقاليد القبلية. وثمة ممارسات تعد من المحرمات لدى المجتمع الأفغاني، منها ممارسات يلتزم بها «داعش» بحرفيتها، وهذا جانب ينتظر أن يعرقل تمدد «داعش» في أفغانستان، لتعارض فكره وممارساته مع عادات الأفغان وتقاليدهم.
2) من عادة الأفغان رفض الإملاءات الخارجية عليهم، حتى لو كان ذلك باسم الدين والمذهب.
3) هناك رفض لدى غالبية الإثنيات الأفغانية لفكرة انتشار مقاتلين أجانب في مناطقهم، وهذا يعني أن معظم الأفغان ينظرون إلى الوجود العسكري الأجنبي - حتى لو كان باسم الدين - بعين الريبة والشك.
4) المدارس الدينية الموجودة في أفغانستان مدارس تقليدية تعارض الأفكار «الداعشية» المتطرفة.
5) الأقلية الشيعية في أفغانستان مسالمة، ولا يمكن أن تدخل في صراع مسلح مع «داعش» أو غيره من الجماعات المسلحة على أساس طائفي.
لهذه الأسباب وغيرها من الصعب، وفقا للمراقبين، تمدد «داعش» أو نجاح حضوره في الأراضي الأفغانية لمدة أطول، أضف إلى ذلك الغضب الجماهيري والشعبي الكبير لدى الأفغان إزاء ما ارتكبه «داعش أفغانستان» من عمليات خطف أشخاص وقتلهم من عرقية «الهزارة» الشيعية، ثم قطع رؤوسهم في ولاية زابل بجنوب شرقي أفغانستان. ولقد أثارت هذه الجريمة سخطا واستنكارا واسعين في الشارع الأفغاني، وسارت مظاهرات شعبية في مختلف المدن تدعو إلى تطهير المناطق من مقاتلي «داعش»، وإلحاق الهزيمة بهم قبل أن يتحول التنظيم إلى قوة كبرى.
والحقيقة أنه لأول مرة في أفغانستان خرجت مظاهرة حاشدة شارك فيها عشرات الآلاف من المواطنين في العاصمة كابل أخيرا، للتنديد بالعنف الشديد الذي تتعرض له أقلية «الهزارة» الشيعية، وانتقاد السلطات، التي اتهمها المتظاهرون بأنها لا توفر حماية كافية لها، بينما تتعرض لاضطهاد طائفي من حركة طالبان ومقاتلين يدعون أنهم ينتمون إلى تنظيم داعش. ولقد أطلقت قوات الأمن الأفغانية أعيرة نارية تحذيرية مع اقتراب المسيرة الحاشدة ضد العنف تجاه «الهزارة» من القصر الرئاسي في وسط كابل.
المتظاهرون انطلقوا تحت المطر من غرب العاصمة وهم يحملون نعوش سبعة من «الهزارة»، مطالبين بإحقاق العدل في قضية مقتل هؤلاء بقطع رؤوسهم في زابل، في ما يعد «جريمة حرب»، كما تقول الأمم المتحدة. وأطلق المتظاهرون أيضا هتافات معادية لطالبان و«داعش» المتهمين بارتكاب الجريمة، وحملوا لافتات كتبوا عليها «انتقام» و«احترمونا» و«اليوم يقتلوننا وغدا دوركم»، في إشارة واضحة إلى طالبان و«داعش». كذلك رددوا هتافات مناوئة للرئيس الدكتور أشرف غني أحمد زي، الذي ينتمي إلى عرقية البشتون، ورئيس الحكومة الدكتور عبد الله عبد الله، الذي ينحدر من أب بشتوني وأم طاجيكية، مكررين: «غني استقل!.. عبد الله استقل!»، واتهموهما بالتقصير في حماية الهزارة. وبعد خطابات نارية حاول عدد من المتظاهرين تسلق أحد أسوار القصر الرئاسي، بحسب صور نشرت في التلفزيونات المحلية وشبكات التواصل الاجتماعي، مثل «فيسبوك» و«تويتر». ولقد صرح صديق صديقي، المتحدث باسم وزارة الداخلية الأفغانية، قائلا: «إن أعيرة نارية تحذيرية أطلقت، وتفرق المتظاهرون، لكن مع الأسف أصيب خمسة من المتظاهرين إصابات طفيفة»، لكنه لم يوضح الجهة التي أطلقت النار من الشرطة أو الجيش أو الحرس الرئاسي.
يشكل الهزارة، المعروفون بملامحهم الآسيوية (المغولية)، أكثر من عشرة في المائة من سكان أفغانستان، وكانوا قد تعرضوا للاضطهاد، خصوصا في عهد حركة طالبان المتشددة، التي حكمت البلاد بين 1996 و2001. وهم يؤكدون أن وضعهم يزداد هشاشة في مواجهة متمردي طالبان الذين وسعوا تمردهم من معاقلهم في جنوب البلاد وشرقها باتجاه شمال أفغانستان الذي كان هادئا من قبل.
وكما سبقت الإشارة، كان السبب وراء هذا الاحتجاج الكبير غير المسبوق في تاريخ أفغانستان سلسلة عمليات خطف طالت أبناء «الهزارة» في الطرقات العامة الرابطة بين كابل وجنوب أفغانستان، وأثناء تنقلاتهم بين المدن الكبيرة، حيث تخضع غالبية الطرق الرئيسية لمقاتلي طالبان ومسلحي «داعش» الذين يشنون هجمات متقطعة، ويقومون بخطف موظفي الدولة والمنتمين إليها على هذه الطرقات. أما الحادثة المأساوية التي انتهت بقتل الضحايا «الهزارة» السبعة، فحدثت عندما أقدمت مجموعة مسلحة على خطف واحد وثلاثين شخصا من «الهزارة» في جنوب البلاد، أفرج لاحقا عن أربعة وعشرين منهم، لكن سبعة آخرين، وهم أربعة رجال وامرأتان وطفل، قتلوا بقطع رؤوسهم. وعثرت السلطات المحلية على الجثث في زابل، حيث تدور معارك عنيفة بين فصائل متناحرة من طالبان خلال الأسابيع الأخيرة.
علي رضا باقري (42 سنة)، أحد «الهزارة» المشاركين في المظاهرة، قال: «نريد إحقاق العدل، ونحن متوجهون إلى القصر الرئاسي لمحاسبة قادتنا عديمي الكفاءة». وقال آخر اسمه محمد بامياني: «نريد أن نعرف لماذا تبدو الحكومة غير مبالية إلى هذا الحد». وأضاف: «نطالب باستقالة قادتنا، لأنهم غير فاعلين وفاسدون».
وعلى صلة بما حدث، أعلنت وكالة الاستخبارات الأفغانية الثلاثاء قبل الماضي أنها حررت ثمانية مخطوفين شيعة، بينما أعلنت مديرية الأمن الوطني، في بيان، تحرير خمسة رجال وامرأتين وفتى في ولاية غزنة، من دون مزيد من التفاصيل. أما الرئيس أشرف غني فقال، في مؤتمر صحافي عاجل بعد المظاهرات الشعبية، إن «قوات الأمن ستفعل ما بوسعها للعثور على القتلة الذين يسعون لبث الشقاق والخوف في أفغانستان التي تتسم بالتنوع الإثني (العرقي) والديني لسكانها». وقال رئيس بعثة الأمم المتحدة في أفغانستان، نيكولاس هايسم، في بيان، أرسل إلى وسائل الإعلام: «من الممكن أن تعادل جرائم القتل هذه جرائم حرب، ولا بد من إحالة مرتكبيها إلى القضاء».
مع هذا، تبقى تفاصيل جريمة قتل الضحايا السبعة غامضة.. الجريمة وقعت في منطقة خارجة عن سيطرة الحكومة، ويتواجه فيها منذ أيام فصيلان متناحران من طالبان، جناحي الملا أختر والملا محمد رسول.



2020... موجة إرهابية جديدة تجتاح العالم

رجال الشرطة البريطانية بجانب سيارة مخصصة لكشف المتفجرات في برادفورد بعد اعتقال رجل للاشتباه بحيازته قنابل أول من أمس (إ.ب.أ)
رجال الشرطة البريطانية بجانب سيارة مخصصة لكشف المتفجرات في برادفورد بعد اعتقال رجل للاشتباه بحيازته قنابل أول من أمس (إ.ب.أ)
TT

2020... موجة إرهابية جديدة تجتاح العالم

رجال الشرطة البريطانية بجانب سيارة مخصصة لكشف المتفجرات في برادفورد بعد اعتقال رجل للاشتباه بحيازته قنابل أول من أمس (إ.ب.أ)
رجال الشرطة البريطانية بجانب سيارة مخصصة لكشف المتفجرات في برادفورد بعد اعتقال رجل للاشتباه بحيازته قنابل أول من أمس (إ.ب.أ)

مبكراً جداً بدأت العمليات الإرهابية في العام الجديد 2020، وربما استغلت الخلايا الإرهابية القائمة والنائمة حالة الارتباك الحادثة في الشرق الأوسط والخليج العربي وشمال أفريقيا، لا سيما أزمة المواجهة الإيرانية - الأميركية الأخيرة، وما يحدث على سطح البحر الأبيض المتوسط من أزمات، مثل المحاولات التركية لإرسال قوات عسكرية إلى ليبيا... نقول استغلت تلك الجماعات المشهد، وها هي آخذة في النمو السيئ السمعة مرة جديدة، وإن كانت كالعادة الأيادي التركية والقطرية وراءها وتدعمها لأهداف لا تخلو عن أعين الناظر المحقق المدقق في المشهد الآني: ماذا عن تلك العمليات؟ وما دلالاتها في الحال والاستقبال وتجاذباتها وتقاطعاتها مع الدعم التركي والقطري الذي لا يتوقف؟

المتابع لشأن الإرهاب حول العالم يمكنه -بسهولة ويسر- رصد الاعتداء الإرهابي الذي حدث على قاعدة عسكرية في مالي، وكذا تعرض مسجد في باكستان لعمل هجومي من جماعات متطرفة، وصولاً إلى مهاجمة معسكر للجيش في نيجيريا.
إرهاب 2020 إذن به مسحات جديدة من التعرض لدور العبادة الإسلامية، الأمر الذي أودى بحياة 12 شخصاً، وهو أمر وصفته الحواضن الإسلامية الشرعية في المنطقة بأنه عمل إجرامي آثم يخالف دين الإسلام، بل يخالف كل الأديان التي دعت إلى حماية دور العبادة وحرمتها والدفاع عنها، وهو ما يؤكد أيضاً أن الإرهاب لا يرعى حرمة دين أو وطن، كما أنه يهدف إلى زعزعة استقرار البلاد، والإضرار بالعباد في كل مكان وزمان.
ولعل التفجير الإرهابي الثاني في هذا الحديث هو ما يقودنا إلى قصة الساعة، وما يجري لتحويل أفريقيا إلى موقع وموضع لحاضنة إرهابية، حكماً ستكون الأكبر والأخطر من تجربة دولة الخلافة المزعومة في العراق وسوريا، المعروفة بـ«داعش».
وجرى ذلك العمل الإرهابي على أراضي جمهورية مالي التي باتت يوماً تلو الآخر تتحول إلى بؤرة إرهابية كبرى، لا سيما جراء تنوع وتعدد الجماعات الإرهابية القائمة على أرضها. فقد تم استهداف قاعدة عسكرية نهار الخميس التاسع من يناير (كانون الثاني) الحالي، وأسفر عن إصابة 20 شخصاً، بينهم 18 من قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة. وقد وقع التفجير في منطقة تساليت بإقليم كيدال، شمال جمهورية مالي.
هل كانت تلك العملية الأولى من نوعها في مالي؟
بالقطع الأمر ليس كذلك، ففي أوائل نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، أعلن تنظيم داعش في منطقة الصحراء الكبرى مسؤوليته عن الهجمات الإرهابية التي وقعت هناك، وأودت بحياة 53 جندياً مالياً ومدنياً واحداً، وفق حصيلة رسمية، و70 جندياً، وفق الحصيلة التي أعلن عنها التنظيم الإرهابي الذي تبنى أيضاً هجوماً في المنطقة نفسها، قتل فيه جندي فرنسي.
وكان واضحاً من بيان «داعش» أن مالي تحولت إلى مركز متقدم على صعيد عمليات الإرهاب، إذ أعلن التنظيم، في بيان له عبر تطبيق «تلغرام»، أن من يطلق عليهم «جنوده» استهدفوا رتل آليات للقوات الفرنسية بالقرب من قرية انديليمان، بمنطقة ميناكا، شمال شرقي مالي، بتفجير عبوة ناسفة. كما أعلن التنظيم في بيان منفصل أن مقاتليه «هاجموا قاعدة عسكرية يتمركز فيها جنود من الجيش المالي».
ولا يستهدف إرهابيو «داعش» وبقية الجماعات الإرهابية في تلك المنطقة القوات الفرنسية فحسب. ففي وقت سابق من سبتمبر (أيلول) من العام الماضي أيضاً، تم استهداف ثكنات عسكرية في بولكيسي، قتل فيها 40 جندياً مالياً، وفق الحصيلة الحكومية، وإن كانت هناك حصيلة أخرى غير رسمية تشير إلى أن الخسائر أكبر من ذلك بكثير.
ويخشى المراقبون من أن يكون الإرهاب قد جعل من مالي قاعدة متقدمة له، رغم الرفض والتنديد الشعبيين هناك بتلك الجماعات المارقة التي أضحت تتمركز على الشريط الحدودي بين النيجر ومالي وبوركينا فاسو، الأمر الذي وصفه الإمام محمود ديكو بأنه «نزف تعيشه مالي، ولا يمكن أن يستمر طويلاً». وقد سبق أن دعا ديكو إلى ضرورة فتح حوار وطني يشارك فيه جميع الماليين لتوحيد الصفوف في وجه الإرهاب، وهو الذي سبق أن تفاوض مع الإرهابيين للإفراج عن رهائن، من ضمنهم جنود ماليون.
ولعل المراقبين لشأن هذه الجمهورية الأفريقية التي باتت مصدر خوف وقلق لبقية القارة الأفريقية يتساءلون عن السبب الرئيسي الذي جعل منها خلفية للإرهاب الأممي، يخشى معها أن تمثل مع النيجر والصومال وكينيا مربع قوة ونفوذاً غير تقليدي يستنهض أوهام ما أطلق عليه الخلافة في فكر «الدواعش»، وغيرهم من جماعات التكفير، لا التفكير.
البداية في واقع الحال تنطلق من التركيبة الديموغرافية لهذا البلد، فهي مليئة بالأعراق التي تكاد عند نقطة بعينها تضحى متقاتلة، ففيها مجموعة الماندي التي تشكل نحو 50 في المائة من إجمالي السكان، والطوارق والعرب الذين يشكلون نحو 10 في المائة، والفولتايك الذين يشكلون 12 في المائة، والسنغاري بنسبة 6 في المائة، والبول الذين يشكلون 17 في المائة، بالإضافة إلى مجموعات عرقية أخرى تشكل ما نسبته 5 في المائة.
ويمكن القطع بأن الجماعات الأصولية المختلفة قد أجادت العزف السيئ على مسألة الأعراق المالية المختلفة، وجعلت منها نقطة انطلاق لتقسيم المجتمع المالي، وتجزئته عبر تنويع وتعدد الانتماءات الإرهابية، الأمر الذي أدى إلى وقوع 270 هجوماً إرهابياً في جمهورية مالي خلال الأشهر الثلاثة الماضية، والعهدة هنا على التقرير الأممي الصادر عن الأمم المتحدة الذي أشار إليه الأمين العام أنطونيو غوتيريش، مؤكداً أن حصيلة تلك الهجمات قد بلغت 200 قتيل من المدنيين، و96 مصاباً، إضافة إلى اختطاف 90 آخرين، لافتاً إلى أن 85 في المائة من الهجمات المميتة وقعت في منطقة موبتى، حيث قتل خلالها 193 من القوات المسلحة، وجرح 126.
وفي هذا الإطار، كان من الطبيعي أن تشهد مالي حالة من حالات انعدام الأمن، بعد أن سيطرت جماعات مرتبطة بتنظيم «القاعدة» على مناطق واسعة من شمال مالي، قبل أن يتدخل الفرنسيون والأفارقة لطرد هذه الجماعات من المدن الكبرى، وإن كانت الأخيرة تشن حرب عصابات منذ ذلك الوقت كبدت الفرنسيين والأفارقة والجيش المالي خسارة كبيرة.
ولم تكن مالي بطبيعتها المهترئة اجتماعياً لتغيب عن أعين الدواعش الذين دخلوا على الخط عام 2015، عندما أعلن المدعو أبو الوليد الصحراوي الانشقاق عن جماعة «المرابطون»، وتشكيل تنظيم جديد بايع تنظيم داعش، سماه «تنظيم داعش في الصحراء الكبرى».
وخذ إليك، على سبيل المثال، بعضاً من تلك الجماعات التي باتت تغطي ثلثي الجهورية المالية منذ عام 2012، وفي المقدمة منها «جماعة التوحيد والجهاد». وقد كان حصان طروادة بالنسبة إليها، وما تسبب في انتشارها في البلاد، حالة الفوضى والارتباك التي أعقبت الانقلاب العسكري الذي حدث في 22 مارس (آذار) 2012. فقد برزت على السطح في هذا التوقيت، وتمكنت من احتلال شمال مالي. ويرى محللو شؤون الإرهاب الدولي في القارة الأفريقية أنه أحد أكثر التنظيمات رعباً، لكونه مسلحاً وممولاً بشكل جيد، فضلاً عن قيامه بتكثيف عملياته الإرهابية منذ ظهوره، وتمركزه في الهضبة الصحراوية الشاسعة الممتدة في منطقة تساليت، وفرض سيطرته بلا منازع على عدد من القرى في تلك المنطقة.
ولم تكن جماعة «التوحيد والجهاد» بعيدة بحال من الأحوال عن تنظيم القاعدة، غير أنها انفصلت عنها وانتشرت في بلاد المغرب الإسلامي، تحت دعوة نشر فكر «الجهاد» في غرب أفريقيا، بدلاً من الاكتفاء فقط بمنطقة الغرب أو منطقة الساحل.
ويمكن للمرء أن يعدد أسماء كثيرة من التنظيمات الإرهابية على الأراضي المالية، مثل جماعة أنصار الدين، وهذه لها جذور عميقة في المجتمع المالي، ولذلك تضم ما بين 5 آلاف و10 آلاف عضو مزودين بأسلحة متقدمة.
وعطفاً على ذلك، يلاحظ المراقبون جماعات أصولية، وإن كانت أقل قوة من حيث العدة والعتاد، إلا أنها أخطر من جانب الأساس العقائدي، مما يجعل فرص ارتقائها أكبر وأوسع.
ومع تصاعد عمليات الإرهاب في مالي، وما حولها من دول جميعها مرتبطة بعقد واحد من الأصوليات الخبيثة، يبقى البحث عمن يزخمها ويساندها أمر واجب الوجود، كما تقول جماعة الفلاسفة.
أما الجواب فهو يسير. ففي 25 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، أعلنت الإدارة العامة للأمن الوطني في النيجر عن القبض على مجموعة إرهابية تتكون من 3 أشخاص، يحمل 2 منهم الجنسية التركية، بالإضافة إلى متعاون محلي من مواطني النيجر.
ويضحي من الطبيعي القول إن اعتقال أتراك في النيجر يفتح ملف الإرهاب التركي - القطري في العمق الأفريقي، ويثير من جديد قضية نقل الإرهابيين إلى طرابلس دعماً للميليشيات الموالية لقطر وتركيا في ليبيا، في مواجهة الجيش الوطني الليبي.
ويوماً تلو الآخر، يثبت للعالم أن هناك أكثر من ستار تختبئ تركيا من وراءه، وبتمويل قطري لا يغيب عن الأعين، في محاولة متجددة لا تنقطع من أجل إعادة إنتاج مشروع الخلافة الوهمي، حتى إن كلف ذلك أكثر من دولة أفريقية أمنها وأمانها.
ومن عينة الستر التي تختبئ تركيا وراءها: «الهلال الأحمر التركي»، و«الوكالة التركية للتعاون والتنسيق». أما قطر، فمنذ أمد بعيد تستخدم جمعية «قطر الخيرية» ستاراً لاستقطاب الإرهابيين والمرتزقة لدعم الميليشيات في طرابلس.
ومؤخراً، كان موقع «انفيستجتيف بروجكت» الأميركي المتخصص في إلقاء الضوء على القضايا الإرهابية يكشف عن العلاقة التي تربط بين المثلث الجهنمي الإخواني بأذرعه المختلفة، لا سيما في الولايات المتحدة الأميركية، وجمعيات تركيا الخفية التي تعمل تحت ستار الأعمال الخيرية، والرابط الأكبر المتمثل في الدعم المالي القطري لهما، وهي قصة يضيق المسطح المتاح للكتابة عن سردها وعرضها، وإن كانت باختصار تبين أن العمق الأفريقي هو مكمن خطر الإرهاب العالمي في العقد الثالث من القرن الحادي والعشرين.
ومؤخراً، تتحدث واشنطن عن انسحاب قواتها المسلحة من القارة الأفريقية، بذريعة التفرغ لملاقاة روسيا والصين حول العالم، وتالياً ترفض ألمانيا المشاركة بجنود في القوة الأوروبية التي تقودها فرنسا في الساحل الغربي الأفريقي لمواجهة خطر الإرهاب... فهل يعني ذلك أن هناك فصلاً جديداً من فصول نماء الإرهاب الدولي في ظل غض الطرف عنه؟!
آفة حارتنا النسيان. والذين لدغوا من ثعبان الإرهاب من قبل يبدو أنهم لم يتعلموا الدرس بعد.