«داعش أفغانستان» يسعى لإشعال حرب طائفية

عشرات الآلاف من «الهزارة» الشيعة يتظاهرون للضغط على الحكومة لتطهير مناطقهم من المسلحين

ينظم داعش صفوفه ويقوم بتجنيد مقاتلين جدد إلى صفوفه في ولاية خراسان التي يطلقون عليها اسم «داخا» التي تشمل كلا من أفغانستان وباكستان وإيران ودول آسيا الوسطى وأذربيجان ({الشرق الأوسط})
ينظم داعش صفوفه ويقوم بتجنيد مقاتلين جدد إلى صفوفه في ولاية خراسان التي يطلقون عليها اسم «داخا» التي تشمل كلا من أفغانستان وباكستان وإيران ودول آسيا الوسطى وأذربيجان ({الشرق الأوسط})
TT

«داعش أفغانستان» يسعى لإشعال حرب طائفية

ينظم داعش صفوفه ويقوم بتجنيد مقاتلين جدد إلى صفوفه في ولاية خراسان التي يطلقون عليها اسم «داخا» التي تشمل كلا من أفغانستان وباكستان وإيران ودول آسيا الوسطى وأذربيجان ({الشرق الأوسط})
ينظم داعش صفوفه ويقوم بتجنيد مقاتلين جدد إلى صفوفه في ولاية خراسان التي يطلقون عليها اسم «داخا» التي تشمل كلا من أفغانستان وباكستان وإيران ودول آسيا الوسطى وأذربيجان ({الشرق الأوسط})

ما زال تنظيم داعش في ولاية خراسان، التي تشمل كلا من أفغانستان وباكستان وإيران ودول آسيا الوسطى وأذربيجان، يقوم بتجنيد مقاتلين جدد إلى صفوفه، كذلك ما زال في طور إنشاء وترتيب البيت الداخلي قبل القيام بتنفيذ عمليات كبرى قد تنطلق قريبا.
لكن من جانب آخر، يثير احتمال تمدد «داعش»، بجانب تصرفات بعض أجنحة حركة طالبان، المنقسمة على ذاتها، مخاطر افتعال فتنة طائفية في أعقاب المجزرة البشعة التي ارتكبت أخيرا في ولاية زابل، وراح ضحيتها عدد من أبناء عرقية الهزارة الشيعية، المتحدرة من أصول مغولية - ألطائية.
قيادة «داعش» في أفغانستان والمنطقة المشار إليها تعود في الظاهر إلى قيادات سابقة في حركة «طالبان باكستان» على رأسهم حافظ سعيد، الذي انشق عن تلك الحركة، وأعلن ولاءه لـ«أبو بكر البغدادي». وجدير بالإشارة أن قيادات «داعش» في المنطقة تطلق على ولاية خراسان اسم «داخا»، أي «الدولة الإسلامية في خراسان»، والتي قد تضم لاحقا جنوب آسيا، إضافة إلى أذربيجان وإيران، وأخيرا انضمت مجموعات منشقة عن «طالبان أفغانستان»، في مناطق كونر ونورستان وباكتيكا بشرق البلاد، إلى هذا التنظيم. وكان من أهم قيادات «داعش أفغانستان» أيضا عبد الرحيم مسلم دوست، وهو قيادي سابق في «طالبان أفغانستان»، وسبق أن اعتقلته القوات الأميركية ونقلته إلى «غوانتانامو»، ثم بعد إطلاق سراحه انضم مجددا إلى «طالبان»، وعُيِّن قاضيا في منطقة وزيرستان الشمالية، وله مؤلفات عدة باللغتين البشتونية والعربية، وفي أيام ما يسمى «الجهاد الأفغاني» كان عضوا بارزا في الحزب الإسلامي، بقيادة الراحل مولوي يونس خالص.
أيضا، من أهم القيادات كذلك الداعشي الأفغاني الملا عبد القهار، وهو زعيم جماعة متشددة في ولاية كونر، انضم إلى تنظيم «داعش»، ولدى جماعته مئات من المقاتلين الأفغان والباكستانيين والعرب، إضافة إلى الطاجيك والأوزبك والشيشان.
ويسعى تنظيم داعش في أفغانستان حاليا للتمدد والتوسع على حساب «طالبان أفغانستان» التي نشب فيها الخلاف بعد وفاة زعيم الجماعة ومؤسسها، الملا عمر، وتبدو الفرصة متاحة لمقاتلي «داعش» للحضور والانتشار في أفغانستان للأسباب التالية:
1) أن الخلافات بين «طالبان أفغانستان» وصلت إلى ذروتها، وهناك اشتباكات عنيفة تدور حاليا بين مجموعتين من طالبان بعد وفاة زعيم الحركة الملا عمر، فالجماعة المنشقة، بقيادة الملا رسول، حشدت قواها وهي تقاتل ضد الأمير الجديد، الملا أختر منصور، في ولاية زابل، وفي مناطق أخرى، وسط أنباء عن سقوط العشرات بين قتيل وجريح من الطرفين. ولقد اتهم الملا عبد المنان نيازي، المتحدث السابق وأحد أعضاء المجموعة المنشقة، الزعيم الجديد لـ«طالبان» (الملا أختر منصور) بأنه هو من قتل مؤسس الحركة الملا عمر بالتواطؤ مع الاستخبارات الباكستانية، وإضافة إلى ذلك هناك خلافات قبلية شديدة بين القيادات المنشقة، والزعامة الجديدة قد تعزز الانشقاق.
من المؤكد أن المستفيد الأول من هذه الخلافات هو تنظيم داعش، الذي سيتمدد على حساب «طالبان» في كثير من مناطق التوتر، لا سيما في جنوب أفغانستان وشرقها، وهي المناطق التي تعد مهيأة من ناحية العادات والتقاليد القبلية والأفكار المتطرفة لانتشار فكر «داعش» المتطرف.
2) تنظيم «داعش» لديه الأموال والمعدات القتالية بكميات أكبر بكثير مما بحوزة طالبان في الوقت الحالي، ومن شأن هذا العامل أن يؤدي إلى اجتذاب المزيد من مسلحي طالبان إلى صفوف «داعش».
في المقابل، هناك بعض المعوقات والعقبات التي سيواجهها تنظيم داعش في أفغانستان، وهي تتلخص في ما يلي:
1) المجتمع الأفغاني مجتمع محافظ، ويعتنق الإسلام التقليدي غير المتطور، ولا يعرف للدين سوى تفسير واحد ممزوج بالأعراف والتقاليد القبلية. وثمة ممارسات تعد من المحرمات لدى المجتمع الأفغاني، منها ممارسات يلتزم بها «داعش» بحرفيتها، وهذا جانب ينتظر أن يعرقل تمدد «داعش» في أفغانستان، لتعارض فكره وممارساته مع عادات الأفغان وتقاليدهم.
2) من عادة الأفغان رفض الإملاءات الخارجية عليهم، حتى لو كان ذلك باسم الدين والمذهب.
3) هناك رفض لدى غالبية الإثنيات الأفغانية لفكرة انتشار مقاتلين أجانب في مناطقهم، وهذا يعني أن معظم الأفغان ينظرون إلى الوجود العسكري الأجنبي - حتى لو كان باسم الدين - بعين الريبة والشك.
4) المدارس الدينية الموجودة في أفغانستان مدارس تقليدية تعارض الأفكار «الداعشية» المتطرفة.
5) الأقلية الشيعية في أفغانستان مسالمة، ولا يمكن أن تدخل في صراع مسلح مع «داعش» أو غيره من الجماعات المسلحة على أساس طائفي.
لهذه الأسباب وغيرها من الصعب، وفقا للمراقبين، تمدد «داعش» أو نجاح حضوره في الأراضي الأفغانية لمدة أطول، أضف إلى ذلك الغضب الجماهيري والشعبي الكبير لدى الأفغان إزاء ما ارتكبه «داعش أفغانستان» من عمليات خطف أشخاص وقتلهم من عرقية «الهزارة» الشيعية، ثم قطع رؤوسهم في ولاية زابل بجنوب شرقي أفغانستان. ولقد أثارت هذه الجريمة سخطا واستنكارا واسعين في الشارع الأفغاني، وسارت مظاهرات شعبية في مختلف المدن تدعو إلى تطهير المناطق من مقاتلي «داعش»، وإلحاق الهزيمة بهم قبل أن يتحول التنظيم إلى قوة كبرى.
والحقيقة أنه لأول مرة في أفغانستان خرجت مظاهرة حاشدة شارك فيها عشرات الآلاف من المواطنين في العاصمة كابل أخيرا، للتنديد بالعنف الشديد الذي تتعرض له أقلية «الهزارة» الشيعية، وانتقاد السلطات، التي اتهمها المتظاهرون بأنها لا توفر حماية كافية لها، بينما تتعرض لاضطهاد طائفي من حركة طالبان ومقاتلين يدعون أنهم ينتمون إلى تنظيم داعش. ولقد أطلقت قوات الأمن الأفغانية أعيرة نارية تحذيرية مع اقتراب المسيرة الحاشدة ضد العنف تجاه «الهزارة» من القصر الرئاسي في وسط كابل.
المتظاهرون انطلقوا تحت المطر من غرب العاصمة وهم يحملون نعوش سبعة من «الهزارة»، مطالبين بإحقاق العدل في قضية مقتل هؤلاء بقطع رؤوسهم في زابل، في ما يعد «جريمة حرب»، كما تقول الأمم المتحدة. وأطلق المتظاهرون أيضا هتافات معادية لطالبان و«داعش» المتهمين بارتكاب الجريمة، وحملوا لافتات كتبوا عليها «انتقام» و«احترمونا» و«اليوم يقتلوننا وغدا دوركم»، في إشارة واضحة إلى طالبان و«داعش». كذلك رددوا هتافات مناوئة للرئيس الدكتور أشرف غني أحمد زي، الذي ينتمي إلى عرقية البشتون، ورئيس الحكومة الدكتور عبد الله عبد الله، الذي ينحدر من أب بشتوني وأم طاجيكية، مكررين: «غني استقل!.. عبد الله استقل!»، واتهموهما بالتقصير في حماية الهزارة. وبعد خطابات نارية حاول عدد من المتظاهرين تسلق أحد أسوار القصر الرئاسي، بحسب صور نشرت في التلفزيونات المحلية وشبكات التواصل الاجتماعي، مثل «فيسبوك» و«تويتر». ولقد صرح صديق صديقي، المتحدث باسم وزارة الداخلية الأفغانية، قائلا: «إن أعيرة نارية تحذيرية أطلقت، وتفرق المتظاهرون، لكن مع الأسف أصيب خمسة من المتظاهرين إصابات طفيفة»، لكنه لم يوضح الجهة التي أطلقت النار من الشرطة أو الجيش أو الحرس الرئاسي.
يشكل الهزارة، المعروفون بملامحهم الآسيوية (المغولية)، أكثر من عشرة في المائة من سكان أفغانستان، وكانوا قد تعرضوا للاضطهاد، خصوصا في عهد حركة طالبان المتشددة، التي حكمت البلاد بين 1996 و2001. وهم يؤكدون أن وضعهم يزداد هشاشة في مواجهة متمردي طالبان الذين وسعوا تمردهم من معاقلهم في جنوب البلاد وشرقها باتجاه شمال أفغانستان الذي كان هادئا من قبل.
وكما سبقت الإشارة، كان السبب وراء هذا الاحتجاج الكبير غير المسبوق في تاريخ أفغانستان سلسلة عمليات خطف طالت أبناء «الهزارة» في الطرقات العامة الرابطة بين كابل وجنوب أفغانستان، وأثناء تنقلاتهم بين المدن الكبيرة، حيث تخضع غالبية الطرق الرئيسية لمقاتلي طالبان ومسلحي «داعش» الذين يشنون هجمات متقطعة، ويقومون بخطف موظفي الدولة والمنتمين إليها على هذه الطرقات. أما الحادثة المأساوية التي انتهت بقتل الضحايا «الهزارة» السبعة، فحدثت عندما أقدمت مجموعة مسلحة على خطف واحد وثلاثين شخصا من «الهزارة» في جنوب البلاد، أفرج لاحقا عن أربعة وعشرين منهم، لكن سبعة آخرين، وهم أربعة رجال وامرأتان وطفل، قتلوا بقطع رؤوسهم. وعثرت السلطات المحلية على الجثث في زابل، حيث تدور معارك عنيفة بين فصائل متناحرة من طالبان خلال الأسابيع الأخيرة.
علي رضا باقري (42 سنة)، أحد «الهزارة» المشاركين في المظاهرة، قال: «نريد إحقاق العدل، ونحن متوجهون إلى القصر الرئاسي لمحاسبة قادتنا عديمي الكفاءة». وقال آخر اسمه محمد بامياني: «نريد أن نعرف لماذا تبدو الحكومة غير مبالية إلى هذا الحد». وأضاف: «نطالب باستقالة قادتنا، لأنهم غير فاعلين وفاسدون».
وعلى صلة بما حدث، أعلنت وكالة الاستخبارات الأفغانية الثلاثاء قبل الماضي أنها حررت ثمانية مخطوفين شيعة، بينما أعلنت مديرية الأمن الوطني، في بيان، تحرير خمسة رجال وامرأتين وفتى في ولاية غزنة، من دون مزيد من التفاصيل. أما الرئيس أشرف غني فقال، في مؤتمر صحافي عاجل بعد المظاهرات الشعبية، إن «قوات الأمن ستفعل ما بوسعها للعثور على القتلة الذين يسعون لبث الشقاق والخوف في أفغانستان التي تتسم بالتنوع الإثني (العرقي) والديني لسكانها». وقال رئيس بعثة الأمم المتحدة في أفغانستان، نيكولاس هايسم، في بيان، أرسل إلى وسائل الإعلام: «من الممكن أن تعادل جرائم القتل هذه جرائم حرب، ولا بد من إحالة مرتكبيها إلى القضاء».
مع هذا، تبقى تفاصيل جريمة قتل الضحايا السبعة غامضة.. الجريمة وقعت في منطقة خارجة عن سيطرة الحكومة، ويتواجه فيها منذ أيام فصيلان متناحران من طالبان، جناحي الملا أختر والملا محمد رسول.



«حزب الله»... خلايا قائمة وقادمة

متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي  (أ.ب)
متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي (أ.ب)
TT

«حزب الله»... خلايا قائمة وقادمة

متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي  (أ.ب)
متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي (أ.ب)

قبل نحو شهر تقريباً أدرجت السلطات البريطانية جماعة «حزب الله» بمؤسساتها المختلفة السياسية والعسكرية كمنظمة إرهابية، ومن قبلها مضت ألمانيا في الطريق عينه، الأمر الذي دفع المراقبين لشأن الميليشيات اللبنانية الجنسية الإيرانية الولاء والانتماء للتساؤل: «ما الجديد الذي جعل الأوروبيين يتصرفون على هذا النحو؟»

الشاهد أن الأمر لا يقتصر فقط على الجانب الأوروبي، بل أيضاً تبدو الولايات المتحدة الأميركية في حالة تأهب غير مسبوقة، وسباق مع الزمن في طريق مواجهة الخلايا النائمة «لحزب الله» على أراضيها، ناهيك عن تلك المنتشرة في الفناء اللوجيستي الخلفي، لها أي في أميركا اللاتينية.
غير أن الجديد والذي دفع جانبي الأطلسي لإعلان مواجهة شاملة لميليشيات «حزب الله» هو ما توفر لأجهزة الاستخبارات الغربية، والشرقية الآسيوية أيضاً، لا سيما تلك التي ترتبط بعلاقات تبادل أمني مع بروكسل وواشنطن، من معلومات تفيد بأن «حزب الله» ينسج خيوطاً إرهابية جديدة في دول أوروبية وأميركية وآسيوية، من أجل الاستعداد للمواجهة القادمة حكماً في تقديره بين طهران والغرب.
ليس من الجديد القول إن ميليشيات «حزب الله» هي أحد أذرع الإيرانيين الإرهابية حول العالم، وقد أعدت منذ زمان وزمانين من أجل اللحظة المرتقبة، أي لتكون المقدمة الضاربة في إحداث القلاقل والاضطرابات، ومحاولة ممارسة أقصى وأقسى درجات الضغط النفسي والمعنوي على الأوروبيين والأميركيين، مع الاستعداد التام للقيام بعمليات عسكرية سواء ضد المدنيين أو العسكريين في الحواضن الغربية حين تصدر التعليمات من نظام الملالي.
مؤخراً أشارت عدة مصادر استخباراتية غربية لعدد من وسائل الإعلام الغربية إلى الخطة الجديدة لـ«حزب الله» لإنشاء شبكات موالية له في العديد من مدن العالم شرقاً وغرباً، الأمر الذي أماطت عنه اللثام صحيفة «لوفيغارو» الفرنسية بنوع خاص والتي ذكرت في تقرير مطول لـ«نيكولا باروت»، أن فكر التقية الإيراني الشهير يمارس الآن على الأرض، بمعنى أن البحث يجري على قدم وساق من أجل تجنيد المزيد من العناصر لصالح ميليشيات «حزب الله»، لكن المختلف هو انتقاء عناصر نظيفة السجلات الأمنية كما يقال، أي من غير المعروفين للأجهزة الأمنية والاستخباراتية سواء الأوروبية أو الآسيوية أو الأميركية.
هل الحديث عن عناصر «حزب الله» في الغرب قضية حديثة أم محدثة؟
الواقع أنهما الأمران معا، بمعنى أن ميليشيات «حزب الله» كثفت حضورها الخارجي في الأعوام الأخيرة، لا سيما في أميركا اللاتينية، وهناك جرى إنشاء «كارتلات» تعمل على تهريب البشر والسلاح والمخدرات من جهة، وتتهيأ لمجابهة أميركا الشمالية من ناحية أخرى.
ولعل المثال الواضح على قصة هذا الاختراق لدول القارة اللاتينية يتمثل في قضية الإرهابي سلمان رؤوف سلمان، الذي شوهد مؤخراً في بوغوتا بكولومبيا، والذي ترصد الولايات المتحدة الأميركية عدة ملايين من الدولارات لاقتناصه، بوصفه صيداً ثميناً يحمل أسرار ميليشيات «حزب الله» في القارة الأميركية الجنوبية برمتها.
أما المثال الآخر على الخلايا النائمة في الولايات المتحدة الأميركية فيتمثل في شخص علي كوراني الذي تم القبض عليه في نيويورك بعد أن تم تجنيده لصالح «حزب الله» لتنفيذ هجمات إرهابية، حال تعرض إيران أو «حزب الله» في لبنان لهجمات من جانب الولايات المتحدة الأميركية، ولاحقاً أكدت التحقيقات التي جرت معه من قبل المباحث الاتحادية الأميركية أنه أحد أعضاء وحدة التخطيط للهجمات الخارجية في الحزب والمعروفة بـ«الوحدة 910».
كارثة كوراني تبين التخطيط الدقيق لإيران وأذرعها لإصابة الدول الغربية في مقتل، ذلك أنه كان دائم التنقل بين كندا والولايات المتحدة، حيث حاول تهريب متفجرات من كندا إلى الداخل الأميركي.
كان كوراني مثالاً على الخلايا النائمة التابعة «لحزب الله» في دول العالم، لا سيما أنه ينتمي لعائلة معروفة بصلاتها الوثيقة مع الحزب، وقد التحق بمعسكر تدريب تابع للحزب عندما كان في السادسة عشرة من عمره، وتعلم إطلاق النار، والقذائف الصاروخية قبل أن يجند كجزء من خطة للانتقام لمقتل عماد مغنية أحد قادة «حزب الله» رفيعي المستوى الذي قضى بسيارة مفخخة في دمشق عام 2008.
هل كان القبض على كوراني المدخل للخطط الجديدة لميليشيات «حزب الله» لنسج خيوط شبكات إرهابية جديدة غير معروفة لقوى الأمن والاستخبارات الدولية؟
يمكن أن يكون ذلك كذلك بالفعل، ولهذا تقضي الآلية الجديد تجنيد عناصر غير عربية، وغالباً ما يكون المعين المفضل من دول شرق وجنوب آسيا، والتي تكثر فيها الحواضن المشبعة بالإرهاب الأصولي، وقد كان آخر شخص تم الاشتباه فيه مهندس باكستاني لا يتجاوز الثلاثة عقود من عمره، وبدا أنه على اتصال «بحزب الله».
ويعزف القائمون على الميليشيات الخاصة «بحزب الله» على الأوتار الدوغمائية الشيعية تحديداً، ويستغلون الكراهية التقليدية تجاه الولايات المتحدة الأميركية والقارة الأوروبية، ويلعبون على أوتار القضايا الدينية، مظهرين الصراع بين إيران والغرب على أنه صراع ديني وليس آيديولوجياً، وفي الوسط من هذا يقومون بتجنيد من يقدرون على تعبئتهم، وفي هذا تكون الكارثة لا الحادثة، أي من خلال استخدام جوازات سفرهم الأجنبية أو تزويد بعضهم الآخر بجوازات سفر قد تكون حقيقية مسروقة، أو مزورة، ليمثلوا حصان طروادة في الجسد الأوروبي أو الأميركي.
لا تكتفي خطط ميليشيات «حزب الله» الخاصة بإعداد شبكات إرهابية جديدة في الغرب بالطرق التقليدية في تجنيد عناصر جديدة من الصعب متابعتها، بل يبدو أنها تمضي في طريق محاكاة تنظيم «داعش» في سعيه لضم عناصر إرهابية إضافية لصفوفه عبر استخدام وسائط التواصل الاجتماعي الحديثة من مخرجات الشبكة العنكبوتية الإنترنت، مثل «فيسبوك» و«تويتر» و«إنستغرام».
في هذا السياق تبدو الخطط الجديدة لـ«حزب الله» كمن ينسج شبكات إرهابية في العالم الرقمي، بمعنى أنها خطط لتجنيد المزيد من «الذئاب المنفردة»، تلك التي يمكن أن يتفتق ذهنها عن وسائل انتقام غير مدرجة من قبل على خارطة الأعمال الإرهابية، فكما كان استخدام الشاحنات للدهس في أوروبا أداة غير معروفة، فمن الجائز جداً أن نرى آليات جديدة تمارس بها الجماعة الإيرانية الخطى طريقها في إقلاق الحواضن الغربية.
يتساءل المراقبون أيضاً هل من دافع جديد يقودها في طريق شهوة الانتقام غير المسبوقة هذه؟
من الواضح جداً أن قيام الولايات المتحدة الأميركية باغتيال قاسم سليماني، والتهديدات التي أطلقها «إسماعيل قاآني»، قائد فيلق القدس الجديد، ضمن صفوف الحرس الثوري الإيراني، بأن تملأ جثث الأميركيين الشوارع، هي وراء تسريع إيران في طريق دفع ميليشيات «حزب الله» في تغيير طرق تجنيد واكتساب عملاء جدد يكونون بمثابة رؤوس حراب في المواجهة القادمة.
خلال صيف العام الماضي كشفت مصادر استخباراتية لصحيفة «ديلي تليغراف» البريطانية عن أن الأزمة مع إيران قد تتسبب في إيقاظ خلايا إرهابية نائمة، وتدفعها إلى شن هجمات إرهابية على بريطانيا، ولفتت المصادر عينها إلى الخلايا يديرها متشددون مرتبطون بـ«حزب الله» اللبناني.
ولم تكن هذه تصريحات جوفاء أو عشوائية، وإنما جاءت بعد أن كشفت شرطة محاربة الإرهاب في عام 2015 في بريطانيا عن خلية جمعت أطناناً من المتفجرات في متاجر بضواحي لندن، موضحة أن إيران وضعت عملاءها في «حزب الله» على استعداد لشن هجمات في حالة اندلاع نزاع مسلح، وهذا هو الخطر الذي تشكله إيران على الأمن الداخلي في بريطانيا.
والثابت أنه لا يمكن فصل مخططات ميليشيات «حزب الله» الخاصة بتجنيد عناصر ونسج شبكات جديدة عن الموقف الواضح لـ«حزب الله» من الصراع الدائر بين أميركا وإيران، فهي ترغب في القتال، وهو ما أشار إليه حسن نصر الله أمين عام الحزب في مقابلة تلفزيونية مع قناة المنار التابعة لجماعته عندما أجاب على سؤال حول ما ستفعله الجماعة في حال نشوب حرب بين إيران والولايات المتحدة، إذ أجاب بسؤال استفهامي أو استنكاري على الأصح في مواجهة المحاور: «هل تظن أننا سنقف مكتوفي الأيدي؟ إيران لن تحارب وحدها، هذا أمر واضح وضوح الشمس، هكذا أكد نصر الله».
هل قررت إيران إذن شكل المواجهة القادمة مع الولايات المتحدة الأميركية، طالما ظلت العقوبات الاقتصادية الأميركية قائمة وموجعة لهيكل إيران التكتوني البنيوي الرئيسي؟
فوفقا لرؤية «ماثيو ليفيت» مدير برنامج ستاين لمكافحة الإرهاب والاستخبارات في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، يبدو أن إيران و«حزب الله» لن يعتمدا المواجهة المباشرة مع الولايات المتحدة في حال نشوب حرب بين واشنطن طهران، إذ سيتم إيقاظ «الخلايا النائمة» من سباتها في الداخل الأميركي الشمالي والجنوبي أولاً، عطفاً على ذلك إعطاء الضوء الأخضر للعناصر والشبكات الجديدة بإحداث أكبر خسائر في صفوف الأوروبيين، وتجاه كل ما يشكل أهدافاً ومصالح أميركية من شمال الأرض إلى جنوبها، ومن شرقها إلى غربها دفعة واحدة.
الخلاصة... العالم أمام فصل جديد مقلق من تنامي مؤامرات «حزب الله» والتي ظهرت خلال السنوات القليلة الماضية خارج الشرق الأوسط، ربما بشكل لا يقل إقلاقاً عن الدور الذي يلعبه على التراب الوطني اللبناني في حاضرات أيامنا، ما يجعل التفكير في حصار هذا الشر أمراً واجب الوجود كما تقول جماعة الفلاسفة، من غير فصل مشهده عن حجر الزاوية الذي يستند إليه، أي إيران وملاليها في الحال والمستقبل.