دمشق عاصمة النساء الثكالى.. وشبانها رهن الإقامة الجبرية

تقديرات عن سوق 17 ألف شاب للخدمة الإلزامية والاحتياط وأنباء عن صدور قوائم جديدة

دمشق عاصمة النساء الثكالى.. وشبانها رهن الإقامة الجبرية
TT

دمشق عاصمة النساء الثكالى.. وشبانها رهن الإقامة الجبرية

دمشق عاصمة النساء الثكالى.. وشبانها رهن الإقامة الجبرية

كيفما نقلت نظرك بين فاترينات المحلات التجارية في العاصمة السورية دمشق، تجد إعلان «مطلوب عامل ذو خبرة». أي مطلوب شباب للعمل في المحلات، أما على كوات الأفران ومراكز تسديد فواتير الماء والكهرباء والهاتف وطوابير المازوت والغاز، فإن أعداد النساء في الطوابير المخصصة لهن تفوق أعداد الرجال بعدة أضعاف، الذين لم يعد يظهر منهم في شوارع دمشق سوى الشيوخ والأطفال.
خلال أقل من شهر عدا العسكر وقوات الأمن المنتشرين على الحواجز بالكاد ترى شابا في المرحلة العمرية بين 20 و40 سنة. وكما يقول أحمد. م (طبيب، عمره 35 سنة): «الشباب السوريون بين قتيل ومعتقل ومهاجر.. ومن تبقى منهم رهن الإقامة الجبرية في منزله منذ شهر تقريبا». ويؤكد أحمد م. وهو معفى من الخدمة العسكرية لأنه وحيد بأن زملاءه من الأطباء المتخصصين «يختبئون في منازلهم ولا يجرؤون على الخروج حتى ولو إلى دكان البقالة في الحي. وكلهم يعملون عبر معارفهم على التوسط للحصول على إعفاء أو الهروب خارج البلد».
أما سهام. ع (45 سنة، وهي موظفة في شركة تجارية في بيروت) فقد اضطرت لأخذ إجازة من دون راتب من أجل العودة إلى دمشق لرعاية والديها المسنين وتأمين مستلزمات الشتاء كوقود التدفئة وغاز للمطبخ وملابس وأدوية وتسديد فواتير، وذلك لعجز شقيقها المقيم مع والديها عن الخروج من المنزل لمتابعة تأمين تلك الحاجات. وبكثير من الحزن تقول: «لم أعد أعرف مدينتي دمشق. لقد تغيرت عن آخر زيارة لي منذ ستة أشهر. إنها مدينة خائفة كئيبة لا شباب ولا رجال في شوارعها، صارت مدينة الفقراء والنساء الثكالى».
تعددت الأسباب التي أفرغت دمشق من الشباب في ظل حرب عبثية، تبدو بلا نهاية، عصفت بالحياة الاجتماعية والاقتصادية ودفعت الملايين للهروب عبر البحار إلى كل أصقاع العالم. من أبرز الأسباب حملات الاعتقال الواسعة التي تشنها الأجهزة الأمنية التابعة للنظام منذ مارس (آذار) 2011 الذي شهد انطلاق الثورة وزج أكثر من مائتي ألف سوري معظمهم من الشباب في الأقبية، مرورًا بالحرب الضروس بين قوات النظام والمعارضة المسلحة التي خطفت أرواح مئات الآلاف ودفعت الملايين للفرار والتشرد، وليس انتهاءً بعصابات الخطف والقتل والنهب والمتاجرة بأرواح البشر. ومن ثم، يضاف إلى كل ذلك شن النظام حملة غير مسبوقة لسوق «المتخلفين عن الخدمة العسكرية الإلزامية والمطلوبين لخدمة الاحتياط» وهؤلاء يشكلون شريحة تشمل الشباب بين سني 18 و42 سنة، ممن لم يملكوا تأجيلا ساريا أو إعفاء والذين جرى استدعاؤهم للخدمة الاحتياطية.
شبكة «شاهد من قلب الحدث» السورية المعارضة تقول: إنها حصلت على معلومات حصرية تفيد بأن هذه الحملة (لجمع المتخلفين عن الخدمة الإلزامية والاحتياط) سحبت نحو 17 ألف شاب حتى الآن من مدينة دمشق وريفها.
كما جرى تعميم قوائم جديدة بأسماء المطلوبين من أعمار أكبر تصل إلى من هم من مواليد عام 1975م. وأضافت «الشبكة» أن حملة السَّوق إلى الخدمة العسكرية ستنتقل إلى محافظة طرطوس الساحلية التي يوجد فيها ما يقارب 30 ألف اسم مطلوب للاحتياط.
وكان ناشطون قد قالوا في وقت سابق بأن أجهزة النظام عممت على الحواجز داخل مناطق سيطرة النظام في دمشق وريفها قوائم بأسماء ثمانين ألف مطلوب للخدمة الإلزامية ولخدمة الاحتياط. وأدت هذه الحملة إلى اختفاء الشباب من الشوارع والمحال، وباتت الأسواق تغلق في وقت أبكر من المعتاد مساء. ورغم ذلك تسببت الحملة باختناقات مرورية جراء احتجاز السيارات وحافلات النقل الداخلي عند الحواجز لساعات طويلة للتدقيق بالبطاقات الشخصية وتفتيش بطاقات الشباب. وبثت شبكة «مراسل سوري» صورًا هي الأولى بسبب منع النظام التصوير في الشوارع، وتظهر الصور الملتقطة سرًا طوابير المدنيين عند حاجز «نيو هورايزون» في دمشق، لتوقيف الشباب واحتجاز بطاقتهم الشخصية والتحقق من بيانات التأجيل أو الإعفاء، كما يظهر في الصور العشرات من أقارب الموقوفين وأهاليهم ينتظرون في محيط الحاجز. وخلال الأسابيع الأخيرة انتشرت عشرات الحواجز الطيارة في الشوارع الحيوية وعند التقاطعات الرئيسية في العاصمة مثل «شارع الثورة وشارع بغداد وساحة الميسات والميدان والزاهرة والمجتهد». وتقوم هذه الحواجز «بتفتيش» جميع الشباب واعتقال المطلوبين منهم ونقلهم بحافلات إلى منطقة «الدريج» في ريف دمشق ليتم إعادة التأكد من وضعهم العسكري، تمهيدًا لإرسالهم لاحقًا إلى القطع والجبهات العسكرية.
ولقد استغلت عصابات الخطف هذه الحالة، حيث سجلت حوادث اختطاف لشبان داخل دمشق بهدف الحصول على فدية من قبل عصابات تدعي أنها تابعة للأجهزة الأمنية. وبينما صدرت تحذيرات شبه رسمية عبر وسائل الإعلام خاصة تابعة للأجهزة الأمنية من عصابات النصب والاحتيال والخطف التي تستغل الأوضاع والحالة الأمنية، وإخبار أقرب حاجز أو دورية شرطة أو دورية أمنية في حال حصول أي حادثة، والانتباه إلى أنه لا توجد دورية شرطة أو دورية أمنية أو دورية عسكرية مؤلفة من شخصين، حيث إن عدد عناصر الدورية على الأقل هو 4 أشخاص.
ولا يوجد سحب للاحتياط أو العسكرية في الطرقات والأرصفة، وإنما يجري ذلك عبر حواجز ثابتة أو طيارة واضحة للجميع. ودائما يكون مع الدورية قائد بحوزته جهازا لاسلكيا، والدورية لا تحمل مسدسات أو سكاكين، بل تحمل بنادق. كما أن للسيارات الأمنية لها نمرة واضحة وليس بلا نمرة أو نمرة ممسوحة.



الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)

كثّفت الجماعة الحوثية استهدافها مدرسي الجامعات والأكاديميين المقيمين في مناطق سيطرتها بحملات جديدة، وألزمتهم بحضور دورات تعبوية وزيارات أضرحة القتلى من قادتها، والمشاركة في وقفات تنظمها ضد الغرب وإسرائيل، بالتزامن مع الكشف عن انتهاكات خطيرة طالتهم خلال فترة الانقلاب والحرب، ومساعٍ حثيثة لكثير منهم إلى الهجرة.

وذكرت مصادر أكاديمية في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن مدرسي الجامعات العامة والخاصة والموظفين في تلك الجامعات يخضعون خلال الأسابيع الماضية لممارسات متنوعة؛ يُجبرون خلالها على المشاركة في أنشطة خاصة بالجماعة على حساب مهامهم الأكاديمية والتدريس، وتحت مبرر مواجهة ما تسميه «العدوان الغربي والإسرائيلي»، ومناصرة فلسطينيي غزة.

وتُلوّح الجماعة بمعاقبة مَن يتهرّب أو يتخلّف من الأكاديميين في الجامعات العمومية، عن المشاركة في تلك الفعاليات بالفصل من وظائفهم، وإيقاف مستحقاتهم المالية، في حين يتم تهديد الجامعات الخاصة بإجراءات عقابية مختلفة، منها الغرامات والإغلاق، في حال عدم مشاركة مدرسيها وموظفيها في تلك الفعاليات.

أكاديميون في جامعة صنعاء يشاركون في تدريبات عسكرية أخضعهم لها الحوثيون (إعلام حوثي)

وتأتي هذه الإجراءات متزامنة مع إجراءات شبيهة يتعرّض لها الطلاب الذين يجبرون على حضور دورات تدريبية قتالية، والمشاركة في عروض عسكرية ضمن مساعي الجماعة لاستغلال الحرب الإسرائيلية على غزة لتجنيد مقاتلين تابعين لها.

انتهاكات مروّعة

وكان تقرير حقوقي قد كشف عن «انتهاكات خطيرة» طالت عشرات الأكاديميين والمعلمين اليمنيين خلال الأعوام العشرة الماضية.

وأوضح التقرير الذي أصدرته «بوابة التقاضي الاستراتيجي»، التابعة للمجلس العربي، بالتعاون مع الهيئة الوطنية للأسرى والمختطفين، قبل أسبوع تقريباً، وغطّي الفترة من مايو (أيار) 2015، وحتى أغسطس (آب) الماضي، أن 1304 وقائع انتهاك طالت الأكاديميين والمعلمين في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية التي اتهمها باختطافهم وتعقبهم، ضمن ما سمّاها بـ«سياسة تستهدف القضاء على الفئات المؤثرة في المجتمع اليمني وتعطيل العملية التعليمية».

أنشطة الجماعة الحوثية في الجامعات طغت على الأنشطة الأكاديمية والعلمية (إكس)

ووثّق التقرير حالتي وفاة تحت التعذيب في سجون الجماعة، وأكثر من 20 حالة إخفاء قسري، منوهاً بأن من بين المستهدفين وزراء ومستشارين حكوميين ونقابيين ورؤساء جامعات، ومرجعيات علمية وثقافية ذات تأثير كبير في المجتمع اليمني.

وتضمن التقرير تحليلاً قانونياً لمجموعة من الوثائق، بما في ذلك تفاصيل جلسات التحقيق ووقائع التعذيب.

ووفق تصنيف التقرير للانتهاكات، فإن الجماعة الحوثية نفّذت 1046 حالة اختطاف بحق مؤثرين، وعرضت 124 منهم للتعذيب، وأخضعت اثنين من الأكاديميين و26 من المعلمين لمحاكمات سياسية.

وتشمل الانتهاكات التي رصدها التقرير، الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري والتعذيب الجسدي والنفسي والمحاكمات الصورية وأحكام الإعدام.

عشرات الأكاديميين لجأوا إلى طلب الهجرة بسبب سياسات الإقصاء الحوثية وقطع الرواتب (إكس)

وسبق أن كشف تقرير تحليلي لأوضاع الأكاديميين اليمنيين عن زيادة في طلبات العلماء والباحثين الجامعيين للهجرة خارج البلاد، بعد تدهور الظروف المعيشية، واستمرار توقف رواتبهم، والانتهاكات التي تطال الحرية الأكاديمية.

وطبقاً للتقرير الصادر عن معهد التعليم الدولي، ارتفعت أعداد الطلبات المقدمة من باحثين وأكاديميين يمنيين لصندوق إنقاذ العلماء، في حين تجري محاولات لاستكشاف الطرق التي يمكن لقطاع التعليم الدولي من خلالها مساعدة وتغيير حياة من تبقى منهم في البلاد إلى الأفضل.

إقبال على الهجرة

يؤكد المعهد الدولي أن اليمن كان مصدر غالبية الطلبات التي تلقّاها صندوق إنقاذ العلماء في السنوات الخمس الماضية، وتم دعم أكثر من ثلثي العلماء اليمنيين داخل المنطقة العربية وفي الدول المجاورة، بمنحة قدرها 25 ألف دولار لتسهيل وظائف مؤقتة.

قادة حوثيون يتجولون في جامعة صنعاء (إعلام حوثي)

لكن تحديات التنقل المتعلقة بالتأشيرات وتكلفة المعيشة والاختلافات اللغوية الأكاديمية والثقافية تحد من منح الفرص للأكاديميين اليمنيين في أميركا الشمالية وأوروبا، مقابل توفر هذه الفرص في مصر والأردن وشمال العراق، وهو ما يفضله كثير منهم؛ لأن ذلك يسمح لهم بالبقاء قريباً من عائلاتهم وأقاربهم.

وخلص التقرير إلى أن العمل الأكاديمي والبحثي داخل البلاد «يواجه عراقيل سياسية وتقييداً للحريات ونقصاً في الوصول إلى الإنترنت، ما يجعلهم يعيشون فيما يُشبه العزلة».

وأبدى أكاديمي في جامعة صنعاء رغبته في البحث عن منافذ أخرى قائمة ومستمرة، خصوصاً مع انقطاع الرواتب وضآلة ما يتلقاه الأستاذ الجامعي من مبالغ، منها أجور ساعات تدريس محاضرات لا تفي بالاحتياجات الأساسية، فضلاً عن ارتفاع الإيجارات.

إجبار الأكاديميين اليمنيين على المشاركة في الأنشطة الحوثية تسبب في تراجع العملية التعليمية (إكس)

وقال الأكاديمي الذي طلب من «الشرق الأوسط» التحفظ على بياناته خوفاً على سلامته، إن الهجرة ليست غاية بقدر ما هي بحث عن وظيفة أكاديمية بديلة للوضع المأساوي المعاش.

ويقدر الأكاديمي أن تأثير هذه الأوضاع أدّى إلى تدهور العملية التعليمية في الجامعات اليمنية بنسبة تتجاوز نصف الأداء في بعض الأقسام العلمية، وثلثه في أقسام أخرى، ما أتاح المجال لإحلال كوادر غير مؤهلة تأهيلاً عالياً، وتتبع الجماعة الحوثية التي لم تتوقف مساعيها الحثيثة للهيمنة على الجامعات ومصادرة قرارها، وصياغة محتوى مناهجها وفقاً لرؤية أحادية، خصوصاً في العلوم الاجتماعية والإنسانية.

وفي حين فقدت جامعة صنعاء -على سبيل المثال- دورها التنويري في المجتمع، ومكانتها بصفتها مؤسسة تعليمية، تُشجع على النقد والتفكير العقلاني، تحسّر الأكاديمي اليمني لغياب مساعي المنظمات الدولية في تبني حلول لأعضاء هيئة التدريس، سواء في استيعابهم في مجالات أو مشروعات علمية، متمنياً ألا يكون تخصيص المساعدات لمواجهة المتطلبات الحياتية للأكاديميين غير مشروط أو مجاني، وبما لا يمس كرامتهم.