حكومة طرابلس الليبية تعترف بعلاقتها بالمتطرفين في درنة بعد معارك عنيفة

شائعات عن تعيين حفتر وزيرًا للدفاع.. وتقرير أممي يكشف عن انهيار عام للقانون

حكومة طرابلس الليبية تعترف بعلاقتها بالمتطرفين في درنة بعد معارك عنيفة
TT

حكومة طرابلس الليبية تعترف بعلاقتها بالمتطرفين في درنة بعد معارك عنيفة

حكومة طرابلس الليبية تعترف بعلاقتها بالمتطرفين في درنة بعد معارك عنيفة

في اعتراف علني بعلاقتها بالمتطرفين في مدينة درنة شرقي البلاد، أقامت السلطات التي تسيطر على العاصمة الليبية طرابلس، أمس، صلاة الغائب على قتلى سقطوا في مواجهات مع تنظيم داعش أول من أمس، فيما اتهم أحدث تقرير أممي الميليشيات المسلحة بارتكاب أعمال عنف وفوضى في البلاد.
شارك في مراسم صلاة الغائب على قتلى درنة خليفة الغويل، رئيس ما يسمى بحكومة الإنقاذ الوطني، واللواء عبد السلام العبيدي، رئيس الأركان العامة للجيش الموالي لها، بحضور عدد من كبار مسؤولي الحكومة والمؤتمر الوطني العام (البرلمان) السابق والمنتهية ولايته. وشهدت المراسم ترديد هتافات ضد الفريق خليفة حفتر، القائد العام للجيش الوطني الموالي للسلطات الشرعية المعترف بها دوليا، بعدما أشيع عن تعيينه رسميا في منصب وزير الدفاع بالحكومة الانتقالية التي يترأسها عبد الله الثني.
وعجز الثني حتى الآن، عن تعيين وزيرين للدفاع والداخلية في حكومته المكونة أساسا من عشر حقائب وزارية فقط، بسبب اعتراض مجلس النواب، الذي يتخذ من مدينة طبرق بأقصى الشرق الليبي مقرا له، على المرشحين لشغل المنصبين.
من جهتها، نعت حكومة الغويل ضابطين برتبة عقيد في الجيش لقيا حتفهما في المعارك التي خاضها ما يسمى بتنظيم مجلس شورى مجاهدي درنة ضد تنظيم داعش في المدينة، التي تعد المعقل الرئيسي للجماعات الإرهابية والمتطرفة شرقي البلاد. كما نعى الضابطين نوري أبو سهمين رئيس برلمان طرابلس، بصفته القائد الأعلى للجيش غير الموالي للشرعية.
واندلعت معارك عنيفة بين ميليشيات المجلس وعناصر «داعش» في منطقة الفتائح التي تعرضت لهجوم من ثلاثة محاور، بعدما أطلق مجلس شورى مجاهدي درنة عملية عسكرية بعنوان «معركة شهداء القبة» للرد على قيام «داعش» العام الماضي بسلسلة تفجيرات إرهابية راح ضحيتها نحو 50 شخصا من أهالي مدينة القبة.
إلى ذلك، وفي محاولة لرأب الصدع وتحجيم الخلافات بين أعضائه حول مقترحات بعثة الأمة المتحدة لتوقيع اتفاق سلام ينهي الصراع المحتدم منذ عامين على السلطة في البلاد، كشف برلمان طرابلس أمس النقاب عن اجتماع عقده أمس نائب رئيسه عوض عبد الصادق مع أعضاء البرلمان.
وقال بيان مقتضب للبرلمان الموجود في طرابلس إن الاجتماع ناقش الحوار السياسي الليبي وإجراء الترتيبات للمرحلة القادمة، وتوحيد الاستراتيجية العامة للبرلمان بالخصوص.
من جهة أخرى، كشف تقرير جديد حول حقوق الإنسان أصدرته الأمم المتحدة النقاب عن أن المجموعات التي بايعت تنظيم داعش تمكنت من السيطرة على مساحات من الأراضي الليبية، كما أنها أحكمت سيطرتها عليها، لافتا إلى أنها قامت بارتكاب تجاوزات جسيمة، بما فيها الإعدامات العلنية بإجراءات موجزة لأشخاص بسبب دياناتهم أو ولاءاتهم السياسية.
وأكد التقرير كذلك أن الصراعات السياسية وأعمال العنف المميتة التي ما زالت تعصف بليبيا أثارت عدة نزاعات مسلحة في كثير من المناطق، وأسهمت في انهيار عام في القانون والنظام. كما اتهم جميع الأطراف بارتكاب انتهاكات ضد القانون الإنساني الدولي، بما في ذلك تلك التي قد تشكل جرائم حرب، إضافة إلى انتهاكات أو مخالفات جسيمة ضد القانون الدولي لحقوق الإنسان.
ويوثق التقرير، الذي وزعته بعثة الأمم المتحدة في ليبيا بالاشتراك مع مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، القصف العشوائي للمناطق المدنية واختطاف المدنيين والتعذيب والإعدامات، علاوة على التدمير المتعمد للممتلكات، وغيرها من انتهاكات وتجاوزات جسيمة ضد القانون الدولي تمّ ارتكابها في أجزاء متعددة من البلاد حتى نهاية الشهر الماضي.
وطبقا للتقرير، فإن «الأطراف المتناحرة في جميع أرجاء ليبيا لم تول اعتبارًا كبيرًا لتفادي أو تقليص الخسائر في الأرواح المدنية أو الإصابات في صفوف المدنيين أو إلحاق الضرر بالأعيان المدنية». ولفت التقرير إلى أن العنف قد أدى إلى مئات الوفيات ونزوح جماعي وأزمات إنسانية في كثير من المناطق في ليبيا، مشيرا إلى قيام المجموعات المسلحة المتنافسة بنهب أو إحراق أو تدمير المنازل وغيرها من الممتلكات المدنية في ما يبدو أنه انتقام بسبب الولاء الفعلي أو المزعوم لأصحاب هذه الممتلكات.
ولاحظ أن هذه المجموعات استمرت في اختطاف مدنيين على أساس الروابط العائلية أو الأصول أو انتماءاتهم السياسية الفعلية أو المزعومة. وأوضح التقرير أن «كثيرا من المهاجرين وطالبي اللجوء واللاجئين أصبحوا ضحايا للعنف الوحشي والإكراه وإساءة المعاملة على أيدي المهربين في طرق التهريب، وفيما يطلق عليها اسم (بيوت الارتباط) حيث ينتظرون المغادرة إلى أوروبا». كما أشار إلى احتجاز آلاف الأفراد في السجون وغيرها من مراكز الاحتجاز الخاضعة للرقابة الرسمية لوزارات العدل والدفاع والداخلية، إضافة إلى مراكز تديرها المجموعات المسلحة بشكل مباشر، فيما أفادت تقارير متواترة عن وقوع تعذيب وغيره من ضروب سوء المعاملة.
ورصد أنه خلال الأسبوعين الماضيين، استهدف ما لا يقل عن ثمانية إعلاميين بهجمات شملت الاختطاف والمضايقة والتهديدات. ولا يزال شخص واحد على الأقل محروما بشكل تعسفي من حريته. وحذر من أن الانتهاكات وأعمال العنف لن تتوقف إلا بعد التوصل إلى تسوية سياسية دون تأخير، وبالاستناد إلى احترام حقوق الإنسان وسيادة القانون.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.