لبنان: قراءة في تفجير برج البراجنة المزدوج في معقل حزب الله

هل كان «داعش» يثأر من عملية عرسال أم ما حصل في كويرس؟

لبنانيون يعاينون دراجة نارية في موقع التفجير الإرهابي في الضاحية الجنوبية لبيروت يوم الخميس الماضي (رويترز)
لبنانيون يعاينون دراجة نارية في موقع التفجير الإرهابي في الضاحية الجنوبية لبيروت يوم الخميس الماضي (رويترز)
TT

لبنان: قراءة في تفجير برج البراجنة المزدوج في معقل حزب الله

لبنانيون يعاينون دراجة نارية في موقع التفجير الإرهابي في الضاحية الجنوبية لبيروت يوم الخميس الماضي (رويترز)
لبنانيون يعاينون دراجة نارية في موقع التفجير الإرهابي في الضاحية الجنوبية لبيروت يوم الخميس الماضي (رويترز)

استهدف هجوم انتحاري، خلال الأسبوع الفائت، شارع عين السكة بمنطقة برج البراجنة، في الضاحية الجنوبية للعاصمة اللبنانية بيروت، على مقربة من مخيم برج البراجنة الفلسطيني، أسفر عن مقتل 43 شخصا وإصابة 244 آخرين. هذه الحادثة المروعة إن دلّت على شيء فإنها تدل على نهاية فترة طويلة من الهدوء حاولت خلالها الحكومة اللبنانية وحزب الله اتخاذ إجراءات صارمة للحد من نشاط شبكات المتطرفين. أما تحليل مثل هذه التفجيرات فلا يمكن إجراؤه بمعزل عن السياق الأمني، حيث شهدت الساحة اللبنانية المحلية العديد من الخروق الأمنية خلال الأسابيع الأخيرة. كذلك لا يمكن النظر إليها بعيدا عن المتغيرات على الساحة السورية والإقليمية، بعدما نجح النظام السوري بمساعدة حزب الله، في الأسبوع الفائت، في فك الحصار عن مطار كويرس وطرد تنظيم داعش من محيطه. هذه الخسائر قد تفسّر هجوم الضاحية بوضعه في خانة عمليات ممنهجة على المستوى الإقليمي وليس فقط لبناني.

ظهر الإرهاب بعنف من جديد في لبنان آخذًا هذه المرة شكل تفجير انتحاري مزدوج في محلة برج البراجنة المكتظة بالسكان داخل الضاحية الجنوبية، التي تعرف بأنها معقل حزب الله في لبنان.
لقد دخل انتحاريان إلى الشارع الرئيسي في محلة برج البراجنة المعروفة بالسوق الشعبية في عين السكة سيرا على الأقدام. فقام الانتحاري الأول بتفجير نفسه أمام فرن، تلاه إقدام إرهابي آخر على تفجير نفسه بالقرب من موقع الانفجار الأول بعد بضع دقائق فقط، مما أدى إلى وقوع عدد كبير من القتلى والجرحى في صفوف المدنيين.
التحقيقات الأولية كشفت عن وجود انتحاري ثالث عثر على جثته على الأرض مزنّرا بحزام ناسف لم ينفجر. وبحسب شهود عيان قتل الانتحاري الثالث متأثرا بإصابته في التفجير الثاني، لكن المدعي العام التمييزي القاضي سمير حمود لم يؤكّد هذه الرواية، بل صرّح بعد تفقده مكان التفجيرين الإرهابيين في برج البراجنة بأن «العملية كانت مزدوجة، وهما تفجيران، ولم يثبت إلى الآن أن الانتحاريين كانوا ثلاثة، والموضوع قيد المتابعة».
هذا التفجير المزدوج هو الأول الذي يستهدف الضاحية الجنوبية لبيروت منذ يونيو (حزيران) 2014 عندما انفجرت سيارة مفخخة أسفرت حينها عن مقتل ضابط من الأمن العام حاول توقيف الانتحاري. وقبل ذلك، وبين يوليو (تموز) 2013 وفبراير (شباط) 2014، تعرّضت معاقل حزب الله لتسع هجمات.
هذه المرة، ما إن وقع تفجيرا برج البراجنة حتى أصدر «داعش» بيانا تبنى فيه هذا الهجوم. وبناءً على المعلومات التي جرى تناقلها، والتي لا يمكن لـ«الشرق الأوسط» أن تؤكدها، فإن اثنين من الانتحاريين، هما من الجنسية الفلسطينية، قاما بالتفجيرين. وعلى الرغم من أن هذه المعلومات ما زالت غير مؤكدة، فإنه تجدر الإشارة إلى ما أوردته مؤخرا صحيفة «الأخبار» اللبنانية القريبة من حزب الله، حول إلقاء القبض قبل بضعة أسابيع من الأمن العام على فلسطيني اعترف بالتخطيط لسلسلة من الهجمات الإرهابية في لبنان نيابة عن «داعش» كانت ستستهدف الطائفة الشيعية والجيش اللبناني.
فضلا عن ذلك، كان الأمن العام اللبناني قد أوقع في قبضته خلال قبل بضعة أسابيع التوأمين زياد وجهاد كعوش (من مواليد 1991)، وقيل إن الاثنين من أهمّ الكوادر القياديّة في «داعش» داخل مخيّم عين الحلوة، القريب من مدينة صيدا، عاصمة جنوب لبنان. كما ذُكر أن جهاد كعوش تلقّى تعليمه الديني في الجزائر، حيث تتلمذ على أيدي مشايخ هناك. أما شقيقه زياد، فقد اجتمع بمسؤولين كبار في «داعش» في مدينة الرقة السورية، عاصمة المنظمة المتطرفة، في سوريا لتنسيق «عملية أمنية في لبنان» بهدف «إثارة النعرات الطائفية».
غير أن الحاج ماهر عويض، وهو مسؤول «أنصار الله»، الفصيل المسلح الفلسطيني في عين الحلوة، الذي تحدث إلى «الشرق الأوسط» الأسبوع الماضي، أكد أن الأخوين كعوش ما كانا من الشخصيات الرئيسية في خلية «داعش» في لبنان، بعكس ما نشرته التقارير الإعلامية. مع هذا، فإن تفجيري برج البراجنة يضعان المخيمات الفلسطينية على غرار عين الحلوة، بالنسبة لكثيرين، هدفا سهلا للشك والاتهام بأن منها تنطلق الأنشطة المتطرفة، وكان على مر السنين قد أوقف في برج البراجنة عدة شخصيات متطرفة على علاقة بخلايا حركيين متطرفين.
في لبنان، معروف أن اللاجئين الفلسطينيين (والسواد الأعظم منهم من المسلمين السنّة)، مثلهم مثل غالبية السنّة اللبنانيين، يميلون إلى دعم الثورة السورية ويعارضون تدخل حزب الله في الحرب السورية ومساندته لنظام بشار الأسد. وخلال السنوات الأخيرة ألقي القبض على عدة خلايا أهمها تلك التابعة لنعيم عباس، في حين لا تزال مجموعة من المتطرفين تعمل خارج سلطة الدولة والأجهزة الأمنية. وهنا يقول الحاج عويض صراحةً إن كثرة من الشباب في عين الحلوة تؤيد «داعش»، متابعا: «من الصعب تحديد من يدين بالولاء لأي جماعة. لكن، بشكل عام تنجذب العناصر التابعة لجماعة (شباب مسلم)، وهي جماعة إرهابية بقيادة بلال بدر، إلى (داعش)، وهناك الفصائل التي تؤيد (فتح الإسلام) و(جند الشام).. التي يتألف كل منها من خمسة عشر فردا». ويستطرد الحاج عويض: «على الرغم من أن بعضهم أقرب إلى جبهة النصرة وبعضهم الآخر إلى (داعش) فإنهم جميعا يتعاونون في نهاية الأمر بعضهم مع بعض».
وبالعودة إلى تفجير برج البراجنة فإن هذه الحادثة تضع لبنان وحزب الله و«داعش» أمام سيناريوهين: الأول، أنه من المحتمل أن يكون هذا التفجير المزدوج مرتبطا بالهجوم الذي وقع قبل أسبوعين ضد «هيئة علماء المسلمين للقلمون» الذين جرى استهدافهم بانفجار قنبلة في بلدة عرسال البقاعية الواقعة على الحدود اللبنانية الشمالية الشرقية مع سوريا، التي تشكل جيبا سنيا داخل منطقة تقطنها أغلبية شيعية بشمال شرقي لبنان، والتي باتت مأوى للعديد من اللاجئين السوريين، وكذلك مسلحي المعارضة السورية في المناطق الريفية المحيطة بها. ولقد نسبت تلك العملية في حينها لـ«داعش»، ووفقا لمصادر إعلامية كان سببها خلافات مع «جبهة النصرة». غير أن التنظيم في لبنان، بعكس حاله في سوريا، يتشارك الأهداف نفسها مع «جبهة النصرة»، حيث إن فصائل مثل «جماعة عبد الله عزام» و«جند الشام» أو «فتح الإسلام» فضلا عن «شباب طرابلس» مثل شادي مولوي أو خلية الشيخ حبلص.. كلها تدين بالولاء للمجموعتين معا، وغالبا ما تتعاون الواحدة مع الأخرى في ميدان المعركة، تماما كما حصل في الجولة الأخيرة من الاشتباكات مع الجيش اللبناني في طرابلس، عاصمة شمال لبنان. السيناريو الثاني، المتصل بالوضع الإقليمي، يتعلق باستحالة فصل تفجير برج البراجنة المزدوج عن فك حصار مطار كويرس العسكري بواسطة قوات النظام السوري وحلفائه، بعد ثلاث سنوات من محاصرته من قبل فصائل المعارضة، وذلك بمساعدة القصف الجوي الروسي وحزب الله الذي فقد 8 مقاتلين بحسب بعض التقارير الإعلامية. وهذه النظرية هي التي يبدو أن الشيخ الأردني أبو محمد آل مقدس يتبناها. إذ إنه غرّد في موقع «تويتر» كاتبا: «ما يزرعه حزب الشيطان بالشام يحصده في لبنان. نصر بشار جلب على حزبه الدمار. اسحب زعرانك واحفظ ماء وجهك، فعند فرار أو سقوط بشار لن تجنوا إلا العار».
إن خسائر «داعش» في كويرس وغيرها من المناطق، مثل سقوط سنجار في العراق في أيدي ميليشيا البيشمركة الكردية خلال الأسبوع الماضي، تضع تفجيري الضاحية في إطار أوسع إقليمي. وعندما ينقلب السحر على الساحر يكون رد الفعل عنيفا ويتخطى الحدود، وهذا ما حدث في تنظيم داعش.
إن المهمشين السنّة في لبنان هم بشكل خاص من الفلسطينيين، الذين يعيشون كغرباء في بلد يعتبرونه وطنا لهم منذ عام 1948. ثم إن تدفق مئات الألوف من اللاجئين السوريين - وهم أيضا بغالبيتهم العظمى من السنّة - يضع مزيدا من الضغط على الوضع الأمني والطائفي والسياسي في لبنان، ويزيد من عمق الهوة بين السنة والشيعة. وهذا، مع الإشارة إلى أن ما يزيد على ألف حركي متشدد، حسب معلومات مسؤول في مكافحة الإرهاب إلى الشرق الأوسط، توجهوا من لبنان إلى سوريا للقتال في صفوف الجماعات المتطرفة والإرهابية. في مطلق الأحوال، الواضح الآن أن فترة الهدوء الحذر التي نعم بها حزب الله خلال العام الماضي يبدو أنها انتهت، وقد يكون التفجير المزدوج هو التفجير الأول في سلسلة طويلة قد تستهدف الحزب.



«المراجعات»... فكرة غائبة يراهن عليها شباب «الإخوان»

جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
TT

«المراجعات»... فكرة غائبة يراهن عليها شباب «الإخوان»

جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)

بين الحين والآخر، تتجدد فكرة «مراجعات الإخوان»، الجماعة التي تصنفها السلطات المصرية «إرهابية»، فتثير ضجيجاً على الساحة السياسية في مصر؛ لكن دون أي أثر يُذكر على الأرض. وقال خبراء في الحركات الأصولية، عن إثارة فكرة «المراجعة»، خصوصاً من شباب الجماعة خلال الفترة الماضية، إنها «تعكس حالة الحيرة لدى شباب (الإخوان) وشعورهم بالإحباط، وهي (فكرة غائبة) عن قيادات الجماعة، ومُجرد محاولات فردية لم تسفر عن نتائج».
ففكرة «مراجعات إخوان مصر» تُثار حولها تساؤلات عديدة، تتعلق بتوقيتات خروجها للمشهد السياسي، وملامحها حال البدء فيها... وهل الجماعة تفكر بجدية في هذا الأمر؟ وما هو رد الشارع المصري حال طرحها؟
خبراء الحركات الأصولية أكدوا أن «الجماعة ليست لديها نية للمراجعات». وقال الخبراء لـ«الشرق الأوسط»: «لم تعرف (الإخوان) عبر تاريخها (مراجعات) يُمكن التعويل عليها، سواء على مستوى الأفكار، أو السلوك السياسي التنظيمي، أو على مستوى الأهداف»، لافتين إلى أن «الجماعة تتبنى دائماً فكرة وجود (محنة) للبقاء، وجميع قيادات الخارج مُستفيدين من الوضع الحالي للجماعة». في المقابل لا يزال شباب «الإخوان» يتوعدون بـ«مواصلة إطلاق الرسائل والمبادرات في محاولة لإنهاء مُعاناتهم».

مبادرات شبابية
مبادرات أو رسائل شباب «الإخوان»، مجرد محاولات فردية لـ«المراجعة أو المصالحة»، عبارة عن تسريبات، تتنوع بين مطالب الإفراج عنهم من السجون، ونقد تصرفات قيادات الخارج... المبادرات تعددت خلال الأشهر الماضية، وكان من بينها، مبادرة أو رسالة اعترف فيها الشباب «بشعورهم بالصدمة من تخلي قادة جماعتهم، وتركهم فريسة للمصاعب التي يواجهونها هم وأسرهم - على حد قولهم -، بسبب دفاعهم عن أفكار الجماعة، التي ثبت أنها بعيدة عن الواقع»... وقبلها رسالة أخرى من عناصر الجماعة، تردد أنها «خرجت من أحد السجون المصرية - بحسب من أطلقها -»، أُعلن فيها عن «رغبة هذه العناصر في مراجعة أفكارهم، التي اعتنقوها خلال انضمامهم للجماعة». وأعربوا عن «استعدادهم التام للتخلي عنها، وعن العنف، وعن الولاء للجماعة وقياداتها».
وعقب «تسريبات المراجعات»، كان رد الجماعة قاسياً ونهائياً على لسان بعض قيادات الخارج، من بينهم إبراهيم منير، نائب المرشد العام للجماعة، الذي قال إن «الجماعة لم تطلب من هؤلاء الشباب الانضمام لصفوفها، ولم تزج بهم في السجون، ومن أراد أن يتبرأ (أي عبر المراجعات) فليفعل».
يشار إلى أنه كانت هناك محاولات لـ«المراجعات» عام 2017 بواسطة 5 من شباب الجماعة المنشقين، وما زال بعضهم داخل السجون، بسبب اتهامات تتعلق بـ«تورطهم في عمليات عنف».
من جهته، أكد أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أن «(المراجعات) أو (فضيلة المراجعات) فكرة غائبة في تاريخ (الإخوان)، وربما لم تعرف الجماعة عبر تاريخها (مراجعات) يُمكن التعويل عليها، سواء على مستوى الأفكار، أو على مستوى السلوك السياسي التنظيمي، أو على مستوى أهداف الجماعة ومشروعها»، مضيفاً: «وحتى الآن ما خرج من (مراجعات) لم تتجاوز ربما محاكمة السلوك السياسي للجماعة، أو السلوك الإداري أو التنظيمي؛ لكن لم تطل (المراجعات) حتى الآن جملة الأفكار الرئيسية للجماعة، ومقولتها الرئيسية، وأهدافها، وأدبياتها الأساسية، وإن كانت هناك محاولات من بعض شباب الجماعة للحديث عن هذه المقولات الرئيسية».

محاولات فردية
وقال أحمد بان إن «الحديث عن (مراجعة) كما يبدو، لم تنخرط فيها القيادات الكبيرة، فالجماعة ليس بها مُفكرون، أو عناصر قادرة على أن تمارس هذا الشكل من أشكال (المراجعة)، كما أن الجماعة لم تتفاعل مع أي محاولات بحثية بهذا الصدد، وعلى كثرة ما أنفقته من أموال، لم تخصص أموالاً للبحث في جملة أفكارها أو مشروعها، أو الانخراط في حالة من حالات (المراجعة)... وبالتالي لا يمكننا الحديث عن تقييم لـ(مراجعة) على غرار ما جرى في تجربة (الجماعة الإسلامية)»، مضيفاً أن «(مراجعة) بها الحجم، وبهذا الشكل، مرهونة بأكثر من عامل؛ منها تبني الدولة المصرية لها، وتبني قيادات الجماعة لها أيضاً»، لافتاً إلى أنه «ما لم تتبنَ قيادات مُهمة في الجماعة هذه (المراجعات)، لن تنجح في تسويقها لدى القواعد في الجماعة، خصوصاً أن دور السلطة أو القيادة في جماعة (الإخوان) مهم جداً... وبالتالي الدولة المصرية لو كانت جادة في التعاطي مع فكرة (المراجعة) باعتبارها إحدى وسائل مناهضة مشروع الجماعة السياسي، أو مشروع جماعات الإسلام السياسي، عليها أن تشجع مثل هذه المحاولات، وأن تهيئ لها ربما عوامل النجاح، سواء عبر التبني، أو على مستوى تجهيز قيادات من الأزهر، للتعاطي مع هذه المحاولات وتعميقها».
وأكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أن «الجماعة لم تصل لأي شيء في موضوع (المراجعات)، ولا توجد أي نية من جانبها لعمل أي (مراجعات)»، مضيفاً: «هناك محاولات فردية لـ(المراجعات) من بعض شباب الجماعة الناقم على القيادات، تتسرب من وقت لآخر، آخرها تلك التي تردد أنها خرجت من داخل أحد السجون جنوب القاهرة - على حد قوله -، ومن أطلقها صادر بحقهم أحكام بالسجن من 10 إلى 15 سنة، ولهم مواقف مضادة من الجماعة، ويريدون إجراء (مراجعات)، ولهم تحفظات على أداء الجماعة، خصوصاً في السنوات التي أعقبت عزل محمد مرسي عن السلطة عام 2013... وتطرقوا في انتقاداتهم للجوانب الفكرية للجماعة، لكن هذه المحاولات لم تكن في ثقل (مراجعات الجماعة الإسلامية)... وعملياً، كانت عبارة عن قناعات فردية، وليس فيها أي توجه بمشروع جدي».
وأكد زغلول، أن «هؤلاء الشباب فكروا في (المراجعات أو المصالحات)، وذلك لطول فترة سجنهم، وتخلي الجماعة عنهم، وانخداعهم في أفكار الجماعة»، مضيفاً: «بشكل عام ليست هناك نية من الجماعة لـ(المراجعات)، بسبب (من وجهة نظر القيادات) (عدم وجود بوادر من الدولة المصرية نحو ذلك، خصوصاً أن السلطات في مصر لا ترحب بفكرة المراجعات)، بالإضافة إلى أن الشعب المصري لن يوافق على أي (مراجعات)، خصوصاً بعد (مظاهرات سبتمبر/ أيلول الماضي) المحدودة؛ حيث شعرت قيادات الجماعة في الخارج، بثقل مواصلة المشوار، وعدم المصالحة».
وفي يناير (كانون الثاني) عام 2015، شدد الرئيس عبد الفتاح السيسي، على أن «المصالحة مع من مارسوا العنف (في إشارة ضمنية لجماعة الإخوان)، قرار الشعب المصري، وليس قراره شخصياً».
وأوضح زغلول في هذا الصدد، أن «الجماعة تتبنى دائماً فكرة وجود (أزمة أو محنة) لبقائها، وجميع القيادات مستفيدة من الوضع الحالي للجماعة، وتعيش في (رغد) بالخارج، وتتمتع بالدعم المالي على حساب أسر السجناء في مصر، وهو ما كشفت عنه تسريبات أخيرة، طالت قيادات هاربة بالخارج، متهمة بالتورط في فساد مالي».

جس نبض
وعن ظهور فكرة «المراجعات» على السطح من وقت لآخر من شباب الجماعة. أكد الخبير الأصولي أحمد بان، أن «إثارة فكرة (المراجعة) من آن لآخر، تعكس حالة الحيرة لدى الشباب، وشعورهم بالإحباط من هذا (المسار المغلق وفشل الجماعة)، وإحساسهم بالألم، نتيجة أعمارهم التي قدموها للجماعة، التي لم تصل بهم؛ إلا إلى مزيد من المعاناة»، موضحاً أن «(المراجعة أو المصالحة) فكرة طبيعية وإنسانية، وفكرة يقبلها العقل والنقل؛ لكن تخشاها قيادات (الإخوان)، لأنها سوف تفضح ضحالة عقولهم وقدراتهم ومستواهم، وستكشف الفكرة أمام قطاعات أوسع».
برلمانياً، قال النائب أحمد سعد، عضو مجلس النواب المصري (البرلمان)، إن «الحديث عن تصالح مع (الإخوان) يُطلق من حين لآخر؛ لكن دون أثر على الأرض، لأنه لا تصالح مع كل من خرج عن القانون، وتورط في أعمال إرهابية - على حد قوله -».
وحال وجود «مراجعات» فما هي بنودها؟ أكد زغلول: «ستكون عبارة عن (مراجعات) سياسية، و(مراجعة) للأفكار، ففي (المراجعات) السياسية أول خطوة هي الاعتراف بالنظام المصري الحالي، والاعتراف بالخلط بين الدعوة والسياسة، والاعتراف بعمل أزمات خلال فترة حكم محمد مرسي... أما الجانب الفكري، فيكون بالاعتراف بأن الجماعة لديها أفكار عنف وتكفير، وأنه من خلال هذه الأفكار، تم اختراق التنظيم... وعلى الجماعة أن تعلن أنها سوف تبتعد عن هذه الأفكار».
وعن فكرة قبول «المراجعات» من قبل المصريين، قال أحمد بان: «أعتقد أنه يجب أن نفصل بين من تورط في ارتكاب جريمة من الجماعة، ومن لم يتورط في جريمة، وكان ربما جزءاً فقط من الجماعة أو مؤمناً فكرياً بها، فيجب الفصل بين مستويات العضوية، ومستويات الانخراط في العنف».
بينما أوضح زغلول: «قد يقبل الشعب المصري حال تهيئة الرأي العام لذلك، وأمامنا تجربة (الجماعة الإسلامية)، التي استمرت في عنفها ما يقرب من 20 عاماً، وتسببت في قتل الرئيس الأسبق أنور السادات، وتم عمل (مراجعات) لها، وبالمقارنة مع (الإخوان)، فعنفها لم يتعدَ 6 سنوات منذ عام 2013. لكن (المراجعات) مشروطة بتهيئة الرأي العام المصري لذلك، وحينها سيكون قبولها أيسر».
يُشار إلى أنه في نهاية السبعينات، وحتى منتصف تسعينات القرن الماضي، اُتهمت «الجماعة الإسلامية» بالتورط في عمليات إرهابية، واستهدفت بشكل أساسي قوات الشرطة والأقباط والأجانب. وقال مراقبون إن «(مجلس شورى الجماعة) أعلن منتصف يوليو (تموز) عام 1997 إطلاق ما سمى بمبادرة (وقف العنف أو مراجعات تصحيح المفاهيم)، التي أسفرت بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية وقتها، على إعلان الجماعة (نبذ العنف)... في المقابل تم الإفراج عن معظم المسجونين من كوادر وأعضاء (الجماعة الإسلامية)».
وذكر زغلول، أنه «من خلال التسريبات خلال الفترة الماضية، ألمحت بعض قيادات بـ(الإخوان) أنه ليس هناك مانع من قبل النظام المصري - على حد قولهم، في عمل (مراجعات)، بشرط اعتراف (الإخوان) بالنظام المصري الحالي، وحل الجماعة نهائياً».
لكن النائب سعد قال: «لا مجال لأي مصالحة مع (مرتكبي جرائم عنف ضد الدولة المصرية ومؤسساتها) - على حد قوله -، ولن يرضى الشعب بمصالحة مع الجماعة».