لبنان: قراءة في تفجير برج البراجنة المزدوج في معقل حزب الله

هل كان «داعش» يثأر من عملية عرسال أم ما حصل في كويرس؟

لبنانيون يعاينون دراجة نارية في موقع التفجير الإرهابي في الضاحية الجنوبية لبيروت يوم الخميس الماضي (رويترز)
لبنانيون يعاينون دراجة نارية في موقع التفجير الإرهابي في الضاحية الجنوبية لبيروت يوم الخميس الماضي (رويترز)
TT

لبنان: قراءة في تفجير برج البراجنة المزدوج في معقل حزب الله

لبنانيون يعاينون دراجة نارية في موقع التفجير الإرهابي في الضاحية الجنوبية لبيروت يوم الخميس الماضي (رويترز)
لبنانيون يعاينون دراجة نارية في موقع التفجير الإرهابي في الضاحية الجنوبية لبيروت يوم الخميس الماضي (رويترز)

استهدف هجوم انتحاري، خلال الأسبوع الفائت، شارع عين السكة بمنطقة برج البراجنة، في الضاحية الجنوبية للعاصمة اللبنانية بيروت، على مقربة من مخيم برج البراجنة الفلسطيني، أسفر عن مقتل 43 شخصا وإصابة 244 آخرين. هذه الحادثة المروعة إن دلّت على شيء فإنها تدل على نهاية فترة طويلة من الهدوء حاولت خلالها الحكومة اللبنانية وحزب الله اتخاذ إجراءات صارمة للحد من نشاط شبكات المتطرفين. أما تحليل مثل هذه التفجيرات فلا يمكن إجراؤه بمعزل عن السياق الأمني، حيث شهدت الساحة اللبنانية المحلية العديد من الخروق الأمنية خلال الأسابيع الأخيرة. كذلك لا يمكن النظر إليها بعيدا عن المتغيرات على الساحة السورية والإقليمية، بعدما نجح النظام السوري بمساعدة حزب الله، في الأسبوع الفائت، في فك الحصار عن مطار كويرس وطرد تنظيم داعش من محيطه. هذه الخسائر قد تفسّر هجوم الضاحية بوضعه في خانة عمليات ممنهجة على المستوى الإقليمي وليس فقط لبناني.

ظهر الإرهاب بعنف من جديد في لبنان آخذًا هذه المرة شكل تفجير انتحاري مزدوج في محلة برج البراجنة المكتظة بالسكان داخل الضاحية الجنوبية، التي تعرف بأنها معقل حزب الله في لبنان.
لقد دخل انتحاريان إلى الشارع الرئيسي في محلة برج البراجنة المعروفة بالسوق الشعبية في عين السكة سيرا على الأقدام. فقام الانتحاري الأول بتفجير نفسه أمام فرن، تلاه إقدام إرهابي آخر على تفجير نفسه بالقرب من موقع الانفجار الأول بعد بضع دقائق فقط، مما أدى إلى وقوع عدد كبير من القتلى والجرحى في صفوف المدنيين.
التحقيقات الأولية كشفت عن وجود انتحاري ثالث عثر على جثته على الأرض مزنّرا بحزام ناسف لم ينفجر. وبحسب شهود عيان قتل الانتحاري الثالث متأثرا بإصابته في التفجير الثاني، لكن المدعي العام التمييزي القاضي سمير حمود لم يؤكّد هذه الرواية، بل صرّح بعد تفقده مكان التفجيرين الإرهابيين في برج البراجنة بأن «العملية كانت مزدوجة، وهما تفجيران، ولم يثبت إلى الآن أن الانتحاريين كانوا ثلاثة، والموضوع قيد المتابعة».
هذا التفجير المزدوج هو الأول الذي يستهدف الضاحية الجنوبية لبيروت منذ يونيو (حزيران) 2014 عندما انفجرت سيارة مفخخة أسفرت حينها عن مقتل ضابط من الأمن العام حاول توقيف الانتحاري. وقبل ذلك، وبين يوليو (تموز) 2013 وفبراير (شباط) 2014، تعرّضت معاقل حزب الله لتسع هجمات.
هذه المرة، ما إن وقع تفجيرا برج البراجنة حتى أصدر «داعش» بيانا تبنى فيه هذا الهجوم. وبناءً على المعلومات التي جرى تناقلها، والتي لا يمكن لـ«الشرق الأوسط» أن تؤكدها، فإن اثنين من الانتحاريين، هما من الجنسية الفلسطينية، قاما بالتفجيرين. وعلى الرغم من أن هذه المعلومات ما زالت غير مؤكدة، فإنه تجدر الإشارة إلى ما أوردته مؤخرا صحيفة «الأخبار» اللبنانية القريبة من حزب الله، حول إلقاء القبض قبل بضعة أسابيع من الأمن العام على فلسطيني اعترف بالتخطيط لسلسلة من الهجمات الإرهابية في لبنان نيابة عن «داعش» كانت ستستهدف الطائفة الشيعية والجيش اللبناني.
فضلا عن ذلك، كان الأمن العام اللبناني قد أوقع في قبضته خلال قبل بضعة أسابيع التوأمين زياد وجهاد كعوش (من مواليد 1991)، وقيل إن الاثنين من أهمّ الكوادر القياديّة في «داعش» داخل مخيّم عين الحلوة، القريب من مدينة صيدا، عاصمة جنوب لبنان. كما ذُكر أن جهاد كعوش تلقّى تعليمه الديني في الجزائر، حيث تتلمذ على أيدي مشايخ هناك. أما شقيقه زياد، فقد اجتمع بمسؤولين كبار في «داعش» في مدينة الرقة السورية، عاصمة المنظمة المتطرفة، في سوريا لتنسيق «عملية أمنية في لبنان» بهدف «إثارة النعرات الطائفية».
غير أن الحاج ماهر عويض، وهو مسؤول «أنصار الله»، الفصيل المسلح الفلسطيني في عين الحلوة، الذي تحدث إلى «الشرق الأوسط» الأسبوع الماضي، أكد أن الأخوين كعوش ما كانا من الشخصيات الرئيسية في خلية «داعش» في لبنان، بعكس ما نشرته التقارير الإعلامية. مع هذا، فإن تفجيري برج البراجنة يضعان المخيمات الفلسطينية على غرار عين الحلوة، بالنسبة لكثيرين، هدفا سهلا للشك والاتهام بأن منها تنطلق الأنشطة المتطرفة، وكان على مر السنين قد أوقف في برج البراجنة عدة شخصيات متطرفة على علاقة بخلايا حركيين متطرفين.
في لبنان، معروف أن اللاجئين الفلسطينيين (والسواد الأعظم منهم من المسلمين السنّة)، مثلهم مثل غالبية السنّة اللبنانيين، يميلون إلى دعم الثورة السورية ويعارضون تدخل حزب الله في الحرب السورية ومساندته لنظام بشار الأسد. وخلال السنوات الأخيرة ألقي القبض على عدة خلايا أهمها تلك التابعة لنعيم عباس، في حين لا تزال مجموعة من المتطرفين تعمل خارج سلطة الدولة والأجهزة الأمنية. وهنا يقول الحاج عويض صراحةً إن كثرة من الشباب في عين الحلوة تؤيد «داعش»، متابعا: «من الصعب تحديد من يدين بالولاء لأي جماعة. لكن، بشكل عام تنجذب العناصر التابعة لجماعة (شباب مسلم)، وهي جماعة إرهابية بقيادة بلال بدر، إلى (داعش)، وهناك الفصائل التي تؤيد (فتح الإسلام) و(جند الشام).. التي يتألف كل منها من خمسة عشر فردا». ويستطرد الحاج عويض: «على الرغم من أن بعضهم أقرب إلى جبهة النصرة وبعضهم الآخر إلى (داعش) فإنهم جميعا يتعاونون في نهاية الأمر بعضهم مع بعض».
وبالعودة إلى تفجير برج البراجنة فإن هذه الحادثة تضع لبنان وحزب الله و«داعش» أمام سيناريوهين: الأول، أنه من المحتمل أن يكون هذا التفجير المزدوج مرتبطا بالهجوم الذي وقع قبل أسبوعين ضد «هيئة علماء المسلمين للقلمون» الذين جرى استهدافهم بانفجار قنبلة في بلدة عرسال البقاعية الواقعة على الحدود اللبنانية الشمالية الشرقية مع سوريا، التي تشكل جيبا سنيا داخل منطقة تقطنها أغلبية شيعية بشمال شرقي لبنان، والتي باتت مأوى للعديد من اللاجئين السوريين، وكذلك مسلحي المعارضة السورية في المناطق الريفية المحيطة بها. ولقد نسبت تلك العملية في حينها لـ«داعش»، ووفقا لمصادر إعلامية كان سببها خلافات مع «جبهة النصرة». غير أن التنظيم في لبنان، بعكس حاله في سوريا، يتشارك الأهداف نفسها مع «جبهة النصرة»، حيث إن فصائل مثل «جماعة عبد الله عزام» و«جند الشام» أو «فتح الإسلام» فضلا عن «شباب طرابلس» مثل شادي مولوي أو خلية الشيخ حبلص.. كلها تدين بالولاء للمجموعتين معا، وغالبا ما تتعاون الواحدة مع الأخرى في ميدان المعركة، تماما كما حصل في الجولة الأخيرة من الاشتباكات مع الجيش اللبناني في طرابلس، عاصمة شمال لبنان. السيناريو الثاني، المتصل بالوضع الإقليمي، يتعلق باستحالة فصل تفجير برج البراجنة المزدوج عن فك حصار مطار كويرس العسكري بواسطة قوات النظام السوري وحلفائه، بعد ثلاث سنوات من محاصرته من قبل فصائل المعارضة، وذلك بمساعدة القصف الجوي الروسي وحزب الله الذي فقد 8 مقاتلين بحسب بعض التقارير الإعلامية. وهذه النظرية هي التي يبدو أن الشيخ الأردني أبو محمد آل مقدس يتبناها. إذ إنه غرّد في موقع «تويتر» كاتبا: «ما يزرعه حزب الشيطان بالشام يحصده في لبنان. نصر بشار جلب على حزبه الدمار. اسحب زعرانك واحفظ ماء وجهك، فعند فرار أو سقوط بشار لن تجنوا إلا العار».
إن خسائر «داعش» في كويرس وغيرها من المناطق، مثل سقوط سنجار في العراق في أيدي ميليشيا البيشمركة الكردية خلال الأسبوع الماضي، تضع تفجيري الضاحية في إطار أوسع إقليمي. وعندما ينقلب السحر على الساحر يكون رد الفعل عنيفا ويتخطى الحدود، وهذا ما حدث في تنظيم داعش.
إن المهمشين السنّة في لبنان هم بشكل خاص من الفلسطينيين، الذين يعيشون كغرباء في بلد يعتبرونه وطنا لهم منذ عام 1948. ثم إن تدفق مئات الألوف من اللاجئين السوريين - وهم أيضا بغالبيتهم العظمى من السنّة - يضع مزيدا من الضغط على الوضع الأمني والطائفي والسياسي في لبنان، ويزيد من عمق الهوة بين السنة والشيعة. وهذا، مع الإشارة إلى أن ما يزيد على ألف حركي متشدد، حسب معلومات مسؤول في مكافحة الإرهاب إلى الشرق الأوسط، توجهوا من لبنان إلى سوريا للقتال في صفوف الجماعات المتطرفة والإرهابية. في مطلق الأحوال، الواضح الآن أن فترة الهدوء الحذر التي نعم بها حزب الله خلال العام الماضي يبدو أنها انتهت، وقد يكون التفجير المزدوج هو التفجير الأول في سلسلة طويلة قد تستهدف الحزب.



تساؤلات حول قيادة «داعش»

فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)
فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)
TT

تساؤلات حول قيادة «داعش»

فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)
فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)

من يقود تنظيم داعش الإرهابي الآن؟ وما سر عدم ظهور إبراهيم الهاشمي القرشي، زعيم «داعش» الجديد، حتى اللحظة؟ ولماذا تعمد التنظيم إخفاء هوية «القرشي» منذ تنصيبه قبل شهرين؟ وهل هناك تغير في شكل التنظيم خلال الفترة المقبلة، عبر استراتيجية إخفاء هوية قادته، خوفاً عليهم من الرصد الأمني بعد مقتل أبو بكر البغدادي؟ تساؤلات كثيرة تشغل الخبراء والمختصين، بعدما خيم الغموض على شخصية زعيم «داعش» الجديد طوال الفترة الماضية. خبراء في الحركات الأصولية أكدوا لـ«الشرق الأوسط» أن «التنظيم يعاني الآن من غياب المركزية في صناعة القرار».
ويرجح خبراء التنظيمات المتطرفة أن «يكون (داعش) قد قرر إخفاء هوية (القرشي) تماماً، في محاولة لحمايته، وأن إعلان (القرشي) زعيماً من قبل كان شكلاً من أشكال التمويه فقط، لإخفاء حقيقة الخلاف الدائر داخل التنظيم». كما شكك الخبراء في «وجود شخصية (القرشي) من الأساس».
وأعلن «داعش»، في تسجيل صوتي بثه موقع «الفرقان»، الذراع الإعلامية للتنظيم، في نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، تنصيب «القرشي» خلفاً للبغدادي الذي قتل في أعقاب غارة أميركية، وتعيين أبو حمزة القرشي متحدثاً باسم التنظيم، خلفاً لأبو الحسن المهاجر الذي قتل مع البغدادي. وكان الرئيس الأميركي دونالد ترمب قد أعلن «مقتل البغدادي في عملية عسكرية أميركية شمال غربي سوريا».
ورغم أن مراقبين أكدوا أن «(القرشي) هو القاضي الأول في التنظيم، وكان يرأس اللجنة الشرعية»، فإن مصادر أميركية ذكرت في وقت سابق أن «(القرشي) عُرف بلقب الحاج عبد الله، وعُرف أيضاً باسم محمد سعيد عبد الرحمن المولى، وكان أحد قادة تنظيم القاعدة في العراق، وقاتل ضد الأميركيين». لكن عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر «شكك في وجود (القرشي) من الأساس»، قائلاً: إن «(القرشي) شخصية غير حقيقية، وهناك أكثر من إدارة تدير (داعش) الآن».
وأكد أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أنه «بطبيعة الحال، لا يمكن أن نحدد من يقود (داعش) الآن، حتى هذا الإعلان (أي تنصيب القرشي) قد يكون شكلاً من أشكال التمويه، لإخفاء حقيقة الخلاف الدائر داخل التنظيم»، مضيفاً: «نحن أمام عدد من الاحتمالات: الاحتمال الأول هو أن تكون شخصية (القرشي) حقيقية لكن يتم إخفاءها، وعدم ظهوره إلى الآن هو من أجل تأمين حياته، وعدم مطاردته من قبل أجهزة الدول. والاحتمال الثاني أننا أمام شخصية (وهمية)، والتنظيم لا يزال منقسماً حول فكرة اختيار خليفة للبغدادي. أما الاحتمال الثالث فأننا أمام صراع حقيقي داخل التنظيم حول خلافة (البغدادي)».
وتحدث المراقبون عن سبب آخر لإخفاء «داعش» هوية «القرشي»، وهو «الخوف من الانشقاقات التي تضرب التنظيم من قبل مقتل البغدادي، بسبب الهزائم التي مُني بها في سوريا والعراق، خاصة أن نهج إخفاء المعلومات والتفاصيل التي تتعلق بقادة (داعش) استخدمه التنظيم من قبل، حين تم تعيين أبو حمزة المهاجر وزيراً للحرب (على حد تعبير التنظيم) في عهد البغدادي، وتم الكشف عن اسمه في وقت لاحق».
وكان البغدادي قد استغل فرصة الاضطرابات التي حدثت في سوريا، وأسس فرعاً لتنظيمه هناك، كما استغل بعض الأحداث السياسية في العراق، وقدم نفسه وتنظيمه على أنهم المدافعون عن الإسلام (على حد زعمه)، فاكتسب في البداية بيئة حاضنة ساعدته على احتلال المزيد من الأراضي العراقية التي أسس عليها «دولته المزعومة». وفي عام 2014، أعلن البغدادي نفسه «خليفة مزعوماً» من على منبر مسجد النوري الكبير، في مدينة الموصل، ثم اختفى بعدها لمدة 5 سنوات، ولم يظهر إلا في أبريل (نيسان) الماضي، في مقطع فيديو مصور مدته 18 دقيقة، ليعلن «انتهاء السيطرة المكانية لـ(دولته المزعومة)، وسقوط آخر معاقلها في الباغوز السورية». وقال المراقبون إنه «رغم أن ظهور البغدادي كان قليلاً في السنوات الأخيرة قبل مقتله، فإن أخباره كانت دائمة الانتشار، كما عمد مع بداية الإعلان عن (دولته المزعومة) إلى الظهور المتكرر، وهو ما لم يفعله (القرشي)».
وأكد عبد المنعم أن «هوية (القرشي) كانت لا بد أن تختفي تماماً لحمايته»، مدللاً على ذلك بأنه «في ثمانينات القرن الماضي، كانت التنظيمات الإرهابية تعلن عن أكثر من اسم للقيادة، حتى تحميه من التتبع الأمني»، موضحاً: «يبدو أن هوية (القرشي) الحقيقة بالنسبة لعناصر التنظيم ليست بالأهمية ذاتها، لأن ما يهمهم هو وجود الزعيم على هرم التنظيم، ضمن إطار وإرث ديني... وهذا أهم بكثير للعناصر من الإعلان عن هوية الرجل (أي القرشي)»، مدللاً على ذلك بأنه «في الأيام التي أعقبت إعلان تعيين (القرشي)، تساءلت مجموعة صغيرة من عناصر التنظيم على موقع التواصل (تليغرام) عن هوية الزعيم الجديد. وبعد أيام من تساؤلاتهم، وعندما طلب منهم مبايعة (القرشي)، قلت التساؤلات. ولهذا، من الواضح أن هوية الرجل بدت غير مهمة لهم، بل المهم هو أنه زعيم (داعش)، ويحتاج إلى دعمهم».
وحث أبو حمزة القرشي، متحدث «داعش» الجديد، أتباعه في رسالته الصوتية الأخيرة على «الالتزام بما أصدره البغدادي في رسالته في سبتمبر (أيلول) الماضي، التي طالب فيها بتحرير أنصار التنظيم من السجون، وتجنيد أتباع جدد لاستكمال المهمة، وتأكيد مواصلة التنظيم تمدده في الشرق الأوسط وخارجه».
ومن جهته، أضاف عبد المنعم أن «التنظيم دشن قبل أيام كتيبة أطلق عليها (الثأر للبغدادي والمهاجر)، بهدف الانتقام لمقتل البغدادي والمهاجر، كما جرى سجن عدد من قيادات التنظيم، مُرجح أنها تورطت في تسريب معلومات بطريقة غير مباشرة لعناصر في تنظيم (حراس الدين)»، موضحاً أن «المركز الإعلامي للتنظيم يعاني حالياً من عدم وجود اتصال مع باقي المراكز التابعة للتنظيم، ويعاني من حالة ارتباك شديدة».
وهدد المتحدث باسم التنظيم الجديد الولايات المتحدة، قائلاً: «لا تفرحوا بمقتل الشيخ البغدادي». وقال عبد المنعم: «يبدو أن (داعش) قرر عدم التعامل بالشكل التقليدي في التسجيلات والظهور المباشر لـ(القرشي)، مثلما كان يحدث مع البغدادي»، لافتاً إلى أن «عمليات (داعش) منذ تولي (القرشي) لم تشهد أي حراك، على عكس شهري أبريل وسبتمبر الماضيين، اللذين شهدا حراكاً، عقب بث تسجيلين: واحد مصور والآخر صوتي للبغدادي».
وكان أبو بكر البغدادي قد ذكر في سبتمبر (أيلول) الماضي أن «تنظيمه لا يزال موجوداً، رغم توسعه في البداية، ومن ثم الانكماش»، وأن ذلك يعد (اختباراً من الله)»، على حد زعمه.
وقال عمرو عبد المنعم إن «قنوات (داعش) واصلت بث أخبارها كالمعتاد، وأبرز ما نقلته هذه القنوات أخيراً إصدار مرئي جديد على شاكلة (صليل الصوارم)، بعنوان (لن يضروكم إلا أذى)، مدته 11 دقيقة، وفيه متحدث رئيسي مُقنع يتوعد بالثأر من عملية (التراب الأسود) التي أطلقتها القوات العراقية ضد (داعش) في سبتمبر (أيلول) الماضي. وفي نهاية الإصدار، ظهر مقاتلون ملثمون يبايعون الخليفة الجديد».
وبايع فرع «داعش» في الصومال «القرشي» في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، حيث نشر فرع التنظيم صوراً على موقع التواصل الاجتماعي «إنستغرام» لنحو 12 عنصراً يقفون بين الأشجار، وعليها تعليق يقول: «إنهم يعلنون مبايعة (القرشي)». كما بايع «ولاية سيناء»، الموالي لـ«داعش» في مصر، «القرشي»، ونشر في إصدار مرئي صوراً لمجموعة قال إنهم من العناصر التي بايعت «القرشي». ويشار إلى أنه ما زالت بعض أفرع تنظيم داعش حول العالم لم تعلن مبايعتها لـ«القرشي» حتى الآن، وفي مقدمتها «ولاية خراسان» في أفغانستان، و«ولاية غرب أفريقيا» (بوكو حرام سابقاً) في نيجيريا.
وحول وجود تغير في استراتيجية «داعش» في الفترة المقبلة، بالاعتماد على إخفاء شخصيات قادته، أكد الخبير الأصولي أحمد بان أن «هذه المرحلة ليست مرحلة الإمساك بالأرض من جديد، والسيطرة عليها، أو ما يسمى (الخلافة)، لكن مرحلة ترميم مجموعات التنظيم، وإعادة التموضع في ساحات جديدة، ومحاولة كسب ولاءات جماعات أخرى، قبل أن نصل إلى عنوان جديد، ربما يعكس ظهور تنظيم جديد، قد يكون أخطر من تنظيم (داعش). لكن في كل الأحوال، هيكلية (داعش) تغيرت، من مرحلة الدولة (المزعومة) إلى مرحلة (حروب النكاية) إلى مرحلة إعادة التنظيم والتموضع؛ وكل مرحلة تطرح الشكل المناسب لها. وفي هذه المرحلة (أي الآن)، أتصور أن التنظيم قد تشظى إلى مجموعات صغيرة، وأن هناك محاولة لكسب ولاء مجموعات جديدة في دول متعددة».
أما عمرو عبد المنعم، فقد لفت إلى أن «(داعش) فقد مركزية صناعة القرار الآن، وهناك عملية (انشطار) في المرحلة المقبلة للتنظيم، ولن يكرر التنظيم فكرة القيادة المركزية من جديد، لذلك لم يظهر (القرشي) على الإطلاق حتى الآن، لو كان له وجود حقيقي، وهذا على عكس ما كان يظهر به البغدادي، ويحث العناصر دائماً على الثبات والصبر»، محذراً في الوقت ذاته من «خطوة (حرب العصابات) التي قد يشنها التنظيم، وقتال الشوارع واستنزاف القوى الكبرى، وهي الاستراتيجية القديمة نفسها للتنظيم، مع زيادة العنصر (الانفرادي) الذي يعرف بـ(الذئاب المنفردة)».
وقال المراقبون إن «التنظيم تحول منذ سقوط بلدة الباغوز في مارس (آذار) الماضي، ونهاية (الخلافة المزعومة) بعد عدة سنوات من إرسائها، نحو اعتماد (نهج العصابات). وقاد البغدادي (داعش) بعد استيلائه على مناطق شاسعة في العراق وسوريا، قبل أن يتهاوى التنظيم خلال الأشهر الماضية نتيجة خسائره، وفرار عدد كبير من عناصره».