قصيدة يتيمة في الشعر الإنجليزي تدين الاستعمار

قصيدة يتيمة في الشعر الإنجليزي تدين الاستعمار
TT

قصيدة يتيمة في الشعر الإنجليزي تدين الاستعمار

قصيدة يتيمة في الشعر الإنجليزي تدين الاستعمار

كتب إدوارد سعيد مرة أنه لم يجد أي اعتراض على الاستعمار والإمبريالية في الأدب الإنجليزي.
وهو تشخيص دقيق، لا يصح فقط على هذا الأدب، وإنما على الأدب الغربي عموما في البلدان التي عرفت ظاهرة الكولونيالية، إذا استثنينا فرنسا إلى حد ما. وبالطبع تحتاج هذه الظاهرة الغريبة، التي تكاد تكون شاذة في التاريخ الأدبي، إلى أبحاث مستقلة لتفسير أسبابها وفهمها في السياق التاريخي الاجتماعي والثقافي لهذه البلدان، وهي أبحاث لا تزال تفتقر إليها مدرسة ما بعد الكولونيالية، وأكثر ما عالجها هم كتاب غير غربيين كفرانس فانون المارتينيكي، والفلسطيني إدوارد سعيد.
يذكرنا بهذه الحقيقة، اكتشاف قصيدة للشاعر بيرسي شيلي كتبها منذ 200 سنة، حين كان في الثامنة عشرة من عمره، وهي على النقيض من كل الشعر الإنجليزي فيما يتعلق بالموقف من ظاهرة الاستعمار، إلى الحد الذي دعا شاعرًا مثل مايكل روسن إلى القول مخاطبا إدوارد سعيد بما معناه: أخيرًا، نستطيع أن نقول عندنا الشعر الذي تبحث عنه. ولكن ما لم يقله روسن إنها للأسف قصيدة يتيمة في الشعر الإنجليزي.
في هذه القصيدة، يدين شيلي بكل وضوح استعمار بلاده للهند، والألم الذي يسببه للشعب الهندي:
الهندي الضعيف
على سهول بلاده
يتلوى
من آلام لا تعد
على يد قوة عظمى
وهذا ليس غريبا على صاحب قصيدة «ثورة الإسلام»، وأول المناصرين للثورة الفرنسية، التلميذ الذي طردته جامعة أكسفورد لآرائه الجريئة في الكنيسة ورجال الدين، والنظام السياسي في بلده.
هل كان شعر شيلي استثناء يثبت القاعدة؟
لقد كتب بعده شعراء بريطانيون مثل دبليو. بي. ييتس، وتوماس هاردي قصائد عن الحرب، أية حرب، باعتبارها كارثة إنسانية، مهما كانت البلدان التي تتسبب بها، والأسباب التي تقود إليها، كما في قصيدة هاردي الشهيرة «الرجل الذي قتله». وموضوعها الرئيسي، أن القاتل والمقتول كان يمكن أن يصبحا صديقين لو أنهما التقيا في حانة مثلا، وليس في ساحة حرب. وبهذا المعنى أيضا، كتب ييتس قصيدته «رجل يتوقع موته». وهي ليست فقط عن «الغموض الأخلاقي» الذي يتعلق بالحرب، بل أيضًا عن «الزمن المضطرب» الذي قاد إليها. فبطل القصيدة يرى أن انسياقه للحرب لم يكن بدافع كرهه للعدو، أو حبه لشعبه. وكان كل ما يتمناه أن ينسحب من ميدان المعركة إلى وحدته، حتى لو كانت تكمن في قلب الموت.
وبعدهما، كتب أيضًا ما يطلق عليهم النقاد «شعراء الحرب العالمية الأولى»، التي مرت ذكراها المائة قبل أيام، عن أهوال الحرب عمومًا، ومعاناتهم الخاصة. ولكن هؤلاء اعتبروا الحرب حربهم الخاصة، وليست حربًا استعمارية، ومنهم من تطوع للقتال مثل ويلفرد أوين، الذي أصبح شاعرا أثناء الحرب وقتل فيها، وإدوارد توماس، الذي بدأ كتابة الشعر وهو في الميدان أيضًا. ومنهم من تطوع للقتال مثل روبرت بروك، الذي قتل في السنة الأولى من الحرب منها، وكذلك إسحاق روزنبرغ، الذي قتل 1918.
ونستطيع أن نستثني هنا سيغفريد ساسون، الذي اكتشف لاحقا أن «الآخر» ليس عدوه، وأن تلك الحرب، التي سميت «عظمى»، هي ليست كذلك، بل إنها مجرد عملية ذبح هائلة، وكذلك روبرت غريفز، الذي مزق لاحقا كل قصائده عن الحرب، متفرغا لكتابة قصائد الحب.
ولكن كل هؤلاء لم يذهبوا إلى حد إدانة سياسة بلدهم إدانة صريحة، خاصة بعدما تحولت إلى إمبراطورية لا تغيب عنها الشمس، ولم يتعاطفوا مع الشعوب التي عانت طويلا من الاستعمار البريطاني، كما تعاطف شيلي مع الشعب الهندي.
مرة أخرى، هل كان شيلي استثناء؟
يبدو الأمر كذلك. استثناء عمره 200 سنة.



قصائد الحاسوب

قصائد الحاسوب
TT

قصائد الحاسوب

قصائد الحاسوب

(١)

حين تركنا الأوراق البيضاء

ورحنا نكتب في الحاسوب قصائدنا

لم يظهر ماذا يعني أن يرتبك الشاعر فوق الكلمات

أن يشطب مفردةً ويعيد صياغتها

ويعود إليها ثانيةً

ويحاول ثالثةً

ويخطَّ الخطَّ المائل فوق الكلمة

أو يرسم دائرة

ويشخبط فوق الأسطر ممتلئاً بالحزن وبالعبرات

مذ رحنا نكتب في الحاسوب قصائدنا

جفَّتْ أنهارٌ كثرٌ

وانسحبت من أقدام الشعراء الطرقات

الحاسوب صديق كهولتنا

جفف ما كنا نحمله من نزق العشاق المنسيين

على الشرفات

لا نعرف من أين نعود إلينا

نحن القديسين بلا صلوات

(٢)

قبل ثلاثين سنة

قالوا إن الحاسوب سيدخل قريتكم

وسيكفينا نزق الطباعين على الآلات

صفقنا للحاسوب القادم نحو منازلنا

وبدأنا نتحسسه

ونصادقه

ونبوح له بالأسرارْ

من يفتح هذا الغيب الغامض في شغفٍ

ويميط السر عن الأزرارْ؟

كيف سندخل هذا الصندوق الأسود؟

كيف نبوح له؟

وبماذا نكتب حيرتنا؟

ونشد العمر على الأسوارْ

يا حاسوب الدنيا حاول أن تأخذنا في رفقٍ

لتدلَّ عليك

حاول أن تفتح في هذي الظلمة عينيك

نحن البدو الرُحَّل منذ سنينَ عجافٍ

ننطر في هذا البرد القارس

دفء يديك

يا حاسوب الدنيا

ماذا يجري؟؟؟

بايعناك

ورافقناك

وضعنا فيك طويلاً

ضعنا فيك

لكنا حين أردنا أن نوقف حيرتنا المرة

ضعنا ثانيةً

وصرخنا خلفك

يا حاسوب الدنيا انتظر الناس قليلاً

فلقد جفَّ العمر على الشاشة

منكسراً وخجولا

ما عاد لنا في هذا العالم إلاك رسولا

لكنا يا حاسوب العمر

ذبلنا فوق الشاشات طويلا

وستأكلنا الوحشة

تأكلنا الوحشة

والتيه يمد يديه دليلا

ونعود من الحاسوب ضحايا منفردين

قتيلاً في الصحراء يدلُّ قتيلا

(٣)

بعد ثلاثين مضت

شاخ الحاسوب

وأنجب أطفالاً في حجم الكف

الحاسوب الآن يشيخ ويترك للناس صغاره

الحاسوب انتصر اليوم علينا

وقريباً جداً سوف يزفُّ لكل العالم

أجراس بشاره

الكل سيترك مخدعه ودياره

لا عائلةٌ تبقى

لا أطفال

الكل يقول ابتعد الآن

فقط الوحشة تطبق فكيها

وتصيح

تعالْ

المنزل ممتلئٌ بالأطفالْ

لكنَّ الأدغالْ

تمتد على الشرفات وفوق الأسطح

بين السكَّر في أقداح الشاي

وحدي أشربه ممتلئاً بالغربة

حتى حوَّلني الحاسوب

لبحِّة ناي

(٤)

لستُ وحيداً

لكني ممتلئٌ بالغربة يا الله

البيت الدافئ ممتلئٌ بالأولاد

صبيانٌ وبناتْ

ومعي امرأتي أيضاً

لكنا منفيون بهذا البيت الدافئ

* النص الكامل على الانترنتمنفيون

الكلمات تشحُّ علينا

اصرخ يومياً

يا أولاد تعالوا

لكنَّ الأولاد بعيدون

بعيدون

البيتُ الضيِّقُ يجمعنا

لكنَّا منفيِّون

ومنعزلون

جزرٌ تتباعد عن أخرى

وقلوبٌ ليس لهنَّ عيون

(٥)

ما أسعدني

يوم ذهبتُ إلى السوق وحيداً

أبتاع الحاسوب

وأرقص في فرحٍ

منتشياً بشراء صديقٍ

يتقاسم أفكاري وحياتي

هيأتُ له منضدةً في زاوية البيت

وبقيتُ أداريه مساءً وصباحا

حتى صار فتىً من فتيان البيت

أخاف عليه من الحمى

وأجسُّ حرارته

وأعدُّ له أكواب القهوة والشاي إذا صاحا

ماذا يحتاج الحاسوب صديقي أو ولدي؟

الشحن بطيء...؟

غيّرتُ الشاحن في غمضة عين

الحاسوب مريض...؟

رحتُ سريعاً أركض فيه إلى الجيران أو المستشفى

حيث الخبراء

يتلمس كلٌّ منهم زراً من أزرار الحاسوب المتعبْ

قالوا يا مجنون

خففْ عن كاهله الكلمات

أثقلتَ الحائط بالصرخات

وملأتَ السطح الأزرق

دمعاً ودماً وعويلَ محطات

(٦)

ماذا نصنع؟

هذا الحاسوب مريضٌ جداً

لا بدَّ له من وقتٍ كي يرتاح

لا بدَّ لهذي الجُملِ الملغومةِ أنْ تنزاح

عن صدر الحاسوب

لكي يغفو مبتهحاً

بفراغ الحائط

مكتفياً بالغابات المحروقة

في صدر الشاعر

أو بالحزن النابت في الأرواح

الحاسوب مريضٌ هذي الليلة يا أشباح

ماذا نفعل والروح معلقةٌ

بالشاحن والمفتاح

ولهذا رحنا نمسحُ آلاف الكلمات

ونزيح برفقٍ عن كاهله

ما تركته الروح من الكدمات

كي يرتاح الحاسوب

مسحنا ذاكرة كاملة

وغناءً عذباً

وبكاء أميرات

كي يرتاح الكلب ابن الكلب

ويضحك منتصراً

رحنا نصرخ مهزومين ومندحرين

الحاسوب سيعلن دولته الكبرى

وسنأتيه سبايا منكسرين

(٧)

مسح الحاسوب بضغطة زر واحدة

آلاف الكلمات

الذاكرة انطفأت هذي الليلة

كي يغفو الحاسوب بلا صرخات

ماذا يعني

أن تشطب أياماً

وتحيل قصائد للنسيان

هذا العالم محكومٌ في ضغط زرٍ

والإنسان بلا إنسان

(٨)

كتب الأجداد على الطين حكايتهم

وكتبنا نحن على الحاسوب حكايتنا

ومضوا

ومضينا

واختلف الدرب علينا

لا نحن حفظنا

ما كتب الأجداد

ولا الحاسوب الأخرس

ردَّ العمر إلينا

يا ضيعتنا

يوم نسينا

في عمق البحر يدينا

(٩)

أعلنا نحن المسبيين هزيمتنا

وكسرنا آخر أقلام الليل

والمسودَّات انهزمت

ومزاج الأوراق تغير

من يقنع هذي الشاشة

أني أكتب شعراً

وبأني أبكي فوق الأوراق طويلاً

كي يخرج سطرٌ

ممتلئٌ بالأطفال

والآن كما تبصر

آلاف الكلمات تجيء وتذهب

فوق الشاشة

والأطفال الموتى

يختبئون وراء الشاشة

أيقوناتٍ

وينامون على الأدغال

هذا عصرك يا ابن رغال

فاستعجل

من أبطأ خطوك؟

والكل يصيح عليك

تعال

(١٠)

كنا حين يموت لنا رجلٌ

نتوشح بالأسود أعواماً أعواما

لا نفتح مذياعاً

أو نسمع أغنيةً

أو حتى نعلك في السرِّ

فقد صرنا نحن الفتيان

فتيان القرية

أشباحاً ويتامى

نبكي ونصيح ونحزن

نقطع آلاف الأمتار

لنبكي هذا الرجل الراحل عنا

أما اليوم

والفضل يعود إلى الحاسوب

فقد حولهم أرقاماً أرقاما

لن نبكي

فهنالك وجه في الشاشة يبكي بدلاً عني

لن أحزن

الشاشة فيها وجه مرسوم للحزن

سيحزن قبلي في ضغطة زر واحدة

وسيكتب تعزيةً قبلي

وسيرسلها بدلاً عني

وأنا متكئٌ منسيٌّ

كنكاتٍ مرَّ عليها زمنٌ

فاهترأتْ

وبقيت أعاتب أياماً هرمت

وأشيل على ظهريَ أياما

(١١)

ما الذي يصنعه الحاسوب فينا يا إلهي

نحن أولادك ساعدنا

فقد بعثرنا ليل المتاه

ونسينا العمر مشحوناً ومربوطاً مع النقال

فيما نحن منفيون بين الأهل

ملقاةٌ أغانينا القديمات على الدرب

وهذا العمر مشرورٌ على حبل الغوايات

وساهِ

دلنا يا رب

نحن أبناؤك تهنا

والعلامات التي توصلنا للبيت ضاعت

واختفت كل المواعيد الأغاني

الضحك الحلو النكات السير في الليل

ولم يبق سوى

حسرةٍ تنسل من فوق الشفاه

(١٢)

كل شيءٍ قد تغير

كل شي

صالة البيت التي نأوي إليها

ذبلت فينا ونامت دون ضي

جرس البيت اختفى أيضاً

وباب البيت ملقى في يدي

لم يعد يطرقه جارٌ

ولا صحبٌ

وحتى لم يعد يعبث في لحيته

أطفالنا في الحي

بدأت تذبل فينا الكلمات

مثلاً جار لنا قد مات

جارٌ طيبٌ كانت تناغيه المنازل

ما الذي نفعله

والجار هذا الجار راحل

غير أن نبعث وجهاً باكياً

نرسله بين الرسائل

كيف يا رب اختصرنا ذلك الحزن

ومن أطفأ بركان المشاعل

(١٣)

لم يعد للحب معنى

لم يعد كانوا وكنا

هبط الليل علينا ثم لم ترجع

إلى القلب المنازل

لم يعد يبكي المحبون

ولم يطرق جدار القلب سائل

كل ما يفعله الآن المحبون القلائل

صورة جاهزة يرسلها النقال صمتاً

ثم تنسى بين آلاف الرسائل

صورة كررها قبلك آلاف وآلاف

إلى أن بهت اللون

وتاه الحب منسياً

على الشاشات

منسياً وذابلْ.