تحرص العائلات السورية على تحضير مونة الشتاء في أواخر فصل الصيف، حيث لا تتوفر خضراوات وفاكهة الصيف في الشتاء، وتأتي في مقدمة المونة المكدوس ومجففات الملوخية والباميا والفاصوليا وغيرها والمربات والأجبان والشنكليش واللبن المصّفى المدعبل والكشك، والمخللات البيتية مثل مخللات الخيار والقتة والباذنجان وغيرها من الخضراوات الصيفية.
ولكن وفي السنوات الأربع الأخيرة ومع استمرار الأزمة والحرب السورية وارتفاع أسعار مستلزمات المونة ومع اضطرار شريحة كبيرة من النساء السوريات للعمل لتأمين مصدر دخل لأسرهن، ووجود نساء يطلبن العمل في منازلهن انتشرت في دمشق وبعض المدن السورية الأخرى مبادرات ومشروعات لمؤسسات أهلية وأخرى فردية وجماعية لتحضير مونة الشتاء وبعض المواد الغذائية الأخرى خاصة التراثية منها، والتي تحتاجها العائلة بشكل منزلي وبأسعار مقبولة محضّرة بشكل نظيف وصحي بعيدًا عن آلات المصانع والورش، بحيث تشعر معها الأسرة التي تتناول منتجات هذه المشروعات والمبادرات وكأنها محضرة من قبل ربة الأسرة نفسها.
ومن أبرز المبادرات الجماعية الأهلية في هذا المجال ما قدمته مؤخرًا الأمانة السورية للتنمية وهي مؤسسة أهلية من خلال محلاتها في سوق المهن اليدوية بمبنى التكية السليمانية التاريخي وسط دمشق وهو مشروع حمل اسم (أبّهة) غير ربحي ويحقق فائدة لطرفي المبادرة أي المستهلك والسيدة التي تقوم بتحضير المنتج. تشرح جاكلين كيكولو مشرفة العمل في المشروع موضحة لـ«الشرق الأوسط»: من المعروف أن هناك أكلات سورية تراثية تتمتع بنكهة خاصة على أيدي نساء سوريات ماهرات، وقد استطعنا في مشروع (أبّهة) الأهلي التابع للأمانة السورية للتنمية وهي مؤسسة تطوعية أهلية بالتواصل معهن للعمل مع المشروع مقابل مردود مادي جيد، وتحت إشراف علمي ومعالجة صحية ونظافة مائة في المائة، وتلاحظ أن محلاتنا تحتوي على العسل الجبلي والحمضيات وعصير الحصرم وخل التفاح ودبس الرمان والزعتر بالفستق الحلبي والزبيب واللبنة الخاصة بالمونة، وهي مصفاة ولها نوعان حسب مذاقات المستهلك وطلبه فالأول: مضاف له حبة البركة والفليفلة الحدة والنعناع، والثاني: مضاف له زيت الزيتون الطبيعي، وجميع العبوات تغلّف بشكل متقن فمثلاً «قطرميز» المكدوس أو اللبنة لا نبيعه بشكل مختوم حال الشركات الغذائية الصناعية، بل هو مختوم بمطبخ السيدة وبشكل يدوي ونبيعه هكذا وكأنه محضّر في منزل الزبون، فلا توجد آلات للتغليف، بل كل الأمور تسير بشكل طبيعي وبسيط وهناك (المكدوس) للمونة أيضًا وهو المعروف بيتيًا، حيث تقوم نساء مشروع (أبّهة) بتجهيزه وبإشراف صحي من قبل خبراء المشروع، ويلاحظ المتذوق أنّ داخل القطرميز تكون المكدوسة (الباذنجان) مكبوسة بشكل جيد ومضاف لها حشوات الجوز البلدي الأصلي ودبس الفليفلة الأحمر وزيت الزيتون، وهناك المربات الموسمية مثل المشمش والبرتقال والفريز والكرز والتين حسب المواسم، وكذلك العصائر مثل التمر هندي وغيره، والمثلجات مثل (برك الجبنة ورقائق الخضراوات والجبنة) حيث تُفْرَزْ وتُخْرَجْ من الثلاجة لتقلى على نار هادئة من قبل الزبون بعد أن يشتريها من عندنا مثلجة، وهناك (الكبب والكبة) تحت الطلب لأننا لا نستطيع أن نبقيها في محلاتنا لفترة طويلة، ونحن بمحلاتنا نتعامل بمواد طبيعية خالية من المواد الحافظة ولذلك هناك أكلات نحضّرها على طلب الزبون فقط، ويمكن أن أخبرك - تتابع جاكلين - أن هناك ثمانية منتجات ثابتة لدينا في الإنتاج وهي لا تتقيد بموسم محدد، وهناك منتجات تحت الطلب. وفي جديد منتجاتنا (الكشك) وهو من (ألفه.. ليائه) من شغل سيدة (بيتوتية) وعادة يحضر الكشك من اللبن، ولكن هذه السيدة لديها المادة الخام أي (حليب) فعملت على تحويله إلى لبن، ومن ثم إلى كشك مجفف بشكل طبيعي.
نحن في (أبّهة) - تختم جاكلين حديثها - نحاول التواصل مع النساء في كل مكان لإعادة الأكلات التراثية القديمة من خلالهن، ونطمح في أن يكون لدينا مطبخ متكامل، نقدم الوجبات الشعبية والتراثية على الهاتف للزبائن.
تجربة ومبادرة أهلية أخرى عرفتها مؤخرًا محافظة حماه وسط البلاد، شجعت الأزمة السورية على إطلاقها، وجاءت تحت عنوان (بيت المونة) من خلال مجموعة من الشباب والشابات نحو 23 شخصًا، وبإشراف جمعية الرعاية الاجتماعية الخيرية في المدينة، وبدعم مالي من برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، وكان باكورة إنتاج المشروع الذي انطلق منتصف عام 2013 تحضير (الملوخية) المجففة من قبل نساء محتاجات للعمل وبشكل منزلي، بحيث يحصلن على مردود مادي مقبول وبيعها للمستهلكين من الأسر التي تعتمد الملوخية كـ(مونة) لفصل الشتاء، حيث تعد وجبة الملوخية طبقًا رئيسيًا في المائدة السورية، وتحضّر مع شرائح لحم الغنم أو الدجاج مضافًا لها الثوم وعصير الليمون الحامض، وقد لاقى وما زال منتج المشروع من الملوخية المجففة إقبالاً كبيرًا من الزبائن، ومع نجاح تجربة الملوخية انطلق المشروع نحو مجالات أرحب وأوسع في تقديم المونة والمواد الغذائية للمستهلكين وحسب (إدارة المشروع) فقد وصل عدد ما تقدمه نساء المشروع حاليًا من منتجات غذائية إلى 50 منتجًا من مواد المونة الأكثر طلبًا، ولـ(بيت المونة) طاقم عمل شاب نشيط في مجال التسويق والدعاية عبر شبكة الإنترنت وصفحات التواصل الاجتماعي، حيث يتواصل مع الزبائن بشكل مباشر ويقوم بتأمين ما يطلبه الزبون على الهاتف ويوصله لمكان وجوده، كما بدأت منتجات المشروع بالوجود في مدن سورية أخرى غير مكان المشروع الأساسي أي مدينة حماه، فصارت تُطلب في محافظات حمص ودمشق.
«المونة» تنتعش في سوريا بسبب الحرب والأزمة الراهنة
مشروعان في دمشق وحماه لتقديم المنتجات الغذائية التي تعلب في الصيف وتؤكل في الشتاء
«المونة» تنتعش في سوريا بسبب الحرب والأزمة الراهنة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة