اليونان وسقراط ومصير الفكرة

اليونان وسقراط ومصير الفكرة
TT

اليونان وسقراط ومصير الفكرة

اليونان وسقراط ومصير الفكرة

إن السعي لاستيعاب التاريخ من خلال الحدث والشخصية التاريخية كمثل من يرى بالأسلوب ثنائي الأبعاد، بينما التاريخ يُصنع بإضافة بعد ثالث وهو الفكرة، فالفكرة هي عمق التاريخ، تماما مثلما يعطي المخ الإشارة للجسد ليتحرك فيتحرك العضو المقصود، فإن الفكرة هي محرك التاريخ، وفي التقدير فإننا لا نزال نُهمل هذا البعد في معالجتنا للتاريخ ورؤيتنا له، فنهتم بالحدث وصاحب الحدث ومجتمع الحدث من دون السعي للتعمق في الفكرة الدافعة للحدث، ومن ثم أهمية أن يكون لنا بعد معني بالفكرة ومنشئها وكيفية تطورها مع الزمن، وهذه نقطة فارقة في التاريخ، وتقديري أن إحدى المشاكل التي تواجهنا في العالم العربي اليوم هي انقطاعنا لفترة زمنية طويلة عما أصفه دائما «بالجسر الفكري»، فالديمقراطية على سبيل المثال منشأها يوناني، وجزء من تطورها لم يكن بعيدا عن نظام الشورى الإسلامي، ثم أخذت بعد ذلك منحى مختلفا من خلال المعمار السياسي الناتج عن طبيعة التطور الاقتصادي والاجتماعي وعملية الإصلاح الديني في أوروبا، فكل هذا أدى لتطور الفكرة في ما بعد حتى أخذت الديمقراطية الغربية ثوبها الحالي بشكلها المعروف لدينا اليوم، فالفكرة قد تولد على شكل معين لكنها قد تنتهي إلى نمط أو شكل آخر في مسيرة تداولها وتكوينها، وهي القضية التي يصفها البعض بمفهوم «علم أجناس المعرفة» أو «genealogy of knowledge»، أو تتبع المفهوم أو الفكرة من المنبع للمصب وكيف تتغير.
ومن هذا المنطلق فسنوسع دائرة تناولنا لهذا الباب لنخرج عن الحدث والمجتمع لنشمل أيضا مقالات حول الشخصية التاريخية التي أثرت في نهج الفكر من الفلاسفة والمفكرين، وأيضا تطور المفاهيم حتى أصبحت على ما هي عليه اليوم، وذلك سعيا لاستكمال أبعاد التاريخ لدمج الحدث والشخصية بالفكرة والمفكرين.
إننا نستطيع أن نقول إن اليونان تعد بحق أول تجربة لمفهوم العولمة الفكرية، فالظاهرة اليونانية سبقت حركة العولمة الشاملة اليوم بقرابة خمسة وعشرين قرنا من الزمان، فهذه الظاهرة الفكرية والفلسفية والعملية أخذت شكلا فريدا، فمع التوسع اليوناني على أيدي الإسكندر الأكبر انتشرت الحضارة والثقافة اليونانية التي كانت في مجملها مستوعبة لحضارات ممتدة من قبلها لا سيما الحضارة الفرعونية، ومن بعدها السومرية والفارسية إلخ، لكن قدرة الثقافة اليونانية كانت في كيفية صهر هذه الأفكار من خلال فلاسفتها وعلمائها لإخراج نمط حضاري وثقافي استطاع فرض سيادته على منطقة المتوسط وفارس حتى بعد انطفاء الشعلة العسكرية بموت الإسكندر، ويرجع ذلك في التقدير إلى قوة التشكيلية الحضارية اليونانية وقربها من الثقافات الأخرى وظهور مراكز جديدة لنقل هذا الفكر بعد تطويره، وكان هذا المكان هو الإسكندرية التي صارت المركز الفكري والعلمي للعالم حتى سقوطها على أيدي الرومان، وعندئذ أصبحت الحضارة الرومانية واللغة اللاتينية هي أساس الفكر الدولي ومركز الجذب الرئيس، ومع ذلك فالناظر لهذه الثقافة سيجدها متأثرة تأثرا تاما بالحضارة اليونانية والفرعونية في خط واضح وصريح، وهذا أمر طبيعي بالنظر إلى أن الحضارة اليونانية تعد الثورة الفكرية الأولى في العالم والتي نسجت أول عملية للعولمة الفكرية على المستوى الدولي.
في التقدير فإن الفلسفة هي أهم ما ورثه العالم من البؤرية الحضارية والفكرية اليونانية، وهذا لا يرجع إلى ضعف المناحي الفكرية الأخرى، ولكنه يرجع في الأساس إلى مرتكز القوة لهذه الثقافة، فلقد كانت المدارس الفلسفية اليونانية ممتدة وقوية وعلى رأسها الشخصية العظيمة التي عرفناها في كتب الفكر باسم سقراط (Socrates)، فهو الرمز الفلسفي الأول في الحضارة اليونانية كأب لثلاثية ضمت كلا من أفلاطون وأرسطو من بعده كما سنرى، وذلك على الرغم من أن سقراط لم يكتب حرفا، ولكن كل فكره وتراثه ظل إرثا في كتابات تلميذه أفلاطون، خاصة في كتابه العظيم «الحوارات»، فالمراجع تقول إن سقراط كان رجلا بسيطا ولد لأسرة متواضعة وتميز بقبح المنظر، وظل خلال فترة حياته يتجول في الأسواق ومع العامة، وفي المناسبات الأخرى كان يتأمل ما حوله، فكان يدعو دائما للتعرف على الذات والارتقاء الروحي من خلال العقل، من ثم فيمكننا اعتباره الإلهام الأول للتيار العقلي (Rationalism) والذي تطور في مرحلة لاحقة خاصة في القرن الثامن عشر في أوروبا.
اعتمد فكر سقراط على فرضية أساسية أخذها من معبد دلفي، وهي حكمة «اعرف نفسك»، فالإنسان سعادته ليست إلا في المعرفة، خاصة معرفة الذات وكيفية تطويرها، فالخير في الإنسان لكن قدراته على التعرف عليه هي التي تؤثر على رؤيته وسلوكه، فالذات هي أساس كل شيء، وقد كان هذا المرتكز هو الأساس الذي بنيت عليه كثير من المدارس الفلسفية التي أتت بعد سقراط.
كانت بداية الفكر السقراطي واضحة من خلال جملته الأساسية «أنا أعرف شيئا واحدا وهو أنني لا أعرف شيئا»، وهذا كان المنطلق الذي سعى سقراط لإثباته للعامة من خلال حواراته، كما أن جدليته تظل من أعظم الإبداعات الفكرية والفلسفية المكتوبة حتى الآن، فالرجل استخدم الحوار كأساس لكل فكره، ومن خلال هذه الحوارات طبق مفهوم الجدلية (Dialecticism) كأساس للمعرفة من خلال شرح المتناقضات أو استحداث الحجج التي تعكس مدى ضآلة المفاهيم السائدة لدي العامة، وهذه الحوارات تعد إرثا ثقافيا خاصا لأنه كان يسعى لتوليد المعرفة من محاوريه، وقد كانت هذه المحاولة البدائية لصياغة المنهج الجدلي من أهم ما بنى عليه الفلاسفة الآخرون خاصة الفيلسوف الألماني العظيم «هيغل» بعد سقراط بقرابة ثلاثة وعشرين قرنا من الزمان.
لكن عظمة سقراط لم تكن في منهجه الفكري فحسب، بل إن الرجل سعى في كثير من المناسبات إلى أن يضفي على فكره خفة الظل حتى يكون أكثر جاذبية للعامة، ولعل من أفضل جمله دعوته للزواج بقوله «أدعوكم للزواج بكل تأكيد، فلو أنها كانت زوجة صالحة فستسعد كثيرا، ولو كانت سيئة فستصبح فيلسوفا»، وكذلك مقولته الشهيرة «ما إن تصبح المرأة مثل الرجل، فهي بالتأكيد ستتسيد».
قد كان سقراط ومضة فكرية أضاءت ضوءا ممتدا نحو عالم مختلف بعيدا عما كانت الأفكار الفلسفية الأخرى تنادي به، سواء من حيث المضمون أو من حيث الوسيلة، وكان لعدائه الصريح لحركة السفسطائيين الذين اتخذوا من الفلسفة والفكر وسيلة للاتجار المادي أثره المباشر في زيادة حجم أعدائه، وهذه سنة المفكرين والمبدعين والأنبياء، فلقد ضاقت بعض المصالح بالرجل فتم اتهامه بأنه يُدخل آلهة غير الآلهة «المعتمدين» فضلا عن اتهامه بتهمة إفساد الشباب، وقد عُقدت محاكمة علنية له وأصدرت عليه حكما بالإعدام، وقد رفض الرجل أن يتقدم بطلب للعفو مؤكدا للمحكمة أن هدفه ليس إفساد الشباب أو إهانة الآلهة، ولكن هدفه كان إصلاح المجتمع، وبالتالي فلو رأى المجتمع أنه مذنب فإنه وجب عليه الانصياع لرغباته، فشرب الرجل السم ومات بين تلاميذه، ناهيا حياته ولكن فكره ظل حيا إلى يومنا هذا، بل إن مماته أوقد نار الفكر في أثينا وألهبها من خلال تلاميذه ومريديه وعلى رأسهم أفلاطون وتلميذه من بعده أرسطو كما سنرى، وبالتالي فإن مثال سقراط هو خير دليل على أن الفكرة لا تقهر بقتل صاحبها، فمقتل سقراط لم ينه فكره، بل العكس هو الصحيح، فهو اليوم الانطلاقة لأي قاعدة فكرية أو فلسفية، فما أجهل الإنسان عندما يخشى الفكرة.



يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
TT

يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط

تشهد كوريا الجنوبية، منذ نحو أسبوعين، تطورات متلاحقة لا تلوح لها نهاية حقيقية، شهدت اهتزاز موقع رئيس الجمهورية يون سوك - يول بعد إعلانه في بيان تلفزيوني فرض الأحكام العرفية، وتعليق الحكم المدني، وإرساله قوة عسكرية مدعومة بالهيلوكوبترات إلى البرلمان. ثم اضطراره للتراجع عن قراره في وجه معارضة عارمة. بيد أن تراجع الرئيس خلال ساعات قليلة من هذه المغامرة لم يزد المعارضة إلا إصراراً على إطاحته، في أزمة سياسية غير مسبوقة منذ التحوّل الديمقراطي في البلاد عام 1980 بعد فترة من الحكم التسلطي. ولقد تطوّرت الأوضاع خلال الأيام والساعات الأخيرة من الاحتجاجات في الشوارع إلى تصويت برلماني على عزل يون. وبعدما أقر البرلمان عزل الرئيس ردّ الأخير بتأكيد عزمه على المقاومة والبقاء... في أزمة مفتوحة لا تخلو من خطورة على تجربة البلاد الديمقراطية الطريّة العود.

دبلوماسي مخضرم خدم في كوريا الجنوبية قال، قبل بضعة أيام، معلقاً على الأزمة المتصاعدة: «إذا تم تمرير اقتراح العزل، يمكن وقف (الرئيس) يون (سوك - يول) عن مباشرة مهام منصبه لمدة تصل إلى 180 يوماً، بينما تنظر المحكمة الدستورية في القضية. وفي هذا (السيناريو)، يتولى رئيس الوزراء هان دوك سو منصب الرئيس المؤقت، وتُجرى انتخابات جديدة في غضون 60 يوماً».

وبالفعل، دعا هان دونغ - هون، زعيم حزب «قوة الشعب»، الحاكم، إلى تعليق سريع لسلطات الرئيس مستنداً - كما قال - إلى توافر «أدلة موثوقة» على أن يون سعى إلى اعتقال القادة السياسيين بعد إعلانه الأحكام العرفية الذي لم يدُم طويلاً. ومما أورده هان - الذي كان في وقت سابق معارضاً للمساعي الرامية إلى عزل يون - إن «الحقائق الناشئة حديثاً قلبت الموازين ضد يون، بالتالي، ومن أجل حماية كوريا الجنوبية وشعبنا، أعتقد أنه من الضروري منع الرئيس يون من ممارسة سلطاته رئيساً للجمهورية على الفور». وتابع زعيم الحزب الحاكم أن الرئيس لم يعترف بأن إعلانه فرض الأحكام العرفية إجراء غير قانوني وخاطئ، وكان ثمة «خطر كبير» من إمكانية اتخاذ قرار متطرف مماثل مرة أخرى إذا ظل في منصبه.

بالتوازي، ذكرت تقارير إعلامية كورية أن يون يخضع حالياً للتحقيق بتهمة الخيانة إلى جانب وزير الدفاع المستقيل كيم يونغ - هيون، (الذي ذُكر أنه حاول الانتحار)، ورئيس أركان الجيش الجنرال بارك آن - سو، ووزير الداخلية لي سانغ - مين. وحقاً، تمثل الدعوة التي وجهها هان، وهو وزير العدل وأحد أبرز منافسي يون في حزب «قوة الشعب»، تحولاً حاسماً في استجابة الحزب الحاكم للأزمة.

خلفية الأزمة

تولى يون سوك - يول منصبه كرجل دولة جديد على السلطة، واعداً بنهج عصري مختلف في حكم البلاد. إلا أنه في منتصف فترة ولايته الرئاسية الوحيدة التي تمتد لخمس سنوات، شهد حكمه احتكاكات شبه دائمة مع البرلمان الذي تسيطر عليه المعارضة، وتهديدات «بالإبادة» من كوريا الشمالية، ناهيك من سلسلة من الفضائح التي اتهم وعائلته بالتورّط فيها.

وعندما حاول يون في خطابه التلفزيوني تبرير فرض الأحكام العرفية، قال: «أنا أعلن حالة الطوارئ من أجل حماية النظام الدستوري القائم على الحرية، وللقضاء على الجماعات المشينة المناصرة لنظام كوريا الشمالية، التي تسرق الحرية والسعادة من شعبنا»، في إشارة واضحة إلى الحزب الديمقراطي المعارض، مع أنه لم يقدم أي دليل على ادعائه.

إلا أن محللين سياسيين رأوا في الأيام الأخيرة أن الرئيس خطّط على الأرجح لإصدار مرسوم «الأحكام العرفية الخرقاء» أملاً بحرف انتباه الرأي العام بعيداً عن الفضائح المختلفة والإخفاق في معالجة العديد من القضايا المحلية. ولذا اعتبروا أن عليه ألا يطيل أمد حكمه الفاقد الشعبية، بل يبادر من تلقاء نفسه إلى الاستقالة من دون انتظار إجراءات العزل، ومن ثم، السماح للبلاد بانتخاب رئيس جديد.

بطاقة هوية

ولد يون سوك - يول، البالغ من العمر 64 سنة، عام 1960 في العاصمة سيول لعائلة من الأكاديميين اللامعين. إذ كان أبوه يون كي - جونغ أستاذاً للاقتصاد في جامعة يونساي، وأمه تشوي سيونغ - جا محاضرة في جامعة إيوها للنساء قبل زواجها. وحصل يون على شهادته الثانوية عام 1979، وكان يريد في الأصل أن يدرس الاقتصاد ليغدو أستاذاً، كأبيه، ولكن بناءً على نصيحة الأخير درس الحقوق، وحصل على شهادتي الإجازة ثم الماجستير في الحقوق من جامعة سيول الوطنية - التي هي إحدى «جامعات النخبة الثلاث» في كوريا مع جامعتي يونساي وكوريا - وأصبح مدّعياً عاماً بارزاً قاد حملة ناجحة لمكافحة الفساد لمدة 27 سنة.

ووفق وسائل الإعلام الكورية، كانت إحدى محطات حياته عندما كان طالب حقوق عندما لعب دور القاضي في محاكمة صورية للديكتاتور (آنذاك) تشون دو - هوان، الذي نفذ انقلاباً عسكرياً وحُكم عليه بالسجن مدى الحياة. وفي أعقاب ذلك، اضطر يون إلى الفرار إلى الريف مع تمديد جيش تشون الأحكام العرفية ونشر القوات والمدرّعات في الجامعة.

بعدها، عاد يون إلى العاصمة، وصار في نهاية المطاف مدعياً عاماً، وواصل ترقيه الوظيفي ما يقرب من ثلاثة عقود، بانياً صورة له بأنه حازم وصارم لا يتسامح ولا يقدّم تنازلات.

مسيرته القانونية... ثم الرئاسة

قبل تولي يون سوك - يول رئاسة الجمهورية، كان رئيس مكتب الادعاء العام في المنطقة المركزية في سيول، وأتاح له ذلك محاكمة أسلافه من الرؤساء. إذ لعب دوراً فعالاً في إدانة الرئيسة السابقة بارك غيون - هاي التي أُدينت بسوء استخدام السلطة، وعُزلت وأودعت السجن عام 2016. كذلك، وجه الاتهام إلى مون جاي - إن، أحد كبار مساعدي خليفة الرئيسة بارك، في قضية احتيال ورشوة.

أما على الصعيد السياسي، فقد انخرط يون في السياسة الحزبية قبل سنة واحدة فقط من فوزه بالرئاسة، وذلك عندما كان حزب «قوة الشعب» المحافظ - وكان حزب المعارضة يومذاك - معجباً بما رأوه منه كمدّعٍ عام حاكم كبار الشخصيات، وأقنع يون، من ثم، ليصبح مرشح الحزب لمنصب رئاسة الجمهورية.

وفي الانتخابات الرئاسية عام 2022 تغلّب يون على منافسه الليبرالي لي جاي - ميونغ، مرشح الحزب الديمقراطي، بفارق ضئيل بلغ 0.76 في المائة... وهو أدنى فارق على الإطلاق في تاريخ الانتخابات في البلاد.

الواقع أن الحملة الانتخابية لعام 2022 كانت واحدةً من الحملات الانتخابية القاسية في تاريخ البلاد الحديث. إذ شبّه يون غريمه لي بـ«هتلر» و«موسوليني». ووصف حلفاء لي الديمقراطيون، يون، بأنه «وحش» و«ديكتاتور»، وسخروا من جراحة التجميل المزعومة لزوجته.

إضافة إلى ذلك، شنّ يون حملته الانتخابية بناء على إلغاء القيود المالية والموقف المناهض للمرأة. لكنه عندما وصل إلى السلطة، ألغى وزارة المساواة بين الجنسين والأسرة، قائلاً إنها «مجرد مقولة قديمة بأن النساء يُعاملن بشكل غير متساوٍ والرجال يُعاملون بشكل أفضل». وللعلم، تعد الفجوة في الأجور بين الجنسين في كوريا الجنوبية الأسوأ حالياً في أي بلد عضو في «منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية».

أيضاً، أدى استخدام يون «الفيتو» تكراراً إلى ركود في العمل الحكومي، بينما أدت تهم الفساد الموجهة إلى زوجته لتفاقم السخط العام ضد حكومته.

تراجع شعبيته

بالتالي، تحت ضغط الفضائح والخلافات، انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة «غالوب كوريا» أن شعبيته انخفضت إلى 19 في المائة فقط. وتعد «كارثة» الأحكام العرفية الحلقة الأخيرة في سلسلة من الممارسات التي حددت رئاسة يون وأخطائها.

إذ ألقي باللوم على إدارة يون في التضخم الغذائي، وتباطؤ الاقتصاد، والتضييق المتزايد على حرية التعبير. وفي أواخر 2022، بعدما أسفر تدافع حشود في احتفال «الهالوين» (البربارة) في سيول عن سقوط 159 قتيلاً، تعرضت طريقة تعامل الحكومة مع المأساة لانتقادات واسعة.

زوجته في قلب مشاكله!

من جهة ثانية، كانت كيم كيون - هي، زوجة الرئيس منذ عام 2012، سبباً آخر للسخط والانتقادات في وسائل الإعلام الكورية الجنوبية. فقد اتهمت «السيدة الأولى» بالتهرب الضريبي، والحصول على عمولات لاستضافة معارض فنية عن طريق عملها. كذلك واجهت اتهامات بالانتحال الأدبي في أطروحتها لنيل درجة الدكتوراه وغيرها من الأعمال الأكاديمية.

لكن أكبر فضيحة على الإطلاق تورّطت فيها كيم، كانت قبولها عام 2023 هدية هي حقيبة يد بقيمة 1800 جنيه إسترليني سراً من قسيس، الأمر الذي أدى إلى مزاعم بالتصرف غير اللائق وإثارة الغضب العام، لكون الثمن تجاوز الحد الأقصى لما يمكن أن يقبله الساسة في كوريا الجنوبية وشركاؤهم قانونياً لهدية. لكن الرئيس يون ومؤيديه رفضوا هذه المزاعم وعدوها جزءاً من حملة تشويه سياسية.

أيضاً أثيرت تساؤلات حول العديد من القطع الثمينة من المجوهرات التي تملكها «السيدة الأولى»، والتي لم يعلَن عنها كجزء من الأصول الرئاسية الخاصة. وبالمناسبة، عندما فُتح التحقيق في الأمر قبل ست سنوات، كان زوجها رئيس النيابة العامة. أما عن حماته، تشوي يون - سون، فإنها أمضت بالفعل حكماً بالسجن لمدة سنة إثر إدانتها بتزوير وثائق مالية في صفقة عقارية.

يُضاف إلى كل ما سبق، تعرّض الرئيس يون لانتقادات تتعلق باستخدام «الفيتو» الرئاسي في قضايا منها رفض مشروع قانون يمهد الطريق لتحقيق خاص في التلاعب المزعوم بالأسهم من قبل زوجته كيم كيون - هي لصالح شركة «دويتشه موتورز». وأيضاً استخدام «الفيتو» ضد مشروع قانون يفوّض مستشاراً خاصاً بالتحقيق في مزاعم بأن مسؤولين عسكريين ومكتب الرئاسة قد تدخلوا في تحقيق داخلي يتعلق بوفاة جندي بمشاة البحرية الكورية عام 2023.

وهكذا، بعد سنتين ونصف السنة من أداء يون اليمين الدستورية عام 2022، وعلى أثر انتخابات رئاسية مثيرة للانقسام الشديد، انقلبت الأمور ضد الرئيس. وفي خضم ارتباك الأحداث السياسية وتزايد المخاوف الدولية يرزح اقتصاد كوريا الجنوبية تحت ضغوط مقلقة.

أمام هذا المشهد الغامض، تعيش «الحالة الديمقراطية» في كوريا الجنوبية أحد أهم التحديات التي تهددها منذ ظهورها في أواخر القرن العشرين.