تاريخ الحثّيين

تاريخ الحثّيين
TT
20

تاريخ الحثّيين

تاريخ الحثّيين

تعد حضارة الدولة الحثّية Hittites إحدى أكبر الحضارات التي شهدتها الألفية الثانية قبل الميلاد، وهي لا تقل أهمية عن بعض حضارات بلاد ما بين النهرين، التي امتدت بعدها بقرون، وعاصرت الدولة الآشورية والبابلية، بل ودخلت في صراعات معهما.
تشير بعض المصادر التاريخية إلى أن أهمية دولة الحثّيين تكمن في كونها كانت تملك مفتاح الاتصال بين شرق العالم القديم وغربه من خلال موقعها الجيو - استراتيجي المهم في هضبة الأناضول وشمال سوريا. كما تشير بعض المصادر التاريخية إلى أن هذه الدولة رغم أنها لم تمتلك ثقافة موسعة أو حتى نهضة علمية مقارنة بالدول الكبرى في ذلك الوقت وعلى رأسها مصر، فإنها تمتعت بقوة عسكرية جبارة، وهي التي أدخلت الحديد واستبدلت به المعادن الأخرى في بعض المجالات وعلى رأسها صناعة الأدوات الحربية.
وفق المصادر المذكورة فإن بدايات هذه الدولة كانت في الألفية الثانية من الميلاد وأنها وصلت إلى أوج سلطتها خلال القرن السادس عشر قبل الميلاد وكانت عاصمتها مدينة حاتوسا (أو حاتوسيل) وترجمتها «أرض حاتي». أما بالنسبة للأصول العرقية للحثّيين فما زال أمرها غير محسوم، وإن كان أغلب الظن أنها تأتت من هجرة قبائل من منطقة القوقاز في الشمال. ولكن المؤكد أن هذه القبائل استوطنت وسط هضبة الأناضول في فترة زمنية قبل القرن العشرين قبل الميلاد، ثم بدأت تجمّعاتها تفرض سطوتها على القبائل التي كانت تعيش في تلك المنطقة.
ولقد بنيت هذه الدولة القوية على أساس اقتصادي مرتبط بالزراعة والرّعي، وهما الحرفتان اللتان استمرتا معها حتى النهاية. كذلك لعبت التجارة دورًا مهمًا للغاية في ازدهار هذه الدولة القوية خاصّة لدى استغلالها موقعها الجغرافي المتميز، ونظرًا لأهمية هذه الأنشطة أصرّ ملوك هذه الدولة على وضع نظم تجارية وزراعية صارمة على رأسها ضبط الأسعار والتحكّم من خلال نظام مركزي يسيطر عليه الملك ورجاله أنفسهم، كما وضعت الدولة في فترة زمنية نظامًا يضمن استمرار الزراعة من خلال تطوير شبكات الرّي ووضع نظام حاسم للأجور للأنشطة المختلفة. أما بالنسبة لتوزيع الأراضي فقد اعتمدت الدولة على نظام إقطاعي بدائي مرتبط بشكل مباشر بقدرة الإقطاعي على توفير الجنود للملك، وفي حال فشله يصار إلى سحب إقطاعه منه ومنحه لآخرين.
من المؤكد أن هذه الحضارة تميّزت بنظام قانوني فعال للغاية في ذلك الوقت، وهو وإن لم يكن بالضرورة مثل المدوّنة القانونية للملك البابلي حمورابي الشهيرة بـ«شرعة حمورابي»، فإنه كان من أقوى الأنظمة في ذلك الوقت. ولقد صاغه الملك تيليبينو Telipinu، الذي استطاع من خلاله أن ينظم شؤون الدولة بشكل كبير والعلاقات بين أفرادها، وكان نظامًا يعتبر بمقاييس عصره متطورًا للغاية، بجانب أنه لم يكن عنيفًا مثل أنظمة أخرى في ذلك الوقت أو حتى قبله.
ومن ناحية أخرى، تميزت الدولة الحثّية بمنظومة دينية لم تختلف كثيرًا عن غيرها من الدول القديمة المعاصرة لها من حيث تعدّد الآلهة تحت قيادة كبير الآلهة وهو «إله العواصف». ولكن الملاحظ أيضًا أنها لم تكن منظومة متحجّرة، إذ استوعب الحثّيون الكثير من الآلهة مع مرور الوقت من الدول التي احتلوها أو تاجروا معها، وهو ما جعلهم من أكثر دول العالم القديم تأثرًا بالثقافات المختلفة التي حولها، فصناعة الثقافة يبدو أنها لم تكن من مميزات هذه الدولة بالشكل التقليدي لبعض الدول الأخرى المجاورة لها.
أيضًا، تشير المصادر التاريخية إلى أن الدولة الحثّية مرت بالكثير من الصعوبات قبيل القرن السادس عشر قبل الميلاد وبعده، إذ تعرضت لعدد من الغزوات من مناطق مختلفة أدت بعضها لسقوط العاصمة في أيدي المحتلين، غير أنها في كل مرة كانت تعود بقوة أكبر لتعيد السيطرة على عاصمتها وتبني دولتها من جديد، وكان أهمها على أيدي الملك شوبيلوليوما الأول - أو العظيم - Suppiluliuma I، الذي استطاع أن يعيد مجد الدولة الحثّية مرة أخرى بعدما سقطت العاصمة حاتوسا على أيدي محتلين غزوا أرض الدولة من ثلاثة اتجاهات متوازية، فلقد شنت دولة الميتاني Mitanni من الجنوب الشرقي هجومًا على أراضيها في نفس الوقت الذي شنت فيه دولة الأرزاوا هجومها من الشمال الغربي وهجمت القبائل الشمالية على شمال الدولة، وهو ما أدى إلى سقوط العاصمة على أيدي المحتلين وانحسار أراضي الدولة. ولكن الملك استطاع بشبه معجزة إدارية وعسكرية تنظيم جيوشه مرة أخرى واستطاع أن ينتزع العاصمة من أيدي المحتلين بفضل جيشه القوى الذي قام بتدريبه بكل جد وإدارة قوية. وبمجرد أن استتب الأمر له مرة أخرى عادت أطرافها إلى هذا الملك القوي الذي بدأ يتوسع تدريجيًا إلى أن شملت دولته أجزاء من لبنان حاليًا. ولقد عقد ذلك الملك الكبير سلسلة من التحالفات والاتفاقيات الدولية من أجل تثبيت قوة دولته وحماية حدوده، ولكن الضربة التالية لهذه الدولة جاءت جراء داء الطاعون الذي حصد أرواحًا كثيرة من بينها باني الدولة وملكها، فاضطربت الأحوال كثيرًا في ذلك الوقت، وبعد صراع على السلطة استطاع الملك مواتيللي، حفيد شوبيلوليوما الأول، أن يثبت أقدامه ويعيد لهذه الدولة قدراتها العسكرية والإدارية مرة أخرى.
ولعل أهم ما تميّزت الفترة التالية كان الصراع الذي نشب مع الدولة المصرية خاصة بعد تولي رمسيس الثاني حكم مصر في ذلك الوقت. فلقد بدأ الصراع بين القطبين الدوليين في ذلك الوقت، ودخلت مصر في حرب ضد الحثّيين فخاضت في معركة قادش الشهيرة في 1274 ق.م، قرب مدينة حمص السورية اليوم، التي انتهت بمعركة شرسة كاد رمسيس يهزم فيها قبل أن يحول الهزيمة إلى شبه نصر مقبول. ومعه وقعت مصر مع الحثّيين أشهر اتفاقية معروفة في التاريخ وهي «اتفاقية قادش» بعدها بسنوات أنهت الحرب بين القطبين. ولكن عوامل الضعف كانت قد بدأت تضرب الدولة الحثّية فلم تستطع الاستمرار كثيرًا وبدأت تسقط تدريجيًا إلى أن اضمحلت تمامًا وتناثرت إلى دويلات صغيرة أخرجتها من التاريخ الحقيقي لمنظومة القوى في منطقتها.
حقيقة الأمر أن تاريخ الدولة الحثّية يعكس الكثير من الحقائق الأساسية، على رأسها محدودية دورها الثقافي مقارنة ببأسها العسكري، ويضاف إلى ذلك سقوطها المتكرر الذي كانت تعقبه عودة إلى الساحة مرة أخرى، وهو ما يعكس نموذجًا متكرّرًا لما يبدو أنه ناموس سياسي لا يتغيّر مع التاريخ، وهو وجود ارتباط مباشر بين استمرارية الدولة من ناحية وبين حسن إدارتها سياستها الخارجية وقوة جيوشها. ذلك أن تكالب دول الجوار على أي دولة، مصحوبًا مع عجزها عن تأمين حدودها دبلوماسيا من خلال تفادي التحالفات ضدها وضعف هيكلها العسكري، دائمًا ما يكون نذيرًا لبداية النهاية.



سياسات مصر السكانية تحقّق اختراقاً نادراً

مصريون في أحد الأسواق بالقاهرة (الشرق الأوسط)
مصريون في أحد الأسواق بالقاهرة (الشرق الأوسط)
TT
20

سياسات مصر السكانية تحقّق اختراقاً نادراً

مصريون في أحد الأسواق بالقاهرة (الشرق الأوسط)
مصريون في أحد الأسواق بالقاهرة (الشرق الأوسط)

بعد نحو ستة عقود من الجهود والمساعي الحثيثة لمواجهة الأزمة السكانية، يبدو أن سياسات مصر في هذا الصدد بدأت تؤتي ثمارها، محققة اختراقاً نادراً يتمثل بتراجع معدل المواليد؛ ما ينبئ بإمكانية الوصول إلى المستهدفات بحلول عام 2030. جاء هذا الاختراق مقترناً بما أعلنه نائب رئيس الوزراء المصري ووزير الصحة الدكتور خالد عبد الغفار، أخيراً، عن «تسجيل أقل معدل نمو سكاني في البلاد خلال الربع الأول من العام الحالي، مقارنة بالربع الأول من 2024 وكذلك عام 2023، في استمرار لانخفاض معدلات الزيادة السكانية على مستوى ربوع البلاد». وهو ما عدَّه وزير الصحة «إنجازاً يعكس نجاح الجهود الحكومية المبذولة لتحقيق التوازن بين النمو السكاني والتنمية المستدامة».

وزير الصحة المصري في جولة داخل أحد المستشفيات (أرشيفية - وزارة الصحة المصرية)
وزير الصحة المصري في جولة داخل أحد المستشفيات (أرشيفية - وزارة الصحة المصرية)

تراجع نمو معدل المواليد لا يعني بالضرورة تراجع عدد السكان أو ثباته. وفيما يخص مصر، فإنها لم تصل بعد إلى نسبة التوازن المستهدفة، التي يتساوى فيها معدل المواليد مع معدل الوفيات أو ما يعرف بـ«السكون السكاني».

ووفق ما أعلنه وزير الصحة المصري، الدكتور خالد عبد الغفار، بلغ عدد السكان في أول يناير (كانون الثاني) 2023 نحو 104.4 مليون نسمة، وارتفع إلى 107.2 مليون نسمة في أول يناير 2025؛ ما يعني أن متوسط معدل النمو السنوي خلال تلك الفترة بلغ نحو 1.34 في المائة، مقارنة بمعدل 1.4 في المائة عام 2024، و1.6 في المائة خلال عام 2023، مشيراً إلى أن ذلك يعكس «تحولاً إيجابياً نتيجة للسياسات السكانية التي تنفذها الدولة».

عدد سكان مصر بلغ عام 1897 نحو 9.7 مليون نسمة، لكنه تزايد تدريجياً حتى أضحت قضية الزيادة السكانية واحدة من القضايا المدرجة على أجندة الدولة المصرية منذ الستينات من القرن الماضي. وبالفعل، أسّس «المجلس الأعلى لتنظيم الأسرة» عام 1965. وفي منتصف الثمانينات أُسّس «المجلس القومي للسكان». ومن ثم تواصلت الجهود للحد من الزيادة السكانية، وكان الحدث الأبرز عام 1994 استضافة مصر مؤتمراً دولياً عن السكان والتنمية، لتتخذ الجهود منحًى آخر أكثر كثافةً ترافق مع حملات إعلامية بشعارات لافتة من قبيل «قبل ما نزيد مولود نتأكد أن حقه علينا موجود».

مؤشر إيجابي

لعقود طويلة دفعت الزيادة السكانية إلى اختناق المدن المصرية، والتهمت موارد الدولة وجهود التنمية، وسط شكاوى حكومية مستمرة من نقص الموارد الكافية للزيادة السكانية.

وسبق أن حذّر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مراراً من النمو السكاني، وعدّه «أكبر خطر يواجه مصر في تاريخها». وفي سبتمبر (أيلول) 2023، أثناء افتتاحه «المؤتمر العالمي الأول للسكان والصحة والتنمية»، قال: «يجب أن يتم تنظيم الإنجاب، وإن لم يتم تنظيمه، فإنه يمكن أن يتسبّب في (كارثة) للبلد».

وأشار السيسي إلى مخاطر النمو السكاني على جهود التنمية، فقال في نهاية عام 2022 إن «النمو السكاني سيأكل البلد». وفي أكتوبر (تشرين الأول) 2021 قال إن «استمرار النمو بالمعدلات الحالية يعرقل جهود التنمية». وما يذكر أنه عام 2017 عدَّ السيسي «الإرهاب والزيادة السكانية أكبر خطرين يواجهان البلاد».

الآن يبدو أن التحذيرات والجهود بدأت تؤتي ثمارها. ورأى الدكتور مجدي خالد، المدير السابق لصندوق الأمم المتحدة للسكان وعضو «اللجنة الاستشارية العليا» لتنظيم الأسرة بوزارة الصحة المصرية، في انخفاض معدل المواليد «نتاجاً للسياسات التي تضمنتها الاستراتيجية القومية للسكان». وأوضح لـ«الشرق الأوسط» أن «هذا الانخفاض ليس مفاجئاً ولا عشوائياً، وهو مستمر منذ ثلاث سنوات إثر تدخلات فاعلة تمت خلال السنوات العشر الأخيرة».

وبينما اتفق مقرّر المجلس القومي للسكان السابق، الدكتور عاطف الشيتاني، مع هذا الرأي، فإنه رأى خلال حوار مع «الشرق الأوسط» تراجع معدل المواليد إشارة جيدة وثمرة لجهود مستمرة منذ الستينات، وأردف: «هناك حقائق عدة لا بد من التعامل معها في هذا المجال في إطار خطة استراتيجية لمواجهة الأزمة بنهاية عام 2030».

وأوضح الشيتاني أن «الدولة تسعى للوصول لمرحلة التوازن السكاني، أي زيادة سكانية صفر، بتساوي معدل الوفيات ومعدل المواليد»، مشيراً إلى أن معدل المواليد حالياً يقترب من مليونين سنوياً، في حين يبلغ معدل الوفيات 600 ألف سنوياً.

وفي يناير الماضي، أعلن «الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء» في مصر أنه «للمرة الأولى منذ عام 2007 لم تتجاوز أعداد المواليد حاجز المليونين»، لافتاً إلى أن عدد المواليد خلال عام 2024 بلغ مليوناً و968 ألف مولود، مقارنة بمليونين و45 ألف مولود عام 2023، في حين بلغ عدد الوفيات 610 آلاف شخص خلال عام 2024، مقارنة بـ583 ألفاً خلال عام 2023.

هذا، وساهمت الحملات المستمرة في انخفاض معدل المواليد سنوياً، قبل أن يعود للارتفاع عام 2014؛ ما دفع إلى تكثيف الجهود مرة أخرى، وفق الشيتاني الذي يرى أن «حركة السكان وسلوكهم الإنجابي لا يمكن تعديلهما في يوم وليلة، فهما مؤشران ثقيلان يحتاجان إلى عقود من الجهد».

وعقب أحداث عام 2011 في مصر، قفز معدل المواليد عام 2012 إلى نحو 32 مولوداً لكل ألف مواطن، وشهد عام 2014 أكبر معدل للمواليد 2014، وبلغ مليونين و720 ألف مولود، قبل أن يعاود الرقم الانخفاض تدريجياً في الأعوام التالية، بحسب الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء.

الحذر مطلوب

مع هذا، ورغم أن انخفاض معدل المواليد مؤشر إيجابي، يطالب الشيتاني بالحذر في التعامل مع الأرقام ربع السنوية، وانتظار البيانات الرسمية لنهاية العام، لا سيما وأن معدل المواليد موسمي وربما يزيد في فصل الصيف. ويشرح: «هناك مؤشرات أخرى لا بد من وضعها في الحسبان، من بينها معدل الإنجاب. والدولة تسعى لمعدل إنجاب بمتوسط طفلين لكل سيدة بحلول 2028، في حين يصل المعدل الحالي إلى 2.8 طفل لكل سيدة».

ويلفت الشيتاني إلى نتائج المسح السكاني الصحي لعام 2021، التي أظهرت أن معدل استخدام وسائل تنظيم الأسرة لا يتجاوز 67 في المائة، في حين المستهدف 74 في المائة، وذلك مع أن 20 في المائة من المواليد خلال السنوات الخمس السابقة للمسح الصحي كانوا «غير مخطط لهم». وهذا – وفق الشيتاني – يعني أن «هناك نقصاً في المعلومات، ثم إن الوصول لوسائل تنظيم الأسرة يتطلب جهوداً مكثفة في هذا الإطار».

في سياق موازٍ، بحسب دراسة الجدوى الاقتصادية لإنهاء الحاجة غير الملباة لتنظيم الأسرة في مصر، التي أطلقها «معهد التخطيط القومي» و«صندوق الأمم المتحدة للسكان» في أبريل (نيسان) 2024، تحتاج برامج تنظيم الأسرة إلى استثمار إجمالي قدره 11.1 مليار جنيه (الدولار يساوي 50.9 جنيه في البنوك المصرية)؛ وذلك لتقليل الحاجة غير الملباة لتنظيم الأسرة في مصر لتصل إلى 8.6 في المائة بحلول 2030 وتجنب مليون و400 حالة حمل غير مرغوب فيها.

هذا، ويهدف «البرنامج القومي لتنظيم الأسرة» إلى «تحقيق التنمية الاجتماعية الشاملة للأسر المستفيدة من برنامج (تكافُل) من خلال رفع وعي الأسر المستهدفة وتطوير عيادات تنظيم الأسرة بتكلفة 1.2 مليار جنيه، وتقديم خدمات ووسائل تنظيم الأسرة بالمدن والقرى على مستوى الجمهورية، خصوصاً المناطق النائية والمحرومة، ضمن مبادرة رئيس الجمهورية (حياة كريمة) لرفع معدلات استخدام وسائل تنظيم الأسرة وخفض معدلات الزيادة السكانية».

ويضاف إلى هذا «توقيع الكشف الطبي، وصرف وسائل تنظيم الأسرة وبخاصة الوسائل الطويلة المفعول، والأدوية بالمجان عن طريق اختصاصيي تنظيم الأسرة والنساء والتوليد في العيادات الثابتة والمتنقلة، والمراكز الحضرية، والمستشفيات العامة والمركزية ومراكز رعاية الأمومة والطفولة»، بحسب موقع الرئاسة المصرية.

من جهة أخرى، رغم المؤشرات الإيجابية، يؤكد المدير السابق لـ«صندوق الأمم المتحدة للسكان» أن «تحقيق المستهدفات يتطلب المزيد من الجهد ودراسة الأسباب التي دفعت إلى انخفاض معدل المواليد في محافظات معينة في حين يرتفع في أخرى، ومحاولة تكرار التجربة». وللعلم، سجلت محافظة بورسعيد (بشمال مصر) أدنى معدل نمو سكاني في البلاد بنسبة 0.61 في المائة؛ ما يجعلها أول محافظة تحقق «شبه سكون سكاني».

في المقابل، يمثل إقليم الوجه القبلي (صعيد مصر) أكبر نسبة مواليد؛ إذ بلغت 45 في المائة، مع أنه يشكل 39 في المائة من تعداد السكان، «الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء» بداية العام الحالي. وبيّن «الجهاز» أن محافظات بورسعيد ودمياط والدقهلية والغربية والسويس كانت أقل المحافظات من حيث معدل المواليد لعامي 2024 و2023.

بنايات في القاهرة (تصوير عبد الفتاح فرج)
بنايات في القاهرة (تصوير عبد الفتاح فرج)

المرأة هي البطل

على الجانب الآخر صرّح الدكتور سعيد صادق، أستاذ علم الاجتماع السياسي، لـ«الشرق الأوسط» بأن التراجع في معدلات المواليد «مرتبط بتغيرات مجتمعية تتعلق بزيادة مستوى التعليم، ونسب عمل المرأة، وتراجع سن الزواج، إضافة إلى تراجع الأوضاع الاقتصادية... وصحيح أن الدولة وضعت سياسات وخططاً ونظَّمت حملات إعلامية ووفرت وسائل تنظيم الأسرة، لكن العامل الفاعل والبطل في إحداث تغيير كان المرأة وزيادة وعيها العلمي والاقتصادي والمجتمعي».

ما سبق عوامل لم ينكرها المتخصصون في السكان، لكن الشيتاني وخالد يعتقدان أن إثبات دور العوامل المجتمعية من تعليم وأوضاع اقتصادية يحتاج إلى دراسات. وأكدا أن الحقائق تقول إن هناك سياسات حكومية لمكافحة الزيادة السكانية، وهناك تراجع في معدل المواليد بالأرقام، أي عوامل أخرى تحتاج لدراسة».

وكانت الدكتورة عبلة الألفي، نائب وزير الصحة لتنمية الأسرة والمشرفة على «المجلس القومي للسكان»، قد أكدت في تصريحات صحافية أخيراً أن «التراجع الحالي في معدل النمو السكاني جاء نتيجة لتحوّل ثقافي مستقر، وليس تأثيراً ظرفياً ناتجاً من ظروف اقتصادية».

حقائق

الفن والإعلام شاركا في المحاولات الحكومية للتوعية

> وسط تحذيرات متكررة من مخاطر الزيادة السكانية في مصر، وتزامناً مع جهود وسياسات حكومية لخفض معدل الولادات، لعب الإعلام دوراً مهماً، عبر حملات إعلانية وأعمال درامية ناقشت الظاهرة، وحاولت التحذير من مخاطرها، بعضها حفر طريقه في ذاكرة المصريين. وكانت أغنية «حسنين ومحمدين... زينة الشباب الاتنين» التي أدتها الفنانة فاطمة عيد في الثمانينات واحدة من أبرز الحملات الإعلامية في هذا الإطار، عبر التركيز على الفرق بين رجلين أحدهما أنجب 7 أطفال والآخر اكتفى بطفلين. أيضاً قدمت فاطمة عيد في الفترة نفسها إعلان «الست شلبية»، وهو إعلان رسوم متحرّكة يحث النساء على التوجه إلى عيادات تنظيم الأسرة. واعتمدت الحملات الإعلانية على نجوم الفن، وشاركت الفنانة كريمة مختار في إعلانات عدة لتوعية المرأة بأهمية تنظيم الأسرة خلال حقبتي الثمانينات والتسعينات. وتوالت بعد ذلك الحملات الإعلانية، التي ركّز بعضها على الرجل ودوره، كالحملة التي شارك فيها الفنان المصري أحمد ماهر ورفعت شعار «الراجل مش بس بكلمته... الراجل برعايته لبيته وأسرته». أو حملات ركزت على المرأة مثل «بالخلفة الكتير... يتهد حيلك وجوزك يروح لغيرك». وأخرى حاولت التأكيد على أهمية الصحة معتمدة شعار «مش بالكترة بنات وبنين... لاء بالصحة وبالتنظيم». وأخرى للترويج لوسائل تنظيم الأسرة «اسأل... استشير». ولم يقتصر الأمر على الإعلانات، بل امتد إلى الدراما التلفزيونية والسينمائية، وربما من أشهر تلك الأعمال فيلم «أفواه وأرانب» من بطولة فاتن حمامة ومحمود ياسين 1977، وفيلم «الحفيد» بطولة عبد المنعم مدبولي وكريمة مختار 1974. وتناولت بعض الأفلام تأثير زيادة الإنجاب على الأوضاع الاقتصادية، مثل فيلم «لا تسألني من أنا»، بطولة شادية عام 1984، وفيه باعت البطلة إحدى بناتها لتنفق على باقي أسرتها. وغيرها الكثير من الأعمال السينمائية والتلفزيونية التي حاولت طرح القضية من زوايا عدة بشكل مباشر أو غير مباشر. وبينما حظيت بعض الأعمال الفنية سواء إعلانات أو دراما بإعجاب الجمهور، فإن أخرى لم تلق استحساناً، مثل إعلان «أبو شنب» عام 2019، الذي جسّد فيه الفنان المصري أكرم حسني شخصية صعيدية بصبغة كوميدية، في إطار حملة توعوية أطلقتها وزارة التضامن الاجتماعي لمكافحة الزيادة السكانية تحت عنوان «2 كفاية» واختارت لها شعار «السند مش في العدد». إذ أثارت الحملة يومذاك انتقادات عدّة، وعدّها البعض تشويهاً لمنطقة الصعيد (جنوب مصر).