النزاع في «نداء تونس».. أزمة حزب أم أزمة حكم؟

جناحان يساري و «بورقيبي» في قلب المشهد

النزاع في «نداء تونس».. أزمة حزب أم أزمة حكم؟
TT

النزاع في «نداء تونس».. أزمة حزب أم أزمة حكم؟

النزاع في «نداء تونس».. أزمة حزب أم أزمة حكم؟

ألقت الأزمة الداخلية التي مرت بها حركة «نداء تونس» الفائزة في انتخابات 2014 بظلالها على المشهد السياسي في تونس، وسرعان ما ظهرت سيناريوهات تطورات الأزمة لتطرح فرضية انقسام الحزب الذي تشكل على عجل سنة 2012 إلى أكثر من حزب سياسي ومن ثم فقدانه للأغلبية البرلمانية، وهو ما يجعل مواصلته لرئاسة الحكومة مطروحة بقوة. وهو كذلك ما جعل عودة حركة «النهضة»، ممثلة التيار الإسلامي، إلى الحكم وتمسكها بحقها الدستوري في تشكيل الحكومة فرضية واردة، وكذلك على الرغم من تأكيدات قيادات «النهضة» على أنها في حل مما يحدث داخل هذا الحزب وأن لا ناقة لها ولا جمل في ما حصل.

لدى متابعة ما جد من جدل سياسي وحزبي في تونس، فإن الأزمة القائمة داخل حركة «نداء تونس» صورت على أساس وجود شقين سياسيين متناقضين في الحزب السياسي الحاكم الذي يتزعمه الرئيس الباجي قائد السبسي:
الشق الأول شق يساري ونقابي يتبنّى منطق «من فاز في الانتخابات عليه أن يتحمل مشكلات الحكم بوضوح ويتحمل المسؤولية كاملة» مع ما يتطلبه ذلك من تغيير السياسات الحالية التي جعلت «النداء» يبتعد عن أهداف تأسيسه ويتخلى عن جانب كبير من وعوده الانتخابية. ويتمسك هذا الشق باحترام شرعية الحزب الفائز بالحكم وتنفيذ مجموع وعوده، وهذا لن يتم إلاّ بعقد تحالفات قوية داخل البرلمان تسمح لـ«النداء» بالحكم الواضح دون مشاركة «النهضة» المستفيدة من حالة الضعف والوهن الذي ظهر عليها الحزب الفائز في الانتخابات قبل أشهر من إجراء انتخابات بلدية ستكون حاسمة على مستوى الحكم المحلي. وفي هذه الحالة لن يبحث هذا الشق عن شرعية «أغلبية» الأصوات داخل البرلمان لفائدة الحكومة، بل سيكتفي بالنسبة الدنيا المطلوبة، أي 50 في المائة زائد واحد. ولكن هذا التأويل لن يكون واقعيًا إلا إذا قبلت الكتل النيابية المعارضة حاليًا، وخصوصا منها «الجبهة الشعبية» (اليسارية) بزعامة حمّة الهمّامي الانضمام للتشكيل الحكومي، وهو أمر يكاد يكون مستحيلا في ظل خلافات جوهرية حول التوجه الاجتماعي والاقتصادي.
أما الشق الثاني فيرنو إلى توفير كل الحظوظ الممكنة للفوز في المؤتمر التأسيسي للحزب، ويرى أن فوزه في الانتخابات سيضمن له السيطرة على مفاصل الحزب. وهو الذي سيحدد سياسة البلاد بقية الفترة النيابية من خلال البرلمان، وهي فترة كافية للفعل والتأثير على المشهد السياسي والعودة إلى الواجهة. ويرى هذا الشق في المؤتمر التأسيسي المقبل الفرصة الذهبية للتحكم والتأثير في السياسات المستقبلية للبلاد والعمل على البحث عن «أبوة» مشتركة بين الدستوريين (البورقيبيين وبقاياهم) والإسلاميين، بعيدًا عن منطق تقاسم الحكم بأغلبية مريحة بين حركة «نداء تونس» وحركة «النهضة»، وبالتالي التخلّي عن المكوّنات غير الدستورية (اليسارية، بالأساس) في «نداء تونس». وفي هذه الحالة، يكون من المجدي للدستوريين والإسلاميين استعادة الثقة في ما بينهم واستبدال حالة العداء التاريخي بينهما بصيغة حكم متآلفة، وهي فرصة للمحافظة على حالة التوافق السياسي الحاصلة بعد ثورة 2011.

* حركة تحمل بذور انقسامها
ولقد ذهب أكثر من محلل سياسي تونسي إلى القول إن حركة «نداء تونس» كانت تحمل بذور انشطارها وانقسامها إلى أكثر من توجه سياسي منذ نشأتها، إذ إن هذه الحزب الذي أسسه الباجي قائد السبسي منتصف عام 2012 جمع سياسيين من مختلف المشارب السياسية والاتجاهات الفكرية لا تجمعهم سوى فكرة «معاداة حركة النهضة والاتفاق على قطع الطريق أمام عودتها إلى السلطة» أكثر مما يجمعها برنامج سياسي ورؤى اقتصادية واجتماعية واضحة.
وإذا حاولنا استعراض ظروف نشأة «نداء تونس» كحزب سياسي، فإن مؤسسه قائد السبسي، السياسي التونسي المحنك المخضرم، اعتبر نفسه منذ البداية «امتدادا للحركة الإصلاحية التونسية التي تعود جذورها لما قبل الاستعمار الفرنسي لتونس». ونادى خلال الحملة الانتخابية التي قادها نهاية السنة الماضية بمواصلة نفس النهج الإصلاحي الذي اعتمده الزعيم الوطني الحبيب بورقيبة خلال السنوات الأولى لبناء الدولة الحديثة بعد 1956 سنة الاستقلال عن فرنسا، وبالتالي صورت الحركة الجديدة على أنها حزب علماني وسطي ليبرالي يؤمن بمبدأ فصل الدين عن السلطة، كما يتبنى الأفكار المتعلقة بمدنية الدولة وتمسك بتحرير المرأة. ويعتبر الحزب نفسه أيضًا جامعا للقوى السياسية التي تدافع عن النظام الجمهوري في مواجهة النماذج الأخرى، خصوصا منها التيارات الإسلامية.
وما يذكر أن الباجي قائد السبسي، الزعيم المؤسس، نشأ في كنف عائلة قريبة من البايات الحسينيين (حكام تونس من العثمانيين)، ولم يكن مقربا من الزعيم السابق الراحل بورقيبة بسبب قربه من البايات. كما أنه ينتمي إلى عائلة من سكان حي باب الأقواس بتونس العاصمة، وهي منطقة سكن أعيان البلاد، ولقد عاش يتيمًا إذ توفي والده وهو يبلغ من العمر نحو عشر سنوات.
مع هذا أو بسبب هذا، وجّهت إلى قائد السبسي انتقادات كثيرة وهاجمت ماضيه السياسي، لا سيما أنه شغل منصب وزير داخلية أثناء حكم بورقيبة، في مطلع عقد الستينات من القرن الماضي، والداخلية وزارة ارتبطت بالانتهاكات ضد حقوق الإنسان والتعذيب، خصوصا لأتباع الزعيم التونسي صالح بن يوسف الذي خالف الحبيب بورقيبة إبان الاستقلال عام 1956. غير أن بن يوسف تعرض للاغتيال السياسي ولوحق أتباعه ومن بينهم عائلة المنصف المرزوقي، أول رؤساء تونس بعد انتفاضة 2011، الذي اضطر إلى الهجرة القسرية والعيش في المغرب.
ولكن عند تأسيس حركة «نداء تونس»، فتح قائد السبسي باب حزبه الجديد أمام وجوه سياسية من مختلف التيارات وكان حلمه الوصول إلى قصر قرطاج الذي منع في فترة تاريخية من دخوله. وضمت الحركة وجوهًا نقابية تنتمي إلى الاتحاد العام التونسي للشغل (أكبر النقابات العمالية في البلاد) ووجوهًا من التيار اليساري وعددًا لا بأس به من الدستوريين - نسبة إلى الحزب الاشتراكي الدستوري الذي أسسه بورقيبة - واستقبلت مسؤولين سابقين من حزب التجمّع الدستوري الديمقراطي المنحل ممن عرفوا بانتمائهم الصريح إلى نظام الرئيس السابق زين العابدين بن علي. كما ضمت أيضًا مجموعة من ناشطي المجتمع المدني ووجوهًا تدعم الحركة النسوية التونسية.
ونتيجة لهذه التركيبة الشاملة المتآلفة ظاهريا، والمتناقضة المصالح على أرض الواقع، توقع لها كثيرون من الخبراء أن تتعرض للتشتت في أول اختبار سياسي، وأنها وإن كانت ستعمل على الفوز في انتخابات الرئاسية والبرلمانية - التي أجريت بالفعل عام 2014 – فإنها ستتوقف عند أول امتحان حقيقي في مواجهة عدة أحزاب وتيارات سياسية فضلت اختيار المعارضة على دعم حزب سياسي يحمل بذور تشتته من الداخل.
وحقًا، حاولت حركة «نداء تونس» تجاوز الخلاف الذي برزت مؤشراته مبكرًا بين قياداتها، خصوصا في ما يتعلق بإشراك حركة «النهضة» في الحكم. وهكذا انقسمت الآراء بين مؤيد ومعارض لهذا التوجه، ولكن حساسية الوضع السياسي والاضطراب السياسي والأمني دفعا بالرئيس الباجي قائد السبسي إلى التحالف مع راشد الغنوشي رئيس حركة «النهضة» إقرارا منه بثقلها السياسي والاجتماعي، وهو تحالف لقي معارضة من معسكري الحركتين «النهضة» و«النداء» في وقت واحد.
كذلك ظهرت بوادر خلاف سياسي في صفوف قيادات «نداء تونس» أثناء عملية تشكيل الحكومة، إذ تمسك الطيّب البكّوش، وزير الخارجية الحالي (الشق النقابي)، بتحمّل مسؤولية الحكم واختيار أحد القيادات السياسية لتولي المسؤولية، إلا أن الاتهامات التي وجهت إلى «نداء تونس» بمحاولة «التغول السياسي»، والسعي لاحتكار الساحة بتولي قياداتها رئاسة الجمهورية (الباجي قائد السبسي) ورئاسة البرلمان (محمد الناصر) ومحاولة الاستحواذ أيضًا على رئاسة الحكومة، جعل المخاوف من عودة النظام السابق واردة، وهو ما جعل الخلافات تؤجل لتظهر من جديد بمناسبة الكلام عن تحديد موعد نهائي لعقد المؤتمر التأسيسي للحزب.
وفي ظل حسابات انتخابية، في الأساس، وبانتظار حسم موضوع إسقاط «النهضة» وحلفائه وإخراجهم من الحكم، تأجل انعقاد المؤتمر من شهر يونيو (حزيران) 2014 إلى نهاية العام الحالي لتزامن هذه الفترة مع التحضيرات للانتخابات الرئاسية والبرلمانية خلال شهري أكتوبر (تشرين الأول) ونوفمبر (تشرين الثاني) 2014. ولكن جذور الخلاف بين التيار اليساري على وجه الخصوص ممثلاً في محسن مرزوق الأمين العام لـ«نداء تونس» والتيار الدستوري ممثلاً بحافظ قائد السبسي (نجل الرئيس التونسي) المسؤول على هياكل الحزب والتعبئة، بقيت على ما هي عليه دون أن يتوصل الطرفان إلى حل يرضيهما ويستجيب لطموحات كل طرف منهما.
ولتقريب الصورة أكثر لنأتِ على السيرة الذاتية لكلا التوجهين الأساسيين اللذين يمثلهما محسن مرزوق وحافظ قائد السبسي.

* محسن مرزوق
محسن مرزوق، من مواليد 1965 بمنطقة صفاقس (وسط شرقي تونس)، ونشأ في محيط فقير وعائلته من الطبقة العاملة العادية في تونس. ونتيجة نشاطه الطالبي طرد من عدد من معاهد التربوية التونسية التي التحق بها. ومن ثم، عُرف نقابيًا وناشطًا بارزًا في صفوف الاتحاد العام لطلبة تونس، إحدى أقدم المنظمات الطلابية المستقلة التي تسيطر عليها توجهات يسارية. وهو ما نجم عنه التجنيد القسري لمحسن مرزوق في «رجيم معتوق» (المنطقة الصحراوية جنوب تونس) أواسط عقد الثمانينات، وذلك على خلفية نشاطه الطالبي المعارض لتوجهات السلطة في قمع الحريات ومنع ممارسة التعدد السياسي. بعدها حصل مرزوق على الإجازة الجامعية في العربية وشهادة التعمق في البحث العلمي بتخصص علم الاجتماع. ثم تولّى مسؤولية منسق تنفيذي عام لمركز الكواكبي للتحوّلات الديمقراطية الذي يوجد مقره في العاصمة الأردنية عمّان، وهو يشغل منصب الأمانة العامة للمؤسسة العربية للديمقراطية منذ شهر مارس (آذار) 2008.
خلال فترة حكم النظام السابق، لم يُذكَر اسم محسن مرزوق من بين الأسماء السياسية المعارضة لـ«بن علي»، لكنه كان من مؤسسي حركة «نداء تونس». ثم قاد بنجاح الحملة الانتخابية للرئيس الحالي الباجي قائد السبسي، وتمكن من خلال جولاته في المدن التونسية من الحد من تحرّكات المنصف المرزوقي، منافس الباجي المباشر في الانتخابات الرئاسية، وأسهم بفوزه من خلال خطاب محذّر من «عودة الأصولية الإسلامية إلى قصر قرطاج». وعلى الأثر صار مرزوق رقمًا صعبًا في معادلة الحزب الحاكم وإحدى ركائزه الصلبة. ونتيجة مساهماته في إرساء الحزب ومعرفته بنقاط ضعف خصومه السياسيين، خصوصا من الإسلاميين، فهو يرى أنه أحقّ من غيره بقيادة حركة «نداء تونس»، وأنه صاحب شرعية سياسية تؤهله لتولي أهم المناصب القيادية.

* حافظ قائد السبسي
أما حافظ قائد السبسي فيمثل – كما سبقت الإشارة – التيار أو الشق الدستوري في «نداء تونس». وهو رجل أعمال، ونجل الرئيس الحالي الباجي قائد السبسي.
ولد عام 1961 في تونس العاصمة، ودرس في العاصمة الفرنسية باريس حيث حصل على شهادة الدراسات العليا في العلاقات الدولية والدبلوماسية. ولم يذكر اسمه خلال فترة حكم الزعيم السابق الراحل الحبيب بورقيبة ومن بعده زين العابدين بن علي، لكنه برز بعد انضمامه إلى حركة «نداء تونس» إلى جانب والده مؤسس الحزب. وتولى عضوية المكتب التنفيذي إضافة إلى ترؤسه الإدارة المركزية للهياكل والتعبئة. كذلك عينه المكتب السياسي للحزب نائبا للرئيس، وبعد ظهور مشكلة توريث رئاسة الحزب، اتهمه مرزوق بالاعتماد على «شرعية السلالة» للسيطرة على مقدراته. ونتيجة لهذا الخلاف الحاد تتالت التصريحات والتصريحات المضادة، وبدأ اصطفاف أعضاء المكتب السياسي والمكتب التنفيذي والكتلة النيابية في البرلمان، قبل تفاقم الأمور وإعلان 32 من نواب «نداء تونس» الاستقالة من كتلة الحزب البرلمانية بعد أسبوع من ظهور الخلاف على العلن.
وفي محاولة لكشف ملابسات هذا الخلاف، قال مهدي عبد الجواد، عضو المكتب التنفيذي لـ«نداء تونس»، في تصريح إعلامي إن «كل مخرجات أزمة نداء تونس ممكنة»، نافيًا «وجود جناح يساري بالمعنى الآيديولوجي للكلمة، شأنه شأن بقية الروافد الفكرية». وتابع موضحًا: «إن من يقفون مع حافظ قائد السبسي لا علاقة لهم بالدستوريين، كما أن الذين يصطفون بجانب محسن مرزوق من بينهم دستوريون».
واعتبر عبد الجواد أن «الصراع في نداء تونس هو في حقيقة الأمر صراع حول المستقبل. وهو يدور بين مشروع وطني عصري يعمل على بناء دولة المواطنة والحوكمة ويقاوم الفساد و(المافيا)، ويضمن دولة الكفاءة والجدارة، وتوجّه آخر يقوم على الانتهازية وحدود تماسّه مع مافيا الفساد غير واضحة وارتباطاته مع حركة الإخوان غير واضحة المعالم كذلك، وفيها كثير من اللبس» على حد تعبيره.

* بديل جاهز ينتظر
من ناحية ثانية، خسرت حركة «نداء تونس» كثيرا في معركتها السياسية الداخلية في ظل تأزم الأوضاع الاقتصادية وتراجع مؤشرات التنمية، وهو ما دفع بكثيرين من القيادات السياسية إلى البحث عن حزب سياسي بديل. واستفاد حزب «المبادرة الدستورية»، الذي يقوده كمال مرجان وزير الخارجية السابق في عهد بن علي من الأزمة، والتحقت عدة قيادات سياسية من الصفوف الأولى في «نداء تونس» بحزب المبادرة.
وفي هذا الشأن، قال عادل الشاوش، النائب البرلماني السابق في عهد بن علي والقيادي في حركة «نداء تونس»، في لقاء مع «الشرق الأوسط»، إنه بالفعل التقى أعضاء المكتب السياسي لحزب «المبادرة الدستورية» بزعامة كمال مرجان، وهو ينتظر «توضيح معالم المشروع السياسي الذي يمكن تبنّيه من قبل الوافدين السياسيين الجدد وعددهم نحو 28 قياديًا».
وعن قرار تخليه عن «نداء تونس» ومدى تأثير هذا الالتحاق على مستقبل الحزب الحاكم، قال الشاوش: «إن الحزب الذي فاز في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية الماضية لم يقدر على التحول الفعلي إلى حزب سياسي قادر على تجاوز خلافاته الداخلية»، في إشارة إلى الخلاف الحاد الحالي. وتابع: «إن حركة نداء تونس عرفت تعاطفًا سياسيًا هامًا من قبل الفئات الاجتماعية والقاعدة الانتخابية لأنها نادت قبيل الانتخابات بضرورة إنقاذ تونس، ووحدت الصفوف ضد تحالف (الترويكا) بزعامة حركة (النهضة)، وتمكنت من الفوز في انتخابات 2014، غير أنها لم تقدر على تحمّل أعباء الحكم وحل الخلافات الداخلية في نفس الوقت».
وتابع الشاوش أنه كان قد دعا عقب الانتخابات إلى «تشكيل حكومة وحدة وطنية لا تهيمن عليها حركة نداء تونس، وتبقى خارج دائرة الصراعات وأن تسعى إلى تشكيل هياكلها وتحديد ملامح مشروعها المدني التحديثي، لكن هذا المقترح لم يجد آذانا صاغية» على حد قوله. واستطرد قائلاً: «إن نظرة التونسيين تغيرت تجاه الحزب الحاكم، وطغت الخلافات بين قيادات حركة نداء تونس على المشهد العام، ما جعل الخلاف يأخذ شكل النزاع على المصالح. وحوّل بعض المجموعات إلى ما يشبه (المافيات) التي تسعى إلى السيطرة على كل شيء، وهذا لا يفيد في البناء الديمقراطي»، على حد تعبيره.
أما في ما يتعلق بانضمامه إلى حزب «المبادرة الدستورية»، فقال الشاوش: «إن الأفكار التي تجمع بين الحزبين لا تختلف كثيرًا، ولكن حزب المبادرة تمكن من صياغة فكر إصلاحي واضح المعالم، ولم يبقَ سجين الفكر البورقيبي في شكله التقليدي، بل بنى مشروعًا سياسيًا قابلا للتنفيذ بعيدًا عن الخلافات والجدل العقيم».
في مختلف الحالات يرى مراقبون أن الحسم سيكون حتميًا وضروريًا كي لا تُصاب دواليب الدولة بالخمول والتردد، وخصوصا بغياب الرؤية والبرنامج والأهداف الواضحة. فالحكومة التي يقودها رئيس الوزراء الحبيب الصيد، التي عيّنها «نداء تونس» لا تجد تجاوبا من أكثر قياداته السياسية، وهو ما أثر على ظروف عملها وأصاب كثيرا من برامجها بالشلل التام. وهنا، ترى المحللة السياسية التونسية جيهان لغماري أنه «مهما كانت النتيجة بين شقي الصراع في (النداء) فإن تبعاته ستكون كبيرة لتمسّ مكونات (النداء) نفسه، إما بالاستمرار السياسي وإما بالتشظي إلى أكثر من حزب. وهذا ما سيؤثر على التشكيل الحكومي. وقد يكون الحزب الفائز في انتخابات 2014 مطالبًا بإعادة صياغة تحالفات سياسية جديدة تمس كل الأحزاب، بكبيرها وصغيرها، بشكل غير متوقع ما دام المشهد السياسي الجديد قد عوّد التونسيين على المفاجآت التي تتجاوز الآليات التقليدية للتحليل السياسي».
ومع أن أي تهدئة لن تكون إلاّ مُسَكِّنًا وقتيًّا وهدنة لن تطول ما دام الاختلاف جوهريًّا يخصّ هوية الحزب وتصور شكل ومكونات الحكومة التي تستجيب لضرورة المرحلة المقبلة، دون إغفال طبيعة التحالفات السياسية المستوجب حصولها، فإن هذه المسائل الرئيسية هي المحددة لمستقبل «نداء تونس». ويبدو من الصعب في الظروف الحالية إيجاد نقاط التقاء بين شقّي الصراع، ما سيدفع - ولو بعد هدنة مؤقتة - إلى حل الأمور نحو الحسم لمصلحة أحد الطرفين.



شرق السودان... نار تحت الرماد

الشرق السودان دخل دوامة الحروب السودانية المتمددة (رويترز)
الشرق السودان دخل دوامة الحروب السودانية المتمددة (رويترز)
TT

شرق السودان... نار تحت الرماد

الشرق السودان دخل دوامة الحروب السودانية المتمددة (رويترز)
الشرق السودان دخل دوامة الحروب السودانية المتمددة (رويترز)

لا يبعد إقليم شرق السودان كثيراً عن تماسّات صراع إقليمي معلن، فالجارة الشرقية إريتريا، عينها على خصمها «اللدود» إثيوبيا، وتتربص كل منهما بالأخرى. كذلك، شرق السودان هو «الجسر» الذي يمكن أن تعبره قوات أي منهما نحو أرض الجانب الآخر. ومع تأثر الإقليم أيضاً بالصراعات الداخلية الإثيوبية، وبأطماع الدولتين بموارد السودان، يظل الصراع على «مثلث حلايب» هو الآخر لغماً قد ينفجر يوماً ما.

حدود ملتهبة

تحدّ إقليم «شرق السودان» ثلاث دول، هي مصر شمالاً، وإريتريا شرقاً، وإثيوبيا في الجنوب الشرقي، ويفصله البحر الأحمر عن المملكة العربية السعودية. وهو يتمتع بشاطئ طوله أكثر من 700 كيلومتر؛ ما يجعل منه جزءاً مهماً من ممر التجارة الدولية المهم، البحر الأحمر، وساحة تنافس أجندات إقليمية ودولية.

وفئوياً، تتساكن في الإقليم مجموعات ثقافية وإثنية «أصيلة» وأخرى وافدة من نواحي البلاد الأخرى، وبينها تناقضات وصراعات تاريخية، وارتباطات وقبائل مشتركة مع دول الجوار الثلاث. كذلك يتأثر الإقليم بالصراعات المحتدمة في الإقليم، وبخاصة بين إريتريا وإثيوبيا، وهو إلى جانب سكانه يعج باللاجئين من الدولتين المتشاكستين على الدوام؛ ما يجعل منه ساحة خلفية لأي حرب قد تنشأ بينهما.

وحقاً، ظل شرق السودان لفترة طويلة ساحة حروب داخلية وخارجية. وظلت إريتريا وإثيوبيا تستضيفان الحركات المسلحة السودانية، وتنطلق منهما عملياتها الحربية، ومنها حركات مسلحة من الإقليم وحركات مسلحة معارضة منذ أيام الحرب بين جنوب السودان وجنوب السودان، وقوات حزبية التي كانت تقاتل حكومة الخرطوم من شرق السودان.

لكن بعد توقيع السودان و«الحركة الشعبية لتحرير السودان» بقيادة الراحل جون قرنق ما عُرف بـ«اتفاقية نيفاشا»، وقّعت الحركات المسلحة في شرق السودان هي الأخرى ما عُرف بـ«اتفاقية سلام شرق السودان» في أسمرا عاصمة إريتريا، وبرعاية الرئيس الإريتري أسياس أفورقي، يوم 14 أكتوبر (تشرين الأول) 2006. ونصّت تلك الاتفاقية على تقاسم السلطة والثروة وإدماج الحركات المسلحة في القوات النظامية وفقاً لترتيبات «أمنية»، لكن الحكومة «الإسلامية» في الخرطوم لم تف بتعهداتها.

عبدالفتاح البرهان (رويترز)

12 ميليشيا مسلحة

من جهة ثانية، اندلعت الحرب بين الجيش السوداني و«قوات الدعم السريع» في منتصف أبريل (نيسان) 2023، فانتقلت الحكومة السودانية إلى بورتسودان «حاضرة الشرق» وميناء السودان على البحر الأحمر، واتخذت منها عاصمة مؤقتة، ووظّفت الحركات المسلحة التي أعلنت انحيازها للجيش، في حربها ضد «الدعم السريع».

وإبّان هذه الحرب، على امتداد 18 شهراً، تناسلت الحركات المسلحة في شرق السودان ليصل عددها إلى 8 ميليشيات مسلحة، كلها أعلنت الانحياز إلى الجيش رغم انتماءاتها «الإثنية» المتنافرة. وسعت كل واحدة منها للاستئثار بأكبر «قسمة حربية» والحصول على التمويل والتسليح من الجيش والحركة الإسلامية التي تخوض الحرب بجانب الجيش من أجل العودة للسلطة.

ميليشيات بثياب قبلية

«الحركة الوطنية للعدالة والتنمية» بقيادة محمد سليمان بيتاي، وهو من أعضاء حزب «المؤتمر الوطني» المحلول البارزين - وترأس المجلس التشريعي لولاية كَسَلا إبان حكم الرئيس عمر البشير -، دشّنت عملها المسلح في يونيو (حزيران) 2024، وغالبية قاعدتها تنتمي إلى فرع الجميلاب من قبيلة الهدندوة، وهو مناوئ لفرع الهدندوة الذي يتزعمه الناظر محمد الأمين ترك.

أما قوات «الأورطة الشرقية» التابعة لـ«الجبهة الشعبية للتحرير والعدالة» بقيادة الأمين داؤود، فتكوّنت في نوفمبر (تشرين الثاني) 2024، وسمّت «اتفاقية سلام السودان»، في جوبا، داؤود المحسوب على قبيلة البني عامر رئيساً لـ«مسار شرق السودان». لكن بسبب التنافس بين البني عامر والهدندوة على السيادة في شرق السودان، واجه تنصيب داؤود رئيساً لـ«تيار الشرق» رفضاً كبيراً من ناظر قبائل الهدندوة محمد الأمين ترك.

بالتوازي، عقدت «حركة تحرير شرق السودان» بقيادة إبراهيم دنيا، أول مؤتمر لها في مايو (أيار) 2024 برعاية إريترية كاملة فوق التراب الإريتري، بعد أيام من اشتعال الحرب في السودان. وتدرّبت عناصرها في معسكر قريب من قرية تمرات الحدودية الإريترية، ويقدّر عدد مقاتليها اليوم بنحو ألفي مقاتل من قبيلتي البني عامر والحباب، تحت ذريعة «حماية» شرق السودان.

كذلك، نشطت قوات «تجمّع أحزاب وقوات شرق السودان» بقيادة شيبة ضرار، وهو محسوب على قبيلة الأمرار (من قبائل البجا) بعد الحرب. وقاد شيبة، الذي نصّب نفسه ضابطاً برتبة «فريق»، ومقرّه مدينة بورتسودان - العاصمة المؤقتة - وهو ويتجوّل بحريّة محاطاً بعدد من المسلحين.

ثم، على الرغم من أن صوت فصيل «الأسود الحرة»، الذي يقوده مبروك مبارك سليم المنتمي إلى قبيلة الرشايدة العربية، قد خفت أثناء الحرب (وهو يصنَّف موالياً لـ«الدعم السريع»)، يظل هذا الفصيل قوة كامنة قد تكون طرفاً في الصراعات المستقبلية داخل الإقليم.

وفي أغسطس (آب) الماضي، أسّست قوات «درع شرق السودان»، ويقودها مبارك حميد بركي، نجل ناظر قبيلة الرشايدة، وهو رجل معروف بعلاقته بالحركة الإسلامية وحزب «المؤتمر الوطني» المحلول، بل كان قيادياً في الحزب قبل سقوط نظام البشير.

أما أقدم أحزاب شرق السودان، «حزب مؤتمر البجا»، بقيادة مساعد الرئيس البشير السابق موسى محمد أحمد، فهو حزب تاريخي أُسّس في خمسينات القرن الماضي. وبعيد انقلاب 30 يونيو 1989 بقيادة عمر البشير، شارك الحزب في تأسيس ما عُرف بـ«التجمع الوطني الديمقراطي»، الذي كان يقود العمل المسلح ضد حكومة البشير من داخل إريتريا، وقاتل إلى جانب قوات «الحركة الشعبية لتحرير السودان» بقيادة الراحل جون قرنق على طول الحدود بين البلدين، وفي 2006 وقّع مع بقية قوى شرق السودان اتفاقية سلام قضت بتنصيب رئيسه مساعداً للبشير.

ونصل إلى تنظيم «المجلس الأعلى لنظارات البجا والعموديات المستقلة» بقيادة الناظر محمد الأمين ترك. لهذا التنظيم دور رئيس في إسقاط الحكومة المدنية بقيادة رئيس الوزراء الدكتور عبد الله حمدوك، بإغلاقه الميناء وشرق البلاد. ورغم زعمه أنه تنظيم «سياسي»، فإنه موجود في الميليشيات المسلحة بشكل أو بآخر.

وهكذا، باستثناء «مؤتمر البجا» و«المجلس الأعلى للعموديات المستقلة»، فإن تاريخ تأسيس هذه الميليشيات القبلية وجغرافيا تأسيسها في إريتريا، ونشرها في الإقليم تحت راية الجيش وتحت مزاعم إسناده – على رغم «تبعيتها» لدولة أجنبية مرتبطة بالحرب - يعتبر مراقبون أن وجودها يهدّد استقرار الإقليم ويعزّز الدور الإريتري في شرق السودان، وبخاصة أن البناء الاجتماعي للإقليم في «غاية الهشاشة» وتتفشى وسط تباينات المجموعات القبلية والثقافية المكوّنة له.

أسياس أفورقي (رويترز)

مقاتلون من الغرب يحاربون في الشرق

إلى جانب الميليشيات المحلية، تقاتل اليوم أكثر من أربع حركات مسلحة دارفورية بجانب الجيش ضد «الدعم السريع»، ناقلةً عملياتها العسكرية إلى شرق السودان. الأكبر والأبرز هي: «حركة تحرير السودان» بقيادة مني أركو مناوي (حاكم إقليم دارفور)، و«حركة العدل والمساواة السودانية» بقيادة (وزير المالية) جبريل إبراهيم، و«حركة تحرير السودان - فصيل مصطفى طمبور»، ومعها حركات أخرى صغيرة كلها وقّعت «اتفاقية سلام السودان» في جوبا، وبعد سبعة أشهر من بدء الحرب انحازت إلى الجيش في قتاله ضد «الدعم السريع».

الحركات المسلحة الدارفورية التي تتخذ من الشرق نقطة انطلاق لها، أسسها بعد اندلاع الحرب مواطنون سودانيون ترجع أصولهم إلى إقليم دارفور، إلا أنهم يقيمون في شرق السودان. أما قادتها فهم قادة الحركات المسلحة الدارفورية التي كانت تقاتل الجيش السوداني في إقليم دارفور منذ عام 2003، وحين اشتعلت حرب 15 أبريل، اختارت الانحياز للجيش ضد «الدعم السريع». ولأن الأخير سيطر على معظم دارفور؛ فإنها نقلت عملياتها الحربية إلى شرق السودان أسوة بالجيش والحكومة، فجندت ذوي الأصول الدارفورية في الإقليم، ودرّبتهم في إريتريا.

استقطاب قبلي

حسام حيدر، الصحافي المتخصّص بشؤون شرق السودان، يرى أن الحركات المسلحة في الإقليم، «نشأت على أسس قبلية متنافرة ومتنافسة على السلطة واقتسام الثروة والموارد، وبرزت أول مرة عقب اتفاق سلام شرق السودان في أسمرا 2006، ثم اتفاق جوبا لسلام السودان».

ويرجع حيدر التنافس بين الميليشيات المسلحة القبلية في الإقليم إلى «غياب المجتمع المدني»، مضيفاً: «زعماء القبائل يتحكّمون في الحياة العامة هناك، وهذا هو تفسير وجود هذه الميليشيات... ثم أن الإقليم تأثر بالنزاعات والحروب بين إريتريا وإثيوبيا؛ ما أثمر حالة استقطاب وتصفية حسابات إقليمية أو ساحة خلفية تنعكس فيها هذه الصراعات».

تتساكن في الإقليم مجموعات ثقافية وإثنية «أصيلة» وأخرى وافدة

من نواحي البلاد الأخرى وبينها تناقضات وصراعات تاريخية

الدكتورعبدالله حمدوك (رويترز)

المسؤولية على «العسكر»

حيدر يحمّل «العسكر» المسؤولية عن نشاط الحركات المسلحة في الشرق، ويتهمهم بخلق حالة استقطاب قبلي واستخدامها لتحقيق مكاسب سياسية، ازدادت حدتها بعد حرب 15 أبريل. ويشرح: «الحركات المسلحة لا تهدد الشرق وحده، بل تهدد السودان كله؛ لأن انخراطها في الحرب خلق انقسامات ونزاعات وصراعات بين مكوّنات الإقليم، تفاقمت مع نزوح ملايين الباحثين عن الأمان من مناطق الحرب».

وفقاً لحيدر، فإن نشاط أربع حركات دارفورية في شرق السودان، وسّع دائرة التنافس على الموارد وعلى السلطة مع أبناء الإقليم؛ ما أنتج المزيد من الحركات القبلية، ويوضح: «شاهدنا في فترات سابقة احتكاكات بين المجموعات المسلحة في شرق السودان مع مجموعات مسلحة في دارفور، وهي مع انتشار المسلحين والسلاح، قضايا تضع الإقليم على حافة الانفجار... وإذا انفجر الشرق ستمتد تأثيراته هذا الانفجار لآجال طويلة».

ويرجع حيدر جذور الحركات التي تدرّبت وتسلحت في إريتريا إلى نظام الرئيس السابق عمر البشير، قائلاً: «معظمها نشأت نتيجة ارتباطها بالنظام السابق، فمحمد سليمان بيتاي، قائد (الحركة الوطنية للبناء والتنمية)، كان رئيس المجلس التشريعي في زمن الإنقاذ، ومعسكراته داخل إريتريا، وكلها تتلقى التمويل والتسليح من إريتريا».

وهنا يبدي حيدر دهشته لصمت الاستخبارات العسكرية وقيادة الجيش السوداني، على تمويل هذه الحركات وتدريبها وتسليحها من قِبل إريتريا على مرأى ومسمع منها، بل وتحت إشرافها، ويتابع: «الفوضى الشاملة وانهيار الدولة، يجعلان من السودان مطمعاً لأي دولة، وبالتأكيد لإريتريا أهداف ومصالح في السودان». ويعتبر أن تهديد الرئيس (الإريتري) أفورقي بالتدخل في الحرب، نقل الحرب من حرب داخلية إلى صراع إقليمي ودولي، مضيفاً: «هناك دول عينها على موارد السودان، وفي سبيل ذلك تستغل الجماعات والمشتركة للتمدد داخله لتحقق مصالحها الاقتصادية».

الدور الإقليمي

في أي حال، خلال أكتوبر الماضي، نقل صحافيون سودانيون التقوا الرئيس أفورقي بدعوة منه، أنه سيتدخّل إذا دخلت الحرب ولايات الشرق الثلاث، إضافة إلى ولاية النيل الأزرق. وهو تصريح دشّن بزيارة مفاجئة قام بها رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان لإريتريا 26 نوفمبر الماضي، بحثت بشكل أساسي - وفقاً لتقارير صحافية - قضية الحركات المسلحة التي تستضيفها إريتريا داخل حدودها ومشاركتها في الحرب إلى جانب الجيش، إلى جانب إبرام اتفاقات أمنية وعسكرية.

للعلم، الحركات الشرقية الثماني تدرّبت داخل إريتريا وتحت إشراف الجيش الإريتري وداخل معسكراته، وبعضها عاد إلى السودان للقتال مع جانب الجيش، وبعضها لا يزال في إريتريا. وعلى الرغم من النفي الإريتري الرسمي المتكرر، فإن كثيرين، وبخاصة من شرق السودان، يرون أن لإريتريا أطماعاً في الإقليم.

أما إثيوبيا، فهي الأخرى تخوض صراعاً حدودياً مع السودان وترفض ترسيم الحدود عند منطقة «الفشقة» السودانية الخصيبة بولاية القضارف. وإلى جانب تأثر الإقليم بالصراعات الداخلية الإثيوبية، فهو يضم الآلاف من مقاتلي «جبهة تحرير التيغراي» لجأوا إلى السودان فراراً من القتال مع الجيش الفيدرالي الإثيوبي في عام 2020، ولم يعودوا إلى بلادهم رغم نهاية الحرب هناك. ويتردد على نطاق واسع أنهم يقاتلون مع الجيش السوداني، أما «الدعم السريع» فتتبنى التهمة صراحةً.

أخيراً، عند الحدود الشمالية حيث مثلث «حلايب» السوداني، الذي تتنازع عليه مصر مع السودان ويسيطر عليه الجيش المصري، فإن قبائل البشارية والعبابدة القاطنة على جانبي الحدود بين البلدين، تتحرك داخل الإقليم. وهي جزء من التوترات الكامنة التي يمكن أن تتفجر في أي وقت.

وبالتالي، ليس مبالغة القول إن شرق السودان يعيش على شفا حفرة من نار. وتحت الرماد جمرات قد تحرق الإقليم ولا تنطفئ أبداً.