«القمة العالمية الرابعة للكتاب».. تبحث في إشكالية الرقمي والمطبوع

احتضنتها مكتبة الإسكندرية لأول مرة في العالم العربي وأفريقيا

جانب من إحدى ندوات «القمة العالمية الرابعة للكتاب»
جانب من إحدى ندوات «القمة العالمية الرابعة للكتاب»
TT

«القمة العالمية الرابعة للكتاب».. تبحث في إشكالية الرقمي والمطبوع

جانب من إحدى ندوات «القمة العالمية الرابعة للكتاب»
جانب من إحدى ندوات «القمة العالمية الرابعة للكتاب»

«الكتاب والقراءة والتكنولوجيا» والتأكيد على أهمية الكتاب والمكتبات في الحفاظ على الهويات الثقافية الوطنية، والحضارة الإنسانية، وقضايا الكتاب الرقمي والمطبوع، وتغير عادات القراءة وما يرتبط بها من قضايا ثقافية ملحة، شكلت أهم محاور نقاش القمة العالمية الرابعة للكتاب، التي احتضنتها مكتبة الإسكندرية بالتعاون مع مكتبة الكونغرس ومنظمة اليونيسكو، على مدى يومين واختتمت مساء السبت الماضي بمدينة الإسكندرية.
افتتح القمة التي تعقد لأول مرة في مصر، وزير الثقافة المصري حلمي النمنم، ومدير مكتبة الإسكندرية الدكتور إسماعيل سراج الدين، وجنيفر نيكلسون، أمين عام الاتحاد الدولي لجمعيات المكتبات IFLA، والدكتور خالد الحلبي، رئيس الاتحاد العربي للمكتبات والمعلومات، AFLI، وجون تسيبي، رئيس الاتحاد الأفريقي لجمعيات المكتبات والمعلومات AfLIA، والدكتور رؤوف عبد الحفيظ هلال، رئيس الإدارة المركزية لدار الكتب المصرية.
شهدت بداية القمة تدشين الطبعة العربية الكاملة من (مارك 21) دليل الفهرسة العالمي، الذي بدأته مكتبة الكونغرس عام 1945، ويشمل بيانات الكتب من بيانات النشر ومكان النشر واسم الناشر وتاريخ النشر في كل تسجيل. ويتيح مارك إمكانية تبادل التسجيلات الببليوجرافية بين المكتبات حول العالم.
تناولت القمة عدة محاور هي: التكنولوجيا والمخطوطات، الكتب والتبادل الثقافي، والكتاب الإلكتروني في مقابل الكتاب المطبوع، وأزمة الكتاب في الدول النامية، تباحث حولها عدد من الشخصيات الدولية البارزة والمثقفين، والأكاديميين والمهنيين في مجال الكتاب والمكتبات، والثقافة والنشر والتكنولوجيا.
وقال الدكتور إسماعيل سراج الدين، مدير مكتبة الإسكندرية إن القمة العالمية للكتاب تُعقد لأول مرة في أفريقيا والعالم العربي، بعد أن أطلقتها مكتبة الكونغرس في عام 2012 لمناقشة الكتاب وكل ما يتعلق به من موضوعات، وعقدت في واشنطن وسنغافورة وباريس خلال الأعوام الماضية. وأكد سراج الدين على أهمية الكتاب في كل صوره، سواء المطبوع أو الإلكتروني، كما شدد على أهمية دور المكتبيين في العصر الحالي في تنظيم الكم الهائل من المعرفة المتاح الآن بشكل رقمي.
أما وزير الثقافة المصري حلمي النمنم، فتحدث عن مشكلات الكتاب في العالم العربي، مشددا على خطورة تدني مستويات القراءة، قائلا: «تشير التقارير إلى أن الإنسان المصري والعربي يقرأ لمدة 7 دقائق فقط في السنة، وجزءا كبيرا من ثقافتنا ثقافة شفهية، فالقرآن الكريم على سبيل المثال تربطنا به علاقة سماع لا قراءة وتأمل، كما أن حجم الدراسات التي تناولته لا تتناسب مع أهميته».
وأشار الوزير إلى ظاهرة تزايد رواج الكتب في مصر حاليا، مؤكدا على أهمية «التغلب على فكرة مركزية النشر في القاهرة». وقال: «في العام الماضي تم تسجيل 23 ألف عنوان جديد في دار الكتب، معظمها في التخصصات الأدبية»، مضيفًا أن أحد التحديات التي تواجه القراءة في مصر هي نوعية الكتب التي تنشر، فهناك تركيز على المواد الأدبية مثل دواوين الشعر والقصص، مع قلة النشر في الفنون المعرفية الأخرى ومجالات البحث العلمي المختلفة».
أما اليوم الثاني والختامي للقمة، فحفل بعدد من النقاشات والسجالات الثرية من بينها: جلسة «الكتاب والتبادل الثقافي» برئاسة الدكتورة سهير الشامي، أستاذ بقسم اللغة الفرنسية، كلية الآداب بجامعة الإسكندرية. وتناولت الجلسة في مجملها دور الترجمة في بناء الدولة القومية في مصر الحديثة منذ القرن التاسع عشر، وتحدث فيها الدكتور أحمد يوسف، الكاتب المصري المقيم بفرنسا وعضو المجمع العلمي المصري، عن شخصية الشيخ المسيري السكندري في مراسلات بونابرت في مصر، موضحًا أنه اكتشف هذا الموضوع بالصدفة عندما كان يعمل على رسائل نابليون بونابرت.
وفي جلسة «الكتاب الإلكتروني أم الكتاب المطبوع»، تطرق المشاركون إلى خصائص الكتاب الإلكتروني التفاعلي، وتغيّر واجهات وأساليب وعادات القراءة، وتحدثت فيها الدكتورة إيلينا ريليان، من الجامعة الأوروبية، عن الاعتبارات النفسية والتربوية في استخدام الكتاب الرقمي وتطوره، مشيرة إلى أهمية دعم مبادرات التعليم بالطريقة الرقمية. وأوضحت ريليان أن الكتب الرقمية هي عبارة عن خليط من كتب المراجع وكتب الحالات وكتب التمرين وكتب إعطاء الإرشادات التي تتضمن أنماطا متعددة.
وأشارت إلى أن إحدى المشكلات التي تواجه الكتاب الرقمي هي الكتاب المتعدد الأنماط، فهناك كثير من المصطلحات التي تسبب الالتباس بالنسبة للكتب الإلكترونية يجب إزالتها، وأوصت بتطوير أطوار وأشكال حديثة من الكتب الدراسية، لتأخذ الطابع الرقمي مع الوضع في الاعتبار تدريب الطلاب عليه منذ الطفولة لكي يستطيعوا استخدامه في جميع المراحل التعليمية، وكذلك تدريب المدرسين عليه، وأنه يجب الاهتمام ببعض المبادئ التي تتعلق بتصميم الكتب، والمردود للمحتوى.
وتحت عنوان «قضايا الكتاب في العالم العربي» أُقيمت حلقة نقاشية برئاسة الدكتور عماد أبو غازي، وزير الثقافة السابق، وأستاذ الوثائق، كلية الآداب، جامعة القاهرة. تحدث خلالها الكاتب الصحافي محمد فرحات مشيرا إلى أن الكتاب العربي «نتاج فرد أكثر مما هو نتاج جماعة، فهو كتاب فرد ليقرأه فرد، فإذا قرأته جماعة وأعادت قراءته جيلاً بعد جيل فهي تقدس واضع الكتاب وتمنع نقده، وتضم صاحب الكتاب إلى الأولياء الصالحين الذين لا يأتيهم الخطأ، والذين تصلح أفكارهم للاعتماد في زمان ومكان. وبذلك، كما أضاف، يصير الكتاب كلاسيكيًا في أحسن الأحوال، وفي أسوأها يصير عائقًا أمام وعي الحاضر والتفكير بالمستقبل بدعوى أنه كتاب ما بعده كتاب».
وقال فرحات إن «صناعة الكتاب شكلاً هي مهمة الناشر، ولكن للناشر مهمة أخرى وهي الإشراف اللغوي المعرفي على الكتاب الذي يصدره، ويتم ذلك بالتعاون مع الناشر وبالتراضي بين الطرفين على سيادة الصواب اللغوي والحقيقة المعرفية، وأن هناك دور نشر قليلة لها مستشارون يشرفون على إصدارتها لكن الغالبية لا تعتمد ذلك».
وتناول فرحات قضية الرقابة، موضحا «أن الكتاب العربي يخضع لثلاث جهات رقيبة: رقابة ذاتية من المؤلف والناشر، وحكومية، وشعبية من التيارات الجماهيرية. والأخطر هي الرقابة الذاتية التي تحد من شخصية الكاتب، فيصير محترف تأليف ويتراجع إبداعه ونقده، وقد يتساوى هنا حضوره وغيابه. ورقابة الناشر تراعي شروط توزيع الكتاب وتوصيله إلى القارئ كأنه سلعة لا بد أن تعبر الجمارك لتصل إلى السوق».
وعن صعوبات صناعة الكتاب العربي، تحدث الدكتور خالد عزب، رئيس قطاع المشروعات والخدمات المركزية بمكتبة الإسكندرية، قائلا إن «الصعوبات ظهرت بالتزامن مع الحركات الثورية في العالم العربي وما عرف بـ(الربيع العربي) إذ تفاقمت المشكلة بشكل قوي منذ عام 2011»، مستثنيا دولة الجزائر نتيجة برنامج وزارة الثقافة الجزائرية، لافتا إلى أن الإشكالية في العالم العربي تتمثل في العلاقة بين مضمون ما ينشر وحجم ما ينشر وطبيعة النشر ذاته.
وأشار المحاضر أيضًا إلى طبيعة الحراك الذي حدث مع بداية القرن الحادي والعشرين والمرتكز على الرواية بشكل أساسي بوصفها مصدرا لحراك النشر. وذلك حدث استنادًا إلى عدة معطيات أبرزها التفاعل عبر شبكات التواصل الاجتماعي، فـ«أجيال الكتاب الجدد نجحوا في بناء شبكة للدعاية لهم والترويج لأعمالهم عبر هذه الشبكات، بغض النظر عن مضمون إنتاجهم الذي يصل في بعض الأحيان إلى التعبير عن خواطر شخصية، حتى إن دور النشر العربية الكبرى نشرت مدونات على الإنترنت، واجتذبت شبابًا لهم صفحات رائجة وعدت هذا نجاحًا كبيرًا».
ولفت عزب إلى أن الكتاب الجامعي يمثل النسبة الأكبر من حجم الكتاب العلمي إذ يمثل نحو 90 في المائة، وأشار إلى أن الترجمة تمثل مقياسا لمدى تفاعل أي مجتمع مع العالم المحيط وكذلك مقياسا لمدى طموح هذا المجتمع لنمو المعارف والعلوم فيه، بل وقدرته على ملاحقة الجديد في مجالات العلوم كافة».
وعن وضع الكتاب في المغرب، أشار الدكتور حسن الوزاني، مدير الكتاب والخزانات والمحفوظات بوزارة الثقافة المغربية، إلى أن «الثقل الاقتصادي يظل لقطاع الكتاب بالمغرب محدودًا مقارنة مع القطاعات الاقتصادية الأخرى. وفي هذا الإطار حقق مجمل مكونات مجال النشر والطباعة سنة 2013 إنتاجا يتجاوز 328 مليون دولار، ووصل رقم المعاملات إلى نحو 357 مليون دولار، وذلك من خلال اشتغال 500 مؤسسة نشر ووحدة مطبعية».
وأكد الوزاني أن قطاع توزيع الكتاب بالمغرب يتسم بتوزعه على نظامين أساسين يتجلى الأول في شبكة التوزيع المهني بمحدودية مكوناتها وبغياب المنافسة، وبتركيز اشتغالها على الكتاب المدرسي والأجنبي من جهة، وعلى الصحافة المكتوبة من جهة أخرى. أما الثاني فيتجلى في التوزيع الذاتي المعتمد سواء من طرف الكتاب أو دور النشر.



أربع ساعات مع إيزابيل الليندي في محبة الكتابة

أربع ساعات مع إيزابيل الليندي في محبة الكتابة
TT

أربع ساعات مع إيزابيل الليندي في محبة الكتابة

أربع ساعات مع إيزابيل الليندي في محبة الكتابة

أطلّت الكاتبة التشيلية الأشهر إيزابيل الليندي، عبر منصة «مايسترو»، في «هيئة الإذاعة البريطانية»، من صالونها الهادئ الذي يضم تفاصيلها الشخصية والحميمية، من كتب وتحف وصور فردية وعائلية عبر مراحل حياتها. قدمت إيزابيل الليندي عبر أربع ساعات ونصف الساعة نصائح إلى الكُتاب الناشئين أو مشروع الروائيين الجدد، من خلاصة تجربتها الشخصية في كتابة ونشر 28 كتاباً، تمّت ترجمتها لعشرات اللغات عبر العالم وبِيعت منها ملايين النسخ. يضم الكورس عشرين نصيحة أو درساً مع أمثلة من تجربتها الشخصية أو تجارب كتاب تعدّهم أعلاماً في الأدب اللاتيني والعالمي، مثل غابرييل غارسيا ماركيز.

بدأت الليندي بنقطة أساسية في مقدمة الكورس، وهي أهمية «الصدق والأصالة» في أي حكاية، ثم انتقلت مباشرة إلى الحديث بإسهاب عن صنعة الكتابة بوصفها مهنة تحتاج إلى الكثير من التمرين والانضباط وتحديداً فترة البداية. كما تتطلّب طقوساً مهمة، وتنصح هنا بعدة أمور؛ من أهمها: اختيار يوم محدد يقرّر فيه الكاتب الالتزام بالكتابة. بالنسبة إليها شخصياً، فهو اليوم الذي تلقت فيه رسالة من ناشرتها الإسبانية التي تحدّتها بكتابة كتاب ثانٍ ناجح، بعد «بيت الأرواح»، ففعلت وكان ذلك يوم الثامن من يناير (كانون الثاني)، وهو اليوم الذي لم تغيّره بعد إنجاز عشرات الكتب. تشبه الليندي بداية الكتابة بعملية زراعة بذرة، قد تبدو في بداية نموها نبتة ضعيفة، إلا أنها ستصبح شجرة قوية هي «الكتاب الأول». ركزت أيضاً على ضرورة إبقاء الكاتب مسافة ضرورية من المادة الأساسية، مستعيرة مثال الإعصار فتقول: «حين تكون داخل الإعصار لا يمكنك الكتابة عنه»، وكذلك في الكتابة يجب أن تكون لديك «غرفة توفّر لك الصمت الداخلي والعزلة». بهذا المعنى تتوفر للكاتب تصوراته ومسافته اللازمة؛ ليكتب عن الشخصيات والحدث في أي عمل.

أما عن أهمية القراءة على طول الخط فتقول: «لا يمكن أن تكتب أدباً إن لم تقرأ وتقرأ كثيراً. ربما لكاتبك المفضل، أو غيره، فبذلك تتقن السرد دون انتباه إلى ما تتعلّمه». تنتقل الكاتبة إلى الحديث في أحد الدروس عن صوت الراوي، فتعده موضوعاً بسيطاً للغاية: «إنه الشخص الذي يروي الحكاية بكل تفاصيلها، وقد يكون الحديث بصيغة المتكلم، وهو أسهل بكثير من الحديث بلغة الأنا». ثم تنتقل بنا الليندي إلى موضوع النبرة في السرد، معرفة إياها بالمزاج الذي يأخذ طابعه من الحبكة، فإما أن يكون مستفزاً، مشوقاً، مثيراً... حسب التيمة الأساسية للعمل، سواء كان تاريخياً، رومانسياً أو تراجيدياً إلخ... وهنا تحث الكاتب على التخلي عن إحساس الخوف من عيوب الكتابة مثل ارتكاب الأخطاء، قليلة أو كثيرة. فهي تعدّ ذلك أمراً طبيعياً في عملية الكتابة وتحديداً كتابة الرواية.

وأولت الليندي اهتماماً كبيراً بالبحث عن المزيد، خصوصاً في الروايات التاريخية. فالتفاصيل هي ما يبعث الحياة في القصص. وهنا قدمت مثالاً عن كيفية بحثها قبيل كتابتها لرواية «ابنة الحظ». فتقول: «لقد بحثت في موضوع الرسائل التي كان يرسلها عمال مناجم الذهب، ويدفعون أونصة منه، مقابل إيصال رسالة إلى عائلاتهم. لقد كانت مهنة ساعي البريد خطيرة وتستغرق مخاطرة السفر لمدة قد تستغرق شهرين لعبور مسافة وعرة من الجبال إلى مكان إرسال الرسائل»، قرأت الليندي مثل هذه المعلومات في رسائل من أرشيف المكتبة الوطنية في تشيلي.

في منتصف هذه الدورة التعليمية، وتحديداً في الدرس التاسع، ركزت الليندي على تفصيل رسم شخصيات مقنعة: «ليس مهماً أن تحب الشرير في الرواية أو المشهد المسرحي، المهم أن تفهم شره». وكما في مجمل أجزاء الكورس، أعطت الكاتبة أمثلة من تجربتها الروائية وطريقتها في رسم ملامح شخصياتها، فهي تتجنّب الوصف الشكلي إن لم يكن ضرورياً، وإن اضطرت تحرص أن يكون مختلفاً وبعيداً عن المعتاد والكليشيهات.

احتلّت الحبكة والبنية موضوع الدرس الثاني عشر، وفيه عدّت إيزابيل أن أهم نصيحة يمكن إعطاؤها هي تشكيل بداية بسيطة للحبكة، فذلك يفسح مجالاً للشخصية أو الشخصيات كي تتجول بحرية في الزمان والمكان. أما الجملة الأولى فكانت موضوع الدرس الثالث عشر، وتعدّه الليندي مهماً جداً، فهي «الباب الذي يفتحه الكاتب لقارئه كي يدخل في الحكاية». أما المقطع الأول فهو يهيئ للصوت الأساسي في الرواية. مع ضرورة تجنب الكليشيهات، خصوصاً في الاستعارات التي قد تنقلب وتصبح فخاً مملاً.

خصصت الكاتبة درساً أيضاً عن الروتين والانضباط وعملية خلق عادة للكتابة، فهي بمثابة تكوين «عضلات لجسد الكتابة»، يتطلّب التمرين والتكرار. يلاحظ المستمع في هذا الدرس نقاطاً طُرحت في الدروس الأولى عن طقوس الكتابة. وهنا كما في «سن الأربعين، وأنا أعمل في وظيفتين، استلزم مني ذلك العمل منذ الساعة السابعة صباحاً والعودة في السابعة مساء». لم أكن أفوّت وقتاً لتدوين ملاحظاتي في دفتر أحمله معي أينما ذهبت «كطفلي الصغير»، وخلال عام كتبت 560 صفحة شكلت مسودة «بيت الأرواح». لقد صممت الليندي على كتابة ما تراكم في داخلها خلال السنوات الماضية، بعد مغادرتها القسرية لتشيلي، بسبب انقلاب بينوشيه الذي أطاح بسلفادور الليندي. استخدمت الكاتبة هذه الاستعارة أكثر من مرة؛ لتؤكد أهمية الشغف «إن كنت تود الكتابة، يمكنك فعل ذلك في أي مكان، فالكتابة كممارسة الحب، إن أردتها من أعماقك فستجد دوماً الوقت والمكان لفعلها».

في الدرس السادس عشر، تشبه الكاتبة تفاصيل الرواية بخصلات الشعر التي يمكن ضفرها بإتقان خصوصاً الخصلة الوسطى، فهي التي تجمع طرفي الحكاية بجزالة. يمكن للكاتب أن يضيف خصلات إضافية لجديلة الحكاية، ويجعل الشخصيات أكثر عدداً وقصصها أكثر تعقيداً. استخدمت الليندي مثال أي مسرحية من مسرحيات شكسبير، مشبهة إياها بعشرات الخصل المعقدة التي تتضافر معاً وتخلق نصاً مذهلاً.

أما عن التعاطي مع أصوات الرواية والانتباه لأصالة المكان الذي قد يتطلّب استخداماً معيناً بثقافة أو جغرافية ما، فقد خصّصت له الكاتبة أيضاً درساً مستقلاً أتبعته مباشرة بالحديث عن أهمية الحوار بين الشخصيات. وهنا أشارت الليندي إلى إمكانية تجريب أي كاتب للقراءة الشخصية بصوت عالٍ. مخطوط روايته مثلاً، قد يضطره الأمر إلى تعديل الحوار أو اختصاره.

بالاقتراب من نهاية تلك الدورة التعليمية المصغرة، تطرّقت الليندي إلى موضوع التصعيد، مستعيرة مثال نقاط الصمت بين العلامات الموسيقية ومدى أهميتها. وكذلك مثال من يلقون النكت الساخرة أو المزحات، حين يؤجلون جوهر المزحة تقريباً للنهاية، مما يجعل المستمع متشوقاً.

أربع ساعات ونصف الساعة أطلّت خلالها الكاتبة الشهيرة عبر منصة «مايسترو» في «هيئة الإذاعة البريطانية»، قدّمت خلالها إلى قرّائها ومحبيها خلاصة تجربتها في محبة الكتابة وطرائق صناعتها

أما عن نهاية القصة أو الرواية التي صمّمت على أن تكون نهاية النصائح، في آخر الكورس، فتكثفها بالقول: «في سياق الكتابة وتطوير الحبكة وتصعيدها، ليس مستغرباً أن يفهم الكاتب جميع شخصياته ويحدّد نبرات أصواتهم، وكذلك منتهى الحكاية ومآل الشخصية الأساسية أحياناً أو الشخصيات. قد تغيّر جملة أو حركة مسار الحكاية كلها، وتُعطي للنهاية لمسة لا تُنسى». استعارت الكاتبة كلمة واحدة من المشهد الأخير في رواية «الحب في زمن الكوليرا» لماركيز، عن العاشقين الأبديين في لقائهما المتأخر بعد خمسين عاماً من الفراق: «لقد أبحرا، أبحرا إلى الأبد». فتعلّق بالقول: «لو اكتفى الكاتب بجملة (أبحرا)، لن يكون لتلك النهاية ذات التأثير. حين أضاف لهما (إلى الأبد) منح الخلود لتلك النهاية، وأعطى القارئ مشهداً لا يُنسى».

اختتمت الليندي نصائحها المهمة بخلاصة شخصية وعامة عن النشر، مركزة على ضرورة الكتابة من أجل المتعة، لأنها بصفتها مهنة لن تمنح الشهرة أو المال بسهولة أو بسرعة. ومع ذلك حثت المستمع والمشاهد على الكتابة بكل الأحوال. وهنا نبهت الكاتبة على أهمية العلاقات الاجتماعية والمهنية لجميع الكتاب الناشئين، وحتى المشهورين. وكذلك على حضور مؤتمرات ومهرجانات تساعد جميعها على توسيع دائرة المعارف.

نصائح إيزابيل العشرون، أشبه بحكاية حب حقيقية عن تجربة الروائية الثمانينية التي لم يوقفها شيء عن الكتابة، لا المنفى ولا إخفاقات الزواج والطلاق لأكثر من مرة، ولا خسارة ابنتها الوحيدة... بل جعلت من كل محنة نقطة انطلاق، أو سبباً للكتابة، وهذا ما ذكرته في لقطة الدعاية للكورس: «إن الأدب العظيم غالباً ما ينطلق من المحن الشخصية أو العامة».

يُذكر أن هذه الدورة التعليمية وشبيهاتها غير مجانية، إلا أنها بالقياس لقيمتها وأهميتها تُعدّ رمزية، بل متواضعة وقد استقطبت «هيئة الإذاعة البريطانية» قبل إيزابيل الليندي كتاباً آخرين؛ مثل: مارغريت أتوود وسلمان رشدي وغيرهما؛ لتقديم محتويات مشابهة.