الميليشيات توسع رقعة المواجهات وتنقل الحرب إلى أرياف المدن

حيلة جديدة تهدف لاستنزاف القوات المشتركة

الميليشيات توسع رقعة المواجهات وتنقل الحرب إلى أرياف المدن
TT

الميليشيات توسع رقعة المواجهات وتنقل الحرب إلى أرياف المدن

الميليشيات توسع رقعة المواجهات وتنقل الحرب إلى أرياف المدن

قال خبراء عسكريون يمنيون إن ميليشيات الحوثيين وقوات المخلوع علي عبد الله صالح، لجأت، خلال الأيام الماضية، إلى اعتماد استراتيجية جديدة في المعارك الدائرة بينها وبين المقاومة الشعبية والجيش الوطني المسنود بدعم قوات التحالف العربي، إلى نقل معاركها إلى الأرياف وإعادة التمركز على قمم الجبال المطلة على بعض المدن والمناطق الاستراتيجية التي تسيطر عليها المقاومة الجنوبية، خصوصًا في المناطق الحدودية السابقة بين الشمال والجنوب.
وأشار الخبراء إلى أن استراتيجية الحرب الجديدة للميليشيات تهدف إلى توسيع رقعة المواجهات وفتح ومعارك جديدة لتحقيق انتصار إعلامي أمام المجتمع الدولي، وجر التحالف والمقاومة إلى معركة استنزاف، نظرا لطبيعة تلك المناطق ذات التضاريس الوعرة، التي سبق للحوثيين التدرب القتالي عليها جيدًا في مناطق مشابهة لها من خلال حروبها الستة التي في صعدة مع المخلوع صالح بين عامي 2004 و2010.
واعتبر الباحث والخبير العسكري العميد ثابت حسين صالح أن ميليشيات الحوثي «تعمد إلى السيطرة علی قمم الجبال والهضاب، ليس جديدا ولا يعتبر تحولا نوعيا في تكتيكاتهم، بل هو امتداد لنشأتهم ولمعاركهم وحروبهم الطويلة في جبال صعدة ضد الجيش اليمني منذ 2004م»، وأوضح العميد ثابت صالح لـ«الشرق الأوسط» أن لدى الحوثيين خبرات في معارك الجبال ويظهرون تفوقا نسبيا، ولكن ليس دائما، فقد أخفقوا في الضالع والعند، ويخفقون أكثر في معارك الصحراء والساحل، مؤكدًا أن «محاولات الميليشيات المتكررة بنقل المعارك إلى حدود الجنوب لها أهداف سياسية ومعنوية من أجل حشد وتعبئة أنصارهم تحسبا لانهيارات محتملة في صفوفهم».
وكان مركز «مسارات» للاستراتيجية والإعلام أكد في تقرير له أن ميليشيا الحوثيين وقوات المخلوع صالح عمدت إلى تفعيل حيلة جديدة، تتمثل بنقل الحرب للأرياف والسيطرة على الجبال في المناطق الحدودية بين الشمال والجنوب. وأشار إلى أن الخطة بدأ تنفيذها من قرابة الشهر، حينما توغلت في مناطق ريفية تابعة لمحافظة تعز باتجاه التربة والوازعية، وأخرى تابعة لمحافظة لحج كالقبيطة.
كما ذكر التقرير، الذي أكد أن ميليشيات الحوثيين تمكنت، خلال الأيام الماضية من السيطرة على قمة جبل «نقيل الوزف» وجبل «إلياس» بمنطقة القبيطة، وتطل تلك المواقع الجبلية على منطقة كرش الاستراتيجية وقاعدة العند العسكرية الاستراتيجية، وتطرق التقرير إلى قيام الميليشيات حينها بنصب قواعد لصواريخ الكاتيوشيا في محاولة لتهديد سيطرة التحالف والمقاومة الجنوبية على تلك المناطق الاستراتيجية بين محافظتي لحج وتعز.
ويشير تقرير مركز «مسارات» إلى تعمد ميليشيات الحوثيين وقوات المخلوع صالح إلى تنشيط جبهات سابقة وفتح جبهات جديدة في الأطراف الشمالية والغربية للجنوب كجبهة كرش والمضاربة من ناحية الصبيحة بمحافظة لحج وجبهة دمت بمحافظة الضالع، وذلك بهدف إبقاء مدينة عدن تحت التهديد، لإعاقة عملية تطبيع الحياة فيها بشكل كامل.
كما يشير إلى أن استراتيجية الميليشيات الجديدة، في الجانب العمل العسكري، تتم بموازاة العمل التخريبي للخلايا النائمة للحوثيين وصالح في عدن وعموم مناطق الجنوب.
وذكر التقرير استراتيجية ثالثة يتبعها الحوثيون وقوات المخلوع صالح، هي تتعلق بالخطتين السابقتين وتشمل تركيز انتشارها ومعاركها، هذه الأيام، في مناطق وسط اليمن في تعز وإب والبيضاء وأطراف من محافظتي الضالع ولحج الشمالية والغربية.
ويأتي هذا العمل للميليشيات، بحسب تقرير مسارات، ضمن هدفين: الهدف الأول جر التحالف والمقاومة إلى مناطق ريفية وعرة التضاريس وتشتيت جهودهما.
والهدف الثاني هو إشغالهم بالمعارك في هذه المناطق عن المعارك في مأرب والجوف وعمران وهي مناطق مهمة وحساسة إذا ما حسمت فيها المعارك لصالح التحالف والمقاومة، فإن الهدف المقبل هو العاصمة صنعاء، إضافة إلى أن الميليشيات تهدف، أيضا، من كل تلك الخطط إلى تأجيل معركة الحسم في صنعاء التي باتت وشيكة بحسب المعلومات المتداولة.
وفي تقريره الدوري الصادر عن الدائرة العسكرية والسياسية ينصح مركز «مسارات» الجيش الوطني والمقاومة بعدم الانجرار خلف الجبهات الكثيرة التي تحاول ميليشيا الحوثيين وقوات صالح فتحها في مناطق وسط اليمن، واعتماد استراتيجية دعم رجال القبائل والمقاومة التي تتشكل هناك بالسلاح وتنفيذ طلعات جوية على تلك المناطق، والتركيز بشكل كبير على المعارك الرئيسية في مدينة تعز وما تبقى من محافظة مأرب وعمران. وأرجع المركز تلك الدعوة للتحالف لما يمثله حسم المعارك في هذه المدن والمناطق من فرص كبيرة لحسم معركة صنعاء وإعلان انتصار القوات المشتركة في معركتها ضد المشروع الفارسي في اليمن كما يشير التقرير.



الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)

أطلقت الجماعة الحوثية سراح خمسة من قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في مناطق سيطرتها، بضمانة عدم المشاركة في أي نشاط احتجاجي أو الاحتفال بالمناسبات الوطنية، وفي المقابل كثّفت في معقلها الرئيسي، حيث محافظة صعدة، حملة الاعتقالات التي تنفّذها منذ انهيار النظام السوري؛ إذ تخشى تكرار هذه التجربة في مناطق سيطرتها.

وذكرت مصادر في جناح حزب «المؤتمر الشعبي» لـ«الشرق الأوسط»، أن الوساطة التي قادها عضو مجلس حكم الانقلاب الحوثي سلطان السامعي، ومحافظ محافظة إب عبد الواحد صلاح، أفضت، وبعد أربعة أشهر من الاعتقال، إلى إطلاق سراح خمسة من أعضاء اللجنة المركزية للحزب، بضمانة من الرجلين بعدم ممارستهم أي نشاط معارض لحكم الجماعة.

وعلى الرغم من الشراكة الصورية بين جناح حزب «المؤتمر» والجماعة الحوثية، أكدت المصادر أن كل المساعي التي بذلها زعيم الجناح صادق أبو راس، وهو عضو أيضاً في مجلس حكم الجماعة، فشلت في تأمين إطلاق سراح القادة الخمسة وغيرهم من الأعضاء؛ لأن قرار الاعتقال والإفراج مرتبط بمكتب عبد الملك الحوثي الذي يشرف بشكل مباشر على تلك الحملة التي طالت المئات من قيادات الحزب وكوادره بتهمة الدعوة إلى الاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بأسلاف الحوثيين في شمال اليمن عام 1962.

قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في صنعاء يتعرّضون لقمع حوثي رغم شراكتهم الصورية مع الجماعة (إكس)

في غضون ذلك، ذكرت وسائل إعلام محلية أن الجماعة الحوثية واصلت حملة الاعتقالات الواسعة التي تنفّذها منذ أسبوعين في محافظة صعدة، المعقل الرئيسي لها (شمال)، وأكدت أنها طالت المئات من المدنيين؛ حيث داهمت عناصر ما يُسمّى «جهاز الأمن والمخابرات»، الذين يقودهم عبد الرب جرفان منازلهم وأماكن عملهم، واقتادتهم إلى معتقلات سرية ومنعتهم من التواصل مع أسرهم أو محامين.

300 معتقل

مع حالة الاستنفار التي أعلنها الحوثيون وسط مخاوف من استهداف قادتهم من قبل إسرائيل، قدّرت المصادر عدد المعتقلين في الحملة الأخيرة بمحافظة صعدة بنحو 300 شخص، من بينهم 50 امرأة.

وذكرت المصادر أن المعتقلين يواجهون تهمة التجسس لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل ودول أخرى؛ حيث تخشى الجماعة من تحديد مواقع زعيمها وقادة الجناح العسكري، على غرار ما حصل مع «حزب الله» اللبناني، الذي أشرف على تشكيل جماعة الحوثي وقاد جناحيها العسكري والمخابراتي.

عناصر من الحوثيين خلال حشد للجماعة في صنعاء (إ.ب.أ)

ونفت المصادر صحة التهم الموجهة إلى المعتقلين المدنيين، وقالت إن الجماعة تسعى لبث حالة من الرعب وسط السكان، خصوصاً في محافظة صعدة، التي تستخدم بصفتها مقراً أساسياً لاختباء زعيم الجماعة وقادة الجناح العسكري والأمني.

وحسب المصادر، تتزايد مخاوف قادة الجماعة من قيام تل أبيب بجمع معلومات عن أماكن اختبائهم في المرتفعات الجبلية بالمحافظة التي شهدت ولادة هذه الجماعة وانطلاق حركة التمرد ضد السلطة المركزية منذ منتصف عام 2004، والتي تحولت إلى مركز لتخزين الصواريخ والطائرات المسيّرة ومقر لقيادة العمليات والتدريب وتخزين الأموال.

ومنذ سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد وانهيار المحور الإيراني، استنفرت الجماعة الحوثية أمنياً وعسكرياً بشكل غير مسبوق، خشية تكرار التجربة السورية في المناطق التي تسيطر عليها؛ حيث نفّذت حملة تجنيد شاملة وألزمت الموظفين العموميين بحمل السلاح، ودفعت بتعزيزات كبيرة إلى مناطق التماس مع القوات الحكومية خشية هجوم مباغت.

خلق حالة رعب

بالتزامن مع ذلك، شنّ الحوثيون حملة اعتقالات شملت كل من يُشتبه بمعارضته لسلطتهم، وبررت منذ أيام تلك الحملة بالقبض على ثلاثة أفراد قالت إنهم كانوا يعملون لصالح المخابرات البريطانية، وإن مهمتهم كانت مراقبة أماكن وجود قادتها ومواقع تخزين الأسلحة في صنعاء.

وشككت مصادر سياسية وحقوقية في صحة الرواية الحوثية، وقالت إنه ومن خلال تجربة عشرة أعوام تبيّن أن الحوثيين يعلنون مثل هذه العمليات فقط لخلق حالة من الرعب بين السكان، ومنع أي محاولة لرصد تحركات قادتهم أو مواقع تخزين الصواريخ والمسيرات.

انقلاب الحوثيين وحربهم على اليمنيين تسببا في معاناة ملايين السكان (أ.ف.ب)

ووفق هذه المصادر، فإن قادة الحوثيين اعتادوا توجيه مثل هذه التهم إلى أشخاص يعارضون سلطتهم وممارساتهم، أو أشخاص لديهم ممتلكات يسعى قادة الجماعة للاستيلاء عليها، ولهذا يعمدون إلى ترويج مثل هذه التهم التي تصل عقوبتها إلى الإعدام لمساومة هؤلاء على السكوت والتنازل عن ممتلكاتهم مقابل إسقاط تلك التهم.

وبيّنت المصادر أن المئات من المعارضين أو الناشطين قد وُجهت إليهم مثل هذه التهم منذ بداية الحرب التي أشعلتها الجماعة الحوثية بانقلابها على السلطة الشرعية في 21 سبتمبر (أيلول) عام 2014، وهي تهم ثبت زيفها، ولم تتمكن مخابرات الجماعة من تقديم أدلة تؤيد تلك الاتهامات.

وكان آخرهم المعتقلون على ذمة الاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم أسلافهم في شمال اليمن، وكذلك مالك شركة «برودجي» التي كانت تعمل لصالح الأمم المتحدة، للتأكد من هوية المستفيدين من المساعدات الإغاثية ومتابعة تسلمهم تلك المساعدات؛ حيث حُكم على مدير الشركة بالإعدام بتهمة التخابر؛ لأنه استخدم نظام تحديد المواقع في عملية المسح، التي تمت بموافقة سلطة الحوثيين أنفسهم