كمال داود: أكتب بالفرنسية لأن اللغة العربية مكبلة ولا تسمح لي بالحلم

بعد صدور روايته «معارضة الغريب» التي يردّ بها على ألبير كامو بطبعتها العربية

كمال داود يوقع على روايته ببيروت
كمال داود يوقع على روايته ببيروت
TT

كمال داود: أكتب بالفرنسية لأن اللغة العربية مكبلة ولا تسمح لي بالحلم

كمال داود يوقع على روايته ببيروت
كمال داود يوقع على روايته ببيروت

لا يستغرب كمال داود ترجمة روايته «معارضة الغريب» إلى أكثر من 16 لغة قبل أن تصل إلى العربية، علمًا أنه كاتب جزائري، ومحتوى روايته الأولى يتضمن دفاعا عن «العربي» الذي قتله بطل كامو في روايته الشهيرة «الغريب» واستكثر حينها أن يطلق عليه اسمًا يخرجه من حيز التنكير إلى التعريف. بمعنى آخر فإن «معارضة الغريب» التي صدرت منذ نحو السنة باللغة الفرنسية وباتت في طريقها لأن تبصر النور في 27 لغة، ووجدت رواجًا كبيرًا ونالت «غونكور الرواية الأولى» وعددًا من الجوائز تعني العرب قبل غيرهم. وهي عبارة عن رد أدبي على «غريب» ألبير كامو، حيث يعيدنا داود إلى الجزائر لنلتقي عائلة «العربي» المقتول ونتعرف على أخيه هارون الذي يكمل رواية الحكاية نيابة عن أخيه (الضحية) الذي نعرف أن اسمه موسى، وله والدة عاشت في قهر لم يندمل وأب توفي باكرًا، وعائلة لم تنسى الضيم.
على أي حال، صدرت أخيرًا، رواية كمال داود باللغة العربية عن «دار الجديد»، بترجمة تستحق القراءة بقلمي ماريا الدويهي وجان هاشم، بعد أن حققت طبعتها الإنجليزية في وقت قياسي مبيعًا كبيرًا نسبيًا بالنظر إلى باقي الروايات التي تترجم من الفرنسية.
مسألة اللغة التي يكتب بها داود لا تعنيه كثيرًا، حسبما يقول: «فاللغة أداة فقط وليست انتماء. والأهم من النقاش حول اللغة ومدى الانتماء إليها، امتلاك ناصيتها على النحو الذي يمكن الكاتب من استخدامها وتطويعها»، ويضيف بالتالي: «إذا رأيت أنني أود الكتابة بالإنجليزية بعد عدة سنوات، فسأفعل ذلك دون تردد». معتبرًا أنه يأنس إلى اللغة الفرنسية ويسعد وهو يستخدمها، «فهي لغة قادرة على أن تعطني مجالاً للحلم والتعبير عن أخيلتي أكثر من العربية التي قتلها التقديس وكبلتها السياسة وأسرتها الآيديولوجيات».
ليس كمال داود الأول الذي يستوحي عملاً أدبيًا من «غريب» ألبير كامو، لكن «معارضة الغريب» وجدت رواجًا لم يكن من نصيب غيرها، وهو ما يعزوه الكاتب إلى أسباب ثلاثة: «أولها أنني لم أحبس نفسي في ثيمة الاستعمار وكليشيهاتها، وخرجت بشخصياتي إلى فضاء أكثر إنسانية، وهو ما جذب القارئ لأي جنسية انتمى وجعله يجد نفسه في الرواية». ويضيف داود: «حتى الأميركيين الذين لا تاريخ استعماريًا قديمًا لهم على غرار الفرنسيين والإنجليز قرأوا الرواية بمتعة. أما السبب الثاني برأي لنجاح العمل» يقول داود فهو ببساطة: «إن الناس أحبوا الرواية واستمتعوا بها. فيما السبب الثالث ولعله الأهم فهو أنني كنت أول من فكر بقلب الأدوار في الرواية، فأحد غيري لم يخطر له أن يروي أو يكمل قصة (الغريب) من وجهة نظر الضحية، أي العربي الذي قتل ولم يعرف له اسم، أو أي شيء عن حياته».
يتحدث هارون (الراوي) شقيق القتيل في رواية «معارضة الغريب» نيابة عن أخيه موسى الذي قتل في «الغريب» من دون سبب، وأطلق سراح قاتله، وطويت صفحة الجريمة وكأن شيئًا لم يحدث. كمال داود، يبدو لوهلة وكأنه يثأر من القاتل الفرنسي، يثأر للقتيل العربي الذي بقي نكرة. فهارون يقتل فرنسيًا بدوره بعد الاستقلال ويروي الحكاية، ليقول إن المأساة لم تكن عابرة، وإن أخيه الذي استبيح تركت وفاته ألمًا لا يمحى. لكن كمال داود، يرفض فكرة الثأر في الأدب، رغم أنها حاضرة في روايته ويجيب بالقول: «أنا جزائري ولا أستطيع أن أهرب من تاريخي، وأعترف أن الاستعمار يزن ثقيلاً، ولا يمكنني أن أنكر ذلك، لكنني لا أحب روايات الثأر. إحدى شخصياتي في الرواية تقول: الثأر لا يجلب العدالة. لا ألعب بالكلمات لكنني أنظر إلى المستعمر على أنه إنسان أيضًا».
ثمة في رواية كمال داود إعجاب شديد بأسلوب كامو. اعتراف بأنه كفرنسي انتصر بأسلوبه، وكان الأقوى بطريقة تعبيره، وأن على من يريد الرد عليه أن يتحلى بمستوى مشابه وبلاغة موازية. لا ينكر كمال داود، أنه معجب إلى حد كبير بأسلوب كامو، ويضيف: «أعجبني في أسلوب كامو، دقته وإحكامه. يستخدم تمامًا ما يتوجب استعماله من مفردات دون زيادة أو نقصان».
أما إذا سألت كمال داود لماذا كتب روايته بالفرنسية وليس بالعربية، ومن يحرر لغته المكبلة ويعتقها، إن لم يكن هو وكتاب غيره هم من يقومون بهذه المهمة يجيبك على الفور: «ولماذا أكتب بالعربية وليس بالفرنسية. بالنسبة لي العروبة ثقافة لا هوية. لا أشعر أنني عربي وإنما جزائري. أنا أكتب بلغة أخيلتي، في ما العربية تم تسميمها بالآيديولوجيات والخطابات السياسية وتعقيدات الهوية. العربية لغة لا تسمح لي بأن أحلم. أما الفرنسية فتؤنسني وتمتعني وتجعلني أحلق. أنا أرتاح حين أكتب بالفرنسية أكثر من العربية، وهذا كل ما في الأمر. في النهاية اللغة لا تشكل هويتي إنها عدتي، مجرد أداة استخدمها للتعبير عن نفسي. ابن المقفع كان فارسيًا، لكنه استطاع أن يذهب بجماليات اللغة العربية بعيدًا جدًا. رأيي أن امتلاك اللغة عند استعمالها، أهم من الحوار حولها وعن علاقتها بالهوية».
إشكالية الهوية جزء من رواية «معارضة الغريب» وكمال داود ليس بعيدًا عن هذا الهم، وهو لا ينكر ذلك. لكنه يقول في الوقت نفسه: «لا أريد لهذه الفكرة أن تكون هاجسًا وحيدًا عندي، أريد أن يكون الاهتمام بمسالة الهوية، صحيًا، هادئًا ومتوازنًا. أنا جزائري نعم، لكنني لا أريد لهذا أن يكون عائقًا في حياتي». ويكمل داود شرح فكرته على النحو التالي: «نحن في حالة بناء وتشييد. وحين نقرر أن نبني بيتًا أمامنا خياران، إما أن نبني من الحجارة المتوفرة لدينا، من دون تضييع وقت، أو أن نختلف هل نبني بحجارة حمراء أو سوداء». ربما لهذا تقول إحدى شخصيات «معارضة الغريب»: «سأستخدم حجارة المستعمر لأبني بيتي». فكمال داود يشرح أن هذا البيت حتى لو شيد بحجارة المستعمر التي خلفها وراءه «إلا أنه بنى وارتفع بهندستي أنا، وبطريقتي وأسلوبي، وهذا ما سيحدد شكله النهائي وليس المواد الأولية التي شيد بها».
عاش كمال داود صحافيًا، ولمع كأديب في «معارضة الغريب» رغم أنها روايته الأولى. فهو كان يحلم منذ البداية أن يصبح كاتبًا، لكن الكتابة لا تسمح وحدها بعيش كريم، إنما بمرور الوقت أدمن الصحافة أيضًا، وهو يرى اليوم رغم النجاح الذي حققه وعدد الكتب الكبير الذي باعه، ما يسمح له بالتفرغ للأدب، إلا أن الابتعاد عن الصحافة لم يعد ممكنًا: «لأنها أصبحت بالنسبة لي هوسًا جميلاً، يعطي لحياتي معنى». ويكمل بحماسة: «بالصحافة أشعر أنني منخرط في عالم يومي صاخب. فمن الصعب على صحافي أن يقول الآن سأتوقف عن ممارسة مهنتي، فهذا عمل فيه إدمان كما الإدمان على التدخين».
هجوم المتشددين عليه، والفتوى التي صدرت ضده بعد لمعان نجم روايته، لم تفاجئه كثيرًا. فقد كانت كتاباته الصحافية قد تعرضت لانتقادات مشابهة. «لكن النجاح يلفت المزيد من الأنظار» يقول داود. «وفي حال جاءت الشهرة من فرنسا كما هي حالتي، فهذا أشد وطأة على المتشددين والمحافظين. أعتقد أن عوامل كثيرة لعبت دورًا منها كتابتي بالفرنسية وما لقيته من صدى».
ومع أن الشهرة في الغرب عادة ما تغري أصحابها بالانتقال إلى عاصمة أكثر لمعانًا، فإن كمال داود لا يفكر أبدًا، بأن يترك الجزائر ليعيش في باريس أو أي مدينة فرنسية ويصر على أنه سيبقى في بلده «إلا إذا هددت بالقتل أو تعرضت لمحاولة عنف، عندها فقط قد أفكر بشيء آخر. ما عدا ذلك، أنا جزائري وسأعيش في بلدي».



انطلاق الدورة الـ19 لـ«البابطين الثقافية» بمضاعفة جوائز الفائزين

وزير الثقافة والإعلام عبد الرحمن المطيري ووزير الخارجية عبد الله اليحيا ورئيس مجلس الأمة السابق مرزوق الغانم وأمين عام «مؤسسة البابطين الثقافية» سعود البابطين وضيوف الدورة الـ19 (الشرق الأوسط)
وزير الثقافة والإعلام عبد الرحمن المطيري ووزير الخارجية عبد الله اليحيا ورئيس مجلس الأمة السابق مرزوق الغانم وأمين عام «مؤسسة البابطين الثقافية» سعود البابطين وضيوف الدورة الـ19 (الشرق الأوسط)
TT

انطلاق الدورة الـ19 لـ«البابطين الثقافية» بمضاعفة جوائز الفائزين

وزير الثقافة والإعلام عبد الرحمن المطيري ووزير الخارجية عبد الله اليحيا ورئيس مجلس الأمة السابق مرزوق الغانم وأمين عام «مؤسسة البابطين الثقافية» سعود البابطين وضيوف الدورة الـ19 (الشرق الأوسط)
وزير الثقافة والإعلام عبد الرحمن المطيري ووزير الخارجية عبد الله اليحيا ورئيس مجلس الأمة السابق مرزوق الغانم وأمين عام «مؤسسة البابطين الثقافية» سعود البابطين وضيوف الدورة الـ19 (الشرق الأوسط)

كرمّت «مؤسسة عبد العزيز سعود البابطين الثقافية»، صباح اليوم (الأحد)، الفائزين بجوائز الدورة الـ19 للجائزة، مع انطلاق هذه الدورة التي حملت اسم مؤسس وراعي الجائزة الراحل عبد العزيز سعود البابطين، تخليداً لإرثه الشعري والثقافي.

وأُقيم الاحتفال الذي رعاه أمير الكويت، الشيخ مشعل الأحمد الصباح، في مركز الشيخ جابر الأحمد الثقافي، بحضور (ممثل أمير البلاد) وزير الإعلام والثقافة وزير الدولة لشؤون الشباب عبد الرحمن المطيري، ومشاركة واسعة من الأدباء والمثقفين والسياسيين والدبلوماسيين وأصحاب الفكر من مختلف أنحاء العالم العربي، كما حضر الحفل أعضاء المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب.

جانب من حضور دورة الشاعر عبد العزيز سعود البابطين (الشرق الأوسط)

وقال وزير الثقافة والإعلام الكويتي، عبد الرحمن المطيري، في كلمته، إن هذا الملتقى «الذي يحمل في طياته عبق الشعر وأريج الكلمة، ليس مجرد احتفالية عابرة، بل هو تأكيد على أن الثقافة هي الروح التي تحيي الأمم، والجسر الذي يعبر بنا نحو مستقبل زاخر بالتسامح والتعايش والمحبة».

وأضاف: «إن لقاءنا اليوم ليس فقط تكريماً لمن أبدعوا الكلمة وشيَّدوا صروح الأدب، بل هو أيضاً دعوة لاستلهام الإرث الثقافي الكبير الذي تركه لنا الشاعر الراحل عبد العزيز سعود البابطين (رحمه الله)، والذي كان، وسيبقى، قامة ثقافية جمعت بين جمال الكلمة وسمو الرسالة... رسالة تُعبِّر عن القيم التي تجمع بين الحضارات. ومن هنا جاءت مبادراته الرائدة، التي عرَّف من خلالها الشرقَ بالشعر العربي، وقدَّم للغرب بُعدَه الإنساني، جاعلاً من الشعر جسراً يربط القلوب، ومفتاحاً للحوار بين الثقافات».

رئيس مجلس أمناء «مؤسسة البابطين الثقافية» سعود البابطين يلقي كلمته في افتتاح الدورة الـ19 (الشرق الأوسط)

في حين قال رئيس مجلس أمناء «مؤسسة البابطين الثقافية»، سعود البابطين، إن هذه الدورة تأتي احتفاءً «بالشعر، فن العرب الأول على مر العصور، وتكريماً للمبدعين والفائزين مِنَ الشعراءِ والنقاد، ووفاءً ومحبة لشاعر هذه الدورة (عبد العزيز البابطين) الذي أخلص في رعاية الشعر العربي وخدمة الثقافة العربية بصدق ودأب وتفانٍ طيلة عمره كله، بلا ملل ولا كلل».

وفي خطوة لافتة، قدَّم رئيس مجلس الأمناء، أمين عام المؤسسة السابق، الكاتب عبد العزيز السريع، الذي رافق مؤسس الجائزة منذ نشأتها، ليتحدث عن ذكرياته مع راعي الجائزة الراحل، والخطوات التي قطعها في تذليل العقبات أمام إنشاء المؤسسة التي ترعى التراث الشعري العربي، وتعمل فيما بعد على بناء جسور التواصل بين الثقافات والحضارات.

وأعلن البابطين، في ختام كلمته عن مضاعفة القيمة المالية للجوائز ابتداءً من هذه الدورة، وفي الدورات المقبلة لـ«جائزة عبد العزيز البابطين».

ونيابة عن الفائزين، تحدَّث الأديب والشاعر الكويتي الدكتور خليفة الوقيان، مشيداً بـ«جهود (مؤسسة البابطين الثقافية) في دعمها اللامحدود للفعل والنشاط الثقافي داخل وخارج الكويت».

وأضاف: «في هذا المحفل الثقافي البهيج، يمرُّ في الذاكرة شريط لقاءات تمَّت منذ 3 عقود، كان فيها الفقيد العزيز الصديق عبد العزيز البابطين يحمل دائماً هَمّ تراجع الاهتمام بالشعر، ويضع اللَّبِنات الأولى لإقامة مؤسسة تُعنى بكل ما من شأنه خدمة ذلك الفن العظيم، ثم ينتقل عمل المؤسسة إلى الأفق الدولي، من خلال ما يُعنى بقضية حوار الثقافات والحضارات».

وألقى الشاعر رجا القحطاني قصيدة عنوانها «إشعاع الكويت»، من أشعار الراحل عبد العزيز البابطين.

يُذكر أن فعاليات الدورة الـ19 مستمرة على مدى 3 أيام، بدءاً من مساء الأحد 15 ديسمبر (كانون الأول) إلى مساء الثلاثاء 17 ديسمبر الحالي. وتقدِّم الدورة على مسرح مكتبة البابطين المركزية للشعر العربي 5 جلسات أدبية، تبدأ بجلسة بعنوان «عبد العزيز البابطين... رؤى وشهادات»، تليها 4 جلسات أدبية يعرض المختصون من خلالها 8 أبحاث عن الشاعر عبد العزيز سعود البابطين المحتَفَى به، و3 أمسيات شعرية ينشد فيها 27 شاعراً.

وزير الثقافة والإعلام عبد الرحمن المطيري ووزير الخارجية عبد الله اليحيا ورئيس مجلس الأمة السابق مرزوق الغانم وأمين عام «مؤسسة البابطين الثقافية» سعود البابطين وضيوف الدورة الـ19 (الشرق الأوسط)

الفائزون:

* الفائز بالجائزة التكريمية للإبداع الشعري الشاعر الدكتور خليفة الوقيان، وقيمة الجائزة 100 ألف دولار.

* الفائزان بجائزة الإبداع في مجال نقد الشعر «مناصفة»، وقيمتها 80 ألف دولار: الدكتور أحمد بوبكر الجوة من تونس، والدكتور وهب أحمد رومية من سوريا.

* الفائزة بجائزة أفضل ديوان شعر، وقيمتها 40 ألف دولار: الشاعرة لطيفة حساني من الجزائر.

* الفائز بجائزة أفضل قصيدة، وقيمتها 20 ألف دولار: الشاعر عبد المنعم العقبي من مصر.

* الفائز بجائزة أفضل ديوان شعر للشعراء الشباب، وقيمتها 20 ألف دولار: الشاعر جعفر حجاوي من فلسطين.