خارطة تحرك «داعش» على الأرض السورية إتسعت منذ التدخل الروسي

التنظيم لا يزال يضم ما بين 20 إلى 30 ألف مقاتل في سوريا

نحو 30 – 40 في المائة من مسلحي «داعش» في سوريا هم من المقاتلين الأجانب
نحو 30 – 40 في المائة من مسلحي «داعش» في سوريا هم من المقاتلين الأجانب
TT

خارطة تحرك «داعش» على الأرض السورية إتسعت منذ التدخل الروسي

نحو 30 – 40 في المائة من مسلحي «داعش» في سوريا هم من المقاتلين الأجانب
نحو 30 – 40 في المائة من مسلحي «داعش» في سوريا هم من المقاتلين الأجانب

شكل التدخل العسكري الروسي المباشر في الأزمة السورية منعطفا مهما خلال الأسابيع الفائتة، وكان لا بد أن ينعكس هذا التدخل الذي يزعم أنه يستهدف «التنظيمات الإرهابية» - حسب زعم المصادر الرسمية في موسكو - على الأرض في معظم أنحاء سوريا. وفي ما يلي نعرض إلى ما يتعلق بمناطق سيطرة تنظيم داعش المتطرف، مع العلم بأن المعارضة السورية، ومعها معظم العواصم الغربية، أكدت أن العمليات العسكرية الروسية ركزت على مناطق لا وجود لـ«داعش» فيها، وأن غاية موسكو تعزيز قدرات نظام بشار الأسد في وجه قوى المعارضة.
في أعقاب التدخل الروسي في سوريا الذي وُضع في خانة «الحرب على الإرهاب»، وبالأخص، على تنظيم داعش.. ما هو وضع التنظيم الإرهابي في بلاد الشام؟.. وما هي التغييرات التي شهدها؟
لقد أظهر تقرير صدر الأسبوع الماضي من قبل الباحث كريس كوزاك، من «معهد دراسة الحرب» في العاصمة الأميركية واشنطن، توسع سيطرة «داعش» في المناطق السورية منذ بدء الغارات الروسية في نهاية شهر سبتمبر (أيلول) الماضي. إذ استطاع التنظيم المتطرف، وفقا لكوزاك، شن عدد من الهجمات المضادة ضد النظام السوري وحلفائه في محافظة حلب مهددا بذلك «خط الاتصال الرئيسي للنظام بمدينة حلب». وخلال هذه الهجمات تمكن مسلحو «داعش» من السيطرة على العديد من نقاط التفتيش على طول الطريق السريع بين بلدتي خناصر وإثريا يوم 23 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وأدت هذه المكاسب الميدانية إلى قطع الطرق التي يستخدمها النظام السوري لنشر تعزيزاته إلى حلب من محافظتي حماه وحمص.
وبعد ذلك، بدأ «داعش» هجوما كبيرا استهدف بلدة السفيرة، وهي البلدة الرئيسية التي يسيطر عليها النظام إلى جنوب شرق مدينة حلب، والتي تعتبر بمثابة الحلقة الأساسية للنشاط العسكري الإيراني في سوريا. وللعلم، فإن هذه البلدة تضم أيضا مصانع الدفاع الاستراتيجي الخاصة بإنتاج الأسلحة الكيماوية والبراميل المتفجرة التي يُتهم النظام السوري باستخدامها. وبحسب المعلومات التي جرى تناقلها، حقق مسلحو «داعش» تقدما في الضواحي الشمالية البعيدة من السفيرة رغم الانتشار الأولي لتعزيزات النظام في المنطقة.
على الرغم من ذلك اعتمدت الإدارة الأميركية موقفا أكثر إيجابية في ما يتعلق بمكافحة «داعش»، فأعلن وزير خارجية الولايات المتحدة جون كيري، في خطابه الأخير بالعاصمة واشنطن في مركز كارنيغي للأبحاث، أن الائتلاف وشركاءه «نجحوا في شمال سوريا في دفع (داعش) خارج أكثر من 17 ألف كيلومتر مربع من الأراضي السورية، وفي تحصين الحدود التركية - السورية شرق نهر الفرات التي تخضع اليوم بصفة عامة تحت سيطرة ميليشيات الأكراد».
من ناحية ثانية، ووفقا لمصادر محلية، ما زال التنظيم يضم في سوريا ما بين 20 إلى 30 ألف مقاتل. وفي مقابلة مع «الشرق الأوسط»، ذكر الباحث أيمن جواد التميمي، من «منتدى الشرق الأوسط»، أن نحو 30 – 40 في المائة من مسلحي «داعش» في سوريا هم من المقاتلين الأجانب.
مع ذلك، وقبل أن يتمكن من التوسع في منطقة حلب في أعقاب الضربات الروسية، يواجه التنظيم ضغوطات كبيرة، لا سيما مقتل بعض القيادات المهمة فيه. فقد قتل في أوائل أكتوبر الماضي 8 من قياديه خلال غارة استهدفت مدينة كربلاء العراقية. غير أن التميمي يزعم أن هذه الضربات لم تكن قاضية للمنظمة، مضيفا أن: «المعلومات قليلة عن الشخصيات القيادية في (داعش)، وهي غير المعروفة علانية، وبالتالي يمكن استبدالها بكل سهولة. كذلك ترددت معلومات عن تغييرات حصلت أخيرا على مستوى القيادة في محافظة دير الزور (التي سماها التنظيم ولاية الخير)، وكان سببها أساسا الضربات الروسية».
أما الناشط السوري جلال الحمد، مدير «مرصد العدالة من أجل الحياة» في دير الزور، الذي قابلته «الشرق الأوسط» أخيرا، فقال: «إن تأثير الضربات على المدينة العراقية على قيادة (داعش) لم يكن كبيرا، نظرا لإمكانية استعاضة التنظيم عن العناصر الذين قتلوا بطريقة سريعة». واعتبر أن «ترشيح القادة الجدد يعتمد في المقام الأول على الولاء والفكر». كذلك أشار الحمد إلى أن افتقار دير الزور للكفاءات العسكرية المتخصصة على مستوى «داعش»، وأوضح: «كانت لهذا الأمر تداعيات كبيرة على الأرض بحيث اضطر التنظيم إلى استقدام قياديين من العراق للتخطيط للمعارك»، مضيفا أنه تم إرسال نحو 100 سيارة ومقاتلين من العراق أثناء المعارك التي وقعت في أكتوبر للسيطرة على مطار دير الزور.
وقد وضع «داعش» هيكلة خاصة به قوامها تأسيس «إمارة» في سوريا تضم ولايات عدة منها ولايات حمص وحماه وحلب ودمشق، بجانب «ولاية البركة» (منطقة الحسكة) و«ولاية الخير» (دير الزور) و«ولاية الفرات» (البوكمال)، وكذلك ولاية الرقة، كما شرح التميمي، الذي ذكر بعض القيادات التي تدير هذه «الولايات»، ومنهم «أبو أنس السامرائي» وهو أمير «ولاية الفرات» و«أبو صالح الجبلاوي» (السوري الجنسية) وهو أمير «ولاية الخير».
ومن ناحية أخرى، تتخذ «وزارات» التنظيم في سوريا «شكل منظمات الحكومة التقليدية، التي لا ينبغي أن تختلف بين العراق وسوريا»، وفق التميمي. وهكذا تتكون «الوزارات» من: ديوان التعليم، وديوان الركاز، وديوان الزكاة، وديوان العلم، وديوان العشائر، وديوان مكتب الخدمات، وديوان الدعوة والمساجد، وديوان الجنود، وديوان الحسبة، وديوان بيت المال، وديوان الصحة، وديوان العلاقات العامة، وديوان الأمن، وديوان الإفتاء، وديوان البحوث، وديوان الزراعة.
وبالعودة إلى الضربات الروسية، فإنها أنتجت حتى الآن تطورات عدة. وهنا يشرح الباحث كولن كلارك، من مؤسسة «راند»، وهي مركز أبحاث مقره في واشنطن، لـ«الشرق الأوسط» مفصّلا «كيف أنه، منذ بداية التدخل الروسي وتكثيف الغارات الجوية، اضطر (داعش) إلى التحرّك بحذر أكبر عند تنفيذ عمليات في العراء، واضطر مقاتلوه إلى زيادة مستوى الأمن، وهذا ما يعني أنهم بات لديهم وقت أقل للتدريب والتخطيط والهجوم. كما أنه وفي بعض من أجزاء البلاد، دفعت الضربات الروسية مقاتلي (داعش) إلى الدخول في مواجهات في الأحياء الضيقة مع مجموعات المتمردين. وهذا الأمر أبعد التنظيم عن هدفه الأساسي وهو الحكم وجمع المال وتجنيد الشباب وغيرها من المهام اللوجيستية الأخرى الأساسية لبقاء المجموعة على قيد الحياة».
ويعتقد التميمي أن الضربة الروسية «أسفرت عن دعوة تعبئة في ريف محافظة حلب الشرقي ردا على الهجوم على مناطق جنوب مدينة حلب بقيادة قاسم سليماني، قائد الحرس الثوري الإيراني، بدعم جوي روسي. ويبدو أن الهدف من دعوة التعبئة هذه هو منع قوات النظام وحلفائه من فك الحصار المفروض قاعدة كويرس الجوية». لكن على الرغم من استفادة «داعش» من التدخل الروسي، فإن التنظيم المتطرف لا يزال يتخبط في مشاكل هيكلية نتيجة الخسائر المتتالية التي تكبدها بعد معارك عين العرب (كوباني) وتل أبيض، إذ يقول الحمد: «لوحظ أن التنظيم عمد إلى نقل بعض من المدنيين في صفوفه من إدارة المنظمة إلى خط المواجهة بعد فترة قصيرة فقط من التدريب العسكري بسبب الحاجة إلى مزيد من المقاتلين».
ويوافق كلارك الحمد رأيه فيقول شارحا: «إن (داعش) يتكبد خسائر كبيرة في صفوفه، مما يؤثر بشكل مدمر على معنويات التنظيم، الذي تكافح من أجل استقطاب المهارات المؤهلة لنصب الكمائن وشن الغارات والهجمات للتعويض عن قادة العمليات التكتيكية والعناصر الأساسية التي خسرها». ويضيف الحمد أن «التنظيم يشهد مزيدا من الانشقاقات، وبعض الأجانب يستخدمون هويات السوريين للمغادرة». أضف إلى ذلك الإجراءات المتشددة التي اتخذتها تركيا على الحدود، التي أدت إلى خفض عدد المقاتلين الأجانب في سوريا.
بناءً عليه، تتجه الأمور إلى مزيد من التعقيد بالنسبة إلى التنظيم الإرهابي المتطرف مع انخراط مزيد من اللاعبين الإقليميين في اللعبة السورية الذين يحمل كل منهم أجندته الخاصة، مما يؤثر بالإجمال على المشهد العسكري السوري الذي لا تزال معالمه غامضة ومبهمة حتى الآن.



تساؤلات حول قيادة «داعش»

فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)
فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)
TT

تساؤلات حول قيادة «داعش»

فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)
فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)

من يقود تنظيم داعش الإرهابي الآن؟ وما سر عدم ظهور إبراهيم الهاشمي القرشي، زعيم «داعش» الجديد، حتى اللحظة؟ ولماذا تعمد التنظيم إخفاء هوية «القرشي» منذ تنصيبه قبل شهرين؟ وهل هناك تغير في شكل التنظيم خلال الفترة المقبلة، عبر استراتيجية إخفاء هوية قادته، خوفاً عليهم من الرصد الأمني بعد مقتل أبو بكر البغدادي؟ تساؤلات كثيرة تشغل الخبراء والمختصين، بعدما خيم الغموض على شخصية زعيم «داعش» الجديد طوال الفترة الماضية. خبراء في الحركات الأصولية أكدوا لـ«الشرق الأوسط» أن «التنظيم يعاني الآن من غياب المركزية في صناعة القرار».
ويرجح خبراء التنظيمات المتطرفة أن «يكون (داعش) قد قرر إخفاء هوية (القرشي) تماماً، في محاولة لحمايته، وأن إعلان (القرشي) زعيماً من قبل كان شكلاً من أشكال التمويه فقط، لإخفاء حقيقة الخلاف الدائر داخل التنظيم». كما شكك الخبراء في «وجود شخصية (القرشي) من الأساس».
وأعلن «داعش»، في تسجيل صوتي بثه موقع «الفرقان»، الذراع الإعلامية للتنظيم، في نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، تنصيب «القرشي» خلفاً للبغدادي الذي قتل في أعقاب غارة أميركية، وتعيين أبو حمزة القرشي متحدثاً باسم التنظيم، خلفاً لأبو الحسن المهاجر الذي قتل مع البغدادي. وكان الرئيس الأميركي دونالد ترمب قد أعلن «مقتل البغدادي في عملية عسكرية أميركية شمال غربي سوريا».
ورغم أن مراقبين أكدوا أن «(القرشي) هو القاضي الأول في التنظيم، وكان يرأس اللجنة الشرعية»، فإن مصادر أميركية ذكرت في وقت سابق أن «(القرشي) عُرف بلقب الحاج عبد الله، وعُرف أيضاً باسم محمد سعيد عبد الرحمن المولى، وكان أحد قادة تنظيم القاعدة في العراق، وقاتل ضد الأميركيين». لكن عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر «شكك في وجود (القرشي) من الأساس»، قائلاً: إن «(القرشي) شخصية غير حقيقية، وهناك أكثر من إدارة تدير (داعش) الآن».
وأكد أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أنه «بطبيعة الحال، لا يمكن أن نحدد من يقود (داعش) الآن، حتى هذا الإعلان (أي تنصيب القرشي) قد يكون شكلاً من أشكال التمويه، لإخفاء حقيقة الخلاف الدائر داخل التنظيم»، مضيفاً: «نحن أمام عدد من الاحتمالات: الاحتمال الأول هو أن تكون شخصية (القرشي) حقيقية لكن يتم إخفاءها، وعدم ظهوره إلى الآن هو من أجل تأمين حياته، وعدم مطاردته من قبل أجهزة الدول. والاحتمال الثاني أننا أمام شخصية (وهمية)، والتنظيم لا يزال منقسماً حول فكرة اختيار خليفة للبغدادي. أما الاحتمال الثالث فأننا أمام صراع حقيقي داخل التنظيم حول خلافة (البغدادي)».
وتحدث المراقبون عن سبب آخر لإخفاء «داعش» هوية «القرشي»، وهو «الخوف من الانشقاقات التي تضرب التنظيم من قبل مقتل البغدادي، بسبب الهزائم التي مُني بها في سوريا والعراق، خاصة أن نهج إخفاء المعلومات والتفاصيل التي تتعلق بقادة (داعش) استخدمه التنظيم من قبل، حين تم تعيين أبو حمزة المهاجر وزيراً للحرب (على حد تعبير التنظيم) في عهد البغدادي، وتم الكشف عن اسمه في وقت لاحق».
وكان البغدادي قد استغل فرصة الاضطرابات التي حدثت في سوريا، وأسس فرعاً لتنظيمه هناك، كما استغل بعض الأحداث السياسية في العراق، وقدم نفسه وتنظيمه على أنهم المدافعون عن الإسلام (على حد زعمه)، فاكتسب في البداية بيئة حاضنة ساعدته على احتلال المزيد من الأراضي العراقية التي أسس عليها «دولته المزعومة». وفي عام 2014، أعلن البغدادي نفسه «خليفة مزعوماً» من على منبر مسجد النوري الكبير، في مدينة الموصل، ثم اختفى بعدها لمدة 5 سنوات، ولم يظهر إلا في أبريل (نيسان) الماضي، في مقطع فيديو مصور مدته 18 دقيقة، ليعلن «انتهاء السيطرة المكانية لـ(دولته المزعومة)، وسقوط آخر معاقلها في الباغوز السورية». وقال المراقبون إنه «رغم أن ظهور البغدادي كان قليلاً في السنوات الأخيرة قبل مقتله، فإن أخباره كانت دائمة الانتشار، كما عمد مع بداية الإعلان عن (دولته المزعومة) إلى الظهور المتكرر، وهو ما لم يفعله (القرشي)».
وأكد عبد المنعم أن «هوية (القرشي) كانت لا بد أن تختفي تماماً لحمايته»، مدللاً على ذلك بأنه «في ثمانينات القرن الماضي، كانت التنظيمات الإرهابية تعلن عن أكثر من اسم للقيادة، حتى تحميه من التتبع الأمني»، موضحاً: «يبدو أن هوية (القرشي) الحقيقة بالنسبة لعناصر التنظيم ليست بالأهمية ذاتها، لأن ما يهمهم هو وجود الزعيم على هرم التنظيم، ضمن إطار وإرث ديني... وهذا أهم بكثير للعناصر من الإعلان عن هوية الرجل (أي القرشي)»، مدللاً على ذلك بأنه «في الأيام التي أعقبت إعلان تعيين (القرشي)، تساءلت مجموعة صغيرة من عناصر التنظيم على موقع التواصل (تليغرام) عن هوية الزعيم الجديد. وبعد أيام من تساؤلاتهم، وعندما طلب منهم مبايعة (القرشي)، قلت التساؤلات. ولهذا، من الواضح أن هوية الرجل بدت غير مهمة لهم، بل المهم هو أنه زعيم (داعش)، ويحتاج إلى دعمهم».
وحث أبو حمزة القرشي، متحدث «داعش» الجديد، أتباعه في رسالته الصوتية الأخيرة على «الالتزام بما أصدره البغدادي في رسالته في سبتمبر (أيلول) الماضي، التي طالب فيها بتحرير أنصار التنظيم من السجون، وتجنيد أتباع جدد لاستكمال المهمة، وتأكيد مواصلة التنظيم تمدده في الشرق الأوسط وخارجه».
ومن جهته، أضاف عبد المنعم أن «التنظيم دشن قبل أيام كتيبة أطلق عليها (الثأر للبغدادي والمهاجر)، بهدف الانتقام لمقتل البغدادي والمهاجر، كما جرى سجن عدد من قيادات التنظيم، مُرجح أنها تورطت في تسريب معلومات بطريقة غير مباشرة لعناصر في تنظيم (حراس الدين)»، موضحاً أن «المركز الإعلامي للتنظيم يعاني حالياً من عدم وجود اتصال مع باقي المراكز التابعة للتنظيم، ويعاني من حالة ارتباك شديدة».
وهدد المتحدث باسم التنظيم الجديد الولايات المتحدة، قائلاً: «لا تفرحوا بمقتل الشيخ البغدادي». وقال عبد المنعم: «يبدو أن (داعش) قرر عدم التعامل بالشكل التقليدي في التسجيلات والظهور المباشر لـ(القرشي)، مثلما كان يحدث مع البغدادي»، لافتاً إلى أن «عمليات (داعش) منذ تولي (القرشي) لم تشهد أي حراك، على عكس شهري أبريل وسبتمبر الماضيين، اللذين شهدا حراكاً، عقب بث تسجيلين: واحد مصور والآخر صوتي للبغدادي».
وكان أبو بكر البغدادي قد ذكر في سبتمبر (أيلول) الماضي أن «تنظيمه لا يزال موجوداً، رغم توسعه في البداية، ومن ثم الانكماش»، وأن ذلك يعد (اختباراً من الله)»، على حد زعمه.
وقال عمرو عبد المنعم إن «قنوات (داعش) واصلت بث أخبارها كالمعتاد، وأبرز ما نقلته هذه القنوات أخيراً إصدار مرئي جديد على شاكلة (صليل الصوارم)، بعنوان (لن يضروكم إلا أذى)، مدته 11 دقيقة، وفيه متحدث رئيسي مُقنع يتوعد بالثأر من عملية (التراب الأسود) التي أطلقتها القوات العراقية ضد (داعش) في سبتمبر (أيلول) الماضي. وفي نهاية الإصدار، ظهر مقاتلون ملثمون يبايعون الخليفة الجديد».
وبايع فرع «داعش» في الصومال «القرشي» في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، حيث نشر فرع التنظيم صوراً على موقع التواصل الاجتماعي «إنستغرام» لنحو 12 عنصراً يقفون بين الأشجار، وعليها تعليق يقول: «إنهم يعلنون مبايعة (القرشي)». كما بايع «ولاية سيناء»، الموالي لـ«داعش» في مصر، «القرشي»، ونشر في إصدار مرئي صوراً لمجموعة قال إنهم من العناصر التي بايعت «القرشي». ويشار إلى أنه ما زالت بعض أفرع تنظيم داعش حول العالم لم تعلن مبايعتها لـ«القرشي» حتى الآن، وفي مقدمتها «ولاية خراسان» في أفغانستان، و«ولاية غرب أفريقيا» (بوكو حرام سابقاً) في نيجيريا.
وحول وجود تغير في استراتيجية «داعش» في الفترة المقبلة، بالاعتماد على إخفاء شخصيات قادته، أكد الخبير الأصولي أحمد بان أن «هذه المرحلة ليست مرحلة الإمساك بالأرض من جديد، والسيطرة عليها، أو ما يسمى (الخلافة)، لكن مرحلة ترميم مجموعات التنظيم، وإعادة التموضع في ساحات جديدة، ومحاولة كسب ولاءات جماعات أخرى، قبل أن نصل إلى عنوان جديد، ربما يعكس ظهور تنظيم جديد، قد يكون أخطر من تنظيم (داعش). لكن في كل الأحوال، هيكلية (داعش) تغيرت، من مرحلة الدولة (المزعومة) إلى مرحلة (حروب النكاية) إلى مرحلة إعادة التنظيم والتموضع؛ وكل مرحلة تطرح الشكل المناسب لها. وفي هذه المرحلة (أي الآن)، أتصور أن التنظيم قد تشظى إلى مجموعات صغيرة، وأن هناك محاولة لكسب ولاء مجموعات جديدة في دول متعددة».
أما عمرو عبد المنعم، فقد لفت إلى أن «(داعش) فقد مركزية صناعة القرار الآن، وهناك عملية (انشطار) في المرحلة المقبلة للتنظيم، ولن يكرر التنظيم فكرة القيادة المركزية من جديد، لذلك لم يظهر (القرشي) على الإطلاق حتى الآن، لو كان له وجود حقيقي، وهذا على عكس ما كان يظهر به البغدادي، ويحث العناصر دائماً على الثبات والصبر»، محذراً في الوقت ذاته من «خطوة (حرب العصابات) التي قد يشنها التنظيم، وقتال الشوارع واستنزاف القوى الكبرى، وهي الاستراتيجية القديمة نفسها للتنظيم، مع زيادة العنصر (الانفرادي) الذي يعرف بـ(الذئاب المنفردة)».
وقال المراقبون إن «التنظيم تحول منذ سقوط بلدة الباغوز في مارس (آذار) الماضي، ونهاية (الخلافة المزعومة) بعد عدة سنوات من إرسائها، نحو اعتماد (نهج العصابات). وقاد البغدادي (داعش) بعد استيلائه على مناطق شاسعة في العراق وسوريا، قبل أن يتهاوى التنظيم خلال الأشهر الماضية نتيجة خسائره، وفرار عدد كبير من عناصره».