برلمان مصر.. اقتراع خارج الصندوق ونخبة جديدة تتشكل

الحزبيون يتصدرون المشهد.. وضعف المشاركة أبرز التحديات

برلمان مصر.. اقتراع خارج الصندوق ونخبة جديدة تتشكل
TT

برلمان مصر.. اقتراع خارج الصندوق ونخبة جديدة تتشكل

برلمان مصر.. اقتراع خارج الصندوق ونخبة جديدة تتشكل

في غياب القواعد التقليدية للانتخابات في مصر، أجريت المرحلة الأولى من الاستحقاق النيابي منتصف شهر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وأعلنت نتائجها النهائية نهاية الشهر نفسه. وتكفل فاصل الأسبوعين هذا، بين انطلاق المرحلة وإعلان النتائج، بإدخال تعديل جذري على المشهد؛ فالاقتراع الذي بدأ فاترا، تصاحبه أصداء ضحكة مجلجلة لرئيس نادي قضاة مصر حين سئل عن وجود تجاوزات، فعلق قائلا: «لا.. لا توجد تجاوزات.. ولا ناخبون»، انتهى بحسب مراقبين إلى ترتيب جديد للنخبة السياسية في البلاد، عبر «علاقات قوة» غير مسبوقة في أروقة الحكم.
وأظهرت النتائج النهائية للمرحلة الأولى حضورا قويا للأحزاب التي فازت بـ108 مقاعد، مقابل 105 مقاعد للمستقلين في النظام الفردي. وتصدر حزب «المصريين الأحرار»، الذي أسسه رجل الأعمال نجيب ساويرس، السباق الانتخابي بـ36 مقعدا، يليه حزب «مستقبل وطن» حديث العهد بـ21 مقعدا، وتقاسم حزبا «الوفد» أعرق الأحزاب المصرية و«الشعب الجمهوري» المركز الثالث محققين 11 مقعدا لكل منهما، فيما اكتفى حزب النور، الممثل الوحيد لتيار الإسلام السياسي، بـ8 مقاعد في الجولة الأولى، وتوزعت باقي المقاعد على 11 حزبا.

يتوقع الدكتور ضياء رشوان، مدير مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، أن يستحوذ حزب «المصريين الأحرار» على ما بين 90 إلى 80 مقعدا بنهاية الجولة الثانية التي تنطلق أواخر الشهر الحالي، كما توقع أن يحصل حزب «مستقبل وطن» على نحو 60 مقعدا، معتبرا أن هذا النسب ستؤدي حتما إلى برلمان مختلف جذريا عن البرلمانات التي شهدتها البلاد طوال تاريخها.
وجاء أول اقتراع نيابي في مصر بعد ثورة 30 يونيو (حزيران) 2013، من خارج المقررات التاريخية المتعارف عليها، فمنذ رأى الرئيس الراحل أنور السادات أن الوقت حان لإنهاء تجربة الحزب الواحد، معلنا عودة الأحزاب في نوفمبر (تشرين الثاني) 1976، قاد الحزب الذي يتزعمه الرئيس البرلمانات المنتخبة، بأغلبية تراوحت بين المريحة أو الساحقة، ولم يكن الرئيس الإخواني الأسبق محمد مرسي في تجربته التي لم تتجاوز العام بمنأى عن ذلك.
ويرى الدكتور معتز بالله عبد الفتاح، أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة، أن «البرلمان الجديد أدخلنا إلى مساحة غير مطروقة في حياتنا السياسية، فللمرة الأولى يأتي البرلمان من دون أهلي وزمالك الحياة السياسية (في إشارة لحالة الاستقطاب الحاد والمنافسة التقليدية بين أهم ناديين لكرة القدم في البلاد)، فلا وجود للحزب الوطني الديمقراطي بالصيغة الرسمية، ولا لإخوان مسلمين بالصيغة الرسمية».
في غياب المشهد التقليدي وجد المرشحون والناخبون أنفسهم أمام انتخابات برلمانية بلا بوصلة هادية، وخارج المربع المريح للموالاة أو المعارضة، فالرئيس عبد الفتاح السيسي، القادم من المؤسسة العسكرية رأسا إلى سدة الحكم، تعهد ألا يؤسس حزبا أو يدعم حزبا من الأحزاب الموجودة على الساحة، وهو أمر كرسه الدستور الجديد، رغم محاولات جرت للإيحاء بعكس ذلك من قبل تحالفات انتخابية.
ووضع الدكتور رفعت السعيد، السياسي المخضرم، رئيس المجلس الاستشاري لحزب التجمع، محاولات قائمة «في حب مصر» للإيحاء بأنها قائمة الرئيس السيسي ضمن الأسباب التي أدت إلى عزوف الناخبين، وهو التحدي الأبرز أمام البرلمان المقبل. وأضاف قائلا لـ«الشرق الأوسط»: «هذا الإيحاء غير الذكي من قائمة (في حب مصر) جعل الناخب يتصور أنها آتية للمجلس لا محالة، وقد كان».
وتنفي قائمة «في حب مصر» هذا الاتهام، وتعلن بوضوح أنها تدعم الرئيس السيسي دون أن يعني هذا أنها مدعومة من طرفه. وقال اللواء سامح سيف اليزل، الذي يتزعم القائمة، لـ«الشرق الأوسط»، إنه يعتزم بناء تحالف واسع داخل المجلس، متعهدا بأن يقوم تحالفه بدور رقابي قوي.
الحيوية الموعودة لمجلس تتوزع مواقع القوة فيه بين عدة أحزاب، وائتلافات تسعى حاليا لتوسيع نفوذها باستمالة نواب مستقلين، تعاني من أزمة جوهرية تتعلق بضعف المشاركة، الأمر الذي من شأنه أن يلقي بظلال من الشك حول شرعية المجلس التمثيلية.
ويرى الدكتور نور فرحات، أستاذ فلسفة القانون والفقيه الدستوري بجامعة الزقازيق، أن توافر الشرعية القانونية للانتخابات لا يغني عن الشرعيتين؛ السياسية والشعبية، مؤكدا أن الحديث عن الشرعية القانونية وحدها لا يجوز بعد ثورتين شعبيتين شهدتهما البلاد.
وبالنظر للدور الذي حدده الدستور للبرلمان المقبل، تبدو أزمة الشرعية أكثر إشكالية، فمجلس النواب الجديد منوط به وضع القوانين المكملة للدستور، إلى جانب توسيع صلاحيات المجلس الذي سيكون بمقدوره أن تشكل أغلبيته الحكومة إذا لم يحظ مرشح الرئيس لرئاسة مجلس الوزراء برضا النواب، كما سيكون بمقدور المجلس طلب طرح الثقة عن الرئيس في استفتاء شعبي، وإن رفض الشعب طرح الثقة يعني ذلك حل المجلس.
وقبيل الانتخابات البرلمانية، قادت تحليلات لمراقبين ورؤساء أحزاب إلى تهيئة الساحة لـ«انتخابات ضعيفة»، يهيمن عليها المستقلون ونواب الحزب الوطني الديمقراطي (المنحل) الذي احتكر السلطة طوال عقود حكم الرئيس الأسبق حسني مبارك.
يعارض الدكتور ضياء رشوان، وهو عضو لجنة كتابة الدستور، تلك الآراء، ويقول لـ«الشرق الأوسط» إن «الانتخابات البرلمانية أحيطت بكم هائل من التحليلات التي بنيت على انطباعات، وأحيانا معلومات غير مدققة، فبينما كان طيف واسع من المراقبين يتحدثون عن برلمان سيهيمن عليه المستقلون، عكست الأرقام حضورا قويا لمرشحي الأحزاب؛ فمن بين 2548 مرشحا في الانتخابات كان هناك 883 مرشحا حزبيا، وهذا أمر انعكس بدوره على النتائج النهائية للمرحلة الأولى، وهذه النتائج لم تأت من فراغ».
وتابع: «المؤكد أن المجلس وبخلاف ما تردد يشهد حضورا هائلا للأحزاب يتجاوز 50 في المائة، ربما للمرة الأولى منذ عقود، ومعظم تلك الأحزاب جديد على الساحة، باستثناء حزب واحد قديم هو حزب الوفد، كما أن اللافت أيضا أن هذا الحضور الحزبي برز في المحافظات وهو أمر غير متوقع، بعد أن تعودنا على أن وجودها يقتصر على المناطق الحضرية فقط، وهو ما يعني أن الأحزاب اخترقت المجتمع من أسفل».
ويحاجج البعض بأن الأحزاب التي تحظى بدعم سخي من رجال أعمال نجحت في استقطاب مرشحين أقوياء في دوائرهم الانتخابية من دون أن تربطهم أي صلة بالحزب أو أفكاره أو برنامجه، مما يعني أن نجاحها لا يعبر عن وزنها الفعلي ولا يعكس حضورا شعبيا. لكن رشوان يشير إلى ضرورة تجاوز قراءة المشهد من منطلق نظرية الدوافع فقط؛ ويقول: «الأحزاب كان أمامها طريقان، بناء كوادرها أو استقطاب كوادر موجودة على الأرض بالفعل، وبحكم التوقيتات اختارت الحل الثاني، وعلينا أن ننتظر لنرى التجربة خلال الممارسة، فهؤلاء النواب سينشطون بحكم عدة أمور داخل هياكل أحزابهم، وهو أمر سيكون له مردود جيد جدا على الحياة السياسية».
لا يبدي الدكتور عبد الفتاح، وهو أيضا أستاذ للعلوم السياسية في جامعة ميشيغان الأميركية، الثقة نفسها في أداء البرلمان المقبل، ويشير إلى أن «نتائج الانتخابات التي ترتب عليها خروج جيل من السياسيين من المشهد السياسي لصالح جيل جديد، سيشغل المساحة الأكبر من مقاعده، تضعنا أمام نواب ليست لديهم خبرة كافية».
ويضيف عبد الفتاح قائلا لـ«الشرق الأوسط»: «سيكون تحديا وفرصة ربما يحسنون (النواب الجدد) استغلالها بالبناء على قواعد مختلفة، أو ربما لا يحسنون استغلالها وبالتالي نكون أمام برلمان هو تكرار للبرلمانات السابقة، برلمان مفتت، وجوده كغيابه، وهذا هو الخوف الأكبر، أن يفقد البرلمان دوره كأداة للتفاوض الجماعي بين فئات المجتمع المختلفة، وكأداة لحل الصراعات السياسية بطريقة منضبطة».
يعبر الدكتور مصطفى كامل السيد، أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة، عن المخاوف نفسها معتبرا أن البرلمان لن يعارض سياسات الرئيس السيسي، مشيرا إلى أن النواب يريدون أن يظلوا قريبين من الرئيس لأنه لا يزال مركز النظام السياسي في البلاد.
الرأي نفسه يؤيده أستاذ العلوم السياسية حازم حسني، الذي يقول إن «البرلمان سيكون برلمان الرئيس». ويضيف أن البرلمان «سيترك للرئيس حرية إدارة شؤون البلاد كما يشاء، سيكون برلمانا للحفاظ على الأمر الواقع كما هو مع إعطاء مسحة من الديمقراطية».
ويختلف الدكتور رشوان مع هذه الانتقادات المسبقة أيضا، ويقول إن التصريحات التي خرجت من أكبر حزبين في البرلمان تنقد هذا الأمر، فرئيس حزب «مستقبل وطن» أعلن صراحة أنه لن يؤيد رئيس الوزراء شريف إسماعيل المدعوم من الرئيس المصري، إذا ما عرض برنامج الحكومة على البرلمان، كما أكد اللواء سيف اليزل أن بقاء حكومة إسماعيل لا يزال أمرا غير محسوم.
ورغم المخاوف يتوقف الدكتور رشوان، وهو نقيب الصحافيين السابق، أمام ظواهر أخرى تؤشر في اعتقاده على وجود منحى جديد للناخبين، ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «لأول مرة في تاريخ البرلمانات المصرية نجد 24 قبطيا في جولة الإعادة، منهم مرشحان اثنان تنافسا على المقعد نفسه في بندر ملوي (في محافظة المنيا بصعيد مصر)، كما شهدنا للمرة الأولى أيضا منذ حصول المرأة على حق التصويت حضور 11 سيدة في جولة الإعادة».
وأضاف أن محافظة المنيا التي شهدت أكبر عدد من حرق الكنائس (في أعقاب موجة العنف التي تلت فض اعتصام أنصار الإخوان العام قبل الماضي)، والتي شهدت منع تصويت الأقباط في الانتخابات الرئاسية عام 2012، هذه المحافظة دخل جولة الإعادة فيها 10 أقباط. نحن هنا نتحدث عن نوع جديد من الناخبين لا تشكل العائلات والقبليات عصبه الأساسي، رغم أنها لا تزال موجود بالطبع فهي جزء من تركيب اجتماعي.
وكان رئيس اللجنة العليا للانتخابات، المستشار أيمن عباس، قد أعلن في وقت سابق أن نسبة التصويت في المرحلة الأولى لانتخابات مجلس النواب بلغت 26.56 في المائة بإجمالي بلغ نحو 7.3 مليون صوت، فيما شارك في جولة الإعادة بالمرحلة الأولى 5 ملايين و554 ألفا و678 ناخبا، من أصل 25 مليونا و582 ألفا و518 ناخبا لهم حق التصويت في الجولة التي شملت 14 محافظة من بينها محافظتا الجيزة والإسكندرية.
وأوضح المستشار عباس أن مجموع النواب الفائزين في الجولة الأولى بلغ 273 نائبا، بينهم 5 نساء و12 شابا و108 حزبيين و105 مستقلين و60 نائبا فازوا بنظام القوائم (قائمة في حب مصر حسمت الانتخابات في الجولة الأولى).
ورغم الإيجابيات التي تحدث عنها رشوان، بدا لعدد من المراقبين أن الاقتراع جرى «خارج الصندوق»، بالنظر لنسبة المشاركة المتدنية في الانتخابات البرلمانية، لكن بقي الخلاف حول من حصد «مقاعد الفراغ»؛ اللامبالاة التي وسمت الانتخابات طوال العقود الثلاثة ما قبل ثورة 25 يناير (كانون الثاني) 2011، أم أنه الغضب مما عده معارضون «إغلاقا للمجال العام»، أم استفتاء جديد على شعبية الرئيس السيسي؟
وترى الدكتورة هالة شكر الله، الرئيسة السابقة لحزب الدستور، أن عزوف الناخبين عن الاقتراع في أول مجلس نواب في مصر بعد 30 يونيو (حزيران) لا يعبر عن قرار قصدي، بقدر ما يشير إلى إحساس عام عبرت عنه بـ«الإيمان بالمستقبل».
وقالت شكر الله لـ«الشرق الأوسط» إن «قطاعا كبيرا جدا من المصريين لم يذهب لأنه شعر بأنه غير مطلوب منه المشاركة.. هناك علاقة ديناميكية بين الجماهير والسلطة، والمصريون عبر تراكم الخبرة يدركون متى يكون لمشاركتهم أثر ومتى لا يكون لهذه المشاركة معنى».
وتضيف شكر الله أن «القطاع الوحيد الذي يمكن أن نعتبر مقاطعته للعملية الانتخابية مقاطعة واعية هو قطاع الشباب. هناك غضب بالتأكيد، وربما يأس، ولدى البعض رغبة في الانسحاب من المجال العام».
عزوف الشباب عن المشاركة في الانتخابات البرلمانية كثفه مشهد احتشاد ما يزيد على 40 ألف شاب من روابط مشجعي النادي الأهلي في استاد مختار التتش بوسط القاهرة غير بعيدين عن ميدان التحرير لتشجيع ناديهم، في حين خيم الصمت على مراكز الاقتراع القريبة.
وفي رسالة مباشرة، انتشرت في شوارع بالقاهرة ملصقات دعائية لمجموعة من شباب الثورة المحبوسين في قضايا تتعلق بالتظاهر دون الحصول على ترخيص. وحملت تلك الملصقات صور النشطاء علاء عبد الفتاح (مسجون)، أحمد دومة (مسجون)، وأحمد ماهر، وآخرين، مع دعوة للتصويت للقائمة التي أطلق عليها قائمة «أفرجوا عن مصر».
وتتابع شكر الله قائلة: «على الدولة أن تستفيد من الرسائل التي مررها المصريون عبر العزوف عن المشاركة في الانتخابات، هذه مؤشرات قوية على أن هناك خطبا ما، وأننا لسنا على طريق المستقبل».
ومن ثم، يطالب الدكتور السعيد الحكومة بمراجعة مواقفها أيضا، لكنه يحمل لجنة قانونية أنيط بها وضع قوانين الانتخابات وترأسها وزير العدالة الانتقالية (ألغيت في الحكومة الحالية) مسؤولية عزوف الناخبين. وقال السعيد إن قوانين الانتخابات أساءت للعملية الانتخابية بقدر ما استبعدت بشدة الفئات الوسطى والفقراء، نظرا للالتزامات المادية التي فرضتها على المرشحين والتي بلغت في الانتخابات الحالية نحو 11 ألف جنيه، وهذا يعني أن 60 في المائة من المصريين أجبروا على عدم الترشح، وهو أمر يفتقر إلى المنطق خاصة حينما نعلم أن المرشح لرئاسة الجمهورية غير مطالب بدفع مليم واحد.
ويشير السعيد إلى قيمة الكشف الطبي والتي تقدر بـ3 آلاف جنيه، وقد اضطر المرشحون لإعادته مرة أخرى بعد أن تأجلت الانتخابات بحكم قضائي، بالإضافة لمبلغ 5 آلاف جنيه رسوم نظافة تحصلها المحافظات. وكانت هذه التكلفة المادية سببا في تراجع قائمة «صحوة مصر» عن السباق الانتخابي.
وانتقد السعيد أيضا موقف اللجنة العليا المشرفة على الانتخابات. وقال إن «اللجنة وقفت مكتوفة الأيدي وعاجزة عن تفعيل المادة 74 من الدستور التي تمنع الدعاية الانتخابية على أساس ديني، كما وقفت مكتوفة الأيدي أمام أكوام الأموال التي تدفقت من الخارج على حزب بعينه، ومن الداخل على أحزاب أخرى، حتى إن تلك الأحزاب بدأت تتباهى بحجم الإنفاق، والنتيجة العملية أن قطاعا واسعا ابتعد عن العملية الانتخابية ترشيحا وتصويتا».
ويحدد قانون الانتخابات ضوابط وسقفا للدعاية الانتخابية، لكن معظم المراقبين يعتقدون أن عددا من الأحزاب تجاوز سقف الدعاية المسموح به.
الانتقادات التي وجهها السعيد للعملية الانتخابية لم تمنعه من التأكيد على أنها تمت بشفافية ونزاهة، وهو أمر شككت فيه أحزاب صغيرة أعلنت انسحابها قبل أيام من بدء جولة الإعادة في المرحلة الأولى.
وقال طارق زيدان، القيادي في تحالف نداء مصر المنسحب، لـ«الشرق الأوسط»، إن «قرار انسحاب التحالف جاء كرد فعل طبيعي للتجاوزات التي شهدتها العملية الانتخابية، وتجاوبا مع نبض الشارع الذي قاطع الانتخابات».
وهكذا، بين فتور مشهد الاقتراع وسخونة التنافس الحزبي على أكثرية البرلمان المقبل، ينتظر المصريون نتائج الجولة الثانية للبرلمان التي ستجرى يومي 22 و23 نوفمبر الحالي في 13 محافظة مصرية من بينها العاصمة القاهرة، ليعرفوا إذا ما كانت الأحزاب ستكرس حضورها بالفعل كلاعب رئيسي على الساحة السياسية، أم لا.. كما سيعرف قادة تلك الأحزاب ما إذا كان الناخبون سيعيرونهم هذه المرة الاهتمام الكافي، أم لا.



منطقة الساحل... ساحة صراع بين الغرب وروسيا

طائرة ميراج 2000 فرنسية في قاعدة بنيامي، عاصمة النيجر، يوم 5 يونيو 2021 (أ.ب)
طائرة ميراج 2000 فرنسية في قاعدة بنيامي، عاصمة النيجر، يوم 5 يونيو 2021 (أ.ب)
TT

منطقة الساحل... ساحة صراع بين الغرب وروسيا

طائرة ميراج 2000 فرنسية في قاعدة بنيامي، عاصمة النيجر، يوم 5 يونيو 2021 (أ.ب)
طائرة ميراج 2000 فرنسية في قاعدة بنيامي، عاصمة النيجر، يوم 5 يونيو 2021 (أ.ب)

يسدلُ الستارُ على آخر مشاهد عام 2024 في منطقة الساحل الأفريقي، ورغم أن هذه الصحراء الشاسعة ظلت رتيبة لعقود طويلة، فإن المشهد الأخير جاء ليكسر رتابتها، فلم يكن أحد يتوقع أن ينتهي العام والمنطقة خالية من القوات الفرنسية، وأن يحل محلها مئات المسلحين الروس، وأنّ موسكو ستكون أقربَ من باريس لكثير من أنظمة الحكم في العديد من بلدان القارة السمراء.ورغم أن الفرنسيين كانوا ينشرون في الساحل أكثر من 5 آلاف جندي لمحاربة الإرهاب، بينما أرسل الروس بدورهم مرتزقة شركة «فاغنر» للمساعدة في المهمة نفسها، التي فشل فيها الفرنسيون، فإن الإرهاب ما زال يتمدد، بل إنه ضرب في قلب دول الساحل هذا العام، كما لم يفعل من قبل.

لم يكن الإرهاب حجةً للتدخل العسكري الأجنبي فقط، وإنما كان حجة جيوش دول الساحل للهيمنة على الحكم في انقلابات عسكرية أدخلت الدول الثلاث، مالي، النيجر وبوركينا فاسو، في أزمة حادة مع جيرانها في المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس)، انتهت بالقطيعة التامة وانسحاب الدول الثلاث من المنظمة الإقليمية التي كانت حتى وقت قريب تمثّلُ حلماً جميلاً بالاندماج والتكامل الاقتصادي.

بالإضافة إلى تصاعد الإرهاب والعزلة الإقليمية، حمل عام 2024 معه لدول الساحل تداعيات مدمرة للتغيّر المناخي، فضرب الجفاف كثيراً من المحاصيل الزراعية، وجاءت بعد ذلك فيضانات دمّرت ما بقي من حقول وقرى متناثرة في السافانا، وتسببت في موت الآلاف، وتشريد الملايين في النيجر وتشاد ومالي وبوركينا فاسو.

صورة وزعها الجيش الفرنسي لمقاتلين من المرتزقة الروس خلال صعودهم إلى مروحية في شمال مالي في أبريل 2022 (الجيش الفرنسي - أ.ب)

الخروج الفرنسي

الساحل الذي يصنّف واحدة من أفقر مناطق العالم وأكثرها هشاشة، كان يمثّلُ الجبهة الثانية للحرب الروسية - الأوكرانية، فكان مسرحاً للصراع بين الغرب وروسيا، وقد تصاعد هذا الصراع في عام 2024، وتجاوز النفوذ السياسي والاستراتيجي، إلى ما يشبه المواجهة المباشرة من أجل الهيمنة على مناجم الذهب واليورانيوم وحقول النفط، والموارد الهائلة المدفونة في قلب صحراء يقطنها قرابة 100 مليون إنسان، أغلبهم يعيشون في فقر مدقع.

يمكن القول إن عام 2024 محطة فاصلة في تاريخ الوجود العسكري الفرنسي في منطقة الساحل، خصوصاً أن الفرنسيين دخلوا المنطقة مطلع القرن التاسع عشر، تحت غطاء تجاري واقتصادي، ولكن سرعان ما تحوّل إلى استعمار عسكري وسياسي، هيمن بموجبه الفرنسيون على المنطقة لأكثر من قرن من الزمان، وبعد استقلال هذه الدول، ظلت فرنسا موجودة عسكرياً بموجب اتفاقات للتعاون العسكري والأمني.

ازداد الوجود العسكري الفرنسي في منطقة الساحل بشكل واضح، عام 2013، بعد أن توجّه تنظيم «القاعدة» إلى منطقة الساحل الأفريقي، ليتخذ منها مركزاً لأنشطته بعد الضربات التي تلقاها في أفغانستان والعراق، ومستغلاً في الوقت ذاته الفوضى التي عمّت المنطقة عقب سقوط نظام العقيد الليبي معمر القذافي عام 2011. حينها أصبح الفرنسيون يقودون «الحرب العالمية على الإرهاب» في الساحل، وأطلقوا عملية «سيرفال» العسكرية في يناير (كانون الثاني) 2013، التي تحوّلت عام 2014 إلى عملية «برخان» العسكرية التي كان ينفق عليها الفرنسيون سنوياً مليار يورو، وينشرون فيها أكثر من 5 آلاف جندي في دول مالي والنيجر وبوركينا فاسو وتشاد.

على وقع هذه الحرب الطاحنة بين الفرنسيين وتنظيم «القاعدة»، وانتشار الجنود الفرنسيين بشكل لافت في شوارع المدن الأفريقية، تصاعد الشعور المعادي لفرنسا في الأوساط الشعبية، ما قاد إلى انهيار الأنظمة السياسية الموالية لباريس، وسيطر عسكريون شباب على الحكم في مالي والنيجر وبوركينا فاسو، وكان أول قرار اتخذوه هو «مراجعة» العلاقة مع فرنسا، وهي مراجعة انتهت بالقطيعة التامة.

حزمت القوات الفرنسية أمتعتها وغادرت مالي، ثم بوركينا فاسو والنيجر، ولكن المفاجأة الأكبر جاءت يوم 28 نوفمبر (تشرين الثاني) 2024 حين قررت تشاد إنهاء اتفاقية التعاون العسكري مع فرنسا، وهي التي ظلت دوماً توصف بأنها «حليف استراتيجي» للفرنسيين والغرب في المنطقة.

وبالفعل بدأ الفرنسيون حزم أمتعتهم ومغادرة تشاد دون أي تأخير، وغادرت مقاتلات «ميراج» الفرنسية قاعدة عسكرية في عاصمة تشاد، إنجامينا، يوم الثلاثاء 10 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، في حين بدأ الحديث عن خطة زمنية لخروج أكثر من ألف جندي فرنسي كانوا يتمركزون في تشاد.

ربما كان تطور الأحداث خلال السنوات الأخيرة يوحي بأن الفرنسيين في طريقهم إلى فقدان نفوذهم التقليدي في منطقة الساحل، ولكن ما يمكن تأكيده هو أن عام 2024 شكّل «لحظة الإدراك» التي بدأ بعدها الفرنسيون يحاولون التحكم في صيغة «الخروج» من الساحل.

صورة جماعية لقادة دول "الإيكواس" خلال قمتهم في أبوجا بنيجيريا يوم 15 ديسمبر 2024 (أ.ف.ب)

لقد قرَّر الفرنسيون التأقلم مع الوضع الجديد في أفريقيا، حين أدركوا حجم الجهد الضائع في محاولة المواجهة والضغط على الأنظمة العسكرية المتحالفة مع روسيا، فهذه الأنظمة لا تتوقف عن «إذلال» القوة الاستعمارية السابقة بقرارات «استفزازية» على غرار اعتقال 4 موظفين بالسفارة الفرنسية في بوركينا فاسو، واتهامهم بالتجسس، وبعد عام من السجن، أُفرج عنهم بوساطة قادها العاهل المغربي الملك محمد السادس يوم 19 ديسمبر 2024.

وفي النيجر، قرَّر المجلس العسكري الحاكم، في يونيو (حزيران) 2024، إلغاء رخصة شركة فرنسية كانت تستغل منجماً لليورانيوم شمال البلاد، وسبق أن قرَّرت النيجر، على غرار مالي وبوركينا فاسو، منع وسائل الإعلام الفرنسية من البث في البلاد بعد أن اتهمتها بنشر «أخبار كاذبة».

يدخل مثل هذه القرارات ضمن مسار يؤكد أن «النقمة» تجاه الفرنسيين في دول الساحل تحوّلت إلى قرار نهائي بالقطيعة والخروج من عباءة المستعمِر السابق. وفي ظل مخاوف من اتساع رقعة هذه القطيعة لتشمل دولاً أفريقية أخرى ما زالت قريبةً من باريس، وضع الفرنسيون خطةً لإعادة هيكلة وجودهم العسكري في أفريقيا، من خلال تخفيض قواتهم المتمركزة في السنغال، وكوت ديفوار، والغابون، وجيبوتي.

أسند الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مهمة إعداد هذه الخطة إلى جان-ماري بوكل، حين عيّنه في شهر فبراير (شباط) 2024 مبعوثاً خاصاً إلى أفريقيا، وهي المهمة التي انتهت في نحو 10 أشهر، قدّم بعدها تقريراً خاصاً سلّمه إلى ماكرون، يوم 27 نوفمبر الماضي، ينصح فيه بتقليص عدد القوات الفرنسية المتمركزة إلى الحد الأدنى، وتَحوُّل القواعد العسكرية إلى «مراكز» أكثر مرونة وخفة، هدفها التركيز على التدريب العسكري، وجمع المعلومات الاستخباراتية، وتعزيز الشراكات الاستراتيجية.

الأميركيون أيضاً

حين كان الجميعُ يتحدَّث خلال العقدين الأخيرين عن الانتشار العسكري الفرنسي، والنفوذ الذي تتمتع به باريس في منطقة الساحل وغرب أفريقيا، كان الأميركيون حاضرين ولكن بصمت، ينشرون مئات الجنود من قواتهم الخاصة في النيجر؛ لمساعدة هذا البلد في حربه ضد جماعات مثل «القاعدة»، و«بوكو حرام»، و«داعش». واستخدم الأميركيون في عملياتهم قاعدة جوية في منطقة «أغاديز» خاصة بالطائرات المسيّرة التي تمكِّنهم من مراقبة الصحراء الكبرى وتحركات «القاعدة» من جنوب ليبيا وصولاً إلى شمال مالي.

ولا يزال الأميركيون أوفياء لاستراتيجية الحضور العسكري الصامت في أفريقيا، على العكس من حلفائهم الفرنسيين وخصومهم الروس، ولكن التحولات الأخيرة في منطقة الساحل أرغمتهم على الخروج إلى العلن، خصوصاً حين بدأت مجموعة «فاغنر» تتمتع بالنفوذ في النيجر. حينها أبلغ الأميركيون نظام الحكم في نيامي بأنه لا مجال لدخول «فاغنر» إلى بلد هم موجودون فيه.

وحين اختارت النيجر التوجه نحو روسيا و«فاغنر»، قرَّر الأميركيون في شهر أغسطس (آب) 2024 سحب قواتهم من النيجر، وإغلاق قاعدتهم العسكرية الجوية الموجودة في شمال البلاد.

وأعلن الأميركيون خطةً لإعادة تموضع قواتهم في غرب أفريقيا، فتوجَّهت واشنطن نحو غانا وكوت ديفوار وبنين، وهي دول رفعت من مستوى تعاونها العسكري مع الولايات المتحدة، وتسلّمت مساعدات عسكرية كانت موجهة إلى النيجر، عبارة عن مدرعات وآليات حربية.

دبابة فرنسية على مقربة من نهر النيجر عند مدخل مدينة غاو بشمال مالي يوم 31 يناير 2013 (أ.ب)

البديل الروسي

لقد كانت روسيا جاهزة لاستغلال تراجع النفوذ الغربي في منطقة الساحل، وهي المتمركزة منذ سنوات في ليبيا وجمهورية أفريقيا الوسطى، فنشرت المئات من مقاتلي «فاغنر» في مالي أولاً، ثم في بوركينا فاسو والنيجر، كما عقدت صفقات سلاح كبيرة مع هذه الدول.

لكن موسكو حاولت في العام الماضي أن ترفع من مستوى تحالفها مع دول الساحل إلى مستويات جديدة. فبالإضافة إلى الشراكة الأمنية والعسكرية، كان الروس يطمحون إلى شراكة اقتصادية وتجارية.

ولعل الحدث الأبرز في هذا الاتجاه كان جولة قام بها وفد روسي بقيادة نائب رئيس الوزراء ألكسندر نوفاك، نهاية نوفمبر الماضي، وقادته إلى دول الساحل الثلاث: مالي وبوركينا فاسو والنيجر.

كان الهدف من الجولة هو «تعزيز الشراكة الاقتصادية»، مع تركيز روسي واضح على مجال «الطاقة». فقد ضم الوفد الروسي رجال أعمال وفاعلين في قطاع الطاقة، وسط حديث عن اتفاقات لإقامة محطات لإنتاج الطاقة الشمسية، تتولى شركات روسية تنفيذها في الدول الثلاث.

وفي شهر سبتمبر (أيلول) الماضي، وقَّع رؤساء مالي وبوركينا فاسو والنيجر اتفاقاً مع وكالة الفضاء الروسية، ستقدم بموجبه الوكالة الروسية لهذه الدول «صور الأقمار الاصطناعية»؛ من أجل تعزيز مراقبة الحدود وتحسين الاتصالات، أي أن روسيا أصبحت العين الرقيبة على دول الساحل بعد أن أُغمضت العين الفرنسية. هذا عدا عن نجاح روسيا في اللعب بورقة الأمن الغذائي، فكان القمح الروسي أهم سفير لموسكو لدى دول الساحل، وفي العام الماضي أصبحت موسكو أكبر مورِّد للحبوب لهذه الدول التي تواجه مشكلات كبيرة في توفير حاجياتها من الغذاء، فأصبح القمح الروسي يسيطر على سوق حجمها 100 مليون نسمة.

رغم المكاسب التي حققتها روسيا في منطقة الساحل الأفريقي، فإن عام 2024 حمل معه أول هزيمة تتعرَّض لها مجموعة «فاغنر» الخاصة، منذ أن بدأت القتال إلى جانب الجيش المالي، قبل سنوات عدة.

جاء ذلك حين تصاعدت وتيرة المعارك بين الجيش المالي والمتمردين الطوارق، إثر انسحاب مالي من اتفاقية الجزائر المُوقَّعة بين الطرفين عام 2015، ودخل الطرفان في هدنة بموجبها امتدت لقرابة 10 سنوات. لكن الهدنة انتهت حين قرر الماليون الزحف العسكري نحو الشمال حيث يتمركز المتمردون.

استطاع الجيش المالي، المدعوم من «فاغنر»، أن يسيطر سريعاً على كبريات مدن الشمال، حتى لم تتبقَّ في قبضة المتمردين سوى قرية صغيرة، اسمها تينزواتين، على الحدود مع الجزائر، وعلى مشارفها وقعت معركة نهاية يوليو (تموز) 2024، قُتل فيها العشرات من الجيش المالي و«فاغنر»، ووقع عدد منهم في الأسر.

كانت هزيمة مفاجئة ومذلة، خصوصاً حين نشر المتمردون مقاطع فيديو لعشرات الجثث المتفحمة، بعضها يعود لمقاتلين من «فاغنر»، كان من بينهم قائد الفرقة التي تقدّم الدعم للجيش المالي من أجل استعادة السيطرة على شمال البلاد.

طائرة ميراج فرنسية تُقلع من قاعدة في إنجامينا... (أ.ف.ب)

المفاجأة الأوكرانية

اللافت بعد هزيمة «فاغنر» والجيش المالي في «معركة تينزواتين» هو اكتشاف دور لعبته أوكرانيا في دعم المتمردين من أجل كسر كبرياء روسيا، من خلال إذلال «فاغنر»، وهو ما أكدته مصادر أمنية وعسكرية أوكرانية.

تحدَّثت مصادر عدة عن حصول المتمردين في شمال مالي على تدريب خاص في أوكرانيا، واستفادتهم من طائرات مسيّرة حصلوا عليها من كييف مكّنتهم من حسم المعركة بسرعة، بالإضافة إلى معلومات استخباراتية وفّرتها لهم المخابرات الأوكرانية وكان لها الأثر الكبير في الهزيمة التي لحقت بقوات «فاغنر» وجيش مالي.

لم يكن لأوكرانيا، في الواقع، أي نفوذ في منطقة الساحل الأفريقي، ولا يتجاوز حضورها سفارات شبه نائمة، لكنها وبشكل مفاجئ ألحقت بروسيا أول هزيمة على صحراء مالي، وأصبحت تطمح لما هو أكثر من ذلك. ولكن مالي أعلنت بعد مرور أسبوع على «معركة تينزواتين»، قطع علاقاتها الدبلوماسية مع أوكرانيا، وتبعتها في ذلك النيجر وبوركينا فاسو، كما تقدَّمت مالي بشكوى إلى مجلس الأمن الدولي تتهم فيها أوكرانيا بدعم «الإرهاب» في منطقة الساحل الأفريقي.

رغم مكاسب روسيا في الساحل، إلا إن عام 2024 حمل معه أول هزيمة لمجموعة «فاغنر» منذ أن بدأت القتال إلى جانب جيش مالي

قادة مالي الكولونيل أسيمي غويتا، والنيجر الجنرال عبدالرحمن تياني، وبوركينا فاسو النقيب إبراهيم تراوري خلال لقاء لـ "تحالف دول الساحل" في نيامي، عاصمة النيجر، يوم 6 يوليو الماضي (رويترز)

خطر الإرهاب

في 2024 كثّفت جيوش دول الساحل حربها ضد التنظيمات الإرهابية، ونجحت في تحقيق مكاسب مهمة، وقضت على مئات المقاتلين من تنظيمي «القاعدة» و«داعش»، وقد ساعدت على ذلك الشراكة مع روسيا، حيث حصلت جيوش الساحل على أسلحة روسية متطورة، كما كان هناك عامل حاسم تَمثَّل في مسيّرات «بيرقدار» التركية التي قضت على مئات المقاتلين.

لكن الخطوة الأهم في الحرب، جاءت يوم 6 مارس (آذار) 2024، حين أعلن قادة جيوش دول مالي والنيجر وبوركينا فاسو إنشاء «قوة عسكرية مشتركة»؛ لمواجهة الجماعات الإرهابية التي تنشط في المنطقة، خصوصاً في المناطق الحدودية، ما قلّص من قدرة التنظيمات الإرهابية على التنقل عبر الحدود.

في هذه الأثناء قرَّرت دول الساحل رفع مستوى هذا التعاون مطلع يوليو 2024، من خلال تشكيل «تحالف دول الساحل»؛ بهدف توحيد جهودها في مجال محاربة الإرهاب، ولكن أيضاً مواقفها السياسية والاقتصادية والاستراتيجية، قبل أن تتجه نحو تشكيل عملة موحدة وجواز سفر موحد.

في غضون ذلك، لم تتوقف التنظيمات الإرهابية عن شنِّ هجماتها في الدول الثلاث، ولعل الهجوم الأهم في العام الماضي ذاك الذي نفَّذه تنظيم «القاعدة» يوم 17 سبتمبر الماضي ضد مطار عسكري ومدرسة للدرك في العاصمة المالية باماكو. شكّل الهجوم الذي خلّف أكثر من 70 قتيلاً، اختراقاً أمنياً خطيراً، أثبت من خلاله التنظيم الإرهابي قدرته على الوصول إلى واحدة من أكثر المناطق العسكرية حساسية في قلب دولة مالي.

في يوم 28 يناير 2024 أعلنت الأنظمة العسكرية الحاكمة، في مالي والنيجر وبوركينا فاسو، الانسحاب من المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس)، التي فرضت عقوبات ضد دول الساحل إثر الانقلابات العسكرية التي وقعت فيها، وفي يوليو عادت لتُشكِّل «تحالف دول الساحل».

يؤكد التحالف الجديد رغبة هذه الدول في الانسحاب من المنظمة بشكل نهائي، ولكنه في المقابل يرسم ملامح الصراع الدولي في المنطقة. فتحالف دول الساحل يمثّل المحور الموالي لروسيا، أما منظمة «إيكواس» فهي الحليف التقليدي لفرنسا والغرب.

ورغم أن منظمة «إيكواس» في آخر قمة عقدتها خلال ديسمبر الحالي، تركت الباب مفتوحاً أمام تراجع دول الساحل عن القرار، ومنحتها مهلة 6 أشهر، إلا أن القادة العسكريين لدول الساحل ردوا على المنظمة بأن قرارهم «لا رجعة فيه».