46 ألف حساب تويتري استخدمها «داعش»، في الفترة بين إعلان خلافتها وخليفتها المزعوم أبو بكر البغدادي في 29 يونيو (حزيران) سنة 2014 - بخمس لغات - وديسمبر (كانون الأول) من نفس العام، حسبما أفادت دراسة صدرت عن معهد بروكينغز بالولايات المتحدة صدرت في 11 مارس (آذار) الماضي، أن «داعش» امتلك حتى ديسمبر من نفس العام ما لا يقل عن 46 ألف حساب تويتري، وأن ثلاثة أرباع الحسابات المؤيدة للتنظيم كانت ناطقة بالعربية، و20 في المائة بالإنجليزية، و6 في المائة بالفرنسية. ويتبع الحسابات المؤيدة للتنظيم ألف مشترك في المعدل، مما يعني أنها أكثر من حساب عادي، هذا رغم حجب ألف من حساباتها في ديسمبر سنة 2014، وحظر أخرى، وهو ما تكرر أيضا في أغسطس (آب) الماضي.
باتت حقيقة، شغف عناصر «داعش» بـ«تويتر»، وتدرب كثير من عناصره عليه فيستخدمون عامل السرعة لتجنب الرقابة على «تويتر» وكذلك على «يوتيوب»، كما يستخدمون أكثر من حساب احتياطي على «تويتر»، وينشرون دون اسم في بعض الأحيان، واتضح هذا في نشاط شركة «الفرقان» التي تمثل الذراع الإعلامية لـ«داعش»، حيث وضعت لقطات فيديو للصحافي جيمس فولي، ثم في وقت لاحق وضعوا لقطات تصور الرهينة البريطاني جون كانتلي، خلال ساعات من شن غارات التحالف الدولي ضدهم في سوريا والعراق، وهو ما يكشف الرسالة المرغوبة زمنيا من تصدير الخوف وزرع الثقة في عناصرهم والمتعاطفين معهم في آن واحد.
يساعد «داعش» على تأكيده حضوره الإعلامي، اهتمام النشطاء التواصليين بتغريداتهم وإعادة تغريداتها، رغم عدم دقة معلوماتهم أحيانا، فقد ترافقت عمليات إطلاق النار التي وقعت في 22 أكتوبر (تشرين الأول) 2014 في أوتاوا الكندية مع ظهور عدد من التغريدات الخاطئة، التي زعمت أن الكثير من المسلّحين كانوا متورطين في الهجمات، كما قد تسهم التصريحات الحكومية أيضًا في تضخيم تأثير الأساليب الإرهابية، وهذا ينطبق، مثلاً، على إصدار الحكومات تحذيرات خاطئة بشأن الإرهاب أو عندما يحاول بعض السياسيين الترويج لسيناريوهات تهديدات وهمية، لتحقيق مكاسب سياسية، كالتهديد المستبعد تمامًا والمتمثل في التعاون بين عصابات المخدّرات المكسيكية والتنظيمات الجهادية في الولايات المتحدة الذي كان قبل شهور.
يقارن البعض بين صناعة صورة «داعش» تويتريا، وما كان من تضخيم خطر إيبولا وبث الرعب منه، حيث كان التركيز المكثّف لشبكة «سي إن إن» وشبكات إخبارية أخرى على الإيبولا، وكذلك وسائل التواصل الاجتماعي على هذا الفيروس، كما أن السياسيين يشجعون هذه الحالة، وهناك حكومات اتخذت بشأن هذا الفيروس قرارات تفتقر إلى أي أساس علمي، حسب الرؤية الأميركية حينئذ.
وهناك أزمة راهنة تعانيها حسابات «داعش» ونشطائها على «تويتر» إذ اختفى بعض أبرز ممثليها وشرعييها كتركي البنعلي، ولجأ المنظر الثاني أبو الحسن الأزدي لحساب جديد باسمه الحقيقي، بعد حظر حسابه القديم، كما أغلقت إدارة «تويتر» في 6 مارس من العام الحالي ما لا يقل عن ألفي حساب لتنظيم داعش ومناصريه، كما أعلنت إدارة «تويتر» في 17 أغسطس الماضي، أنها سلمت المملكة العربية السعودية معلومات 65 مستخدما مطلوبا لديها، كما أعلنت أنها تلقت هذا العام، 2015، أكثر عدد من الطلبات للكشف عن هويات مشتبه بهم.
نعم، حقيقة وواقعا، يلاحظ إقبال عناصر «داعش» خاصة، على موقع «تويتر» المفتتح في 6 يوليو (تموز) سنة 2006 منذ صحوته وصعوده في يونيو سنة 2014، وتفضيله له على غيره من المواقع التواصلية، شأن موقع «فيسبوك» المفتتح في 4 فبراير (شباط) سنة 2004 أو موقع «يوتيوب» المفتتح في 14 فبراير سنة 2005.
وهو ما يرجعه البعض لما يتمتع به «تويتر» من سرعة وانتشار لمختلف الفئات، من صانع القرار للمواطن العادي، على العكس من «فيسبوك» الذي يمثل تفاعلا اختياريا في كثير من الأحيان يدور في فلك الصداقة وقبولها، ولما يوفره من خصوصية أكبر لمستخدميه، وإن استجاب أحيانا للضغوط الرسمية عليه.
لكننا نرى أن استخدامه الأبرز هو كوسيط وليس كحامل أو منبر رئيسي، حيث إمكانية وضع الفيديوهات المصورة سريعا أو الإحالة عبر الروابط لمواد في مواقع أو مدونات أخرى مثل «justpase» أو الدولة أو غيرها أو مواقع أخرى للتحميل، ويقول بعض الخبراء إن من يرد الوصول لزملائه القدامى في المدرسة فعليه بـ«فيسبوك»، لوجود طلب وإجابة للصداقة، بينما من يرد الوصول لقادة العالم فعليه استخدام «تويتر»، حيث تكفيه المتابعة «follow».
بلغ عدد المواقع التي استثمرتها «القاعدة» في نشر خطابها وأدبياتها خلال الفترة الممتدة من عام 1998 إلى عام 2007 أكثر من 5 آلاف من المواقع والمنابر وغرف المحادثة الإلكترونية التابعة للإرهابيين، كما امتلك بعض قادة ومنظري السلفية الجهادية و«القاعدة» وفروعها مواقع إلكترونية خاصة بهم، فظهرت شبكات «السحاب» و«الفرقان» و«القاعدون» و«الملاحم» وغيرها منابر إعلامية لها ولفروعها، كما ظهرت مواقع فكرية لعدد من شيوخها مثل أبي محمد المقدسي وأبي بصير الطرسوسي، وأبي قتادة الفلسطيني الذي حُجب موقعه فيما بعد، وتحول الأخيران لموقع «تويتر» الآن.
كما كانت ثمة مواقع أخرى للشرعي الجهادي المصري عبد الحكيم حسان، و«البتار» للراحل يوسف العييري قائد ومؤسس تنظيم القاعدة في جزيرة العرب، المقتول في مايو (أيار) عام 2003، والذي أسس عددا من المواقع الإلكترونية وكان دائم الدخول إلى غرف موقع «بالتوك» التفاعلي باسم عزام.
وقد نشطت العناصر الجهادية الوسيطة عبر ساحات الإنترنت خلال هذه الفترة في غرف المحادثة، حيث يتم التبرير والاختلاء والتجنيد للعناصر الجديدة، لصالح تنظيم القاعدة وفروعه المختلفة، وهو ما زال بعيدا عن اهتمام وتركيز كثير من الدعاة الرسميين والتقليديين، ربما باستثناء تجربة وحيدة هي تجربة «حملة السكينة» وبرامج «المناصحة» التي تقوم بها وزارة الداخلية السعودية للجدل مع هذه الأفكار في المملكة العربية السعودية.
من هنا كان قول الظواهري في رسالته «التبرئة» (ص 57): «من الواضح أن قوى الحملة الصليبية اليهودية قد ضاقت ذرعا بالإنترنت، الذين رجوا من إنشائه أن ينشروا به ثقافتهم وفجورهم، فإذا بالمجاهدين يقلبون عليهم الطاولة».
في السابق قبل ظهور «داعش» نجحت «القاعدة» في التفوق على سواها من التنظيمات الراديكالية والإسلامية المعتدلة على السواء، في الاستفادة من شبكة الإنترنت، هذا المنتج ما بعد الحداثي بشكل كبير، رغم رفضها سائر صنوف الحداثة وما بعدها، ويكفي للتمثيل على أهمية شبكة الإنترنت وكونها حامل خطابها الحالي، أن أحد الموقوفين أمنيا، من الذين تم القبض عليهم في السعودية، وكان لا يزال ابن عشرين عاما فقط، حكى أنه كان «يترك الصلاة لأجل بث بيان الخلية على (بالتوك)».
لكن من المهم ملاحظة أن اللجوء والاضطرار للمواقع التواصلية والتفاعلية الحالية لم يكن إلا اضطرارا بعد استهداف المواقع والصفحات الرئيسية، ويقظة الانتباه لخطر استخدام الإرهاب للإنترنت وساحاته، وهو ما لم يكن متوقعا في البداية، كونه منجزا ومنتجا ما بعد حداثي لم يتوقع إدمان وشغف أعداء الحداثة به، ولكن كما استخدم سلبيا في نشر كل الممنوعات والمحظورات استخدم من قبل الإرهاب كذلك.
ويمكننا تفسير اتجاه جماعات العنف، كـ«القاعدة» و«داعش»، دون الجماعات الأكثر اعتدالا منها إلى للمواقع التواصلية كنتيجة طبيعية لغلق منصاتها الرئيسية، وشبكاتها الإعلامية وأزمتها، ومع اعتمادها المكثف على مقولة الجهاد الفردي والإلكتروني، فكان انتقالها وتطورها من مراحل موقع «منبر التوحيد والجهاد» و«القاعدون» و«شبكة المجاهدين» وموقع «دولة العراق الإسلامية» إلى المواقع التفاعلية أو التواصلية، من قبيل موقع «فيسبوك» الذي تم افتتاحه في 4 فبراير سنة 2004 أو موقع «يوتيوب» المفتتح في 14 فبراير سنة 2005 أو موقع «تويتر»، الذين تقع مقار شركاتهم في مناطق مختلفة في ولاية كاليفورنيا الأميركية بديلا عن توقف المنصات الرئيسية.
وكان تركيز «القاعدة» الأهم على موقع «يوتيوب»، الذي نشطت فيه شبكة «السحاب» الذراع الإعلامية لـ«القاعدة»، وكانت تقدم عبره قبل عامين لقاء مفتوحا مع أيمن الظواهري يمتد لساعات، يتلقى فيه الأسئلة من عناصره وأنصاره، ولكن اتجه تركيز «داعش» الأهم إلى موقع «تويتر» بعد غلق سائر الساحات.
ولنا هنا ملاحظات ثلاث تفسيرية ومنهجية قد تضئ علاقة «داعش» بموقع «تويتر» تحديدا الذي نظن أن ثمة مبالغة كبيرة في أهميته في التجنيد، والتي لا نراها تصح إلا في الإعلان والإعلام وليس التعليم، الذي هو التجنيد هي كما يلي:
تلجأ مختلف التنظيمات المتطرفة، وفي مقدمتها «القاعدة» و«داعش» وغيرهما، إلى وسائط بديلة للوسائط الإعلامية الرسمية والمعروفة المحظورة عليها، وهو ما وجدت مبتغاه في أجيال الإنترنت المختلفة، وصولا للمواقع التواصلية، بمنصاتها المختلفة، من «بالتوك» إلى «تويتر» الذي يمثل منبرها الأهم الآن.
رغم الجنوح الماضوي والمتخيل لدى الحركات الأصولية، على اختلافها، يبدو ميل شديد لدى تنظيماتها وعناصرها، للاهتمام والاستفادة من التكنولوجيا الحديثة، كجزء من أدوات وأسلحة معركتهم مع آخريهم، العالم والدول والمجتمعات والجماعات المنافسة لهم، فاستثمروا مبكرا في شركات الكومبيوتر في مصر أثناء فترة التسعينات، وبرعوا بدرجة ما في برامج التجسس، وكان أغلب عناصرهم من خريجي كليات علمية تطبيقية وليسوا خريجي علوم شرعية أو إنسانية.
كان الشغف الأصولي بالتقنية والوسائط تحديدا مبكرا، منذ السبعينات من القرن الماضي، في اهتمامهم بالمحاضرات والخطب المسجلة لنقل دعواتهم وتناقلهم لها وتجنيد المتعاطفين معهم، ثم منذ أوائل التسعينات في تطور علاقتهم بالإنترنت والمواقع التفاعلية، وهو يعبر عن احتياجات الأصولية المقيدة لوسائط غير تقليدية باستمرار لانتشارها، بعيدا عن حائط ومنابر التوجهات الرسمية الممنوعة عليه.
لكن يحمل هذا الشغف تناقضا بنيويا لدى الأصوليين والجهاديين منهم خاصة، في رفضهم قيم الحداثة والغرب كلية واستخدامهم لمنتجاتهما والشغف بها، حربا عليهما، وهو ما يكشف جانبا براغماتيا وميكافيليا حاضرا دائما في سلوك هذه الجماعات، انطلاقا من فكر الحرب والمغالبة، ولو خادعة، الذي يمثل مرجعية لهم، وصولا إلى أهدافهم البعيدة والمتخيلة.
كانت بداية علاقة الإرهاب بالإنترنت عبر المدونات والمواقع غير المباشرة ثم المواقع الفكرية والشخصية، ثم عبر مواقع التحميل المختلفة، التي تنشر فيها المواد الشرعية والتجنيدية والتدريبية أحيانا، ولم يكن التركيز على المواقع التواصلية المتأخر نسبيا إلا مع استهداف المواقع السابقة، وبحثا وتأكيدا للحضور وصعود معارك الخلاف الجهادي - الجهادي مع ظهور «داعش»، ولكن تظل المواقع التنظيمية هي الأهم بالنسبة لها، وليست الحسابات أو الصفحات الشخصية، التي تمثل جزءا من فكر الجهاد الفردي والسجالي، ولكن لضيق وقيود الإنترنت على التنظيمات كان نشاط الأفراد التويتري كما هو نشاطها انتحاريا عبر الذئاب المنفردة.
إذا اعتبرنا أن اللجوء لـ«تويتر» كان اضطرارا وأنه يمثل وسيطا يحيل لمواقع ومساحات أخرى في العالم المختلط الافتراضي والحقيقي، فيصعب التجنيد عبر مسافة (140 حرفا)، والذي ربما كان أيسر عبر غرف المحادثة في «بالتوك» وغيره أواخر التسعينات، وأنه يصعب أن يتم من غير حوار وحديث مباشر، قد لا يتيحه «تويتر» الذي يبدو منبرا إعلاميا وخبريا وإعلانيا أكثر منه إقناعيا تجنيديا بامتياز.
كما أن الحواجز التويترية قائمة عبر الحسابات ذات الأسماء الوهمية وعدم إمكانية التلاحم الشخصي المباشر، وأنه لا يبين إلا عبر الإحالة وتكرار التغريدات في نفس الموضوع، ولغته التي يرجى لها المباشرة وتضطر كثيرا من ممارسيه ونشطائه للنزول للعاميات، ومناسبة السجال لا التأسيس له.
لذا نرى أن التضخيم من أهمية «تويتر» في استخدامه منصة للتجنيد تهويل قد لا يكون دقيقا دائما، إلا باعتباره وسيطا وليس المكان الأصلي أو المنصة الرئيسية للتجنيد، لحدود إمكانياته تعبيرا وطبيعته الإعلانية والسجالية، وتظل الأدبيات ومتابعتها إذا أردنا الأفكار التي هي واسطة التجنيد هي الأهم، أما إذا أردنا الأخبار والإعلام فـ«تويتر» هو المنبر المثالي.
الغرام «الأصولي» بالتقنية.. أعداء «الحداثة» شغوفون بوسائلها
46 ألف حساب تويتري استخدمها «داعش».. وثلاثة أرباع الحسابات المؤيدة للتنظيم ناطقة بالعربية
الغرام «الأصولي» بالتقنية.. أعداء «الحداثة» شغوفون بوسائلها
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة
