هكذا أفشلت محاولات الإرهاب لإفساد انتخابات البرلمان المصري

التنظيمات المتطرفة لم تخف استهدافها المسار السياسي

هكذا أفشلت محاولات الإرهاب لإفساد انتخابات البرلمان المصري
TT

هكذا أفشلت محاولات الإرهاب لإفساد انتخابات البرلمان المصري

هكذا أفشلت محاولات الإرهاب لإفساد انتخابات البرلمان المصري

مع توجه الناخب المصري إلى مراكز الاقتراع لاختيار برلمان مصر، كانت الجماعات المتطرفة التي ترفض الحوار، تعمل ما بوسعها لتعطيل السلام الأهلي والسير باتجاه مجتمع مستقر تحميه الحريات العامة والمناخات الديمقراطية. وفي ظل تنفيذ هذه الجماعات عددًا من العمليات الإرهابية، كانت مسألة حفظ الأمن مقدمة أساسية لعمل الحكومة المصرية في تنظيم الانتخابات.
كان الهاجس الأمني - من دون شك - أحد أهم هواجس ومخاوف الحكومة المصرية الحالية، وهي تتقدم لتنظيم انتخابات البرلمان القادم، وهو خوف مقبول ومشروع في ظل حالة أمنية أفصحت عن عدم استقرارها في الكثير من مشاهد العمليات الإرهابية التي وقعت على الأقل في الشهور الماضية من عام 2015م.
ذروة تلك العمليات كانت في وسط شوارع حي مصر الجديدة بالعاصمة القاهرة بعملية اغتيال النائب العام هشام بركات بسيارة مفخخة. وتمتد القائمة لتشمل الكثير من الأهداف والعمليات التي نجح بعضها وتم إجهاض الكثير أيضًا من خلال سباق أمني لكافة الأجهزة التي كانت تخوض حربا شرسة للإمساك بزمام الحالة الأمنية. هذا السباق المشار إليه كان من أبرز أهدافه الوصول لمحطة الانتخابات البرلمانية بدرجة حرارة أمنية مطمئنة وتهيئة ساحة مستقرة، تمكن النظام من إجراء استحقاقه الثالث من دون إزعاج قد يسرق الانتباه أو يخصم بدرجة ما من جدارة الوصول إلى هذا الهدف السياسي.
لم تخف التنظيمات الإرهابية المتطرفة استهدافها لهذا المسار السياسي بل كان العمل يدور بداخلها على قدم وساق من أجل التحرك من أماكن تمركزها عبر الدفع بمجموعة خلايا تابعة لها لتصل إلى نقاط التأثير. هذا المسار عبر عن نفسه من خلال طريقين، خلايا يتم خروجها من سيناء لتصل إلى أطراف القاهرة العاصمة، ومن ثم الكمون في مناطق يمكن استخدامها كملاذ آمن وفي الوقت نفسه يصبح من اليسير تنفيذ بعض من العمليات الإرهابية في زحام مناطق الداخل. وقد ارتكبت عملية إرهابية تعبر عن هذا النموذج في استهداف مبنى الأمن الوطني بشبرا الخيمة التابعة لمحافظة القليوبية لكنها تعد أحد أحياء أطراف القاهرة الكبرى. ونشط الأمن داخليا لالتقاط تلك الخلايا الوافدة قبل استقرارها في مناطق الدلتا المعقدة الكثيفة السكان وهي المهمة الأصعب، لأن الأمر كان يحتاج إلى قطع صارم من المنبع وهو ما جعل عملية «حق الشهيد» التي قامت بها القوات المسلحة ضرورية وواجبة في هذا التوقيت المبكر. فمن دون ضغط حقيقي وملاحقة للهيكل الرئيسي لتنظيم «ولاية سيناء» بالصورة التي تمت بالفعل، وأنتجت نجاحا بارزا في مرحلتها الأولى، لكانت الصورة بالداخل قد اختلفت كثيرا وتأخر الوصول إلى نقطة الاستقرار المطلوبة.
هذا ما يدفعنا لاعتبار عملية «حق الشهيد» في مرحلتها الأولى أول تحرك أمني ناجح في خطة تأمين العملية الانتخابية. وهي لها بالطبع دور آخر في مجال الحرب الشاملة على الإرهاب مما دفع مرحلتها الثانية للانطلاق في نفس يوم إجراء العملية الانتخابية، وتفرّغ جهاز الأمن الوطني لمحافظات الداخل خلال نفس الفترة الزمنية التي سبقت المرحلة الأولى للانتخابات لرصد وملاحقة ما أطلق عليه باللجان النوعية التابعة للإخوان المسلمين. تلك اللجان كانت معنية هي الأخرى بمحاولة إنتاج فوضى أمنية تؤثر سلبا على إمكانية تنظيم الانتخابات، وتتابع بالفعل سقوط أكثر من مجموعة في أيدي الأجهزة الأمنية بأكثر من محافظة وأعلن عن ذلك بشكل متوال في نفس الفترة. وجرى ضبط أربعة مخازن لمواد تستخدم في صناعة العبوات الناسفة، ثلاثة منهم في منطقة الوراق بالجيزة، والوصول للخلية الإرهابية بإحدى مزارع منطقة أوسيم بذات المحافظة، وهو ما شكل الضربة الأبرز لهذا النموذج عند ملاحظة الكمية الضخمة من المضبوطات التي وجدت في كلا المكانين وهي ما كان مخططا لاستخدامها في الفترة الانتخابية. وقائمة العمليات المماثلة طويلة وفي أكثر من محافظة شملت الفيوم والصعيد وتكررت بالجيزة ومدينة 6 أكتوبر، وإن كانت أقل عددا من حيث عدد العناصر أو المضبوطات لكن خطورتها تمثلت في انتشارها الجغرافي الممتد. وشكل الوصول إليها وضبطها نجاحا بارزا لأجهزة أمن وزارة الداخلية، فقد دخلت تلك المحافظات السباق الانتخابي في أفضل حالة أمنية يمكن الوصول إليها في هذا الزمن القياسي.
هذا عن المرحلة الأولى، لكننا اليوم ونحن نقف على مسافة دقائق معدودة من المرحلة الثانية وأظنها الأخطر. فهي تضم ثلاث نقاط تحتل بؤرة معادلة الخطر عن جدارة تستلزم انتباه من نوع خاص، والنقاط الثلاث هي بأهمية الترتيب والخطورة: القاهرة وشمال سيناء ومحافظات الدلتا. في الصدارة طبعًا العاصمة بما تحمله من رمزية حدوث أي اختلال أمني وسط أكبر كتلة انتخابية على مستوى الجمهورية وازدحام دوائرها، وتحمل أيضا دقة وقوع الخلل تحت أعين وسائل الإعلام العالمية قبل المحلية وهي مراهنة تضع المجموعات الإرهابية الأصولية كل ثقلها وراءها من أجل حصد رسائلها السلبية. وتتشارك محافظات الدلتا مع القاهرة العاصمة في كثير مما سبق خاصة مع وجود محافظات قريبة وكثيفة العدد داخل سباق المرحلة الثانية مثل القليوبية والشرقية والدقهلية والمنوفية. فامتزاج الريف بالحضر وشبكة الطرق المعقدة مع المساحة الكبيرة تضع على كاهل الأمن مهمة ثقيلة تحتاج لدرجة عالية من السيطرة، حتى تحرم المجموعات الإرهابية من القدرة على النفاذ من خلال فجوات معادلة الأمن وإمكانية صناعة الخطر.
تبقى سيناء.. وهي التي استبقت الوصول إلى محطتها الانتخابية بأحداثها الخاصة ودرجة حرارتها العالية، عملية حق الشهيد العسكرية والأمنية استطاعت من دون شك توجيه ضربة قوية لتنظيم «ولاية سيناء» الداعشي في ساحة مثلث الرعب العريش - الشيخ زويد - رفح.
ساحة هذا المثلث تمثلت في الظهير الصحراوي لتلك المدن الثلاث، وهي المنطقة الأثيرة لعمل التنظيم ومخزن إنتاجه للعمل الإرهابي طوال العامين الماضيين، فضلا عن فك أسر مدينتي الشيخ زويد ورفح من قبضة الخطر الإرهابي المتجدد واسترداد شكل الحياة الطبيعية فيهما بصورة مقبولة. لكن التنظيم، تحت وطأة تلك الضربات المتوالية، استطاع النفاذ إلى داخل مدينة العريش العاصمة للاحتماء بالكثافة السكانية النسبية التي تتمتع بها المدينة الأكبر. وزُرعت أكثر من خلية محترفة داخل العريش، وقامت إحداها بتنفيذ عمليتين إرهابيتين متواليتين خلال 24 ساعة يومي الجمعة والسبت الماضيين.
لقد نفذت العمليتان بالطريقة التي يجيدها التنظيم بدقة واحترافية، وهي زراعة عبوة ناسفة كبيرة ومعقدة على طريق مرور سيارات الجيش والشرطة. ونجحت العمليتان في حصد الكثير من الضحايا الضباط والمجندين التابعين للشرطة عن طريق التفجير عن بعد بالميقاتي الذي ينتظر الإشارة ليضرب بقوة، يستغل التنظيم الإرهابي فضلا عن قدرات ومهارة عناصره في تنفيذ هكذا عمليات ظهيرا سكانيا ما موجودا داخل المدينة. فمن دون هذا الظهير المتعاطف بدرجة ما الذي يقدم كافة عناصر الدعم اللوجيستي لأفراد الخلية متمثلا في الإيواء ونقل العبوة الناسفة لمسرح العملية ثم التنفيذ والمساعدة في الهرب والإخفاء للعناصر المنفذة، لم يكن التنظيم بقادر للوصول والتحرك تحت جلد المدن السيناوية. هذه النقطة هي الأخطر وهي الأكثر تهديدا لمعادلة الأمن أثناء ترتيب العملية الانتخابية التي من المتصور أن يشهد نفس هذا المسرح انعقاد مقار انتخابية سيتردد عليها مواطنون للإدلاء بأصواتهم.
خلال نفس اليوم المشار إليها سابقا وقع حادث آخر يضرب معادلة الأمن بدرجة خطورة عالية خاصة في هذا المكان بوسط مدينة العريش. فالقيادي في حزب النور بشمال سيناء الدكتور مصطفى عبد الرحمن اغتيل على يد ملثمين اثنين كانا يستقلان دراجة نارية، إذ أمطراه بوابل كثيف من النيران أثناء توقفه بسيارته أمام منزله في تمام الساعة 2.40 عصرا قبيل توجهه إلى المسجد لأداء صلاة العصر قرب مستشفى العريش العام.
قيادات الحزب في شمال سيناء أصيبت بصدمة هائلة جراء الحادث المباغت، ذلك أن مصطفى عبد الرحمن كان مرشحا عن الحزب في دائرة العريش الانتخابية، وهو ابن المدينة وأحد سكانها القدامى. وهذا التوقيت له رسالة بالغة الأهمية للحزب الذي يتمتع بشعبية وأنصار لا يستهان بهم من الناحية العددية أو القدرة على التأثير. فهكذا يصوب التنظيم الداعشي طلقاته تجاه قلب العملية الانتخابية بذاتها يرفض انعقادها ويهدد الجميع في حال السير بطريق الوصول إلى محطتها النهائية.
* مدير المركز الوطني للدراسات الأمنية - القاهرة



ألمانيا... صعود {اليمين المتطرف}

انتشار أمني عقب وقوع مجزرة في مقهيين لتدخين النارجيلة وسقوط 9 قتلى في مدينة هاناو الألمانية قبل بضعة أيام (إ.ب.أ)
انتشار أمني عقب وقوع مجزرة في مقهيين لتدخين النارجيلة وسقوط 9 قتلى في مدينة هاناو الألمانية قبل بضعة أيام (إ.ب.أ)
TT

ألمانيا... صعود {اليمين المتطرف}

انتشار أمني عقب وقوع مجزرة في مقهيين لتدخين النارجيلة وسقوط 9 قتلى في مدينة هاناو الألمانية قبل بضعة أيام (إ.ب.أ)
انتشار أمني عقب وقوع مجزرة في مقهيين لتدخين النارجيلة وسقوط 9 قتلى في مدينة هاناو الألمانية قبل بضعة أيام (إ.ب.أ)

عندما وصف رجل ألماني في شريط على «يوتيوب» سوسن شبلي، السياسية الألمانية الشابة من أصل فلسطيني، والتي تنتمي للحزب الاشتراكي الديمقراطي، بأنها: «دمية متحدثة باسم الإسلاميين»، ظنت أن محكمة ألمانية سترد لها حقها بعد «الإهانة» التي تعرضت لها، ولكنها فوجئت عندما حكمت المحكمة بأن هذه الصفة وغيرها من التي ألصقها بها الرجل، هي «ضمن حرية التعبير التي يصونها القانون الألماني»، وليست إهانة ولا تحريضاً على الكراهية.

في الواقع، لم تكن تلك المرة الأولى التي تتعرض لها شبلي لتوصيفات عنصرية كهذه. فهي وغيرها من السياسيين المسلمين القلائل في ألمانيا، والسياسي الأسود الوحيد كرامبا ديابي، معتادون على سماع كثير من الإهانات، بسبب ديانتهم ولونهم فقط؛ حتى أنهم يتلقون تهديدات عبر البريد الإلكتروني والاتصالات، تصل أحياناً لحد التهديد بالقتل.
ورغم أن هذه التهديدات التي يتعرض لها السياسيون المسلمون في ألمانيا تجلب لهم التضامن من بقية السياسيين الألمان، فإن أكثر من ذلك لا يُحدث الكثير.
في ألمانيا، تصنف السلطات ما يزيد على 12 ألف شخص على أنهم من اليمين المتطرف، ألف منهم عنيفون، وهناك خطر من أن ينفذوا اعتداءات داخل البلاد.
يشكل اليمينيون المتطرفون شبكات سرية، ويتواصلون عادة عبر الإنترنت، ويتبادلون الأحاديث داخل غرف الـ«تشات» الموجودة داخل الألعاب الإلكترونية، تفادياً للمراقبة.
وفي السنوات الماضية، ازداد عنف اليمين المتطرف في ألمانيا، وازداد معه عدد الجرائم التي يتهم أفراد متطرفون بارتكابها. وبحسب الاستخبارات الألمانية الداخلية، فإن اعتداءات اليمين المتطرف زادت خمسة أضعاف منذ عام 2012.
وفي دراسة لمعهد «البحث حول التطرف» في جامعة أوسلو، فإن ألمانيا على رأس لائحة الدول الأوروبية التي تشهد جرائم من اليمين المتطرف، وتتقدم على الدول الأخرى بفارق كبير جداً. فقد سجل المعهد حوالي 70 جريمة في هذا الإطار بين عامي 2016 و2018، بينما كانت اليونان الدولة الثانية بعدد جرائم يزيد بقليل عن العشرين في الفترة نفسها.
في الصيف الماضي، شكل اغتيال سياسي ألماني يدعى فالتر لوبكه، في حديقة منزله برصاصة أطلقت على رأسه من الخلف، صدمة في ألمانيا. كانت الصدمة مضاعفة عندما تبين أن القاتل هو يميني متطرف استهدف لوبكه بسبب سياسته المؤيدة للاجئين. وتحدث كثيرون حينها عن «صرخة يقظة» لأخذ خطر اليمين المتطرف بجدية. ودفن لوبكه ولم يحدث الكثير بعد ذلك.
فيما بعد اغتياله بأشهر، اعتقل رجل يميني متطرف في ولاية هسن، الولاية نفسها التي اغتيل فيها السياسي، بعد أن قتل شخصين وهو يحاول الدخول إلى معبد لليهود، أثناء وجود المصلين في الداخل بهدف ارتكاب مجزرة. أحدثت تلك المحاولة صرخة كبيرة من الجالية اليهودية، وعادت أصوات السياسيين لتعلو: «لن نسمح بحدوثها مطلقاً مرة أخرى»، في إشارة إلى ما تعرض له اليهود في ألمانيا أيام النازية. ولكن لم يحدث الكثير بعد ذلك.
وقبل بضعة أيام، وقعت مجزرة في مقهيين لتدخين النارجيلة في مدينة هاناو في الولاية نفسها، استهدفا من قبل يميني متطرف لأن من يرتادهما من المسلمين. أراد الرجل أن يقتل مسلمين بحسب رسالة وشريط فيديو خلَّفه وراءه بعد أن قتل 9 أشخاص، ثم توجه إلى منزله ليقتل والدته، ثم نفسه. أسوأ من ذلك، تبين أن الرجل كان يحمل سلاحاً مرخصاً، وينتمي لنادي الرماية المحلي.
بات واضحاً بعد استهداف هاناو، أن السلطات الألمانية لم تولِ اليمين المتطرف اهتماماً كافياً، وأنها لا تقدر حقيقة خطره على المجتمع، رغم أنها كشفت قبل أيام من جريمة هاناو عن شبكة يمينية متطرفة، كانت تعد لاعتداءات على مساجد في أنحاء البلاد، أسوة بما حصل في كرايستشيرش في نيوزيلندا.
وجاء الرد على اعتداء هاناو بتشديد منح رخص السلاح، وبات ضرورياً البحث في خلفية من يطلب ترخيصاً، على أن يرفض طلبه في حال ثبت أنه ينتمي لأي مجموعة متطرفة، ويمكن سحب الترخيص لاحقاً في حال ظهرت معلومات جديدة لم تكن متوفرة عند منحه. كما يبحث وزراء داخلية الولايات الألمانية تأمين حماية للمساجد وللتجمعات الدينية للمسلمين واليهود.
ولكن كل هذه الإجراءات يعتقد البعض أنها لا تعالج المشكلة الأساسية التي تدفع باليمين المتطرف لارتكاب أعمال عنف. وفي كل مرة تشهد ألمانيا اعتداءات، يوجه سياسيون من اليسار الاتهامات لحزب «البديل لألمانيا» اليميني المتطرف، بالمسؤولية عنها بشكل غير مباشر. ويواجه الحزب الذي دخل البرلمان الفيدرالي (البوندستاغ) للمرة الأولى عام 2018، وبات أكبر كتلة معارضة، اتهامات بأنه «يطبِّع سياسة الكراهية»، وبأنه يحرض على العنف ضد اللاجئين والمهاجرين، من خلال ترويجه لخطاب الكراهية. وحتى أن البعض ذهب أبعد من ذلك بالدعوة إلى حظر الحزب للتصدي للعنف المتزايد لليمين المتطرف.
والواقع أن مشكلة اليمين المتطرف تزداد منذ أن دخل «البديل لألمانيا» إلى «البوندستاغ». فهو - كما حملته الانتخابية - يركز خطابه على مواجهة سياسة اللاجئين التي اعتمدتها حكومة المستشارة أنجيلا ميركل. وكثير من الأسئلة التي يتقدم بها نوابه في البرلمان تهدف لإثبات خطأ هذه السياسة، وعدم قدرة اللاجئين على الاندماج. ورغم أن نوابه في البرلمان يحرصون على عدم تخطي القانون في خطاباتهم، فإن كثيراً من السياسيين المنتمين لهذا الحزب؛ خصوصاً في الولايات الشرقية، لا يترددون في الحديث بلغة لا يمكن تمييزها عن لغة النازيين. أبرز هؤلاء السياسيين بيورغ هوكيه الذي لم يستطع أعضاء في حزبه تمييز ما إذا كانت جمل قرأها صحافي لهم، هي مقتطفات من كتاب «كفاحي» لهتلر، أم أنها أقوال لهوكيه.
كل هذا خلق أجواء سلبية ضد المسلمين في ألمانيا، وحوَّل كثيرين من الذين ولدوا لأبوين مهاجرين إلى غرباء في بلدهم. في هاناو، يقول كثيرون من الذين فقدوا أصدقاءهم في المجزرة، بأنهم لم يعودوا يشعرون بالأمان، ولا بأنهم جزء مقبول من المجتمع. وبعضهم يرى أنه ما دام حزب «البديل لألمانيا» مقبولاً بين الأحزاب الأخرى، فإن خطاب الكراهية سيستمر، والجرائم كالتي حصلت في هاناو ستتكرر.
ما يزيد من هذه المخاوف ومن الشبهات، أن السلطات الألمانية لم تأخذ خطر اليمين المتطرف على محمل الجد طوال السنوات الماضية. وهناك فضائح متتالية داخل المؤسسات الأمنية تظهر أنها مليئة بمؤيدين أو متعاطفين مع اليمين المتطرف؛ خصوصاً داخل الشرطة والجيش. ويواجه رئيس المخابرات الداخلية السابق هانس يورغ ماسن اتهامات بأنه متعاطف مع اليمين المتطرف، وهو ما دفع جهازه لغض النظر عن تحركاتهم طوال السنوات الماضية، والتركيز عوضاً عن ذلك على خطر الإسلام المتطرف. ومنذ مغادرته المنصب، أصدرت المخابرات الداخلية تقييماً تقول فيه بأن خطر اليمين المتطرف بات أكبر من خطر الإسلام المتطرف في ألمانيا.
وطُرد ماسن الذي ينتمي للجناح المتطرف في حزب ميركل (الاتحاد المسيحي الديمقراطي) من منصبه، بعد اعتداءات كيمنتس في صيف عام 2018، بسبب رد فعله على التطورات هناك. وعارض ماسن ميركل في قولها بأن شريط فيديو من هناك أظهر ملاحقة نازيين جدد للاجئين، شتماً وضرباً. وخرج ماسن ليقول بأنه لم يتم التثبت من الشريط بعد، ويشكك في وجود نازيين جدد هناك. وكانت تظاهرات كبيرة قد خرجت ضد لاجئين في كيمنتس، بعد جريمة قتل ارتكبها لاجئان (عراقي وسوري) بحق أحد سكان البلدة.
وتعرض كذلك لانتقادات بعد جريمة هاناو لقوله بأن الرجل يعاني من اضطرابات عقلية، وهو الخط نفسه الذي اتخذه حزب «البديل لألمانيا» عندما رفض طبع المجرم بأنه يميني متطرف؛ خصوصاً أن الأخير تحدث في شريط الفيديو عن «التخلص» من جنسيات معينة من دول عربية ومسلمة.
ويعيد ماسن صعود عنف اليمين المتطرف لموجة اللجوء منذ عام 2015، إلا أن ألمانيا شهدت عمليات قتل وملاحقات عنصرية قبل موجة اللجوء تلك. ففي عام 2011 كشف عن شبكة من النازيين الجدد عملت بالسر طوال أكثر من 12 عاماً، من دون أن يكشف أمرها، ما سبب صدمة كبيرة في البلاد. ونجح أفراد هذه الشبكة في قتل تسعة مهاجرين لأسباب عنصرية بين عامي 2000 و2007، إضافة إلى تنفيذهم 43 محاولة قتل، و3 عمليات تفجير، و15 عملية سرقة.
وقبل اكتشاف الخلية، كانت الشرطة تستبعد أن تكون عمليات القتل ومحاولات القتل تلك تتم بدوافع عنصرية، رغم أن جميع المستهدفين هم من أصول مهاجرة. وعوضاً عن ذلك، كانت التخمينات بأن الاستهدافات تلك لها علاقة بالجريمة المنظمة والمافيات التركية.
ورغم أن الكشف عن ارتباط هذه الجرائم باليمين المتطرف زاد الوعي الألماني لخطر هذه الجماعات، وأطلق نقاشات في الصحافة والمجتمع والطبقة السياسية، فإن التعاطي مع الجرائم التي لحقت، والتي اشتبه بأن اليمين المتطرف وراءها، لم يكن تعاطياً يحمل كثيراً من الجدية.