ابنة عائلة عظيمي الإيرانية تروي لـ {الشرق الأوسط} رحلة البحث عن مستقبل جديد لبلادها

«شقايق» قالت إن «الاتفاق النووي» شجع على زيادة قمع المعارضة والتدخل في دول المنطقة

المعارضة الإيرانية شقايق محمود عظيمي تحمل صورة والديها المعتقلين في طهران ({الشرق الأوسط})
المعارضة الإيرانية شقايق محمود عظيمي تحمل صورة والديها المعتقلين في طهران ({الشرق الأوسط})
TT

ابنة عائلة عظيمي الإيرانية تروي لـ {الشرق الأوسط} رحلة البحث عن مستقبل جديد لبلادها

المعارضة الإيرانية شقايق محمود عظيمي تحمل صورة والديها المعتقلين في طهران ({الشرق الأوسط})
المعارضة الإيرانية شقايق محمود عظيمي تحمل صورة والديها المعتقلين في طهران ({الشرق الأوسط})

«حين تكون في إيران، وتتعرض أسرتك للتعذيب النفسي والبدني، فأنت تكبر، وأنت تنظر إلى النظام الحاكم، وما يمكن أن تفكر في عمله على خلفية هذه الممارسات القمعية. منذ كنتُ طفلة وأنا أدرك أنه يوجد تضييق كبير على الجميع. حتى الهاتف حين أتحدث فيه فإنني أشعر أن هناك من يراقب المكالمة ويتنصت عليها في الجانب الآخر».
هكذا تلخص شقايق، ابنة عائلة عظيمي المعروفة بمعارضتها لنظام الحكم في طهران، رحلة البحث عن مستقبل جديد لبلادها، من إيران إلى أوروبا مرورا بمخيم ليبرتي بالعراق الذي يضم نحو ثلاثة آلاف معارض إيراني، وتعرَّض لهجوم بالصواريخ قبل عدة أيام. ومنذ وصولها إلى أوروبا تسعى شقايق مثل كثير من المعارضين الذين فروا إلى خارج البلاد إلى تعريف العالم بخطر الممارسات الإيرانية في الداخل وفي دول المنطقة.
وتقول شقايق في مقابلة باللغة الإنجليزية مع «الشرق الأوسط» عبر «سكايب» إن نظام طهران يزيد من وتيرة ملاحقة معارضيه والتنكيل بهم، وذلك بعد نحو ثلاثة شهور من توقيع الاتفاق النووي مع الدول الكبرى، معربة عن استغرابها من غض المجتمع الدولي الطرف عن «ممارسات إيران القمعية داخليا وفي المنطقة». وتضيف بعد أن انتهى بها المطاف إلى الإقامة في دولة فنلندا أنه «من الغريب أن الاتفاق النووي لم يتضمن أي شروط تتعلق بالديمقراطية وحقوق الإنسان واحترام دول الجوار، بل نرى مسؤولين غربيين يضعون أيديهم في أيدي من يقتلون أبناء الشعب الإيراني وأبناء شعوب المنطقة في سوريا واليمن والعراق».
وتقول البيانات الصادرة عن المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية، وفي القلب منه منظمة مجاهدين خلق المعارضة، إن نظام الملالي (رجال الدين) في طهران أعاد اعتقال مساجين سياسيين سابقين، والقبض على معارضين جدد، والتوسع في إصدار أحكام الإعدام وتنفيذها. ومن بين من جرى إعادة اعتقالهم والد شقايق ووالدتها. وتقول شقايق وهي تشير إلى صورة لوالديها: «لقد اعتقلا. هذا أبي محمود عظيمي (64 عاما) وهذه والدتي فاطمة ظيائي (58 عاما). جرى اعتقالهما في طهران منذ يوم 11 أكتوبر (تشرين الأول) 2015».
والد شقايق ووالدتها سياسيان معروفان أمضيا من قبل بين 18 و19 سنة في سجون طهران. وتعرضت الوالدة لمشكلات صحية لهذا السبب أصابتها بالتصلب العصبي وأفقدتها القدرة على المشي، وجرى سجنها مجددا لمدة عامين في 2009 بسبب زيارتها لابنتيها المعارضتين والمنتميتين إلى «مجاهدين خلق» حين كانتا في العراق، لكن السلطات الإيرانية أعادت اعتقال الوالد والوالدة قبل أيام ضمن موجة ملاحقات واسعة، وفقا لبيانات «المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية» طالت معارضين وعوائلهم، وكان من بين المعتقلين فاطمة مثنى وعلي رضا شريعت بناهي، وهما سجينان سياسيان سابقان أيضا، وذلك بالتزامن مع زيارات لمسؤولين غربيين لإيران يسعون إلى فتح مجالات للتعاون الاقتصادي مع هذا البلد المتهم بدعم القلاقل في منطقة الشرق الأوسط.
هل كان لا بد من الخروج من إيران وتكبد عناء الإقامة في مقطورات (كرافانات) تفتقر إلى أبسط مقومات الحياة داخل العراق وتتعرض لهجوم بين وقت وآخر من ميليشيات موالية لإيران، كان آخرها بقصف مخيم ليبرتي بالصواريخ قبل عدة أيام، ما أدى إلى مقتل نحو 20 معارضا إيرانيا؟ تجيب شقايق قائلة: «حين تكون معارضا في إيران لا تستطيع أن تذهب إلى أي مكان ولا تستطيع أسرتك أن تجد أي عمل ولا أي دعم. يقول لك حراس النظام: إذا قمت بهذا فنحن سوف نعتقلك وسوف نهاجم بيتك. هذا بلد لا يمكن الحياة فيه».
ومنذ ركوب رجال الدين للثورة على نظام الشاه في عام 1979، بدأت سياسة التنكيل ضد شركائهم من الجناح المدني. وجرى قتل واعتقال الألوف من منظمة مجاهدين خلق، حيث لجأ عدة ألوف من عناصرها في ثمانينات القرن الماضي إلى العراق في عهد الرئيس الراحل صدام حسين. لكن ثورة الاتصالات خلال السنوات الخمس الأخيرة ساهمت في ظهور جيل جديد من المعارضين في منظمة مجاهين خلق، من مواليد ما بعد الثورة، وأصبح شبان هذا الجيل، مثل شقايق، يعتمدون على الإنترنت في التواصل، ما تسبب في عودة الزخم مرة أخرى إلى هذه المنظمة التي تعارض نظام الحكم الحالي معارضة جذرية.
وكان المعارضون الذين لجأوا إلى العراق يقيمون في مخيم «أشرف» شمال شرقي العاصمة، لكن بعد سقوط نظام صدام، أصبح المخيم في مرمى الخطر من الميليشيات الموالية لطهران. كان يوجد فيه نحو ثلاثة آلاف معارض. وبعد رحيل القوات الأميركية، جرى نقلهم إلى مخيم ليبرتي. وأدى قصف المخيم بصواريخ الميليشيات إلى إحداث حُفر بعمق يزيد على مترين، واشتعال الحرائق في الـ«كرافانات».
تقول شقايق التي عاشت تجربة الإقامة في مخيم أشرف ثم مخيم ليبرتي: «حين أصبح عمري 18 سنة، أي حين كبرت بما فيه الكفاية لأدرك الحالة المزرية التي عليها الوضع في إيران، فكرت في ما هي الطريقة المثلى لتغيير كل هذا الوضع، وعليه قررت أن أذهب إلى مخيم أشرف للبحث عن طريقة جديدة للحكم تصلح للنهوض ببلدي». وتضيف: «في مخيم أشرف شاهدت الهجوم الذي وقع عليه من قبل القوات العراقية في أبريل (نيسان) 2011، وفقدتُ ابنة عمي نسترن عظيمي. كان من الصعب علي أن أراها وهي تتعرض للضرب حين جاءت القوات العراقية لمهاجمة المخيم».
كان عمر قريبتها نسترن في تلك السنة 23 عاما فقط. كانت ذات ميول فنية تحب التصوير، وعملت بالفعل كمصورة تلفزيونية في قناة الحرية التابعة للمعارضة وتبث من الخارج. كانت ترسم الكاريكاتير أيضًا كما كانت مختصة في الكومبيوتر في جامعة طهران.. أما شقايق فتنتمي إلى أسرة عظيمي السياسية المعروفة في منطقة إكباتان في طهران، وتقول عن نفسها: «كنت مغرمة بدراسة الرياضيات، والفيزياء. لكن المشكلة هي أنه كان هناك من يوقفك عما تأمل أن تكون عليه. هل أستمر في الحياة في إيران لأكون شاهدة على قتل مزيد من الناس. شعرت أنه لا مستقبل لي تحت ظل هذا النظام كفتاة وكامرأة».
وتضيف شقايق: «قررت أن أضحّي بكل شيء لديّ، لتحقيق الحرية لوطني. الأطفال الآخرون يكبرون مثلي في أُسَر تفكر دائما لماذا هذا النظام يضع كل هذه القيود عليهم. وهذه الحالة تزداد سوءا كل يوم». وتوضح: «بعد دخول الأميركيين العراق أطلقوا علينا اسم (مدنيون تحت الاحتلال).. و(كنا محميين). كنا بطبيعة الحال نواجه الخطر، لكن كانت الأمور جيدة من ناحية العلاج والحالة العامة. لكن بعد عام 2009، أي بعد أن تغيرت الحماية، وتولت مسؤوليتها الحكومة العراقية، تبدل كل شيء إلى الأسوأ».
تصمت شقايق لتتذكر تلك الأيام الصعبة، ثم تواصل قائلة: «بدأ المخيم يتعرض للهجوم، وقتل 11 من أصدقائي. في هجوم الثامن من أبريل (2011) قتلت ابنة عمي أيضا. وهنا صورة لأعز صديقاتي فائزة التي كان عمرها 19 عاما فقط. قُتلت مع 36 من زملائي الآخرين. كان هجوما مميتا. كنا نعاني من الحصار وكانت قوات موالية للنظام الإيراني تأتي لتمارس التعذيب بالصوت.. نحو 300 مكبر صوت وضعوها حول المخيم ويصيحون فيها ليلا ونهارا، لدرجة لا تستطيع معها أن تنام أو تعمل أو تشرب أو تأكل. يلقون ألفاظا بذيئة ويتصايحون».
وتقول إن «هؤلاء الذين يزعقون في مكبرات الصوت كانوا من مخابرات النظام الإيراني، ويزعمون أنهم من عائلات المعارضين الإيرانيين الموجودين في المخيم. هذا غير صحيح، لأنه بكل بساطة تستطيع أن تسأل لماذا تم اعتقال والدتي إذا كان النظام يسمح لعائلات المخيم أن تأتي من إيران لزيارتهم والمناداة عليهم من خلال مكبرات الصوت بتلك الطريقة البشعة». وتضيف: «لقد جرى سجن والدتي لسنتين لأنها زارتني أنا وأختي في المخيم، وجرى إعدام آخرين لمجرد زيارتهم لنا، مثل محمد علي حاج آقايي، وجعفر كاظمي، وعلي صارمي. لقد اعتقلوا مزيدا من عائلات السياسيين، وهذا مستمر حتى اليوم».
في مطلع عام 2012 بدأت خطة عراقية لنقل المعارضين الإيرانيين من مخيم أشرف إلى مخيم ليبرتي الذي كان موقعا لأحد المعسكرات الأميركية قرب بغداد. وتقول شقايق: «في ذلك الوقت جاءنا النبأ وكان الاختيار بين أمرين.. إما البقاء في مخيم أشرف ومواجهة المذبحة، وإما أن ننتقل إلى مخيم ليبرتي حيث لا توجد فيه أي إمكانيات للحياة. لا أريد أن أتحدث عن عملية الانتقال نفسها، حيث جرت سرقة أغراضنا وفتشوا كل شيء وأخذوا متعلقاتنا. هذه قصة طويلة».
المهم، وصلت شقايق مع نحو ثلاثة آلاف معارض من «مجاهدين خلق» إلى مخيم ليبرتي، وهنا كانت الصدمة. تقول إن مساحته كانت لا تزيد على نصف كيلومتر مربع فقط. لا كهرباء ولا مياه. والمولد الكهربائي الوحيد دائما يفتقر إلى الوقود. في الأيام الأولى كنا نحصل على المياه من خلال حصص وبالدور، أي الاثنين والخميس، أو يوما ويوما، بينما درجة الحرارة كانت تصل إلى 50 درجة مئوية. ممنوع دخول الأدوية للمرضى. حصار، عشنا في مقطورات (كارافانات) وكان الكل يعاني.
ووفقا لشهادة شقايق فلم يكن الهجوم الصاروخي الذي تعرض له مخيم ليبرتي منذ عدة أيام هو الأول من نوعه، فمثل هذه الهجمات المباغتة كانت تحدث من البداية كنوع من التضييق على الموجودين في المخيم، في محاولة من الموالين للنظام الإيراني في العراق لإجبار المعارضين على الانتقال إلى بلد ثالث. تقول: «كانت هناك هجمات علينا بالصواريخ وقذائف المورتر. في كل مرة تخرج من المخبأ لترى مَنْ قُتل ومَنْ هو ما زال على قيد الحياة في المقطورات حيث لا توجد أي حماية، بعد أن سرق الموالون للنظام الإيراني الحوائط الإسمنتية التي كان يمكنها حمايتنا من القذائف. 1700 قطعة إسمنتية حملوها بالجرافات وأخذوها بعيدا».
نجت شقايق من الموت هي وشقيقتها. وانتقلتا سويا إلى أوروبا. وحين جرى توقيع الاتفاق النووي بين إيران والدول الكبرى شعرت بما هو أكبر من الإحباط. تقول: «الإحباط كلمة لا تعبِّر عما شعرت به. كنت أستغرب كيف يتصور الغرب أن (الرئيس الإيراني) حسن روحاني يمكن أن يكون إصلاحيًا!»، مشيرة إلى أن نظام طهران «أعدم ألفي إيراني خلال السنتين الأخيرتين فقط. واليوم يشجّع الاتفاق النووي النظام على مزيد من القمع الداخلي والتدخل في سوريا والعراق واليمن، بينما الدول الكبرى تغض الطرف عن هذه الجرائم».
ومن جانبها تقول الحكومة العراقية إنها توفر الحماية للاجئين الإيرانيين في مخيم ليبرتي، بقدر الإمكان، وإنه لا علم لها بالجهة التي أطلقت الصواريخ على المخيم، وذلك وفقا لإفادة من مصدر في وزارة الخارجية، لافتا إلى أن قضية اللاجئين الإيرانيين «ينبغي معالجتها عن طريق الأمم المتحدة، خصوصا في ظل الظروف الأمنية التي تمر بها البلاد»، بينما اعتادت الحكومة الإيرانية مهاجمة منظمة مجاهدين خلق وتصفها في وسائل الإعلام الحكومية باسم «المنافقين».
وحاولت «الشرق الأوسط» الحصول على تعليق من الجانب الإيراني حول هذه القصة، لكن لم تتلقَّ ردا. وفي آخر تصريح بتاريخ 13 من الشهر الماضي، حول هذا الموضوع، انتقد هاشمی رفسنجانی، رئیس مجمع تشخیص مصلحة النظام فی إیران، سماح الغرب لمنظمة مجاهدين خلق بالعمل انطلاقا من أراضيه. ويقع المقر الرئيسي للمنظمة في العاصمة الفرنسية باريس، وتمكنت من صنع علاقات قوية مع برلمانات في أوروبا إضافة إلى الكونغرس الأميركي.
وترى شقايق أن وضع المعارضة والحراك الشعبي الغاضب يزداد في الداخل الإيراني هذه الأيام، مقارنة بما كان عليه الحال في السابق. تقول: «بالمقارنة بين الواقع في البداية وواقع اليوم، تستطيع أن تقول إن حركة المعارضة في تزايد بشكل كبير.. الناس يقاسون من نقص المياه وغلاء أسعار الطعام والوقود، وهناك تلاميذ لا يذهبون إلى المدارس لأن أُسَرهم ليست لديها أموال للإنفاق عليهم».
ومثل أقرانها من الجيل الجديد تعتمد شقايق على «فيسبوك» و«تويتر» في التواصل مع أصدقائها في محاولة لتغيير الواقع في إيران. تقول: «لدي كثير من الأصدقاء الذين أتواصل معهم عن طريق صفحات التواصل الاجتماعي. نتحدث ونتخاطب ونتبادل الآراء بحثا عن مستقبل أفضل لبلادي، بدلا من النظام الحالي الذي يستخدم الإسلام في إرهاب الآخرين سواء في الداخل أو في دول المنطقة».



«هدنة غزة»: مساعٍ للوسطاء لإنجاز اتفاق في ظل «ضغوط وعراقيل»

فلسطينيون يتفقّدون مدرسة تؤوي النازحين بعد أن تعرضت لضربة إسرائيلية في النصيرات وسط قطاع غزة (رويترز)
فلسطينيون يتفقّدون مدرسة تؤوي النازحين بعد أن تعرضت لضربة إسرائيلية في النصيرات وسط قطاع غزة (رويترز)
TT

«هدنة غزة»: مساعٍ للوسطاء لإنجاز اتفاق في ظل «ضغوط وعراقيل»

فلسطينيون يتفقّدون مدرسة تؤوي النازحين بعد أن تعرضت لضربة إسرائيلية في النصيرات وسط قطاع غزة (رويترز)
فلسطينيون يتفقّدون مدرسة تؤوي النازحين بعد أن تعرضت لضربة إسرائيلية في النصيرات وسط قطاع غزة (رويترز)

مساعٍ تتوالى للوسطاء بشأن إبرام هدنة في قطاع غزة، كان أحدثها في القاهرة، وهو ما يفتح تكهنات عديدة بشأن مستقبل الاتفاق المنتظر منذ نحو عام عبر جولات سابقة عادة «ما تعثرت في محطاتها الأخيرة».

«حماس» بالمقابل تتحدث عن سعيها لـ«اتفاق حقيقي»، عقب تأكيد أميركي رسمي عن «مؤشرات مشجعة»، وسط ما يتردد «عن ضغوط وعراقيل»، وهي أحاديث ينقسم إزاءها خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» بشأن مستقبل الاتفاق بغزة، بين من يرى أن «الصفقة باتت وشيكة لأسباب عديدة، بينها الموقف الأميركي، حيث دعا الرئيس المنتخب دونالد ترمب للإفراج عن الرهائن في 20 يناير (كانون أول) المقبل»، وآخرين يتحدثون بحذر عن إمكانية التوصل للهدنة في «ظل شروط إسرائيلية بشأن الأسرى الفلسطينيين، وعدم الانسحاب من القطاع، قد تعرقل الاتفاق لفترة».

وفي ثالث محطة بعد إسرائيل، الخميس، وقطر، الجمعة، بحث مستشار الأمن القومي الأميركي، جيك سوليفان، السبت، في القاهرة، مع الرئيس عبد الفتاح السيسي، «جهود الجانبين للتوصل إلى اتفاق لوقف لإطلاق النار وتبادل المحتجزين في غزة»، وسط تأكيد مصري على «أهمية التحرك العاجل لإنفاذ المساعدات الإنسانية إلى القطاع، و(حل الدولتين) باعتباره الضمان الأساسي لتحقيق السلام والاستقرار في الشرق الأوسط»، وفق بيان صحافي للرئاسة المصرية.

سوليفان، بحث الجمعة، في قطر، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، مستجدات الأوضاع في غزة، حسب بيان صحافي لـ«الخارجية القطرية»، عقب زيارته إسرائيل، وتأكيده في تصريحات، الخميس، أنه «يزور مصر وقطر؛ لضمان سد ثغرات نهائية قبل التوصل إلى صفقة تبادل»، لافتاً إلى أن «وقف إطلاق النار واتفاق الرهائن من شأنهما أن يؤديا إلى تحرير المحتجزين وزيادة المساعدات المقدمة إلى غزة كثيراً».

عبد الفتاح السيسي خلال استقبال جيك سوليفان في القاهرة (الرئاسة المصرية)

وبالتزامن أجرى وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، الجمعة، محادثات في أنقرة مع الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، ونظيره هاكان فيدان، وأكد وجود «مؤشرات مشجعة»، وطالب بـ«ضرورة أن توافق (حماس) على اتفاق ممكن لوقف إطلاق النار»، مطالباً أنقرة باستخدام «نفوذها» عليها للموافقة.

الخبير في الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية»، الدكتور سعيد عكاشة، يرى أن «المساعي لا بد أن تكون موجودةً عادة باعتبار أنها تحول بين حدوث انفجار أو تحتويه، وليس بالضرورة يعني هذا الحراك الدبلوماسي التوصل لشيء؛ إلا في ضوء شروط معينة تلزم الطرفين بتقديم تنازلات».

ووفق عكاشة، فإن هناك طرفاً إسرائيلياً يشعر حالياً وسط المفاوضات بأنه يتحدث من مركز قوة بعد تدمير نحو 90 في المائة من قدرات «حماس»، ويتمسك بشروط «مستحيل أن تقبلها الحركة»، منها عدم خروج أسماء كبيرة في المفرج عنهم في الأسرى الفلسطينيين، ويضع مطالب بشأن الانسحاب من القطاع.

بالمقابل يرى المحلل السياسي الفلسطيني، عبد المهدي مطاوع، أن ثمة اختلافاً تشهده المحادثات الحالية، خصوصاً في ظل مساعٍ مكثفة من الوسطاء وإصرار الإدارة الأميركية حالياً على بذل جهود كبيرة للضغط على «حماس» وإسرائيل ليسجل أن الصفقة أبرمت في عهد الرئيس جو بايدن، فضلاً عن وجود مهلة من ترمب لإتمام الهدنة.

ويعتقد أن نتنياهو قد يناور خلال الأسبوعين الحاليين من أجل تحصيل مكاسب أكبر، وقد يزيد من الضربات بالقطاع، ويمد المفاوضات إلى بداية العام المقبل لتدخل المرحلة الأولى من الهدنة قبل موعد تنصيب ترمب، كما اشترط سابقاً.

إخلاء سكان مخيمي النصيرات والبريج للاجئين خلال العمليات العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة (إ.ب.أ)

وأفادت «القناة الـ13» الإسرائيلية، الجمعة، بأن الحكومة كشفت عدم حدوث أي اختراق جدي في مسألة إبرام صفقة تبادل أسرى مع «حماس»، مؤكدة وجود كثير من الخلافات، لافتة إلى أنه تم إبلاغ وزراء المجلس الوزاري المصغر (الكابينت) قبل أيام بأن الحركة معنية بالوقت الحالي بإبرام صفقة، وأن هناك تغييراً في موقفها.

أما «حماس»، فأصدرت بياناً، السبت، في ذكرى تأسيسها الـ37، يتحدث عن استمرار «حرب إبادة جماعية متكاملة الأركان، وتطهير عرقي وتهجير قسري وتجويع وتعطيش، لم يشهد لها التاريخ الحديث مثيلاً»، مؤكدة انفتاحها على «أيّ مبادرات جادة وحقيقية لوقف العدوان وجرائم الاحتلال، مع تمسّكها الرَّاسخ بحقوق شعبنا وثوابته وتطلعاته، والتمسك بعودة النازحين وانسحاب الاحتلال وإغاثة شعبنا وإعمار ما دمَّره الاحتلال وإنجاز صفقة جادة لتبادل الأسرى».

رد فعل امرأة فلسطينية على مقتل أحد أقاربها في غارة إسرائيلية بدير البلح بوسط قطاع غزة (رويترز)

وباعتقاد مطاوع، فإن «مجزرة النصيرات وغيرها من المجازر التي قد تزيد كلما اقتربنا من اتفاق تستخدم ورقة ضغط إسرائيلية على (حماس)، ليعزز نتنياهو مكاسبه بتلك العراقيل والضغوط»، فيما يرى عكاشة أن الحركة في ظل «عراقيل إسرائيل» لن تغامر بالمتبقي من شعبيتها وتقدم تنازلات دون أي مقابل حقيقي.

ولا يحمل الأفق «احتمال إبرام اتفاق قريب إذا استمرت تلك الشروط أو العراقيل الإسرائيلية، ولو ضغطت واشنطن»، وفق تقدير عكاشة، لافتاً إلى أن «بايدن تحدث أكثر من مرة سابقاً عن اقترب الاتفاق من الإنجاز ولم يحدث شيء».

وبرأي عكاشة، فإنه يجب أن يكون لدينا حذر من الحديث عن أن المساعي الحالية قد توصلنا لاتفاق قريب، ولا يجب أن يكون لدينا تفاؤل حذر أيضاً، لكن علينا أن ننتظر ونرى مدى جدية إسرائيل في إبرام الاتفاق المطروح حالياً أم لا كعادتها.

غير أن مطاوع يرى أن المؤشرات والتسريبات الإعلامية كبيرة وكثيرة عن قرب التوصل لاتفاق، وهناك عوامل كثيرة تقول إنها باتت قريبة، موضحاً: «لكن لن تحدث الأسبوع المقبل، خصوصاً مع مناورة نتنياهو، فقد نصل للعام الجديد ونرى اتفاقاً جزئياً قبل تنصيب ترمب».